تقارير

بعد “المصالحة التاريخية”.. لماذا أغلقت إريتريا حدودها مع إثيوبيا من جديد؟ بقلم / صهيب عبد الرحمن *

5-May-2019

عدوليس ـ نقلا عن حفريات

أفادت تقارير إخبارية، صباح الإثنين الماضي، بأنّ إريتريا أغلقت طريق “بوري-أساب”، وهي الحدود الوحيدة التي كانت مفتوحة بين البلدين.ووفقاً لتقرير صادر عن “دويتشه فيله” في قسمها بالأمهرية، المنشور في 22 نيسان (أبريل) 2019؛ جاء إغلاق الحدود بعد أربعة أيام من إغلاق حدود “ومهاجر-هوميرا” الواقعة في الجزء الشمالي الغربي من أثيوبيا، وجنوب غرب إريتريا، وما هو واضح حتى الآن،

استناداً إلى التقرير، صدر أمر إغلاق الحدود من أعلى السلطات في إرتيريا، وهو قرار أحادي الجانب، لم يتفاعل معه الجانب الأثيوبي حتى الساعة.
ينسب كثيرون إلى رئيس وزراء الإثيوبي، آبي أحمد، البالغ من العمر 41 عاماً، فضل تسريع وتيرة المصالحة التي حصلت بين البلدين؛ حيث قاد نبرة مشجعة لخوض السلام، عند تولّيه منصبه، في آذار (مارس) 2018، وفاجأ آبي أحمد الجانب الأريتيري بإعلانه أنّ إثيوبيا مستعدة لإعادة بلدة بادمي الحدودية، المتنازع عليها في إقليم “قاش-بركاء”، إلى إريتريا، وهي على بعد 139 كم جنوب غرب أسمرا.
وكانت الرعاية الإمارتية-السعودية لعملية السلام بين البلدين تتويجاً لمبادرات السلام، التي بدأت في 8 حزيران (يونيو) 2018، مع زيارات تاريخية متبادلة بين الزعيمين، في كلٍّ من أسمرة وأديس بابا، تلا ذلك توقيع إعلان مشترك في أسمرة، في 9 تموز (يوليو)، ومن ثم اتفاقية جدة، وإعلان استئناف العلاقات الدبلوماسية والتجارية، في 18 أيلول (سبتمبر)، بشكل رسمي.وقلّدت دولة الإمارات العربية المتحدة وسام زايد لمسؤولي البلدين، لدورهما في صنع عملية السلام، ومن جانبه منح ملك السعودية، الملك سلمان بن عبد العزيز آل سعود، الزعيمين ميدالية الملك عبد العزيز، وحظيت المبادرات الإماراتية-السعودية باهتمام رسميّ من العالم؛ حيث حضرت حفل توقيع اتفاقية جدة شخصيات عامة، مثل الأمين العام للأمم المتحدة، أنطونيو غوتيريس.
ونصّت المادة الأولى من اتفاقية جدة، ذات النقاط السبع، على بنود، منها: “انتهاء حالة الحرب بين البلدين، وبدء عهد جديد من السلام والصداقة والتعاون الشامل”، بينما ركزت البنود الأخرى للاتفاقية، على تعزيز العلاقات في مجالات الأمن والدفاع والتجارة والاستثمار والمجالات الثقافية والاجتماعية؛ مثل إنشاء مناطق اقتصادية مشتركة، ومكافحة الإرهاب، والاتجار بالبشر والأسلحة والمخدرات، وفق العهود والاتفاقيات الدولية.
ومن شأن اتفاقية السلام أن تسمح لإثيوبيا غير الساحلية باستخدام موانئ البحر الأحمر في عصب في جنوب إريتريا، وفي مصوع شمالاً، مع إعفائها من ضرائب هذا الاستخدام.
وتنفق إثيوبيا حالياً أكثر من 1.5 مليار دولار سنوياً على استخدام موانئ جيبوتي، ومن ناحية أخرى؛ ستتمكن الصناعات الإريترية من الوصول إلى السوق الأثيوبي، البالغ مئة مليون نسمة، وهي ثاني أكبر مستهلك في إفريقيا.
كان من المتوقع أن تكشف إثيوبيا وإريتريا، خلال الشهر الماضي، خريطة طريق لمعالجة النزاعات المعلّقة بين البلدين، ومحاولة إرساء أسس قوية للتعاون عن القضايا الرئيسة، التي يحتاج إليها الطرفان لمواجهة الأسباب الجذرية للصراع.
وعندما افتتح رئيس الوزراء الإثيوبي، آبي أحمد، والرئيس الإريتري، أسياس أفورقي، حدود هوميرا-أمهير، في أيلول (سبتمبر) العام الماضي، توقع كثيرون أن يسمح المعبر الجديد بحركة الأشخاص والمركبات كجزء من التطبيع، لكن، لسوء الحظ، وتماشياً مع التاريخ المضطرب للعلاقات الإثيوبية الإريتيرية، تخلّلت الحدث الإيجابي احتجاجات ساخطة اندلعت في المناطق الحدودية، واستمر هذا التصعيد من الجانب الإريتري حتى تمّ إغلاق المراكز الحدودية على طريق “زالامبيسا”، الذي تمّت إعادة إغلاقه بعد شهرين فقط من افتتاحه.
ويرى الخبراء في المنطقة؛ أنّ انعدام الثقة العميق بين الطرفين، كما تظهره مثل هذه الانتكاسات، يؤكّد هشاشة التقارب بين البلدين، علاوة على ذلك؛ كانت تعقيدات الأثر الطويل الأمد للقضية الإريتيرية على السياسة الإثيوبية واضحة خلال جهود السلام هذه؛ فقد عارضت جبهة تحرير شعب تيغريان قرار اللجنة التنفيذية للجبهة الديمقراطية الثورية للشعب الإثيوبي، تنفيذ اتفاق السلام لعام 2002، وتحكم الجبهة الشعبية لتحرير التيغري إقليم تيغري المتاخم لإريتريا، وتعدّ الجبهة العدو اللّدود للرئيس أسياس أفورقي.
ويرى بعض المراقبين؛ أنّ التقارب السريع بين البلدين كان حيلة لتقويض الجبهة الشعبية لتحرير التيغري؛ حيث تتقاطع رؤى آبي أحمد وأسياس أفورقي بتطويق قوة الحركة في أجندتهما السياسية الجديدة في المنطقة.
وطوال الأشهر الماضية؛ شهدت المناطق المتنازَع عليها، التي تسيطر عليها إثيوبيا احتجاجات متكررة، ولا سيما في بلدتي بادمي وإيروب، ورغم الثناء الدولي المتواصل على عملية السلام بين البلدين؛ فإنّ الأسباب الجذرية للاحتجاجات لم تتم معالجتها بعد، وإلى أن يتم حلّ مشكلة عدم الثقة هذه، ومشاكل سكان الحدود؛ فإنّ عملية السلام ستكون غير مكتملة وهشّة، وفق مراقبين للوضع.
وفي ظلّ التعقيدات الداخلية في كلّ من إثيوبيا وإريتريا، هناك اعتبارات خارجية دفعت للتقارب بين البلدين؛ فبسبب التطورات في الشرق الأوسط وحرب اليمن، وأزمة الهجرة في الاتحاد الأوروبي، وسياسة الولايات المتحدة الأمريكية الجديدة تجاه إفريقيا، وتحول أولويتها في المقام الأول من الحرب على الإرهاب إلى مواجهة النفوذ الصيني والروسي، فتح كلّ ذلك نوافذ جديدة لإريتريا لإنهاء عزلتها التاريخية، وبالتالي الخوض في عمليات سلام مع إثيوبيا ومع دول الجوار.
وقد أبرم البلدان اتفاقيات جوهرية متعددة تهدف إلى تطبيع العلاقات والتعاون، وبالنسبة إلى إريتريا، أدى التغيير إلى إنهاء العقوبات التي فرضتها الأمم المتحدة والعزلة الدبلوماسية التي عانتها منذ عقدين من الزمن، ما يفتح المجال على إمكانية تحسين اقتصادها المتعثر.ويقول الخبراء في المنطقة؛ إنّه لتحقيق السلام المستدام، ولتجاوز مشاكل الحدود المتنازع عليها، يتوجّب تفعيل دور المجتمعات المحلية في الحوار والسلطة في مناطق الحدود وضبط أمنها، ويجب أيضاً أن يكون التركيز على تنمية سبل المعيشة في تلك المناطق، ويتطلب هذا الأمر إجراء نقلة نوعية فيها من الحدود الصلبة العسكرية إلى تحويلها حدوداً ناعمة لتشجيع حرية حركة الأشخاص والسلع والخدمات ورأس المال.
ولمعالجة المخاوف المتعلقة بالسلامة الإقليمية، يتعين على البلدين التفاوض على معاهدة سلام دائم وتنمية متبادلة طويلة الأجل، تتناول جميع القضايا المعلقة بشفافية، ويدعو البعض إلى أن يتركز هذا الاتفاق على المبادئ الأساسية للاتحاد الإفريقي؛ المتمثلة في التسوية السلمية للنزاعات الحدودية، واحترام السلامة الإقليمية.
ـــــــــــــــــــــــــ
* كاتب وصحافي صومالي

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى