مقالات

أزمة إشاعة ..أم إشاعة أزمة ؟! ماليليا بخيت *

4-May-2012

المركز

لا شك أن العشرة أيام الماضية قد شهدت تطوراً مهماً، القى بظلاله في مسار الحراك الوطني الإريتري، الذي وصل قمة إثارته عندما تعاطي مع “إشاعة” مرض أو وفاة، رأس النظام الحاكم في أسمرا، بطريقة غير محسوبة، حتى لا نقول بحسن نية، التي لا ينبغي ان تكون أساساً للفعل السياسي، سيما اذا ما كان متعلقاً بمعسكر معارض لنظام استبدادي لا يتورع من استعمال كل وسائل القمع وحيل الخديعة للقضاء على معارضيه و وضعهم في زوايا ضيقة في أحسن الأحوال .

والواقع أنني لا أسعى للعودة الى تفاصيل تلك “الإشاعة” المدسوسة، بقدر ما أحاول قراءة السلوك المرافق لإنتشارها وبالتالي الفعل السياسي الناتج عنها، فضلاً عن محاولة فهم، دواعي ذلك التعاطي وحدوده، في محاولة لتجاوز الكبوات من جهة، ولتلمس مسارات الرؤية التي بنيت عليها المواقف من الجهة الأخرى .والحقيقة أن هذه الحادثة، كانت نقطة كاشفة للكثير من الأمور التي تستحق الإهتمام منا كجهات شبابية معارضة، و كدارسيين نسعى الى استشراف ادوارنا القادمة لا محالة، أولى تلك النقاط يتمثل في مصدر “الإشاعة” التي لم يعد احداً يشك في أنها كانت مدبرة ومحسوبة العواقب من قبل النظام وأدواته، كطُعم أريد القامنا أياه، لتحقيق مجموعة من الأهداف المحددة سلفاً، ولا شك أن الكثير منا قد ذاق الطعم إما بحسن نية، أو توقاً للحرية والخلاص، اللذين بديا له انهما يتحققان كهدية من السماء، متمثلتان في نهاية الديكتاتور بحكم القضاء والقدر، وبالتالي لا مندوحة من الإحتفاء بهذه النهاية المستحقة لرجل لم يفعل شيء يستحق التعاطف معه في محنة المرض او الموت، وهو شعور شرعي لدى كل من يتمنى الخير للبلاد والعباد بعيداً عن حكم الفرد والحاشية .. ولكن الأمر الذي ينبغي الوقوف لديه مطولاً هو ذلك الشعور العارم بالنصر الذي تبدى لدى الكثير من الناشطين في الحركات الشبابية عبر مواقع التواصل الإجتماعي ( وهنا يهمني قياس هذا الشعور أكثر من قياس شعور الأحزاب والتنظيمات، وأن لم يكن الأمر مختلفاً لدى بعض منها ايضا).فالملاحظة الأولى أن موت الطاغية مثل أملاً جديداً لدى هذه “المجموعات” فراحت تحتفل كما لوكانت قد ظفرت بالنصر باقل الأضرار، -وهو شعور مرة اخرى شرعي ومفهوم- للدرجة التي لم تقوى الى طرح احتمال توافر شروط الفرية في هذه “الإشاعة”، بل أن طرحاً بسيطاً تمثل في سؤال طرحته (شخصياً)على احدى المجموعات على شبكة التواصل الاجتماعي عن الفرق بين مفردتي ( توفي/ و هلك) قد أدى بالنتيجة الى اتهامات كبيرة تبدأ عند محاولة إفساد الفرحة او التشكيك في دواعيها ولا تنتهي عند الدفاع عن النظام ورأسه “الهالك” ! هذا الأمر يعطي اشارات للقياس،على عدة مستويات، أولها تلك المزاوجة بين الفعل النضالي والإعلامي وتماهي الخطوط بينهما بدرجة أن الاخيرة أضحت تـُغني عن الأولى، فتحقيق هدف اعلامي حتى لو كان دعائياً -مدسوساً بشكل او اخر من قبل النظام-، ينبغي قبوله بإعتباره خصماً من عمر النظام او نهاية له وبالتالي هو نصراً للمعسكر المعارض، على إعتبار أن اللعبة بين الطرفين صفرية الملامح، ( خسارة الاول بالضرورة مكسب للأخر والعكس صحيح) وبالتالي لم يكن امام هذه المجموعات المتعاظمة من القوى الشبابية سوى تلقف الخبر وتصديقه، دون أدنى شك والتعاطي معه كحقيقة مطلقة، لا يرقى اليها الشك في غالب الأحيان، بل أن عملية طرح الأسئلة المشروعة والمتعلقة حول إحتمالية عدم صدق “الخبر/ الإشاعة” شابها الكثير من الإتهامات الوفيرة ! لأن أغلب منتسبي تلك الصفحات كانوا يتوقون بل يريدون تصديق الإشاعة حتى لو ساورهم الشك او تسربت الاسئلة المشككة بين المشاركات، حول مساهمة النظام في افتعال الغموض عند تعاطيه مع الحدث..حيث كان ذلك الغموض يقدم كمبرر لصدق /تصديق الإشاعة بل كأحد أدلتها القطعية .ثانيا: ساهمت العديد من الجهات في تلك المجموعات -الآخذة في الإنتشار والتوسع والتأثير- في ابتكار السيناريوهات و استشراف المستقبل القادم، حيث كانت معظم الحوارات تجري حول الخطوة القادمة وليس الحالية باعتبار أن الأمر قد قضي ..ذلك بالرغم من اختلاف السيناريوهات حول ماهية الحاكم الفعلي الآن ( اي في تلك اللحظات) وكيفية التعاطي معه .ثالثاً : كان للتكذيب الرسمي الصادر من النظام، والذي تعمد هو الآخر الغموض، وعدم اظهار الرئيس، دوره الحاسم في تأكيد تلك الظنون بل في انتقال الإشاعة الى قمة إثارتها المرجوة، وهي ربما أحد أهم الجولات التي أجاد افورقي أدائها بطريقة متميزة وفريدة لإيقاع معارضيه في الفخ، عندما أمعن في التخفي خلف بيانات وزارة اعلامه، و وزيرها الذي ما فتئ يفند بطريقة ترسخ شعوراً مغايراً لدى الناس .رابعاً : ساهمت التنظيمات السياسية الاريترية التي تقود العمل المعارض في قوة الإشاعة وانتشارها سواء عبر تبني بيانات تعزز من ذلك الشعور، او عبر نقل الأقاويل والتسريبات الصحفية الشحيحة الى سلوك سياسي تم اعلانه في بيانات رسمية ممهورة .وأمام هذه المؤشرات المهمة وغيرها لم نكن فقط في وجه “أزمة إشاعة” بل في “إشاعة” أزمة ظلت متخفية في جسد القوى المعارضة، حيث مثلت أحدى اللحظات الكاشفة لكوامنها وآلياتها ومحدودية قدرتها على كسر اغوار النظام واستكشاف حيله و ألآعيبه، بل مضت كمنفذ لسيناريو رسمه النظام بإتقان وسخَر له بعض شروط الحياة.وبالرغم من بعض المشاركات الشحيحة التي لم تستبعد إمكانية شروع اجهزة النظام في “دس” هذه الإشاعة ومقال آخر نشر بالمواقع الارترية للأستاذ ابو بكر حامد ذهب في ذات الاتجاه، ونقل الى ذات المجموعة، فإن احداً لم يلتفت الى هذه الإشارات ومضى في الغالب نحو تصديق “الإشاعة” كاشفا في الوقت ذاته عن “أزمة” من نوع آخر .ودون الإبحار في الدراسات السيكولوجية التي يمكن أن تقدم تفسيراً علميا لهكذا حالات، فإن الإستبداد حتما لا يمكن أن ينتج ظواهراً صحية، وجواً يسمح باجراء قياسات موضوعية في ظل سيطرة الشروط العاطفية والذاتية القاهرة على غيرها من الشروط على مستوى. لأننا في نهاية المطاف نتاج مجتمع يعاني القهر والإستبداد في افظع وأقسى صوره، وبالتالي بحاجة ماسة الى وقت مقتطع من تفاصيل أي “فرج مفترض” ومرجو . فضلاً عن أن طبيعة النظام القمعية لا تترك مساحة للوصول الى معلومات حقيقية صادرة من الداخل الاريتري. لكن الجانب السياسي في هذا الأمر هو ما كشفته بيانات قوى المعارضة التي أشاعت هذه المرة بوضوح للرأي العام، إشكالية تتخبط فيها منذ زمن بعيد تتعلق بغياب قنوات اتصال فعلية تمكنها عن فحص وتمحيض ما يصدر من معلومات من الداخل وقدرتها على تحليلها و وضعها في القالب الحقيقي لها، لنشهد أحد أكثر السيناريوهات قتامة في تاريخ العمل الوطني المعارض، ما يضع حتى علاقاتها بالأنظمة الحليفة أمام علامات السؤال، خاصة تلك الأنظمة التي تملك وسائل متطورة في استكشاف مثل هذه الفريات التي لا ينبغي ان تنطلي على أجهزتها، إلا إذا كانت غير آبهة لأهمية مثل هذا الحدث الجلل .للدرجة التي وضعت البعض الى حد التشكيك –ليس في الإشاعة ومصادرها- بل في خرجة أفورقي الأخيرة (الساخرة) وأعتبارها أنها “خرجة مصطنعة” تم تركيبها بطريقة فنية، وهو إمعان غريب للإستمرار في “اللعبة”، في جانب يكشف بوضوح “أزمة” حقيقية تعيشها تلك الجهات والأفراد، والتي يمكن تفسيرها بأنها جزء من ذهنية المقهور الذي يبحث عن ثمة ضوء ما، وبالتالي لا يقبل بما يعتبره نوع من إجهاض “الحلم” الذي كاد أن يتحقق ولو عبر “إشاعة” مدبرة . لينتقل الأمر بالفعل الى “إشاعة أزمة” حقيقية ينبغي معالجتها بالشفافية المطلوبة .

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى