مقالات

اسياس: تاريخ حافل من التسلط والاستبداد بقلم / يوسف بوليسي

31-Jul-2014

عدوليس نقلا عن إذاعة المنتدى

المعالجات الترقيعية التي تستمد شرعيتها من القانون المستبد لا تفلح دوما في معالجة الأزمة الوطنية ولا تستطيع أن تقود المجتمع إلى سلام دائم، ما لم يكون القانون والمعالجة تخاطب عقل الإنسان وضميره الفردي والجمعي وتحث فيه روح التعاون والتكامل والتسامح بين مكوناته وتمكين شروط العقل والتعقل والابتعاد عن التعجرف والاقصاء والتهميش.وبما ان الانظمة المستبدة تستمد استراتيجية محددة في سعيها المستمر للسيطرة على شعوبها لضمان بقاءها ولتنفيذ مخططاتها في استنزاف مقدراتها دون خوف او تهديد، لم يتوانى النظام المستبد في ارتريا في انتهاج استراتيجية ضرب العدو الظاهر بالعدو المحتمل ومن ثم الانقاض على الاخير دون تردد او وجل. وبالطبع هذه الاستراتيجية ليست وليدة مرحلة ما بعد الاستقلال، ولكنها مورست بشكل ممنهج ابان مرحلة الكفاح المسلح، حيث استغل اسياس سذاجة بعض الرفاق واستخدمهم في تصفية خصومه بداخل التنظيم بحجة ان المصلحة

الوطنية تقتضي القضاء على هذه الحركات او الافكار في مهدها، وما ان يستقر الوضع وتستتب الامور، ينقلب عليهم ويلحقهم بركاب ضحاياه. فعل ذلك للقضاء على حركة “المنكع” اي ما عرف في ادبيات الجبهة الشعبية بحركة اليسار المتطرف، مستخدما عناصر قيادية تم القضاء عليها، هي نفسها، بعد حين، بحجة انها عناصر يمينية. وهكذا توالت تصفية الخصوم افرادا كانوا او مجموعات سواء قبل اندحار العدو او بعده.إذن، فقد استطاع اسياس متسلحا بالحيلة والمكر الشديدين، كما ذكرنا آنفا من استخدام ضحاياه انفسهم والذين هم اعدائه الحقيقيين او المحتملين، للقضاء على بعضهم البعض. وفي نفس الوقت عمل بشكل متوازي على تدعيم قبضته على التنظيم بإعتماد المركزية الشديدة التي اتاحت له التفرد في اتخاذ القرار والتسويق لذلك عبر عناصر وطنية كفوءة اجتهدت في توفير المبررات والحجج الفكرية والايديولوجية، دون ان تدري انها كانت تسهم بشكل كبير في ترسيخ اقدام المستبد وتوطيد اركانه. في المقابل لم يعتمد اسياس على هذه الفئة لانها تعتبر مصدر خطر كبير مستقبلا على اهدافه الفردية والانانية، لادراكه بإخلاصها الشديد للقضية الوطنية مما سيدفعها ذلك للتخلص منه عندما تعلم بنواياه الحقيقية بنفس الحماس والاندفاع اللذين تسلحت بهما في السابق، بل عمل على خلق عناصر تنحدر اغلبها من الريف الارتري لا تتمتع بأية مؤهلات علمية او اكاديمية وتؤمن بأن نضالها من اجل الوطن ما هو الا من خلال نضالها لشخص اسياس، وعمل على تهيأة كل الظروف التي تمكنها من اعتلاء المناصب الحساسة في جسم التنظيم خاصة العسكرية منها. وخلال ذلك، تطورت لدى اسياس الشخصية العصابية وهي حالة مرضية تعرف عند علماء النفس بداء العصاب والذي يجعل من الرجل متوحدا مع نفسه باطنيا في تفكيره معتدا بنفسه حد الغرور المرضي مع ما يرافقها من نظرة دونية للأخرين.اذن فإن شخصية اسياس سماتها وخصائصها الحالية هي وليدة تلك التراكمات والتي تجسدت في طبيعة الحكم الذي يمارسه الآن، فالرجل بلغ مرحلة الفردانية في اتخاذ القرار بعد ان ازاح عن طريقه كل من له القدرة أو الجرأة في الاعتراض على طريقة حكمه الاستبدادي من خلال آليات قمعية يديرها بنفسه، ومن خلال احتضان بعض العناصر الانتهازية التي تنفذ حرفيا برامجه وخططه. فضلا عن ذلك اصبحت نظرية المؤامرة جزءاً من تفكيره الأستراتيجي واصبحت سلوكا اقصائيا في فلسفته في الحكم ومبررا يرجح بالأصل لتكون سببا في بقاءه اكثر فترة بالحكم وقد انعكس هذا في سعيه المتواصل لخلق مؤسسات تابعة له موازية للمؤسسات الحكومية الأخرى والتي هي غالبا في عداد المغيبين، ففي بلادنا لم يتوقف الامر عند تجميد الاشخاص، بل تعداه لنصل الى مرحلة يتم فيها تجميد المؤسسات والوزارات الحكومية بكامل موظفيها وهياكلها وبرامجها وخططها.وابسط مثال حي على ما ذكر آنفاً يتمثل في حالة الجبهة الشعبية للدميقراطية والعدالة اي تلك التي نحاول تعظيم دورها بإطلاق صفة الحزب الحاكم والوحيد عليها في وسائل اعلام المعارضة، سنجد انها عقدت آخر مؤتمر لها في فبرايرعام 1994، اي قبل أكثر من عشرين عاما. وهو لافت للنظر حتى بمعايير تجربة الجبهة الشعبية نفسها: حيث احتاجت لعشر سنوات لعقد مؤتمرها الثاني في عام 1987 بعد ان عقدت مؤتمرها الأول في عام 1977 و7 سنوات بين مؤتمريها الثاني والثالث وهو الاخير بعد اعادة التسمية الى الجبهة الشعبية للديمقراطية والعدالة في عام 1994. فأين محلها من الاعراب الآن؟ اين اجتماعاتها؟ اين نشاطها؟ واين ذراعها التشريعي وتنفيذيتها؟ واين عناصرها القيادية؟ وما هو دورها في تفعيل ما سنته من قوانين ولوائح؟ بل اين ميثاقها الطوباوي؟سادتي، بإختصار فإن الاجابة يتفق عليها كل من يُحكِم عقله، لقد ابتلعها اسياس ووحد كل مراجعها في ملف واحد… اما هي فغائبة او مغيبة. بطبيعة الحال، يستحسن عدم التباكي على شيئ بني على اعمدة مهترأة او بالاحرى باطلة. ولكن بما ان هذه التجربة جزء لا يتجزء من تاريخنا لا بد من التطرق اليها في سياق تعرية سلوك اسياس الاستبدادي ومن باب المسئولية الوطنية التي تحتم علينا ايضا ان نتساءل على مصير ابناء شعبنا الذين تم تغييبهم من قبل هذه الشخصية التي تسببت في المأساة التي نعيشها. كما هو معلوم، ان المؤتمر الثالث للجبهة الشعبية الذي عقد عام 1994 قد قام بإنتخاب 75 شخصا كأعضاء للمكتب المركزي وهو الذراع التشريعي للجبهة أو الحزب الحاكم بين قوسين. وشكلت هذه المجموعة مع 75 اخرين تم تعيينهم من قبل اسياس، مجموع اعضاء ما سمي انذاك بالمجلس الوطني والذي نادرا ما كان يقوم بمهامه طوال الفترة الممتدة بين فبراير 1994 وفبراير 2002. وبالتركيز على مصير الخمسة والسبعين عضوا الذين اتم انتخابهم في المؤتمر الثالث للجبهة الشعبية لتحرير ارتريا قبل اكثر من عشرين عام ، فإننا سنجد ان مصير اغلبهم كان اما الاعتقال أو التجميد أو النفي أو موت الحسرة وما تبقى منهم يعيش رهينة في وظائف هامشية حددها لهم الديكتاتور وفصلها وفق مقاسه لا يستطعون فيها أو عنها اتخاذ القرار او ابداء الرأي او التقدم بمقترحات. ويمكن قراءة ذلك على النحو التالي: ثمانية عشرة معتقلا وتوفي ستة منهم في السجن . تجميد 7 منهم والذين يعانون من التهميش وازمات نفسية حسرة على امجاد الماضي النضالي واسفا على ادوارهم في تمكين الديكتاتورية بشكل او بآخر. في حين اجبر سبعة آخرون على اختيار المنفي هربا من بطش رفيق الامس، وحينما توفي احدهم لم تشفع له خدمته النضالية الطويلة في ان يسمح لجثمانه ان يوارى الثري بأرض الوطن.بينما توفي 5 منهم وهم يتقمصون وظائف مكتبية وكانت وفيات اربعة منهم مفاجأة تركت ورائها الكثير من الهمس والغمز، لا يزال عدد 30 عضوا يحتل وظائف ادارية في حكومة الديكتاتور.وهناك عدد سبعة من اعضاء المكتب المركزي في عداد المفقودين لا يعرف مصيرهم او مكان تواجدهم. ان الجرائم التي ارتكبها اسياس وبطانته لا يمكن حصرها في هذه العجالة، لان مسرح حدوثها كان هذا التاريخ البطولي لشعبنا من اجل الاستقلال والحرية وبقية المفردات الملحقة بهما، فسردنا لكل جريمة ارتكبها هذا الطاغية في حق شعبنا سنفرد له مساحة في برامجنا القادمة.ولك المجد يا شعبي يا قاهر الظلاميوسف بوليسي

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى