مقالات

رحيل فارس اللغة العربية في ارتريا الأستاذ محمد بشير: إدريس صالح

5-Jan-2010

المركز

في العام ١٩٣٣ ولد الاستاذ محمد بشير في قرية عد ودرقي التي تبعد حوالي ستة كيلومترات من عدي خالا والده الشيخ احمد محمد امان ووالدته السيدة الفضلى اسماء عبد الرحمن وينتسب الى قومية الجبرتي.نشا وترعرع في عدي ودرقي في بيت علم ومعرفة وبدا دراسة القران الكريم والعلوم الشرعية على يد والديه.

نسبة لظروف وفاة والده وهو في مرحلة الطفولة اضطر لتحمل مسئولية الاسرة منذ سن مبكرة واصبح الشاب محمد بشير مسئولا عن الاسرة يكافح من اجل جلب الرزق وذلك بالعمل في الزراعة والنسيج المالما وبجانب عمله كان يجالس شيوخ البلدة لتلقي العلوم الاسلامية وحفظ القران الكريم. كان للشاب محمد بشير احمد احلام وطموحات عديدة يحلم بها وبالرغم من العمل في الزراعة والنسج كانت احلامه مختلفة عن اقرانه وكان يطمح الى مواصلة تعليمه خارج ارض الوطن وهذا يعكس الوعي والنضج الذي وصل اليه في تلك المرحلة وكانت امالهتزداد عاما بعد عام وكان حلمه الاكبر ليلا ونهارا الذهاب الى مصر لتلقي العلم. لقد كان في وعي الشاب محمد بشير البون الشاسع ما بين النظري والعملي اخذا في الاعتبار المواءمة ما بين الوضع في اربعينيات وخمسينات القرن الماضي في عهد الاستعمار الانجليزي وما بين رغبته في مواصلة دراسته في ظل وجود المشاكل والاختلافات الدينية التي لم يكن مطمئنا ومرتاحا لها وبالرغم من كل هذه الاشكاليات لم يتخلى عن تحقيق حلمه الكبير وقيم كل الاوضاع المحيطة به وكيفيةالوصول الى مصر. وفي العام ١٩٥٢ تحرك من ارتريا عبر تسني مرورا بكسلا الى الخرطوم وذلك للذهاب الى مصر ولكن لم يكن الوضع كما هو توقعه بالسفر سريعا وانما استغرق منه حوالي ثمانية اشهر مما اضطره الى العمل المؤقت لحين مغادرته الى مصر.وعمل كمؤذن فيمسجد بامدرمان مع شيخ سوداني اسمه الشيخ شريف وكان يتابع اجراءات سفره التي تتطلب وجود ضامن,وبواسطة الشيخ شريف وجد ضامن سوداني هو الشيخ موسى شروان ووصل الى مصر وعمره تسعة عشر عاما. مع دخوله القاهرة لم تصبح غريبة عليه وتم استضافته برواق الجبرته وبوجود طلاب الجبرته في القاهرة بدا يعتاد على الوضع ولبداية مرحلة الدراسة المنتظمة واجهته اشكاليات لم يكن متوقعها اذ ان الشاب محمد بشير ذي العشرين ربيعا والذي تعلم القراءة والكتابة في بلدته بدا من المرحلة الاولى. بفارق السن والقدرة والمعرفة عن اقرانه لم يكن مقتنعا بالمستوى الذي كان فيه لذلك سعى بطريقته الخاصة للالتحاق بالازهر وقد تطلب ذلك مجهودا اكبر من القراءة لاحراز درجات عالية وعزل نفسه عن اقرانه الذين كانوا يتجولون للتعرف على مدينة القاهرة في فترة الاجازات. لم يقف الطالب محمد بشير في اكاديمياته وانما ساهم مع اخوته في اتحاد طلبة ارتريا الذي كان له دورا بارزا في بروز حركة التحرر الوطني وواصل دراسته بتفوق الى ان اكمل المرحلة الثانوية واحرز درجات عالية حتى حقق حلمه الاكبر والتحق بكلية دارالعلوم جامعة القاهرة وتخرج منها في العام ١٩٦٦ بدرجة الليسانس. استاذ محمد بشير باكماله دراسته وتخرجه بدرجة الليسانس هي خطوة كبيرة في سبيل تحقيق حلمه الذي بذل فيه سنوات عديدة من عمره والذي كان من اهم اهدافه تغيير طريقة التعليم من تقليدية الى عصرية ونشر اللغة العربية التي كان يحاربها الاستعمار الاثيوبي واذياله في ارتريا. في تلك الفترة كان اقرانه ووممن سبقوه من ابناء وطنه حتى وان كان لهم نفس الهدف لكن في الواقع لم يطبقوه ونجد ان الاستاذ بشير اتيحت له فرص عمل عديدة في الجزائر والسعودية وبلدان اخرى لكنه تركها جانبا لتحقيق حلمه الاكبر والعودة الى ارض وطنه لتاسيس مدرسة لتعليم مجتمعه فسلاح العلم والمعرفة امضى من سلاح الذخيرة,وكانت عودته بعد تخرجه بعام. بعودته في العام ١٩٦٧ لم يستغرق زمنا طويلا في تحقيق حلمه وبذل كل طاقته وبفضل الله وبخبرته ومجهوداته وبفضل اخوانه سعى لتاسيس المدرسة التي رات النور في حي اخرية باسمرة وسميت بمدرسة الضياء الاسلامية والتي اشتهرت بمدرسة استاذ بشير وهذا يعكس الدور الكبير الذي لعبه والمكانة العظيمة التي تبواها في قلوب طلابه الذين درسو في تلك المدرسة الشامخة والصامدة رغم مضايقات والتواءات واعتقالات الجبهة الشعبية وسعيها بقوة لتضييع اللغة العربية وطمس هوية الجبرته يظل الجبرته صامدون, ودروس التاريخ لم يتعظ منها افورقي واعوانه فصمود الاجداد والاباء في عهد يوحنا وهيلي سلاسي وتثبيت اللغة العربية في البرلمان وتاسيس الضياء وغيرها ووجود شخصيات كعبدالقادر كحساي وكبيري وحجي امام موسى ودقيات حسن ودكتور يس ابرا ومحمد جهار حقوص واستاذ بشير احمد كفيل بان يجعل ذلك زادا حقيقيا لمواصلة الصمود واحقاق الحق. لقد مضى الى ربه استاذ بشير في يوم الاثنين الثامن والعشرون من ديسمبر2009 باسمرة, وهو فقد وخسران حقيقي, ولكنه ربى اجيالا واجيال منتشرة حول العالم تدعو له بالمغفرة والرحمة وورث قيما نبيلة وعلما انار الدروب للكثيرين.فنسال الله ان يغفر له ويرحمه ويلهم اهله وذويه الصبر والسلوان وحسن العزاء وانا لله وانا اليه راجعون.ادريس صالح

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى