أخبار

ماليليا بخيت : قبلنا أن نولد غرباء في زوايا الدنيا الأربعة

12-Apr-2012

المركز

حوار : مصعب محمدعلى – صحيفة الوطن السودانية
لفتت ماليليا بخيت القاصة والناقدة الاريترية الانتباه عبر كتباتها , مما حفز الكثير من النقاد للكتابة حول تجربتها الابداعية, خاصة وانها ظلت مشغولة في كتابتها بالقضايا الكونية مثل الحرب والابتعاد عن الوطن , فماليليا ولدت في بيروت ودرست في كلية الاداب قسم النقد , وطاب لها المقام فيها حيث تعمل في باريس, لها مجموعة قصصية تحت الطبع (عتمة تسرق الامكنة )

وعن الامكنة قالت في حوارها معنا( كنت دوماً اردد مقولة قديمة لا أعرف من قائلها، “يسكننا وطن لا نسكنه) هي وكثير من ابناء جيلها ظلوا مشغولين بقضايا السلم والحرية, فعاشوا في المنافي , وقد وضح ذلك عبر الكتابات التى قراناها لهم , في هذا الحوار تحدثت معنا عن الكثير من القضايا الثقافية مثل تصنيف الكتابة ,وكذلك النقد في اوربا والعالم العربي.بعد ان قرات (مخاض النهايات لرجل ظل يطارد الكتابات الجديدة .. صفق الرجل بكلتا يداه وقال لي (هذه هي الكتابة) الرجل شعر ان الكتابة قد لامست فيه اشياء كثيرة..الى اي حد يمكن ان يحفز الكاتب الاطراء , والاطراء قد ياتي من خلال التصفيق بعد قراءة الشعر او القصة في المنابر , كما يمكن ان ياتي من خلال القراءة النقدية ايضا. . ؟في اعتقادي أن “الإطراء” قد يكون مدعاة سعادة وغبطة للكاتب، وبالتالي محفزاً له، لكن ما هو أهم، هو النقد الموضوعي الذي لا يمثل أداة تحفيز وتشجيع فقط بل أداة تطوير للتجربة الإبداعي، لأن النقد هو بمثابة العين الثالثة التي تنظر الى المنتوج من زاوية غير تقليدية، للكشف عن مواطن الجمال او القبح، أملاً في مزيداً من الإتقان والإجادة للعملية الإبداعية، لذلك تجدني أكثر ميلاً نحو القراءة النقدية وأكثر سعادة بها من أي فعل أخر.. لأنها تكشف لي الكثير من الدروب التي غفل عنها نصي على مستوى التكنيك او المحتوى او غيرها من الأمور .=تعيش الكاتبات ظلما كبيرا بسبب التصنيف -النوعي- كتابة انثوية وذكورية- هذا التصنيف المتعمد جعل بعض القراء يتعاملون مع الكتابة وفق نظرة استعلائية ؟ شخصياً ضد هذه التصنيفات المتجاوزة للعمل الإبداعي نحو تعريفات اخرى، وهي في اعتقادي حالة تتعلق بالمجتمع العربي ( الشرقي)، حيث لا نجد هنا في فرنسا او اوربا عموماً تعريفاً من هذا النوع عند التعاطي مع المنتوج الإبداعي، لذلك انا مقتنعة انها امتداد للحالة المجتمعية، التي تسيطر عليها الذهنية الذكورية، وبالتالي انسحب المفهوم على الأدب ايضاً وأن كان في الواقع أنه مفهوم لا يقوى على العيش بعيداً عن تلك الذهنية .فالإبداع أمر يتجاوز مفاهيم الجندرة، ولا يمكن ابداً محاكمة اي عمل إبداعي بالعودة الى جندر المنتج له، هذه مقاربة غريبة على الأدب والفن بشكل عام ، لذلك لست قلقة منها .… كما عرفت فانت قد عشتي في اكثر من مكان وللمكان تاثيره الكبير على الانسان خاصة الكتاب, ماهي اكثر الاماكن تاثيرها عليك ناسها .. ومايطرح من موضوعات وقضايا خاصة وان العالم الان اصبح يشهد تحولات فكرية وثقافية جذرية؟للمكان كما للزمان ذاكرة متقدة، وحضور قوي عند الإنسان (المبدع) وبالتالي عند منتوجه الإبداعي، شخصياً لدي علاقة ملتبسة وقوية في ذات الوقت مع الأمكنة، لأنني ولدت بعيداً عن الجغرافيا الوطنية _ ان صح الوصف- وإن لم أعش غريبة في جغرافيا المولد والمنشأ فإن جغرافيا الوطن ظلت تتمدد بداخلي دون أن أتمكن من تحسسها ولمسها .. كنت دوماً اردد مقولة قديمة لا أعرف من قائلها لكنها كانت تعبر بصدق عن تلك الذاكرة، “يسكننا وطن لا نسكنه ” .. لذلك في اعتقادي “ذاكرة المكان” أحياناً اقوى من “ذاكرة” الزمن الذي يرحل دون عودة، بينما يبقى المكان شامخاً .. ربما لهذه الأسباب واخرى ظل المكان عندي حاضراً بشكله القوي سواء في تجربتي الأدبية المتواضعة او في الحياة الشخصية.. فضلا عن أن عامل التنقل الكثير بين الدروب والأمكنة عزز تلك العلاقة بشكلها المناقض للمفترض ..حيث تفرعت حياتي بين بيروت ( حيث ولدت) وباريس حيث أعيش، واسمرا – وكرن حيث يعيشان في الوجدان، وهما في الغالب تيمة الكتابة وهدفها الأسمى وعوالمها المفترضة . =.. انت من جيل عاش في ازمنة الحرب ماهي انعكاسات الحرب عليك؟الحرب هي الأحساس الأقسى في اي تجربة انسانية، سواء تعلق الأمر بتجربة ابداعية او غيرها..لكن في الواقع أن أزمنة الحرب بقسوتها وفظاعتها واللا منطقيتها، تفرض علينا عوالماً للكتابة، إنتقاماً من فعل الحرب، وأنتصاراً لقيم الإنسان، هذا على المستوى الفني، لكن على المستوى الإنساني فإن اثرها ابعد وأقسى ولا يمكن قياسه بأي وسيلة معيارية . .. هل الكتابة االابداعية بالنسبة للانسان الافريقي أمر ضروري وملح في عالم اصبح ايقاعه متسارعا ومهدد بالدمار والمرض والفقر والحرب؟شخصيا ضد هذا التصنيف الذي ينحو من الجندر الى الجغرافيا او دونها.. فأنا مقتنعة تماماً ان الضرورة الإبداعية ليس لها تعريف جغرافي او أثني .. فحتى في المجتمعات التي توصف بالبدائية ظلت هذه “الضرورة” عامل يتجاوز المتعة، ليصل سقف الإشباع الروحي، هكذا ظلت الأهازيج والإيقاعات والحكايا، تشكل إطار الصورة والروح في تلك الأزمنة الغابرة، ولا يمكن تصور الحياة في غيابها، بل شكلت احياناً معادلاً لها . وبالتالي لا أعتقد أن هناك سلم لترتيب ضرورة الكتابة الإبداعية وفقاً لحاجة كل مجتمع لها . فالإبداع في بعض من جوانبه هو فعل مواجهة للفقر وللحرب والدمار .يعيش العالم العربي ازمة في كتابة النقد على حسب راي الكثير من الكتاب . انت درستي النقد في فرنسا ومؤكد انك مطلعة على تجارب العديد من الكتاب الفرنسيين وغيرهم الى اي حد برايك قد ساهم النقد في العملية الابداعية هنا وهناك؟النقد هو فعل أدبي مستقل وموازي للنص، وضرورته تعادل ضرورة النص الأدبي نفسه، ولا يمكن تصور تطور اي تجربة ابداعية دون أن تتوازى مع تجربة نقدية ناضجة، وصاقلة لها.بالنسبة للمشهد الثقافي الفرنسي أعتقد انه يعيش في أحسن حالاته الفنية، لجهة ادراكه لهذه الحقيقة، وتعايشه معها، لكن في الواقع العربي، دوما ينظر الى النقد بعين الريبة والشك، او يتم تقديره على اساس أنه عامل ثانوي في العملية الإبداعية. كما أن الكثير من الأدباء يعتدون بأعمالهم لدرجة لا تسمح الى رؤيتها على مرآة النقد الموضوعي الهادف . وهنا اشكالية مزدوجة بين النظر الى النقد كخصم من النص الأدبي اوكمجامل ومطري (من الإطراء) له، وفي الحالتين نحن تجاه تقييم غير علمي . هل انت مهتمة بجمع ورصد الكتابة في اريتريا هناك الكثير من المهتمين حاولوا ان يجمعوا لنا ما كتب من قبل المبدعيين الاريتريين والبعض، هذا على مستوى الكتابة النقدية ان توفر الأمر..الشئ الآخر الوصف الذي يقال عن الابداع الاريتيري انه شفاهي كشعب محب للترنيمة والاهزوجة وفي ذلك اشتراك بين السودان واريتريا كشعبين تربط بينهم قواسم كثيرة وساهم في ذلك الحرب طبعا لتجعل من الاهزوجة والترنيمة الطابع الاكثر بروزا؟أعتقد أن مسألة جمع ورصد الكتابة الإبداعية في اريتريا قضية ذات أهمية بالغة، ولكن هي تتجاوز دوري، لأنني ربما غير مطلعة بشكل كاف على الأدب الاريتري وهناك كتاب وأدباء بالداخل بإمكانهم تقدم الكثير في هذا الجانب، منهم الاستاذ محمود ابو بكر الذي اعد انطولوجيا للأدب الارتيري بعنوان “مرايا الصوت”، وهي أول انطولوجيا اريترية للأدب المكتوب باللغة العربية،في الشعر والقصة القصرة والرواية.مسألة الشفاهة هي جزء من تراث المنطقة، و واقعها المعاش، وأعتقد أن في هذه الشفاهة الكثير من الموروث الإبداعي الذي يمكن ان يشكل خلفية مهمة للكتابة، إذا ما تم توظيفها في الأعمال الأدبية. اذا قلنا لك هل قسوة الابتعاد عن حياة الاهل -شعب اريتريا- حفزتك للكتابة عن الحنين , او الفراق؟ربما هذه العوامل خلقت لدي مساحات واسعة للكتابة، فأن تحلم بالشيء أجمل من أن تجده.. هكذا تقول الحكمة، وربما الإفتراض الذي يعيش في مخيالي أجمل من الواقع المعاش على الأرض.لكن هناك قيم محددة أسن قلمي لها، قيم الحرية، والديمقراطية التي أدى غيابها الى اتساع أزمنة غيابنا عن جغرافيا الوطن . لذلك الحنين هنا ليس للمكان فقط بل للقيم التي طالما حلمنا بها، وقبلنا أن نولد غرباء في زوايا الدنيا الأربعة تحقيقاً لها . قوافل من الشهداء وعقود من الأزمنة مضت في نضال من اجل الحرية وبناء الدولة الديمقراطية المستقلة، لكن الواقع الآن مناقض لذلك الحلم، وبالتالي هي محفز للكتابة من هذه الزاوية أكثر من تلك الزاوية الرومانسية المتعلقة بالفراق والحنين رغم منطقية هذه الأخيرة.++ الوطن الثقافي ــ صحيفة الوطن السودانية 12 إبريل 2012م

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى