مقالات

في ذكرى الاستقلال : أفورقي وثلاثية الغذاء والاقتصاد والحدود …عبدالله محمود

30-May-2007

المركز

( إن الاستقلال الذي كنا نرنو إليه لما يفوق العقدين من الزمان ، وخضنا كفاحاً سياسياً ومسلحاً ودفعنا تضحيات غالية من أجل بلوغه ، سيصبح اسما دون معنى ما لم يقترن بنهضة اقتصادية ترتقي بالمستوى المعيشي للشعب وتحقق الرفاهية في حياته ). بهذه العبارات استهل اسياس أفورقي خطابه بمناسبة الذكرى السادسة عشرة أمام حشد جماهيري وبحضور ضيوف من السودان وليبيا فضلاً عن السفراء ورجال السلك الدبلوماسي .

المدخل الاستهلالي الذي جنح نحو التقريرية يؤسس لحقيقة مفادها أن غياب النهضة الاقتصادية يؤدي إلى إفراغ الاستقلال من مضمونه وفحواه وهذا مما لا يختلف فيه اثنان فالنهوض الاقتصادي والاعتماد على الذات يعد أحد الخطوات الرئيسة للتحلل من الهيمنة فإن (من لا يملك قوته لا يملك قراره ).أهمية الخطاب : تكمن أهمية خطابات أفورقي في المناسبات أو الحوارات المبرمجة التي يتم بثها دورياً عبر وسائل الإعلام الإرترية في أنها تعطي الصورة الكلية لحقيقة المشهد الإرتري إذ أنه الرجل الوحيد الذي يمسك بجميع الملفات ويديرها بصورة مباشرة عبر مكتبه الخاص تخطيطاً وتنفيذاً في اختزال معيب لدولة بكاملها في شخص واحد ،ولهذا فإن إلقاء أضواء كاشفة على خطاب الاستقلال يمكن أن يسهم في التبصر والاستكناه حول مآلات الأوضاع في إرتريا .ملاحظات إجمالية : وقبل أن ندلف إلى تفكيك جزئيات الخطاب نلاحظ بصورة إجمالية أن أفورقي – بالرغم من الاستهلالية الواقعية – حاول التحليق في سماوات الأحلام والتمنيات وصبغ مفرداته بألوان زاهية تبعث في ظاهرها على التفاؤل وتتسم بالنرجسية العالية ( إن ما أنجزناه دون كلل وبلا تهاون وبدون أن نحيد عن الطريق يعتبر عملاً قل أن نجد نظيراً له ) ( مما مكننا اليوم الوقوف على أرضية صلبة ) إلا أن ثنايا الخطاب مترع بالشعور بالخيبة بما يعكس الحالة النفسية التي يعيشها أفورقي كما تتقافز بين السطور التراجيديا السوداء التي يعيشها الشعب الإرتري بكل تفاصيلها المخزية . • خلا الخطاب من مناقشة القضايا الإقليمية الساخنة مثل الصومال ودارفور وإتفاقية شرق السودان حيث أشار في نهاية خطابه إنه كان قد أدرجها ولكنه تجاوزها ( لأنه تناولها من خلال تصريحات مختلفة وبإسهاب في الفترات القريبة الماضية) وأحال متابعي الخطاب إلى كلمته التي ألقاها في مثل هذه المناسبة من العام الماضي كسباً للزمن . وأفورقي هنا يبدو كأستاذ في المراحل الأولية يحيل تلاميذه إلى الحصص السابقة فهو يفترض أن الجموع التي تحتشد أمامه تحتفظ بخطاباته السنوية وتستذكرها بين الحين والآخر .• كما توقع الجميع فقد خلا الخطاب من أي إشارة – ولو من طرف خفي – لانفراج محتمل تتجاوز به البلاد حالة انسداد الأفق السياسي الذي تعيشه ويرصف الطريق أمام المصالحة والاستقرار والسلام ، ولم يكتف أفورقي بتجاهل المعارضة بل حاول أن يرجِع حالة ( الاستهداف الماثلة والمؤامرات التي تتربص بالبلاد ) للإجراءات التي اتخذها ضد رفاقه في الحزب والدولة في عام 2001م حيث أعتقل 11 من الوزراء وقيادات الحزب والدولة بالإضافة إلى الآلاف من الكوادر والصحفيين فيقول ( وليس من قبيل التضخيم إن قلنا بأن تخلُصنا من القوى التي حاولت جرنا إلى الخلف ومواصلة تقدمنا قد بعث عدم اطمئنان في نفوس أعداءنا بل وزاد من هلعهم وبالتالي تحول العداء إلى هلوسة ) مستنداً في هذا على أوهام نظرية المؤامرة دون النظر إلى ما أقترفه تجاه دول الجوار من عدائيات تفوق حد الوصف واستعدائه للمجتمع الدولي مما أدى لانتقاله من خانة الشريك في الحرب على الإرهاب إلى ( مصدر لزعزعة الاستقرار في المنطقة الذي يجب أن يرى حداً لتصرفاته ) حسب تصريحات جينداي فريزر مساعدة وزيرة الخارجية الأمريكية للشئون الإفريقية .ويهدف أفورقي من هذه العبارات المزيد من التشويه للمعارضة وضمان التعاطف الشعبي وقطع الطريق أمام أي احتمال لانجرار الشعب خلف الأطروحات المناوئة لسياساته . • تجاوز أفورقي في خطابه الحالي الحديث المكرور الذي ظل يردده عن نذر التخريب الداخلي والمؤامرات المدعومة من الخارج لزعزعة استقرار الشعب الإرتري .محاور أساسية : اقتصر الخطاب على محاور أساسية ثلاث وهي الأمن الغذائي والنمو الاقتصادي والمشكل الحدودي مع إثيوبيا ، هذه الثلاثية توضح الاتجاه العام لتفكير أفورقي والهواجس التي تسيطر عليه وسنقوم باستعراضها تفصيلاً حتى نقف على نلقي الضوء على هذا الاتجاه :1. الأمن الغذائي : في إشارة إلى أن نقص الغذاء قد بلغ شأواً بعيداً في إرتريا ،خصص أفورقي جزءاً كبيراً من خطابه لقضية الأمن الغذائي و اعتبرها هدف مرحلي يعقبه الإنتاج الوفير و بداية لمشروع التحرر الاقتصادي الذي يأتي على أنقاض تجربته مع الإغاثة التي قال إنها (حق مشروع و ضرورة مرحلية .. لكنهم أرادوا استغلالها لتكبيل أيادينا لنبقى في انتظار اللقمة التي سيطعموننا بها ) وأضاف ( حرمنا من خياراتنا العملية والفعالة لكثرة الضغوط المرتبطة بالإغاثة ) في إشارة إلى برنامج الغذاء مقابل العمل الذي انتهجه في توزيع مواد الإغاثة . وحسب تقرير الأمم المتحدة الصادر في أواخر العام الماضي فإن ثلثي الشعب الإرتري البالغ عدده 3.6 مليون نسمة في حاجة إلى المساعدات الغذائية ،ويتلقى 1.3 مليون منهم المعونات كما صُنفت إرتريا في عام 2005م ضمن خمس دول هي الأكثر حصولاً على المساعدات الغذائية وفقاً لتقرير نشرته صحيفة الأوبزرفر البريطانية ، وفي مايو 2006 أصدرت الحكومة الإرترية بياناً مطولاً في موقعها الرسمي على الإنترنت ترفض فيه استلام المعونات الغذائية بحجة أنها تؤدي إلى الإتكالية وأغلقت مخازن الغذاء التابعة للأمم و بيع المعونات الغذائية وتحويلها لصالح ( برنامج الغذاء مقابل العمل) الذي ينتهجه النظام الإرتري وذلك بتوزيع عائدات بيع المواد الإغاثة كأجور للمواطنين نظير عملهم في مشروعات الإعمار مثل رصف الطرق وإنشاء الكباري بما يتعارض مع أهداف برنامج المانحين مما أثار احتجاجات الاتحاد الأوروبي والمنظمات الدولية . وعليه فإن شعار التحرر الاقتصادي الذي يحمل لواءه أفورقي منذ العام الماضي لا يمت إلى الواقع المعيشي البئيس بصلة والذي يتمظهر في الغلاء الفاحش لأسعار السلع الضرورية وانعدامها وتفشي السوق السوداء والتي بلغت حداً لم يستطع أفورقي تجاوزها في خطابه فقال ( من المعلوم بأن هنالك قلق مبرر لغلاء الأسعار ) وأضاف إن ( أسعار مختلف المواد الاستهلاكية ظلت تخضع لرغبات غير مقبولة وغير قانونية بعيداً عن المعقولية ومستوى الأسعار العالمية والإقليمية ) . وبالرغم أن أفورقي حاول أن يجد بعض المبررات مثل ( أسعار الوقود المتقلبة والتي ظلت في ارتفاع مضطرد في الأسواق العالمية ) إلا أنه لم يغص في الأسباب الحقيقة التي خلفت الواقع والتي يمكن إجمالها في فشل المواسم الزراعية المتعاقبة لأسباب طبيعية وأخرى تتعلق بالسياسات التي يتبعها النظام ، فالجفاف الذي أمتد لسبعة مواسم متعاقبة يمثل الجانب الطبيعي أما خطل السياسات المتبعة فهي واضحة للعيان ويمكن أن نجملها في استهداف شريحة الشباب التي ترتكز عليها العملية الإنتاجية عبر برنامج الخدمة الإلزامية غير المحدد بسقف زمني والتي تشمل الفئة العمرية من 15 – 40سنة مما أدى إلى إفراغ البلاد من هذه الشريحة حيث أفادت الأنباء في هذا الصدد أن قرابة 300 ألف شاب مازالوا في خنادق المواجهة مع إثيوبيا بينما تجاوز عشرات الآلاف منهم الحدود إلى إثيوبيا والسودان فراراً من الأوضاع التي تعيشها البلاد . 2. النمو الاقتصادي : ركز الخطاب في هذا المحور على الشرح التفصيلي للخطط الفنية في مجالات الزراعة والثروة الحيوانية والبحرية والسياحة والصناعة والبنى التحتية وغيرها .ومن المعلوم إن البعد البشري أو الإنساني هو أساس النمو الاقتصادي ، فلا يمكن أن يكتب النجاح لأي مشروع اقتصادي دون أن يجد من يؤمن به ويسعى لتحقيقه ، كما أن النهضة الاقتصادية يجب أن تجعل البعد الاجتماعي محور اهتمامها فلابد أن يكون هدفها تحقيق السلام والاستقرار في المجتمع وأن ينعم أفراده بحياة خالية من المتاعب والفساد والانحراف والفقر والجوع•وعملية التنمية تعتمد بصورة أساسية على التخطيط الاقتصادي الواعي وتتطلب فهم واضح لمسارات السياسات الدولية والإقليمية والتكيف مع مفرداتها دون التفريط بالخصوصيات الوطنية . ومن خلال التركيز على برنامج النمو الاقتصادي الذي يطرحه أفورقي يمكننا أن نقول بملء أفواهنا أنه لا تتوفر فيه الشروط المذكورة ،و يفتقر إلى مراعاة العامل البشري والاجتماعي عن طريق سياسة ( السخرة ) التي يتبعها النظام تعتبر جريمة كبرى في حق المجتمع فضلاً عن التضييق على القطاع الخاص واحتكار الدولة بشركاتها وجنرالاتها للسوق وإذا تم قراءة كل هذه الأشياء مع غياب سياسة اقتصادية ثابتة وعداء صارخ مع المجتمع الدولي نصل إلى نتيجة مفادها أن هذه الخطط عصية على التطبيق . 3. قضية الحدود مع إثيوبيا :خصص أفورقي ثلث خطابه للحديث عن هذا الجانب وحصره في الرد التفصيلي على قرار مجلس الأمن الذي صدر في بداية مايو الجاري والذي ( امتدح الموقف الإثيوبي بقبول قرار الترسيم ، انتقد الموقف الإرتري من بعثة حفظ السلام ،دعا إلى تطبيع العلاقات بين أسمرا وأديس أبابا ) .الجديد في خطاب أفورقي في هذا المحور اتهامه للإدارة الأمريكية بإلغاء المنطقة العازلة الواقعة على الحدود بين إثيوبيا وإرتريا عملياً وقال ( لا يمكن أن تقف الحكومة الإرترية مكتوفة الأيدي حيال 25 كلم داخل حدودها تظل مغلقة عبثاً وتحرم من فرص التنمية ، إن تنفيذ برامج التنمية بالترافق مع تأمينها حق سيادي قانوني للشعب وللحكومة الإرترية و لايحتاج إلى إذن من أحد ) .وهذا التوجه الجديد الذي يتجاوز الإطار اللفظي في العداء للمجتمع الدولي إلى تقنين اقتحام المنطقة العازلة ربما يفضي إلى المواجهة خاصة إذا تمت قراءة هذه التطورات على ضوء قرار البرلمان الإثيوبي الصادر خلال الشهر الجاري والخاص بمطالبة الأمم المتحدة باتخاذ إجراءات ضد إرتريا .اعترافات موثقة :قدم أفورقي في ثنايا خطابه إشارات مفادها أن هذه الخطط لا تمضي كما يرسم لها نتيجة للعوائق وضيق ذات اليد في اعتراف مغلف بفشل المشروعات ، فقد ذكر في معرض حديثه عن الأمن الغذائي عبر الزارعة والثروة الحيوانية إنه ( لا يمكننا الجزم بأننا أنجزنا ما نسبته 25% بصورة تقديرية ) أما بشأن الثروة السمكية البحرية فقال ( لم نتمكن من استغلال أكثر من 10% وحتى الفرص التي فتحناها بهدف تشجيع الاستثمار الأجنبي لم نجن منها أي ثمار بل كانت مدخلاً للنهب والبلبلة ) وفي مجال السياحة قال ( لأسباب مقدرة تتمثل في نقص البنى التحتية والخدمات الفعالة لم نشاهد فيها استثمار ذو قيمة ) .خلاصة القول :بالرغم من إن أفورقى كفانا مؤونة الخوض التفصيلي في فشل مشروعاته الاقتصادية إلا أننا بالرجوع إلى استهلالية خطابه يمكن القول إنه في ظل غياب سياسات حكيمة داخلياً وخارجياً وضعف الاهتمام بالجانب البشري والاجتماعي واستعداء المجتمع الدولي فإن المشروعات المطروحة مآلها إلى الفشل المحتوم وسيصبح استقلالنا ( إسماً دون معنى ) . Email: abdu974@hotmail.com

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى