مقالات

إريتريا وإثيوبيا : من أطماع الملوك إلى صراع الديوك !؟ مقالات إستعادية بقلم / عمر جابر عمر

11-Jul-2018

عدوليس ـ نقلا عن موقع

تعج الساحات الإعلامية العربية منها وتلك التي تنطق بأخرى بعدد من المقالات والتحليلات والإستنتاجات ، والكثير منها ينطلق من الأحداث التي تجري الآن ولم تنتهي في القرن الإفريقي عامة وبين إريتريا وإثيوبيا خاصة، والقليل من تلك الرؤى لجأ لخلفيات الأحداث التي تربط أسمرا بأديس أبابا. الأستاذ الراحل عمر جابر عمر القيادي السابق بجبهة التحرير الإريترية كتب عدد كبير من المقالات التي تتناول العلاقات الإريترية ـ الإثيوبية مستندا في قراءته لوقائع للتاريخ والجغرافيا.يسرنا في ” عدوليس ” ان نعيد نشر تلك المقالات عسى ان نكون قد قدمنا الفائدة للجميع، ونساهم في تقديم مادة تساهم في فهم ما يجري الآن بين إريتريا اسياس افورقي وإثيوبيا أبي أحمد.

أطماع الملوك : الحلقة الأولى.
مدخل – الجوار قدر يمكن أن يكون نعمة اذا أحسنا التعامل معه ويمكن أن ينقلب الى نغمة اذا فشلنا فى ذلك. رأينا الحال مع السودان والحال مع الجارة الثانية ( اثيوبيا ) له خصوصيته وان التقى مع المثال الأول فى العموميات. مشكلة اريتريا أنها وقعت جغرافيا بين دولتين كبيرتين وفيها من الموارد ( الأرض ) وعوامل الجذب ( البحر ) ما يجعلها هدفا لحملات ومخططات الطامعين. أحد رؤساء المكسيك سألوه : ما هى مشاكل بلادك ؟ قال – أننا قريبون من أمريكا وبعيدون من الله ! كان توسع الأمبراطورية الأثيوبية قائما على حساب الشعوب المجاورة وكان يهدف الى الحصول على الأرض والمال والجنود لأستخدامهم فى غزواتهم. كان الخطاب يؤكد بأن الأمبراطور هو ( ظل الله فى الأرض ) وأنه مقدس وأن مقاومته أو عدم اظهار الطاعة والولاء له يعني المروق عن الدين !
كانت الكنيسة هى أداة التبشير والإقناع وتجنيد الموالين والأنصار وأصبحت ( أكسوم ) هى قبلة المسيحيين الأرثوذكس فى إثيوبيا والهضبة الإريترية . نجح الأمبراطور منيليك فى توسيع أمبراطوريته وضم شعوب كثيرة تحت سيطرته ولكنه توقف عام 1889 عندما وقع اتفاقية مع الإيطاليين يعترف فيها بسيطرتهم على شمال اثيوبيا ( إيتريا ) وبالمقابل أمده الأيطاليون بالسلاح ولكن مؤقتا قبل أن ينقلبوا على المملكة الأفريقية.
التاريخ الأثيوبى ملىء بالخرافات والأساطير والهدف منها كان زرع القناعة لدى الرعية ( المسيحيون منهم والمسلمون ) بأنهم – أى الملوك – خالدون وعروشهم ثابتة لا يستطيع بشر أن يمسها بسوء ذلك أدى الى خنوع واستسلام لدى قطاعات واسعة من الأثيوبيين خاصة بعد أن وجدوا أن رد الفعل لأى تجاوز كان عنيفا وقاسيا لا رحمة فيه. الإريتريون بالمقابل كانوا تحت الإحتلال الإيطالى يقاومون الرجل الأوربي الأبيض والذي لم يكن يملك ( حصانة الهية ) مثل ملوك الحبشة ! هذا الموروث فى العلاقة كان له أُثر فى تفجير الثورة فى كلا البلدين – طبيعتها ومحتواها وميقاتها . كذلك كان ملوك إثيوبيا يستخدمون المناورة والتآمر لتحقيق أهدافهم – جاء الأمبراطور ( هيلاسلاسى ) الى السلطة عام 1916 عن طريق التآمر على الأمبراطور ( أياسو ) ونصب نفسه ملكا عام 1930. ولكن بعد الغزو الأيطالى عام 1935 هرب هيلاسلاسى وذهب الى عصبة الأمم والقى خطابا شهيرا أصبح بعده ( رجل العام ) فى غلاف مجلة تايم الأمريكية. بدأ هيلاسلاسى فى تحديث بلاده بعد تحرير القوات البريطانية لبلاده من الأيطاليين . عام 1942 أصدر مرسوما بالغاء العبودية فى أثيوبيا ( كان هناك بين 2-4 مليون اثيوبى تحت العبودية من مجموع السكان البالغ عددهم 11 مليون فى ذلك الوقت ).
أصبحت ( أديس أببا ) مقرا لمنظمات دولية واقليمية متخصصة فى الشئون الأفريقية وأصبحت عضوا فى منظمة عدم الأنحياز وأخيرا مقرا لمنظمة الوحدة الأفريقية . وعندما بدأ مشروعه لأبتلاع اريتريا اتبع سياسة مرنة تارة وأخرى حادة ( اغتيالات ) لتحقيق أهدافه. بل أنه كان يتساهل فى التمسك بمكانته المقدسة التى زرعها فى عقول الأثيوبيين حينما يلتقى مع الأرتريين – كيف ؟ المسلمون الأرتريون رفضوا السجود له وقالوا ان ذلك ضد عقيدتهم وقد قبل هو ذلك كأمر واقع. !تحضرني ثلاثة مواقف تؤكد ما ذكرت وتعكس فى الوقت ذاته الفرق بين التكوين العقلى والنفسى بين الأرتريين والأثيوبيين فى منظور العلاقة مع ملوك الحبشة وامكانية مقاومتهم.
الأول : سمعته من الشهيد عثمان سبى عندما كان مديرا لمدرسة حرقيقو — زارهم هيلاسلاسي واستقبله سبى بصورة عادية وتحدث اليه الأمبراطور باللغة العربية وفى نهاية الزيارة أعطاه مبلغا من المال وقال له ( بقشيش للأولاد ) ! لم يكن يتصرف هكذا فى اثيوبيا.
الثانى : كان المرحوم الدكتور ( جعفر أبوبكر ) طالبا فى الخرطوم ولكنه كان معارضا لنظام هيلاسلاسى – وكتب فى الصحف السودانية ضد الأحتلال الإثيوبى لبلاده .اتصل به السفير الأثيوبى ( ملس عندوم ) وأقنعه بالذهاب الى اثيوبيا للدراسة فى منحة حكومية. وبعد سنة اصطحبه وزير التعليم لتحية الأمبراطور وشكره على المنحة و لم يكن الدكتور جعفر يعرف البروتوكول فى البلاط الإمبراطوري.
وعندما دخلا الى البلاط سقط الوزير ساجدا أمام الأمبراطور – اعتقد الدكتور جعفر أن الوزير قد انزلقت قدمه فسقط فما كان منه الا أن أمسك بيده ورفعه الى أعلى قائلا بلهجة سودانية ( عدوك — عدوك ) ! ولكن الوزير ترك يد طالبه وسقط مرة أخرى – ومرة أخرى تدخل الطالب حتى جاء رجال البلاط وأخذوا جعفر الى الأمبراطور الذي كان يرا قب المشهد ويبتسم فقال لجعفر بالعربية : انت إريترى ؟.
الثالث : بعد قيام الثورة الإريترية أصبحت حديث كل المنطقة ووجدت اعجابا للتحدى الذى مثلته للأمبراطورية الأثيوبية. كنت فى المملكة العربية السعودية وأخذت سيارة أجرة وكان السائق فى ملامحه يشبه من أبناء القرن الأفريقى. سألته فقال أنه من أورومو— اثيوبيا وبدأ يحكى عن مأساتهم وكيف أن الأمبراطور يضطهدهم ويسلب حقوقهم — الخ . كنت فى المقعد الخلفى فقلت له : لماذا لا تقومون بثورة ضده ؟ أوقف السيارة والتفت الى وقال : أنت أرترى ؟ قلت كيف عرفت؟ قال لا أحد يقول مثل هذا الكلام غير الأرتريين ! وقتها أدركت الى أى مدى وصل تأثير الثورة الإريترية على شعوب المنطقة.
أصبح الأمبراطور هيلاسلاسى بطلا فى نظر العديد من الدول الأفريقية ومحرر بلاده وباني نهضتها الحديثة. ذلك ما أقفل الأبواب أمام التحرك السياسى والأعلامى للثورة الإريترية خاصة فى أفريقيا والدول الأوربية. ولكن مع تصاعد الثورة الإريترية وازدياد تكاليفها المادية والبشرية بدأ نظام هيلاسلاسى يظهر على حقيقته – بعد عام 1973 وزيادة أسعار البترول العالمى وانتشار المجاعة فى أثيوبيا وعجز النظام عن مواجهة ذلك كله – انهار وأصبح الأمبراطور دكتاتورا مكروها ومحاصرا فى قصره – وكانت ثورة “الدرق”.
جاء الدرق الى السلطة بهدف إحداث تغيير سياسي وأجتماعي وأقتصادي فى المملكة. لم يكن معهم أو خلفهم حزب يرسم لهم ويخطط بل كانوا مجرد ( عسكر ) تشبعوا بروح التمرد على أوضاع البلاد. وقد نجحوا بسبب توفر عوامل موضوعية تمثلت فى تآكل المملكة داخليا وتردى الأوضاع الأقتصادية وكذلك بسبب سياسة – الخطوة خطوة – التى اتبعها الدرق فى البداية لأستلام السلطة. كان المجلس العسكرى يقوم كل مرة بالسيطرة على مؤسسة ما أو وزارة ولكنه لم يقترب من القصر ! كان الوزراء ورجال الحاشية يتابعون ويشعرون بأن الأمور ستنتهى الى احتلال القصر لذا كانوا يطلبون من الأمبراطور ويلحون كى يتخذ اجراءات لوقف زحف الدرق. ولكن الأمبراطور كان يعيش فى ( غيبوبة سياسية ) ونرجسية مدمرة جعلته يؤمن بأنه ليس هناك أثيوبى يتجرأ ويثور ضده ! لذا كان يجيب الوزراء والناصحين بقوله : أنهم أولادنا ينفذون أوامرنا !؟ حتى وصل السيل الى القصر وكان ما كان.
وبعد أن استقر لهم الوضع واجه الدرق التحديات وكان على رأسها : أرتريا. لم يغير النظام الجديد نظرته الى إريتريا وأعتبرها ( أمانة ) يجب الحفاظ عليها لكنه اتبع وسائل وأساليب أعتقد أنها يمكن أن تؤدى الى أنهاء الثورة.
1/ أقام تحالفه مع الأتحاد السوفيتى – ذلك يضمن له الدعم السياسى والعسكرى ويؤدى الى تحييد اليسار العربى الذى كان يقف الى جانب الثورة الأرترية – وقد نجح فى ذلك.2/ أعلن النظام الأشتراكى ومحاربة الأقطاع وعمل على الغاء الفوارق الأجتماعية والثقافية بين مكونا ت المجتمع الأثيوبى – نجح فى ذلك أيضا نسبيا وكان من نتائجه أعلان اليسار العربى أن مركز الثورة قد انتقل من الثورة الإريترية الى أديس أببا ! بل أن جبهة التحرير الإريترية وتحت ضغوط خارجية أصدرت بيانا تعترف فيه ( بالمتغيرات الثورية ) التى حدثت فى أثيوبيا ! كانت النتيجة المباشرة لذلك البيان أن طلبت الحكومة الصومالية من جبهة التحرير سحب مندوبها من مقديشو وأغلاق المكنب ! ثم أعلن قيام وانشاء ( حزب العمال الأثيوبي ) ولكنه كان حزبا فوقيا مهمته تثبيت سلطة النظام والتبشير بمبادىء الماركسية.
3/ تحت ضغوط مباشرة من الأتحاد السوفيتى قام بأجراء حوارت فى برلين — ( ألمانيا الديمقراطية ) عام 1977 مع كل من جبهة التحرير والجبهة الشعبية وقوات النحرير . ثم كانت حوارات فى الخرطوم وصنعاء أيضا مع بعض فصائل المعارضة الأرترية المتواجدة فى السودان . كذلك كان هناك لقاء سرى تم فى ايطاليا عام 1978 وكان الوفد الأثيوبى برئاسة وزير الداخلية — تسفاى ) مع وفد يمثل جبهة التحرير الأرترية .توصل اللقاء الى صياغة بيان تفاهم ولكن قبل التوقيع انسحب الوفد الأثيوبى بعد تعليمات تلقاها من أديس أببا. وبعد أن أنفردت الجبهة الشعبية بالساحة الأرترية كانت هى المفاوض الوحيد مع الدرق بوساطة ( جيمى كارتر ) الرئيس الأمريكي الأسبق.
4/ قام بمحاولات ومناورات سياسية داخلية للتبشير بشكل من أشكال الحكم الذاتى – مجموعةالخمسة فى المنخفضات الإريترية – فشل المشروع فشلا ذريعا – كان ذلك فى أيام النظام الأخيرةفشلت تلك الحوارت من جهة بسبب عدم وجود رؤية شاملة وواقعية لحل المشكلة لدى الجانب الإثيوبي ومن جهة ثانية أختلاف الفصائل الأرترية وعدم أتفاقها على موقف موحد بالأضافة الى رهان النظام الدائم لحل المشكلة عسكريا وأن المفاوضات لم تكن الا لكسب الوقت وتخفيف الضغوط الخارجية عليه.
وربما كان العرض العملي الوحيد الذى تقدم به النظام الإثيوبي يتمثل فى مبادرة نقلها الى الجانب الإرتري الرئيس الجزائرى الراحل ( هوارى بومدين ). التقى بومدين مع وفد جبهة التحرير الإريترية وقال لهم : الأقتراح هو ( أتحاد كونفدرالي ) ما رأيكم ؟ قال الوفد الإريتري – أننا سندخل أسمرا بالدبابات ولا نقبل الحلول الوسط !؟
كان ذلك عام 1978 فى قمة قوة التنظيم العسكرية وبعد تحرير المدن – قال لهم الرئيس الجزائرى :”اذا كنتم قادرين على تحقيق ما تقولون يكون من الخيانة قبول الحلول الوسط – ولكنى أشك فىي ذلك “!.؟
كان الرجل على علم بالمساعدات التى تدفقت على أثيوبيا واستعدادات النظام لبدء حملة عسكرية كانت نتيجتها استعادة المدن المحررة من الثورة. ثم التقى مع وفد الجبهة الشعبية وكرر نفس الكلام – كان رد وفد الشعبية ( أعطنا مهلة لنعود الى القيادة للتشاور ) ! والحضور كان هو صاحب القرار – أسياس أفورقي !؟
عاد وفد الشعبية وأصدر بيانا شديد اللهجة ضد تحالف الدرق مع الإتحاد السوفيتي – وكسب الغرب وتأييده. ذلك كان مفصل المواجهة بين الثورة الإريترية ممثلة فى الجبهة الشعبية وبين النظام الإثيوبي الذى شمل كل الميادين ليصل الى الحسم العسكرى.تصاعدت بالمقابل حركات المقاومة والمعارضة الأثيوبية ضد نظام الدرق بسبب نهجه الدكتاتورى وتصفياته الدموية للمعارضين وزج البلاد فى حرب أحرقت الأخضر واليابس. وكانت الجبهة الشعبية لتحرير تقراى أقوى تلك الحركات وتحالفت بدورها مع الجبهة الشعبية لتحرير إريتريا لتكون لهما السيطرة الكاملة على شئون ومصير الثورة الإريترية والمقاومة الأثيوبية ومستقبلهما !ذلك التحالف بقدر ما كان نواة وجبهة سياسية وعسكرية لأسقاط النظام الأثيوبى عام 1991 بقد ر ما حمل فى داخله عوامل الشك والخوف من نوايا وأهداف أطرافه!
ثم قفز الغرب ( أمريكا ) الى صدارة صنع الأحداث فى القرن الأفريقى وأصبح مصير البلدين ( أثيوبيا وأرتريا ) تحت رعاية واشراف أمريكا!
انهارت عروش وممالك وسقطت أنظمة إثيوبية وكان العامل الرئيسي وراء ذلك – الى جانب العوامل الداخلية – الثورة الإريترية. وبهذا المعنى فان ما حدث فى أثيوبيا ويحدث اليوم هو نتاج لتلك الثورة.
وصلت حركة المقاومة الإثيوبية الى السلطة وأعلنت برنامجها وكان البند الأول:
الأعتراف بحق تقرير المصير للشعب الأرترى واجراء استفتاء كانت نتيجته أعلان استقلال ارتريا عن اثيوبيا وبذلك طويت صفحة الأطماع الإثيوبية ولاح فجر جديد يبشر بمرحلة للتعاون والإستقرار والتنمية. كانت كل المؤشرات الظاهرة على السطح تؤكد ذلك التوجه – ولكن فجأة أنفجرت (قنبلة بادمي) ،ودخل البلدان مجددا فى حرب مدمرة وعداء مستحكم استخدمت فيه وما تزال كل الأسلحة —؟حاول المحللون والمراقبون معرفة السبب الأسباب ) ولكن لا شيء يمكن الإمساك به – حاولوا استخدام المعايير والمقاييس المتعارف عليها لتحليل الوضع والوصول الى استنتاج مقنع – وفشلوا …. انتهت أطماع الأرض والبحر – هل برزت أطماع جديدة ؟ انتهت وسائل الحرب والقتال التقليدية – هل بدأ استخدام وسائل جديدة و حديثة – ؟
ذلك ما يبدو على السطح – ولكن الصراع فى جوهره وطبيعته أصبح صراع بقاء ووجود – صراع حياة أو موت !؟ لماذا؟ لا يمكن فهم ذلك الا اذا أدركنا طبيعة وأهداف وأسباب صراع الديوك !؟تلك حالة بشرية ينطبق عليها ما ينطبق على الديوك – كيف ولماذا ؟ ذلك موضوع الحلقة القادمة.كان الله فى عون الشعبين الإريتري والإثيوبي.
…… يتبع.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى