مقالات

ملتقي الحوار الارتري بين المعاني والمقاصد : صالح عثمان علي خير

11-Nov-2010

المركز

الحوار يبدأ بكلمة والكلمة الناطقة وليدة الصمت الواعي خاصة عندنا يكون الحوار حول قضية مصيرية كقضية وطن فينبغي أن يختلف أسلوبه ووسائله وأدواته وأن يكون حوارا مسئولا يعي الضرورات والمخاطر التي تحيط بالوطن حاضرا ومستقبلا وهذا ما نفتقده في الساحة الإرترية عموما لا أقول منذ تفجر الثورة ولكن منذ أن تحولت الثورة إلي تنظيم قوي له أزرع ومخالب واستطاع أن يكون له حضورا مؤثرا علي المستوي المحلي والإقليمي والدولي ، ومع كبر التنظيم وتعاظم قوته كبرت معه مشاكله ومسؤولياته والتزاماته نحو المنتمين له والمعارضين له أيضا وبرزت من هذه الإرهاصات قيادات وكوادر لها طموحاتها وأطماعها منها من رأي أن قيادات هذا التنظيم وأجهزته قد عفا عليها الزمن ولا بد من استبدالها بأي وسيلة ممكنة ،

واستغلوا الحراك السياسي والتنظيمي والتعبوي الذي ظهر داخل تنظيم الجبهة وتعارض وتضارب الآراء في هياكل هذا التنظيم العريق الذي كانت تقوده حسن النية والإخلاص الوطني الأصيل المجرد من كل رغبة أو طموح فقد كانت تلك المرحلة مرحلة العطاء دون حدود أو قيود . ولابد من التأكيد أولا أن للحوار قيمة ومعني ، فالقيمة هي التي يتفق عليها الناس ويدافعون عنها بكل ما يملكون ويتقاتلون بكل وسائل القتال المتاحة عندما يختلفون حول هذه القيمة التي كانت موضع اتفاق سابق ، ومعني يسعون لتحقيقه في إطار عملية متنامية ومتطورة تسعي للأفضل دوما . لذلك وفي المراحل الأولي للثورة كان هناك شبه إجماع حول قيمة واحدة يسعي الكل لتحقيقها ويتجرد من عناصر الجذب السلبي والايجابي نحو بلوغ هذه الغاية المتفق عليها في إطار القيمة المتفق عليها وهي الحرية والاستقلال كهدف سامي تسعي الثورة لتحقيقه بالجهد المخلص والنزيه لأبنائها الذين ارتضوا أن يكونوا شموع وقرابين لهذه الغاية النبيلة التي أسكرتنا جميعا وأصبحنا نتسابق نحو العطاء والتضحية والإيثار نحو بعضنا البعض ، لذلك تقدمت الثورة وحققت انتصارات عظيمة جعلتنا علي قاب قوسين أو أدني من الانتصار النهائي والانطلاق نحو الحرية والاستقلال . وبحكم اتفاق الأخوة في قيادة وقواعد الجبهة والتفافهم حول هذه القيمة واستعدادهم للدفاع عنها بكل غال ورخيص ، فقد أجلو الحوار أو أجل الحوار نفسه عندما وجد أناس يسابقون نحو العطاء والتضحية دون رغبات أو نوازع ذاتية ، فقد كان القائد قائدا والجندي جنديا وكلاهما ذاب في الآخر بحيث تلاشت الفروق وزادت الروابط بينهم لدرجة أن التفاهم أصبح شبه تلقائي والأداء فيه كثير من التفاني والإخلاص ، لذلك فإن وسطا هذه هي سماته وسلوكياته لم يجد للحوار والنقاش مساحة ولا وقتا في إطار التفاهم والحب المتبادل ، والتقدير والإيثار المتبادل بين القيادة والقاعدة فقد كان الجندي رمزا مقدرا من كل فئات المجتمع الارتري، وكانت له مكانة خاصة حيث يتسابق الكل نحو الميدان ويستكثر الأجازة بين أهله وذويه لذلك كانت هذه الملحمة النضالية المشرقة في سماء نضالات شعوب الأرض الساعية نحو الحرية والإنعتاق من قيود الاستعمار ، ولكن خلال المسيرة الوطنية الطويلة قد ظهرت قيادات هزيلة انتهازية المسلك والطموح بحيث تلاشت الجهود الوطنية المخلصة وبرزت إلي السطح ممارسات وسلوكيات لقيادات أوجدت لنفسها هياكل تنظيمية خاوية من أي قيمة أو معني وأصبحت تسعي نحو الكسب الآني وبكل الوسائل المتاحة لذلك ضاعت بوصلة الحوار الوطني المسئول وظهرت تنظيمات كثيرة لا تمت إلي القضية الوطنية بشيء سوي أنها تعبير ذاتي عن من أسهها وأدعي بأنها مشروع وطني سوف يسهم في حل إشكالية الوطن ونسي أو تناسي أن إضافة أي تنظيم جديد إلي الساحة الوطنية هو عبئ إضافي علي المشروع الوطني وإضافة عقبة آخري إلي مجمل التناقضات والتعقيدات التي عجزنا عن حلها لأننا لم نسعي إلي الحل بجدية بقدر سعينا إلي البحث عن الذات في أي مشروع أو تصور وطني يسهم في تقريب وجهات النظر للوصول إلي تصور وطني جامع دون تخوين لأحد أو استبعاد لأي طرف أو عنصر وطني صادق يثري العمل الوطني ولا يكون عبئا عليه . لذلك يجب علينا أن نبحث عن مظلة وطنية جامعة دون إقصاء أو تخوين لأحد ، لان الوطن ساحة تسع الكل وتضيق بالكل ، تسع الكل عندما تصدق النوايا والمقاصد وتضيق بالكل عندما تبرز الذات وتسوء النيات والمقاصد ، لذلك فملتقي الحوار الوطني هو فرصة طيبة ومجال جيد لصياغة مشروع وطني يسهم في حلحلة كثير من القضايا والمعوقات التي رافقت مسيرة العمل الوطني وبرزت علي السطح في ظل حالة التمحور التي سادت الساحة الوطنية قبل وبعد الاستقلال ، وكان من المفروض علي ملتقي الحوار الوطني أن يراعي النقاط التالية:ـ أولا :ــ المكان :ـ إثيوبيا ليست المكان المناسب للحوار الوطني الذي يسعي إلي التلاقي ونسيان الماضي بكل سلبياته والبدء في تسطير صفحة حوارية جديدة تراعي الحد الأدنى من الاتفاق والتوافق الوطني علي مجمل الخيارات الوطنية المتفق عليها لذلك لم يكن اختيار إثيوبيا موفقا للاعتبارات التالية :ـ 1. البعد النفسي :ـ لقد عشنا مع إثيوبيا حالة حرب مدمرة قبل وبعد الاستقلال وكانت أسباب هذه الحرب وجودية ومصيرية ولم تكن علي هامش التنافس بين النظامين ، وليس صحيحا أن التجراي قد أيدوا استقلال إرتريا من منطلق إحساسهم بعدالة قضيتنا فقد كان استقلال ارتريا حاجة إثيوبية” تجراوية” وضرورة ارترية من منطلق خوفهم من الهاجس الارتري وتهديده لطموحاتهم في السيطرة علي الحكم في إثيوبيا ، وما تجربتهم في الساحة الارترية في التحالف مع طرف ارتري في ضرب تنظيم جبهة التحرير الارترية رغم ما قدمته الجبهة لهم إلا شاهدا علي خبث نواياهم وعدم مصداقيتهم في التعامل مع القضية الارترية قبل وبعد الاستقلال وحرب “بادمي” وتلاعبهم بالتناقضات الارترية الإرترية وفي المعارضة الارترية نفسها والكيل بمكاييل مختلفة تكرس الانشقاق وتحدد زوايا التلاعب في ظل هذه التنظيمات العديدة والمتعددة التي لا تحتملها الساحة الارترية في ظل هذا العجز المتزايد في السيطرة علي التناقضات الارترية التي ارتدت عباءات سياسية مختلفة فارغة المحتوي والمضمون إلا من شعارات تقتات بها ومبادئ تتدثر بها دون رادع مبدئي أو حس وطني وبالرغم من ذلك تراهن أن تكون هي واجهة المستقبل في ارتريا !!! 2. إثيوبيا :ـ لها أهداف مرحلية وأهداف مستقبلية {إستراتيجية} ، الأهداف المرحلية هي جعل المعارضة الارترية بعمومها حصان طروادة لإسقاط النظام في ارتريا ومن ثم تفكيك هذه المعارضة لاختيار الأضعف منها والأقرب استراتيجيا لها في ظل سعيها للسيطرة الكاملة علي إثيوبيا حاضرا ومستقبلا من خلال مظلة التوجه الديمقراطي الخبيث الذي يفكك الآخر ويعطي السيطرة للتجراي سواء كان ذلك علي المستوي الإثيوبي أو في تعاملها مع الشأن الارتري ، وما رعايتها لاجتماع أو مؤتمر عفر البحر الأحمر في ظل انعقاد لقاء الحوار الوطني الارتري الذي كان يفترض أن يكون هو الإطار الجامع لكل الإرتريين لأن عفر البحر الأحمر لا يعيشون في القطب الجنوبي وإنما هم جزء من الكيان الارتري والبحر الأحمر هو شاطئ ارتري في حدود السيادة الارترية عليه ، وإدخال التجراي للعفر كعنصر منفرد في الشأن الارتري يعبر عن خبث الهدف والممارسة من حيث الشعار الذي رفعه العفر والمقصد الذي تسعي إليه التجراي من حيث أنهم يمكن أن يطالبوا بحق تقرير المصير ولانضمام إلي إثيوبيا وبذلك يتحقق حلم إثيوبيا في السيطرة علي موانئ ارترية والتخلص من الخطر والعبء الارتري الذي أسهم في تفكيك الإمبراطورية الإثيوبية وإدخالها في دوامة الضعف التي أوصلت التجراي إلي سدة الحكم في ظل حالة الانهيار التي شهدتها إثيوبيا آنذاك . ثانيا :ـ الرمزية :ـ الرمزية التي اتخذها ملتقي الحوار الوطني وهي جعل صورتي الزعيمين إبراهيم سلطان وولداب ولدي ماريام واجهة لهذا اللقاء ونسيان أو تناسي أن هناك رمز وطني متفق عليه من كل الارتريين بمختلف انتماءاتهم وطوائفهم وهو الشهيد البطل حامد إدريس عواتي وهو رمز يبعدنا عن التقسيم الطائفي والمقاصد الغير سوية التي تتحين الفرص لتفكيك الكيان الارتري وإدخاله في دوامة التشرذم والحروب التي لا تنتهي وما الصومال الشقيق ببعيد عنا حيث أدخلتهم إثيوبيا والقوي المتحالفة معها في دوامة العنف والتفكيك المتعمد للكيان الصومالي الذي كان شوكة في خاصرة إثيوبيا في مختلف عهودها ، ولهذا فإن الذي اختار هذا الرمز بقصد خبيث أو بغير قصد فقد أراد أن يفتح لنا أبواب الطائفية والمناطقية من أوسع أبوابها حيث أن هناك رموز وزعامات وطنية أسهمت إسهامات فاعلة ومؤثرة في مسيرتنا الوطنية ومن الظلم أن نختصرهم في هذين الزعيمين إلا لمن كان له قصد ومعاني خبيثة فالزعامات الوطنية التي لها بصمات واضحة في مسيرتنا الوطنية كثيرة مثل الزعيم الوطني إدريس محمد آدم الذي كان يمثل رمز الكبرياء للقضية الارترية وأبي إلا أن يكون كبيرا عندما رفض أن يكون عنصر خلاف في الساحة الارترية عندما تطاول عليه الصغار وأنزوي بعيدا عن ساحة العمل الوطني حفاظا علي ما ساهم في بناءة وزودا عن حمي الشعب الارتري الأبي الذي كرمه حيا وميتا فيكفيه فخرا أنه لا يذكر بسوء عندما تثار أسباب التشرذم التي سادت الساحة الارترية ، وهناك الزعيم الوطني عثمان صالح سبي الذي كان يمثل رمز العطاء المتجدد الذي أثري ساحة العمل الوطني وأبرز القضية الارترية علي المستويين الإقليمي والدولي ، وغيرهم من القيادات والرموز الوطنية التي أسهمت بإسهامات مؤثرة في مسيرة العمل الوطني ، لذلك كان ينبغي علي لقاء الحوار الوطني أن يعي معاني ومقاصد هذا الاختيار الذي فيه مخاطر طائفية ومعاني خبيثة يمكن أن يستثمرها كل ذا مقصد تدميري يهدد الوحدة الوطنية الارترية الجامعة ، وفوق هذا وذاك فهو مقصد إثيوبي خبيث من حيث وعي أم لم يعي من اختار هذا الرمز فهو يخلصها من رمزية الثورة الارترية [ ورمزها الأصيل جبهة التحرير الارترية رمز الكفاح وشرارة العطاء التي أضاءت ربوع ارتريا دون تمايز أو تناحر] التي أنهكتها وتكرس الرمزية الطائفية والمناطقية للكيان الإرتري الواحد ثالثا :ـ التعدد التنظيمي :ـ التعدد التنظيمي لقوي المعارضة الارترية والتي هي مشكلة المشاكل والتي تعوق وتعرقل العمل الجماعي المتفرد الذي يكون في إطار برامج وأهداف وسياسات تحتوي مجمل التوجهات السائدة في إطار هذه القوي المعارضة والمتعارضة في ممارساتها وطموحاتها التي لا تمت إلي الطموح والهم الوطني بشيء سوي أنها تبحث عن مظلة تقتات من خلالها وتمارس من خلالها العبث السياسي الذي يلهي القوي الفاعلة في المجتمع الارتري عن تجميع عناصرها ورؤاها وتأطير المناسب أو المتناسب من البرامج والسياسات التي تطرحها هذه التنظيمات في بوتقة واحدة تراعي التعدد في الرؤى والمكون الاجتماعي والسياسي للكيان الارتري الواحد . فكان علي الإخوة في ملتقي الحوار الوطني السعي إلي تجميع هذه الفصائل والتنظيمات ودراسة جوانب الاتفاق وتضييق هوة الخلاف في التصورات والبرامج التي تحملها هذه التنظيمات وليس حضورهم أو بعضهم كشاهد إثبات يتابعون ويناقشون خارج إطار قناعاتهم في إطار التنظيمات التي يقودونها ، لأنه وبعد انفضاض ملتقي الحوار الوطني عادوا إلي قواعدهم سالمين ومعافين في أفكارهم وتصوراتهم دون أن يصيبهم عطب الحوار الذي شاركوا فيه لحسابات ذاتية في إطار خصوصية العلاقة التي تربطهم بإثيوبيا وحرصهم علي أن تكون هذه العلاقة خصوصية ومتميزة في حدود ما يخدم تنظيماتهم بعيدا عن الهم الوطني الذي يفترض أن يجمعنا ويكون هو محور تلاقينا ونقاشاتنا وسعينا الدءوب نحو تضييق هوة الخلاف وترميم جسور التلاقي التي تختصر وتعتصر هذه التنظيمات التي أنهكت الجسد الإرتري المثخن بالجراح ومرارات الاقتتال والتباعد النفسي الذي خلفته قيادات هذه الفصائل علي مدي مسيرة العمل الوطني في ظل مرحلة التحرير وما بعدها حيث زاد عدد الفصائل وتعددت القيادات التي تبحث عن دور وموقع تقتات فيه بقناعاتها بعيدا عن الهم الوطني الذي لا يحتمل هذا التعدد والتفريخ المستمر لهذه التنظيمات ، والذي كان للأسف ملتقي الحوار الوطني ساحة للمران علي تشكيل وتفريخ فصائل أخري وقيادات أخري تحت مسميات مختلفة ، لأنه في اعتقادي أن ملتقي الحوار يكون لتجميع المشتت وليس لتشتيت المشتت أصلا ، لأن من هم في إطار التجمع الوطني أو هم خارجه كان ينبغي أن يكونوا هم ساحة العمل لهذا الملتقي الحواري الذي كان ينبغي أن يسعي إلي تجميع هذه التنظيمات للوصول إلي تصور وتنظيم شبه جامع وليس السعي إلي عقد مؤتمر سوف يكرس ولادة تنظيم جديد بتصورات جديدة قديمة لأنه ينبغي أن نعي أن أساس مشكلتنا في الساحة الإرترية قبل التحرير وبعده أن أبتلينا بقيادات انتهازية وجدت في التعدد مرتعا تقتات وتبرز من خلاله مواهبها في تفكيك العلائق الاجتماعية والثوابت الوطنية التي صمدت عبر الزمن والمحن التي مر بها الشعب الارتري الأبي . فكان علي ملتقي الحوار الوطني أن يسعي لوضع آليات وأدوات تسهم في تجميع هذه الفصائل والتنظيمات وتقرب الهوة بينها لأن المشكلة ليست في التصورات والاجتهادات النظرية بقدر ما هي داء التعدد والتمحور الذي أصاب الساحة الارترية منذ زمن بعيد ، وما تجارب الشعوب التي حولنا مثل الصومال والعراق ……الخ إلا شاهدا علي أن أساس البلاء هو في هذا التعدد السلبي الذي فرخته قيادات انتهازية قاصرة بعيدة كل البعد عن الهم الوطني ، وحريصة كل الحرص علي مصالحها الذاتية وجاهزة للتنازل عن أي شيء دون رادع مبدأي أو وطني وما تناحر الصوماليين واقتتالهم وتباعد العراقيين وعجزهم عن تشكيل حكومة علي مدي أكثر من ستة أشهر إلا شاهد ومعبر عن ما يمكن أن ينتظرنا من مشاكل ومعوقات واجتهادات مغلوطة وقاصرة عن إدراك أن إرتريا بلد صغير ينمو ويتطور بالتعايش البناء بين أبنائه ويندثر عندما تسود الفرقة والتعدد السلبي بينهم ، فمرحلة التجارب الاختبارية قد ولت واندثرت خاصة في ظل هذا التعقيد والتضييق الذي تعيشه المنطقة ويعيشه العالم والوضع المعيشي والاقتصادي الصعب الذي يعيشه المواطن الارتري سواء كان في الداخل أو في مناطق اللجوء المختلفة لذلك لامجال ولا مكان لمن يبحث عن ترف الحوار في الأبراج العاجية لمن لا يدركون حجم المعاناة والضيق الذي يعيشه المواطن الارتري في مناطق اللاجئين الذين تخلت عنهم المنظمات الدولية وليس لهم معين إلا الله تعالي ورغم ذلك لم يتخلوا عن قناعاتهم ولم يتسولوا بمعاناتهم فاتقوا الله فيهم . المشكلة ليست في الحوار في حد ذاته فنحن لا نعيش أزمة حوار بقدر ما هي أزمة في أدوات الحوار ومواضيعه والأهداف المرجوة من هذا الحوار ، فعندما نحدد إطار هذا الحوار ومحدداته نكون قد خطونا الخطوة الأولي نحو المعالجة الصحيحة لما نعيشه من مشاكل وأهمها التعدد التنظيمي والفصائلي الذي استشري في الجسد الارتري ، ويحضرني قول أحد الأخوة المناضلين الذين عاشوا عز الجبهة وأصبحوا ضحايا ومادة للفرقة والتشرذم عندما قال له أحد قادة الفصائل الذي أظنه مخلصا بأنه قد جاء ليوحد الفصائل المتقاربة في برامجها وتصوراتها ورد عليه الأخ المناضل هل لديك إمكانيات مادية فقال له القائد بأنه ليس لديه إمكانيات مادية ولديه متاعب صحية فقال له الأخ المناضل تعالج من أحد المرضين وسوف نكون في استقبالك لبدء مسيرة الحوار نحو الوحدة المنشودة . إخوتي :ـ هذا هو مستوي الحوار ووسائله والإطار الذي يدور فيه ، لذلك فالمشكلة ليست في الحوار في حد ذاته وإنما في أهدافه وأدواته والمبادئ التي تحكم هذا الحوار لذلك ينبغي علينا أن نحدد المشكلة أو المشاكل التي نريد أن نتحاور حولها واعتقد بأنها تتلخص فيما يلي : ـ 1. التعدد التنظيمي :ـ إن هذا الكم الكبير من الفصائل والتنظيمات وتحت مسميات مختلفة لا تحتملها الساحة ولا الكيان الارتري الصغير في مساحته وإمكانياته وموارده الكبير بإنسانه وبموقعه الاستراتيجي الذي يضعه دائما في واجهة الصراع الدولي في ظل تكالب الدول الكبرى علي الممرات المائية وأهميتها في التجارة العالمية لذلك ينبغي أن يكون محور نقاشنا هو التقريب بين هذه الفصائل ودمج الممكن منها برامجا وتصورا بحيث نوقف حالة التفريخ المستمر لهذه الفصائل التي استمرأت هذا الوضع وتحت مسميات مختلفة بدأ من مظلة الديمقراطية والتدثر بعباءة الدين والكونفيدرالية والفيدرالية والكيانات القبلية والطائفية ….الخ ، أن هذه الكيانات في مجملها تبحث عن دور فمنها ما هو انتهازي ومنها ما هو جاد ومسئول لذلك علينا أن نعري الانتهازي منها ونقف مع الكيانات المسئولة التي تعي المسئولية التاريخية التي تقع علي عاتقها ونحاول أن نقرب بينها وصولا لبناء تصور تحتمله الساحة الارترية ويكون واجهة المستقبل للدولة الارترية التي تنصف الكل ويحتمي بها الكل في ظل دولة ديمقراطية يتعايش فيها الكل بعيدا عن ترهات هذه القيادات الهزيلة التي أوجدتها ظروف الانشقاق ووجدت مرتعا تحت مسميات القبلية والإقليمية والطائفية الضيقة التي يفترض أن تتواري في ظل الوعي المتنامي للشعب الارتري ولكن المأساة تكمن في مجموعة من الأميين المتعلمين الذي برزوا في واجهة الفصائل التي أصبحت مرتعا لهذه الفئة الضالة المضلة التي تحتمي بشعارات زائفة بعيدة كل البعد عن الهم الوطني وما يعيشه المواطن الارتري من آلام ومعاناة تتزايد مع الأيام ولكن لا حياة لمن تنادي فهم استمرءوا هذا الوضع لأن أمية المتعلم آفة صعب علاجها أما أمية الجاهل فيمكن علاجها من خلال التوجيه والتنوير الأمين وتوضيح الحقائق ليحتكم بعد ذلك إلي فطرته وعقله الذاتي النقي من كل المغريات الانتهازية الحريص علي المصلحة الوطنية التي ضحي وتشرد وذاق الأمرين في سبيلها ، أما هؤلاء الذين يتوارون خلف أسماء وألقاب وهمية ويسوقون ويكبرون ويهللون لكل منشق كون تنظيما جديدا تحت أي مسمي ليتولي هؤلاء التسويق له وتمجيده وتحويله إلي رمز قل أن تجود الساحة الإرترية بمثيله علما وفقها وسياسة ودهاء ليختصروا مسيرة الحاضر وتوجهات المستقبل في ترهات هذا القائد المفترض ، لذلك فإن من يتخفي خلف ألقاب وأسماء مستعارة ويدافع عن فكرة أو يطرح رأيا وليست له الشجاعة في طرحه والدفاع عنه باسمه الصريح هو رأي لا قيمة له ، لأن من طرح رأيا ويجبن عن الدفاع عنه فهو لا يستحق القراءة ولا التعليق عليه فهم طبالون لكل جديد في هذا الزمن الردئ الذي فرخ مثل هذه القيادات الهزيلة والانتهازية والتي لا تتورع عن شيء في سبيل مصالحها الذاتية . 2. أن نحدد مهام المرحلة وآفاقها وأهدافها وبرامجها وأدواتها ونسعى إلي تجزئة المشكلة أو المشاكل التي تعترضنا لأن الحلول في ظل هذه الظروف الصعبة لا تكون بالجملة وإنما الحلحلة الجزئية هي التي تجدي فيها وتوصلنا إلي تقليص دائرة الخلاف وتحديد خيارات محددة للمرحلة المقبلة تسهم في كشف أصحاب الشعارات الزائفة والخيارات المغلوطة والمتخفين خلف المصالح الذاتية الذين هم العقبة الكأداء في مسيرة التلاقي والتفاهم الوطني المرتقب . 3. القيادة : القيادة في بعض الأحيان هي التي تصنع القاعدة ولكن في أغلب الأحيان أن القاعدة هي التي تصنع القيادة وشواهد التاريخ كثيرة في هذا المجال ، فأزمة الساحة الارترية تتلخص في مجملها في عدم وجود قيادة تاريخية تعي الضرورات وتحدد الخيارات من خلال قراءة واعية وواضحة لمجمل القضايا والمشاكل والمعوقات التي تعترض مسيرة الإصلاح والتقويم المستمر وتحد من الإفرازات السلبية ودوامة التفريخ المستمر لهذه الفصائل والتنظيمات وقياداتها الهزيلة التي أبتلينا بها في ظل حالة انعدام الوزن التي نعيشها وتعيشها المنطقة بأسرها . فالقيادة التاريخية يمكن أن تصنع شعبا وتحدث تغييرا جذريا في مفاهيمه وتسهم في تحريك عناصر الفعل الايجابي في تكوينه وفي حركته لينتقل من حال إلي حال والأمثلة كثيرة في هذا المجال منها تجربة الصين الشعبية التي كان يعيش شعبها آنذاك منغمسا في تعاطي المخدرات وجاء “ماوتسي تونغ” ورفاقه لينقلوا الصين هذه النقلة العجيبة والأسطورية من دولة كانت في القاع إلي دولة كبري تحتل مكانة بارزة وتكاد تكون الدولة الأعظم علي مستوي الاقتصاد العالمي في العشر سنوات المقبلة ، لذلك فدور القيادة في حياة الشعوب مهم ولكن دور القاعدة الواعية هو الأهم في مسيرة الشعوب ولولا الجهد والعمل الشاق والمعاناة التي تحملها الشعب الصيني من خلال تفاعله الايجابي مع قيادته في سبيل رفعته وتبوءه لهذه المكانة الرفيعة بين شعوب العالم لما كانت الصين التي نراها الآن ، والأمثلة كثيرة في هذا المجال منها تجربة الشعب الياباني الذي حول الهزيمة إلي نصر والانكسار إلي قوة وتفوقت حتى علي من هزمها وأراد لها الاندثار . والفرز ممكن بين هذه القيادات التي تعج بها الساحة الارترية صحيح أنها مهمة شاقة ولكن الشعب الارتري بوعيه المعهود وفطنته التي مكنته من التعايش مع الصعاب والمحن الكثيرة التي مرت عليه بشرط أن نتحرر من الولاءات القبلية والإقيليمة الضيقة التي أوجدت هذا المرتع الخبيث الذي استثمرته هذه القيادات الهزيلة لتحقيق مكاسب آنية عطلت المسيرة وضيعت الهدف وأدخلتنا في هذه الدوامة الرهيبة التي نعيش فيها فهل من مجيب ؟ وأخير وليس أخر يجب أن نراجع تحالفاتنا الخاطئة التي كانت تنطلق من حسابات خاطئة والتي أدت إلي نتائج خاطئة سواء كان ذلك علي مستوي المكون الاجتماعي {القبلي – الإقليمي} أو علي مستوي الفصائل والتنظيمات الارترية ، حيث كانت تعتقد كل فئة أو جماعة أو قبيلة أو إقليم أو فصيل بأنها من خلال تحالفها هذا سوف تضعف الآخر أو تنهيه ولكن للأسف أن هذه التحالفات الخاطئة أدت إلي إضعاف كل فئة سعت إلي إضعاف الأخرى والنتيجة كانت هي حالة الضعف والتشتت العام الذي نعيشه ، وهذا الجدار النفسي الذي أوجدته هذه التجربة المرة والتي نسجت خيوطها فئة ضالة ومضلة كانت تنطلق من حسابات انتهازية ضيقة ولم تكن تسعي لمصلحة قبيلة أو إقليم أو حتى الوطن بأسره وإن ادعت ذلك زورا وبهتانا . ولو أن كل فئات المجتمع الإرتري التي كانت تعيش ولا تزال في هذه الدوامة الخلافية المصطنعة ـ من فئات ضالة وقاصرة ومشوشة وهي أبعد ما تكون عن مصلحة القبيلة أو الإقليم أو الوطن ـ راجعت هذه المرحلة لوجدت أنها ضيعت جهد كبيرا وخاضت معارك وهمية ولم تحصد إلا السراب ، لذلك ينبغي أن نتأكد أنه لا قبيلة ولا إقليم ولا طائفة يمكن أن تحسم الصراع لصالحها مدي الدهر وتكون هي سيدة الموقف في وطن ضحي وتشرد وعانا في سبيله كل المجتمع الارتري ، وتجارب الشعوب من حولنا تؤكد هذا المعني لأن النتيجة الحتمية لهذه الدوامة هي الحرب الأهلية التي ستحصد الأخضر واليابس ، وتحضرني هنا تجربة لبنان والمقدمات التي سبقت الحرب الأهلية والتي سببتها فئة من طائفة كانت تعتقد بأنها سيدة الموقف سواء في إطار فئتها أو علي مستوي المجتمع اللبناني كله وكانت النتيجة أن خرجت هذه الفئة من حلبة الصراع عندما راجع اللبنانيون حساباتهم الخاطئة في هذا الصراع العبثي وجلسوا يتحاورن للخروج من هذه الدوامة وكانت اتفاقية ” الطائف” بجهد صادق وموفق من المملكة العربية السعودية والتي عالجت مجمل المشكل اللبناني وأخرجتهم من دائرة الحرب العبثية التي اجتاحت لبنان آنذاك وأعادت الحقوق إلي أصحابها وبما يرضي الكل في حدود متطلبات الحسابات الإقليمية التي تسيطر علي لبنان ، لذلك علينا أن نعالج مشاكلنا بشكل عقلاني بعيد عن منطق الحسابات الخاطئة والتحالفات الخاطئة التي ربما تدخلنا في دوامة الحسابات الإقليمية ومتطلبات لعبة الأمم التي لا قبل لنا بها ، ولا وقت نضيعه في دوامة جديدة من صراعات وتصفية حسابات دولية نكون نحن ضحاياها وندفع ثمن حسابات وتحالفات خاطئة تسعي إلي البحث عن موطئ قدم في ظل صراع الممرات المائية والمواقع الإستراتيجية لبعض الدول ونحن منها لتأمين التجارة العالمية فهل نحن قادرون علي أن نمسك بزمام أمورنا ونحتوي خلافاتنا ؟

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى