مقالات

قراءة فى ازمة الخطاب السياسى الاعلامى بين ( المغلق والمفتوح)(2/3):حامد أود

23-Jun-2010

المركز

حلقة ثانية
الخطاب الهادف الى بلورة القضية.
عندما نقصد بلورة الخطاب للقضية، لا نعنى الفنون البلاغة للغوية مثل الإيجاز والإطناب والإنشاء واستعمال المجاز والتشبيه والطباق، بقدر ما نعنى واحد زائد واحد يساوى اثنان، اى( حقيقة قضيتنا وحلها الحقيقى).فقد اشرنا قبلها ان القديم والذى اصبح مغلقا كان مطالبه ( التحرير والاستقلال) ، والمكافئة كانت الامل( بالاستقرار والسلامة والامان) لكافة الارتريين المتضررين حينها.ولكن حدث تبدل فى المواقع فالخاسرهنا هذه المرة للاستقرار والسلامة و الامان، ، هم مجموع المسلمون الذين خسروا مصالحهم جميعها.ربما لم تتأصل أفكار الحرية والمساواة والقانون فى الماضى، لان فترة النضال المسلح نفسها،قد فشلت فى ادارة الصراع الداخلى حينها، ناهيك ان تولى اهتمامها لهذا الجانب.

فاليوم يزل الخطاب السياسى وعلى فرضية هذا المفهوم ان يكون صحيحا معبرا يستدعى بنية المنطق السليم الذى نستهدف اصلا. وهو انه لا يمكن ان توظف خطابا سياسيا دون مراعاة المحور الاساسى الذى هو مكون الواقع المعاش والا سينطبق علينا المثل (كمن يؤذن فى مالطا).فان عدم اعتراف الطرف الاخر (التغرنيا) بكون القضية اعمق من تسلط دكتاتور وان الحقوق هى الاسمى انسانيا، والتى يجب ان تكون حجر الزاوية فى النية الحسنة، لانكتشف فقط انه يدعى الشراكة بل يساهم بوضوح على تكريس الظلم ببساطة.وهنا تتضح عدم منطقية فلول التغرنيا وهذا هو الموقف الذى يريدمنا البعض الانصياع نحو، ولدينا الداعمين لهذا المفهوم من الذين يكتبون او يتحدثون ليل نهار لنؤمن به، وينقلون الينا افتراءات سمرى تسفاى وبرامج بعتاى وفلول التغرنيا، من خلال التكرار الذى علم الحمار.هم ليسو فى حق، اعنى المنسلخيين والنفعيين والانهزاميين، عندما يصفوننا انا لا نجتمع، ورغم انها حقيقة انية لكن لاسمرى او غيره يضمن ان لهذا الوضع استمرارية الى الابد، والا فاننا يجب ان نستسلم مسبقا.وهذا ما لا نؤمن به وليس فى حساباتنا اصلا. وعليه انه طال الزمن ام قصر فان الحق سيسود، وخياراتنا اكثر من ان نتخيل.وهذا الواقع المرير، الذى نتمترس بسببه الخنادق، خلقته اطماع غير سوية وبالمقابل هناك من تضرر من هذه الاطماع. وهو ما يقودنا الى انه لا يمكن لاحد ان ينافق ويطرح خطابا سياسيا غوغائى لا يمت بصلة الى هذا الواقع، كأن يعيد الخطاب القديم ( ان الوطن هو للجميع واننا لابد من العمل سويا لتحقيق استقراره وامانه وسلامه) .1- فالطرف الاخر( الفاعل) لا يمثله هذا الخطاب ولن يوثر فيه لانه يعتقد بان ماتم اغتصابه صار حق مكتسب له، فكيف تطالبه ببساطة التنازل عن هذه المكاسب؟ وهل يستطيع هذا الخطاب المغلق ان يؤثر فيه؟ او يقنعه بالعدول! فعلا ، لا توجد حتى اللحظة اى بادرة للتتفاعل او الاستجابة فى هذا الخطاب .وانه ايضا قد يرى فيه نوع من الاستجداء حينا، وفى هذه الحالة يستطيع ان يماطل ويتهرب حينا اخر او يتجاوب معها تكتيكيا . ولان الطرف الاخر يسمى ما هو جارى فعلا بانه تسلط من دكتاتور، حقيقة ، هو يريد فقط ما حرم منه وهو (حرية الراى والراى الاخر) والتى يرى فيها جزء ضئيل من مثقفى التغرنيا ،انها تحرم مجتمعهم من النمؤ و التقدم العصرى، ويرون بدلا من الانجرار بحدة نحوالقوة والفتك والاجبار بهدف احداث ذاك التملك الكامل والسريع، انه يمكن تحقيقه باسلوب هادئ طويل الامد.لذا نراهم يعزفون ايضا وتر ( مبدأ حقوق الإنسان والمواطن والمجتمع المدني والازمة الاقتصادية)، الذى حرم منه بسبب البرنامج الذى يقوم به ابنائهم والهادف الى تملك المجتمع ككل. وهنا يظهر للعيان مدى تخبط فلول التغرنيا فى عدم مقدرتهم الاعتراف بكل المظالم بصدق لان عينهم على اللحم وعلى الشحم، وهو تناقض لا يسمح لصاحبه الحسم فى مسلك احد الاتجاهيين.ومن السذاجة ان يطلب منا الاعتقاد، بان مطالب فلول التغرنيا ،هى نفس مطالبنا. ويقول جورج فولر وهو من اشهر المفاوضين الامريكان ( ان الطرف الذى يحاول ظاهريا استخدام اسلوب “السامرى الطيب” اى يحاول ان يفهمك ان مصلحته هى مصلحتك، يهدف اصلا شل مقدرتك او حركتك حتى يتثنى له الظهور فقط، وليس تقاسم الحل . وهذا ما نراه لدى فلول التغرنيا المدعية ظنا منها بهذا تحاول تضيق مساحة الخلاف،وانها تخدع غيرها.2- الجانب المخاطب (المفعول به) هذه هى حاله ، وهو يقول :ان الانغلاقيين، دعاة الشراكة المزيفة ( لان الشراكة فعل وليس شعار)،الذين يعكسون عملية الصراع والهيمنة بشئ من التهرب بل تجاوز الحقائق عبر مماحكات ومحاولات وتزييف وعي الجماهير ، يعملون فى فضاءات واحلام يقظة، حتى انهم يصعبوا علينا ان نسمهم بالكذابين ،لان سمة الكذب هى الاختلاق من لا شئ شيئا، اما هؤلاء الذين يغضون الطرف عن مايجرى من واقع مظلم وظالم،وتارة يعترفون لهم بحق (افعلوا ما تشاؤون….) ويحاولون ايهام البسطاء بالدعوات والتوجهات السالبة، والمغالطات والارباك، فان عزؤنا فى مصائبهم وويلاتهم علينا، هاهم يتساقطون كل يوم، وان الادراك والوعى ينتشر ويتعافى . وهو ما لا يستطيع ان يفهمه او يستوعبه هؤلاء المنسلخون،ان الواقع قد تجاوزهم فعلا، وياليتهم ينتبهوا لذلك ،بدل انسداد الافق.الخطاب كممارسة لتثبيت المفاهيم.يقول فان ديك ، ان الخطاب السياسى اوالإعلامى ، هو التعبير الموضوعي عن عقلية الجماهير واتجاهاتها؛ فهو من أهم مؤسسات التشكيل الثقافي.ونحن لا نجافي الحقيقة إذا قلنا أن جماهيرنا المغلوبة على امرها ،مرة من الظالمين وتارة من النفعيين المتشدقين باسمها ،لا تريد ان تستمع الى التلفيق، بل ترغب فى شطب مصطلح الوطنية الفضفاض من خطابنا السياسي، وإحلال مصطلح العقلانيّة مكانه، وهو المناداة بالحق، من أجل تقبُّل الديموقراطيّة الذى يمكنه ان يجمعنا سويا ،(تصحيح لاختلال التوازن).وتجربة جنوب افريقيا ماثلة امامنا، لمن يريد ان يعرف اكثر، حيث ان حزب الؤتمر الوطنى لم يستطيع حتى الان انجاز ما ناضل من اجله وهى الحقوق الكاملة، وخاصة ان قضية الاراضى التى سلبت بما فيها التى حدثت فى وقت قريب، لم تحسم بعد ، وبالذات الموجودة فى يد الدولة نفسها ناهيك من الاراضى فى يد البيض، ولهذا السبب وقف رئيسها/ امبيكى مع روبرت موغابى فى زمبابوى فى نزع الارض، والذى لم يستطيع هو فعله فى جوهانسبيرغ.وفى اقل تقدير، فان مثقفينا والذين نخاطبهم بادب، فنسميهم مرة بالنخبة وتارة بابنائنا كنوع من الاستهجان او ربما كنوع من حفظ ماء الوجه لهم ،لا يدركون اهمية هذه المعادلة البسيطة.وما يهمنا ، هنا ،هو من نحن ؟ وهل نصارع اجنبى ام متسلط محلى؟ حتى نعرف كيف نخاطب، وما هو الخطاب السوى لتحقيق الاهداف ،وانهاء المعاناة .وكما يقال(كل اناء بما فيه ينضح) فعلى المظلوم ان يبلور خطابه اى وعيه بضرورات ونوع متطالباته ،دون الحاجة الى مهادنة او مجاملة (فالحق حق) ومهما فعل من مجاملة ،فلن يحصل على حقه، اى ان يكون مدركا لمطالب جماعته ونصرتها ،وبان ويسمى حاجاته باسمائها، ولا شيئ غير ذلك، للإطاحة بهذه الوضعية التاريخية .اذا ما هو الفهوم الصحيح للوطن والذى يحاول ان يسوقه علينا النفعى بمجانية،هل فعلا انه يدرك اكثر منا قيمة الوطن؟!! هل هو الجغرافيا؟ هل هو الذكريات والعاطفة ؟هل هو كالحمامة البيضاء ترفرف فى فضاءات الخيال، ام انه واقع لا يعنى شئ ، غير الامان والاستقرار. اذن، كيف نربح قصة اسمها الوطن ، ونحن خارج الاطار الانسانى السليم لضرورة وجود هذا الذى نسميه وطن،على كل ان مرادنا من هذا كله، الوصول الى المفهوم الصحيح، بلاش مزاودة.الخطاب لمعالجة الطارئ والمستجد.وطالما اننا ندرك بان الخطاب السياسي الاعلامى هو منظومة من الافكار تسعى لتشكيل تاثير عبر التراكم المعرفي ( فكر المساواة فكر العدالة فكر الحرية) المفقود، فان اقل ما يقوم به صاحب الخطاب، هو طرح هذه الافكار والمطالبة بها ليس الا، وتتأمن بذلك معنى صياغة الوطن. وعليه اننا نعيش فى اوقات عصيبة لدرجة ان اقوى المؤمنين بقضية شعبهم، ينتابهم نوع من العجز ان لم نقل التخاذل.ثم اننا نفكر دوما بان نختزل الزمن حتى تتحقق نضلاتنا، وفى المقام الاول هذا لايمنع ان نعمل باستراتيجية امد الدهر، وهو البناء والتاسيس اللازمين ،لابعد مدى متوقع للمستقبل الذى ياتى غد او بعد عشرة اعوام او مئة عام. وهذا النوع من التفكير لن يمنعنا من التعامل مع الطارئ والمستجد، بل ان تعاملنا سيرتقى نحو افق ارحب واعمق لصنع المصير وتجاوز كل العقبات بما فيها التقوقع القبلى والاقليمى .وبما ان تسمية (المثقفين تطلق على منهم مدركين لدورهم بوعى لحاجة ومستقبل ومصير مجتمعهم ) فانهم الذين يصنعون هذا الغد ، اما اؤلئك الذين يهتمون بالانى/الحاضر فقط ، بالراهان البيع /الشراء، كان عليهم التفكير الف مرة بعمق ،حين ياتون لممارسة خطابهم القديم الذى عفى عنه الزمن والواقع، بل من السماجة ان اصبح عبئ ثقيل لم يتدارك صاحبه بعد سطحيته او على حسب تعبير احدهم (عقول اصابها الوهن)، فلا يمكن لاحد ان يدعى، خداعا، انه منتج لاخطاب اجتماعى ثقافى منبثق من الواقع بهدف احداث تحول نحو الحضور(المشاركة)، نحو التنمية (الفعل) ،نحو الوجود (الوعى) وهو فى الاصل هدام للواقع.فان انسداد الافق لدي هؤلاء ،ياتى من عدم تتبع صيرورة الواقع، وبالتالى فقدان العلاقة به ،مما يودى الى الانفصال بين الواقع وبين المدعى بالمعرفة.انه ينسى ان الفكر لا ينجز الا من خلال التأمل بهدوء،والتامل يحتاج الى المكان المتامل منه وهو ما لا يوجد لهؤلاء المنظرين المتخيللين الذين يعيشون جلهم فى المنافى. وهذه هو العيب الاساسى ، وهو الذى يوكد بوضوح انهم لا يستوعبون المستجدات وكيفية ملاحقتها ومعالجتها فى اطرها الصحيحة .وقد نتساءل عن اصل الدوافع والمبررات لهذاالخطاب العاطفى الحالم والإشكالية وباعثها، حيث انه لا يريد ان يخرج من هذا المطب (ساحاول لاحقا فى نهاية هذا المقال تلمس اسبابها).وهنا يتضح مدى التخبط الذى ياتى به اصحاب تعلييلات (الوطنية) الفضفاض والشراكة الاستسلامية وان لم نقل عليه انه تشويه الحقائق الراهنة، فعلا انه كذلك، لانه يحاول ان يصور بمجانية خالصة، وبمحاولات تتسم بالتكثيف والتركيز الشديد مقصود منها التيه ،يقمون بتشويه اى دعوة للعمل ضد تسلط التغرنيا،وهذا ما نراه بوضوح فى كتابات المثقفين النفعيين والانسلاخيين والانتهازيين، ونجده فى محاولات كبت استياء الغاضبين او حين يوجهون نقدهم لكل من يسمى الاشياء باسماها او لكل مثقف مأثر، واكثر ما نراه وضوحا هو فى تقليلهم من شان المقاومة (المعارضة) ناسيا انها اولا واخيرنتاج مجتمعى خالص، اى تشبه تركيبة ووعى ودرجة تطورنا نفسها، ثم انها فى الحقيقة تطوعية .اما الانتهازى يتحين ان يركب اية موجة قد تضمن له المنفعة الذاتية، بما فيها الظهورالحادب على مصلحة قومه، وهكهذا نراه يلون خطابه كيفما اقتضى ذلك مصلحته الانية.وان البسطاء او الذين نصفهم بهذا النعت هم افضل استيعابا ،لما هو شرط للنفس البشرية التى هى امارة بالسؤ ،فيما يخص جدلية ( مهما ارتقى البشر يزلون ظالمين لانفسهم ولغيرهم).طبعا الكثيرين الذين لم تطا اقدامهم ارتريا الحالية ، او الذين اكتفوا بزيارات خاطفة ، لا يدركون معنى التهميش التسلط الاستلاب الظلم. وكما قال شارلس تيلور: “يمكن أن يلحق بالشخص أو المجموعة من الناس، أذى حقيقي، وتشويه حقيقي، إذا عكس لهم المجتمع الذي حولهم، صورة عن أنفسهم، تنطوي على الحصر والحط من الكرامة والاحتقار “.المهم، الامور العامة والحقوق الاساسية لاتترك للنيات الحسنة، ويجب ان يحكمها منطق ما للقيصر للقيصر وما للناس للناس، اى لكل حقه.يتبع…

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى