مقالات

حزب الشعب الديمقراطي الارتري..بين المرحبين بميلاده .. والمتوجسين من مآلاته : علي عبد العليم

19-Jan-2010

المركز

أعلنت ثلاث تنظيمات سياسية ارترية اندماجها تحت مسمى حزب الشعب الديمقراطي الارتري ، وذلك في مؤتمرها التوحيدي الذي انعقد في مدينة فرانكفورت بألمانيا في غرة العام الجديد ..

والتنظيمات المندمجة هي : حزب الشعب الارتري ( المجلس الثوري سابقا ) ، وهو محسوب علي تجربة جبهة التحرير الارترية ، والحزب الديمقراطي الارتري والحركة الشعبية الارترية ، وهما منشقان عن الجبهة الشعبية الحاكمة في اسمرا ، ومحسوبين علي تجربتها .. تلقت الساحة السياسية الارترية إعلان الوحدة بين التنظيمات الثلاث ، ما بين مرحب ومبارك ، وخائف ومتوجس من مقاصدها ومآلاتها !!. وكلا الفريقين: المرحب والمتوجس له مبرراته وحيثياته التي ساقها علي النحو التالي :-أولا:المرحبون : يرون أن أي خطوة للتقارب والاندماج ين التنظيمات ذات المرجعية الفكرية الواحدة ، وذات البرامج المتماثلة ، تخدم تماسك جبهة المعارضة ، وتقوي من مظلتها الجامعة ( التحالف الديمقراطي الارتري ) ..كما تساعد في الحوار المزمع إجراؤه في الملتقي الديمقراطي للتغيير المأمول ، وذلك من خلال إدارة دفة الحوار بين فصائل وبرامج أقل عددا ، تجعل من اليسير الاتفاق علي مشتركات ، والتواضع علي تفاهمات ، بما يحفظ الجهد والوقت وينضج البرنامج الوطني المشترك والذي سيحمل المعارضة إلي اسمرا ، إن شاء الله تعالي .إن أي خطوة للتقارب والتوحد بين التنظيمات يتلقاها الجمهور الارتري بالترحيب ، مما ينعش الأمل في النفوس باقتراب التغيير المنشود ، وبالتالي يجعل الشعب يلتف حول المعارضة ، ويبذل لها الدعم والسند .. من جانب آخر ، تقليل عدد التنظيمات يعني تقليص مساحة الاختلاف وسط المعارضة ، واتساع رقعة الاتفاق بما يعكس التماسك والمتانة ، مما يؤهل المعارضة لنيل ثقة الأصدقاء ودعمهم ، ويقدمها إلي الدوائر الغربية الممسكة بملفات المنطقة كبديل للنظام الديكتاتوري ..أما الأكثر تفاؤلا بين المرحبين بالخطوة الوحدوية ، فيرون أن مكونات الحزب الجديد تمثل تجربتين متباينتين هامتين في الساحة الارترية ، استطاع المتوحدون أن ينهوا القطيعة والخصومة التاريخية بينهما ، ويرتقيا من خلال الحوار إلي مراقي التكامل التام بين المدرستين ، بل الانصهار والتمازج في حزب واحد ينتظر أن يلعب دورا كبيرا في التغيير المرغوب إحداثه في النظام الدكتاتوري في ارتريا .. وبهذا التوحد ضرب الحزب الجديد المثل ونصب الأنموذج لغيره من التنظيمات ذات البرامج المتقاربة أن تتجاوز آثار خصومات الماضي ، وتنعتق من اسر الحاضر واشكالياته ، لتنجز وحدة تشكل هي بدورها قوة إضافية لجبهة المعارضة ، وبالتالي تصعّد من نضالاتها للتعجيل بإسقاط الدكتاتورية .. ثانيا: المتوجسون: يرون أن ماضي التنظيمات الثلاثة لا يشجع علي التفاؤل بأنها ستتخلى عن بعض سلوكياتها وممارساتها تجاه الآخر !!. فالمعروف عنها ، وهي متفرقة ، نزعتها لتزكية النفس ، والتقليل من شأن الآخرين ، والبعد عن أي عمل يجمعها بالتنظيمات الأخرى ولا تحتل هي فيه الصدارة أو تتسنم القيادة ؟! . فكيف وقد اجتمعت الآن في حزب واحد يفترض أن يكون أكثر قوة وتأثيرا مما كانوا عليه وهم متفرقين !!.ويدلل فريق المتوجسين علي رأيه بأن ( المجلس الثوري ) وبعد الاستقلال رفض الانضمام إلي التنظيمات الوطنية الأربع التي رفعت المذكرة الشهيرة إلي اسياس ، آخذة بزمام المبادرة بالدعوة إلي إجراء مصالحة وطنية ، ليتفرغ بعدها الجميع لبناء الوطن واعمار ما دمرته الحرب ، لقد أدار ( المجلس الثوري ) ظهره للاصطفاف الوطني وفضل محاورة الجبهة الشعبية منفردا ، ووصل معها إلي تفاهمات شرع علي إثرها في السفر إلي أسمرا ، إلا أن أسياس استدرك عليهم حيث استيقظ في نفسه العداء القديم لجبهة التحرير الارترية ، وطلب من قيادة ( المجلس الثوري ) الانخراط في الحكم فرادى ، وليس بتنظيمهم الذي يذكره بـ ( جبهة عامة ) ؟!.كذلك شغب المجلس الثوري علي التحالف الديمقراطي في مرحلتيه الأولى والثانية ، حيث أصروا علي أن يتولوا هم القيادة ولم ترى التنظيمات الأخرى أحقيتهم لذلك !! ففي الأولي انشق المجلس الثوري نتيجة لذلك علي نفسه ، وفي الثانية شق التحالف بمعاونة الحزب الديمقراطي .. وظلا معا: حزبا الشعب والديمقراطي يصفان المجموعة الثانية ( مجموعة السبعة ) بكل نعوت السخرية والازدراء ، من أنها مجموعة تنظيمات هامشية وقوى غير فاعلة و حثالات ( حنجى منجى ) كما قال ولد يسوس عمار ( رئيس الحزب الجديد ) متهكما ؟! ثم مفاخرا بأن منهم الوزراء والسفراء السابقين وهم الأحق بقيادة التحالف والأجدر من سواهم !. وخلاصة القول : يكونوا هم في القيادة وإلا فليذهب التحالف إلى الجحيم ؟!!. وبعد أن عادت المجموعتان المتدابرتان في التحالف إلي الجلوس والالتئام ، عادت مجموعة حزب الشعب والحزب الديمقراطي لسابق عهدها في فرض الوصاية علي التحالف وخيارات التنظيمات فيه ، ومارست ضغوطا شرسة لتغيير فقرتي الشريعة والقوميات في ميثاق التحالف ، وبعد استقطاب حاد كاد يؤدي بالتحالف تم لها ما أرادت !. ولولا تعقل الإسلاميين ، خاصة الحزب الإسلامي الارتري والذي اكتفى بتسجيل تحفظه علي إلغاء فقرة الشريعة ولم ينسحب هو وباقي إخوته ، لما كان هناك الآن شيء اسمه التحالف الديمقراطي !!. وتبقي العبرة التي خرجنا بها من هذا الحدث – يقول المتوجسون – وهي : أن مجموعة الشعب والديمقراطي غير حريصة علي وحدة التحالف ، وهمها الأوحد السلطة ولو علي حساب خلاص الشعب ، ولا يمكن لها أن تتعايش مع الآخرين وتتساوى معهم في الحقوق والواجبات ، يذكرنا موقفهم هذا – يقول المتوجسون – بالشاعر الجاهلي الذي أجاد في توصيف المتطرفين [ نحن قوم لا توسط بيننا * لنا الصدر دون العالمين أو القبر ] ( والقبر) في الحالة الارترية هو أن نظل جميعا في المعارضة متشرذمين ، قابعين في حفرة التخلف لا نخرج منها ، ولا نحقق تطلعات شعبنا في التغيير الديمقراطي وفي حياة حرة وكريمة .. إن هذا الفريق المتوجس يرى أن الوحدة التي تمت بين التنظيمات الثلاث هي في حقيقتها انتصار لمشروع الجبهة الشعبية علي حساب مشروع جبهة التحرير الارترية ، وهو ثمرة التآمر والاختراق الثاني بعد الاختراق الأول لجبهة التحرير الارترية والذي انتهي بها إلي معسكرات اللجوء في السودان !!. فالمجلس الثوري أو حزب الشعب المحسوب علي تجربة جبهة التحرير تخلى تماما عن مبادئها وقيمها .. وتبنى مشروع الجبهة الشعبية الطائفي الاقصائي ، ورضخ لبرنامجها ونمطها في الحكم ..!!.فالحزب الديمقراطي والحركة الشعبية هما حزبان منشقان عن بعض ، ثم هما معا كانا في رحم الجبهة الشعبية قبل الانفصال عنها ، فهما بنتان شرعيتان للجبهة الشعبية وصورة منها ، كما يقول المثل المصري [ اكف القدرة علي فمها تطلع البنت لأمها ] ، وحزب الشعب ( المجلس الثوري سابقا ) في انتهازية لا يحسد عليها انتسب إلي هذه العائلة ، وأصبح البنت الثالثة بالتبني للجبهة الشعبية ، وهذا الثالوث الذي تمخض عنه حزب الشعب الديمقراطي يعتبر نفسه الوريث الوحيد للجبهة الشعبية الأم ؟. لذا نشط في الآونة الأخيرة في تسويق وحدته قبل أن تكتمل ؟. عارضا نفسه كبديل للتحالف بجميع مكوناته ، منتهزا أي فرصة لإبراز نفسه عالميا .. وما تغييب التحالف عن مؤتمر بروكسل ببعيد عن الأذهان !!.وقد تأكدت الوشيجة التي تربط هذا ( الثالوث ) بأمه الجبهة الشعبية من خلال لقاءات القيادات من الجانبين في العواصم الغربية ، والحوارات السرية التي جرت بينهما بمعزل عن التحالف الديمقراطي ؟؟. ويفضح النوايا أكثر ما صدر من تصريح لبعض قيادات النظام أنهم سيمدون جسور الحوار مع الأحزاب المتقاربة معهم في البرامج ، ووضعوا شروطا – كقميص عامر كما يقولون – مفصلة علي مقاس حزب الشعب الديمقراطي ؟. إذن الحوار سينتقل من خلف الكواليس إلي العلن وبرعاية الدوائر الغربية وسيعود ( الثالوث ) [ التنظيمات المكونة للحزب الجديد ] إلي حضن أمه الرءوم ( الجبهة الشعبية ) !!. وحينها سيكتسب المشروع الطائفي الاقصائي للجبهة الشعبية مشروعية جديدة ، وعمر جديد يمكنه الاستمرار لبعض الوقت ، ولا يهمهم في شيء إعادة إنتاج الأزمة مرة أخرى في ارتريا ، وتكرار انفراد الجبهة الشعبية بالحكم واستبعاد الآخرين وتنظيماتهم وما تمثله من أفكار وبرامج وثقافات وقيم ..الخ. المهم أن تظل السيادة والريادة والهيمنة للمشروع الحاكم الآن ، وتضخ دماء الحياة إليه بدخول عناصر جديدة ، أو بالأحرى بعودة أبنائه من الغربة لتكملة المشوار !!. أما استقرار الوطن وعميم السلام في ربوعه فتأتي في مرتبة ثانية وربما ثالثة في أجندة الاقصائيين !!.إذن هذا هو رأي المتوجسين من وحدة التنظيمات الثلاث ومآلاتها ، ومن قبل استعرضنا ترحيب المرحبين بميلاد حزب الشعب الديمقراطي كإضافة قوية لجبهة المعارضة . ونقول بدورنا إن الترحيب واجب بمقدم حزب الشعب الديمقراطي ، ونأمل أن يحتل موقعه المرموق في التحالف كقوة فاعلة ومؤثرة ، وعليه في نفس الوقت أن يعمل علي طمأنة الخائفين ، وإزالة توجس المتوجسين ، من خلال سلوكه وتصرفاته العملية بنفي تهمة الإقصاء عنه ، وتبرئة ساحته من تهمة تبني مشروع الجبهة الشعبية الطائفي الأحادي الوجهة والتوجه ، وتأكيد انحيازه إلي المشروع الوطني الجامع ، الذي لا يقصي أحدا بسبب دينه أو لغته أو ثقافته أو عنصره أو إقليمه .. فهل نشاهد من حزب الشعب الديمقراطي ما يترجم كل ذلك علي أرض الواقع ؟هذا ما ستجيب عنه الأيام القادمات .. والله من وراء القصد ،،،،،

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى