مقالات

الكلمات المتقاطعة !؟ : عمر جابر عمر

5-May-2011

المركز

هذه رياضة ذهنية وهواية يمارسها ملايين الناس فى كل بقاع العالم وبكل اللغات – بقول المؤيدونلها أنها تساعد على تنشيط الذاكرة وأختبار العقل وجعله يواجه تحديا للوصول الى أجابة لكل سؤال . ثم أنها تشغل وقتك وتبعدك عن الدخول فى ما لا يعنيك وتريح دماغك من نقاشات عقيمة مع الركاب فى القطار أو الحافلة. أما المعارضون يقولون أنها تستهلك طاقة العقل بلا هدف ولا مردود – أنها ممارسة خفية وخجولة لأثبات الذات والتفوق ؟ أما عن الوقت يمكن الأستفادة منه فى قراءة كتاب أو الأستماع الى ما يريح النفس والروح ! ويذهب هؤلاء المعارضون أبعد من ذلك فيقولون أنها رياضة يمكن أن تؤدى الى الأدمان ومن ثم التوقف عن العمل والأبداع – وتكون حالة أجترا ر دائم للمخزون الثقافى للفرد دون أن يجد وقتا لزيادته !

ومهما كانت المواقف تجاه هذه الهواية فأنها موجودة فى قطاعات من كل مجتمع – ولكن كيف يكون الحال أذا أصبحت هذه الهواية برنامجا دائما ومتواصلا لشعب بأكمله ؟ ستكون مأساة حقيقية خاصة أذا كان رأس النظام ( رئيس الدولة ) هو الذى يضع ويرسم تلك الكلمات المتقاطعة ( الفوازير ) ويطلب من الشعب حلها والأجابة عليها ! رئيس النظام الأرترى يتحدث بلغة وأسلوب ومنهج بحاجة الى معجم لفك طلاسمه ورموزه.فى اللقاء الأخير الذى أجراه التلفزيون الأرترى معه على مدى يومين تحدث أسياس فى كل شىء – ولا شىء !؟ ورغم أن المقابلة كانت مرتبة بعناية وحتى الأسئلة مختارة وفق توجيهاته المباشرة – الا أن المشاهد والمتا بع لم يستطع فهم ما يقوله الرئيس. يبدأ المحاور بتوجيه السؤال فيكون رد الرئيس توجيه سؤال من عنده ليعطى أجابات متعددة تختار أنت منها ما تريد شريطة أن تعرف ما يريده هو ؟ويحتار المحاور ولا يعرف أن كانت الأجابة قد أنتهت أم لا ولكن عليه أن يواصل قراءة المكتوب – ويسأ ل مرة ثانية ولكنه يسمع أسئلة أكثر من الأجابات .هذا هو ما يسمى بأستهلاك طاقة العقل فى ما ليس له مردود عملى وملموس – أنه تحليق فى الفضاء بسبب عدم القدرة على السير على الأرض ! أنه صرفالأ نظار عن المشكلة الحقيقية ومواجهتها وا لهاء الناس بحل كلمات متقاطعة لا تنتهى وأذا انتهت تنتهى بسؤال يتطلب أجابة وهكذ ا …يحكى القادمون من أرتريا مؤخرا القصة التالية : هنا ك رجل فى المدينة حصل على قسط يسير من التعليم ولكنه أصيب بمرض عقلى جعله يتعرض لنوبات تأ تيه فجأة وتخرجه عن أطواره ثم يعود هادئا مسالما. لا يدخل فى نقاش مع الناس ولكنه يستمع اليهم فقط وعندما يسألونه عن رأيه فى أمر ما يضحك ويقول ( مفهوم – مفهوم ) ويمضى بعيدا. أصبح لقبه ( درويش ) — يتحث مع نفسه وينتقد أحيانا الحكومة ولكن لا أحد يسأله- النظام لا يسأ ل المخمور والمجنون ( منتهى الأنسانية) !بعد لقاء رئيس النظام الأخير فى التلفزيون جلس الرجل الى جانب مجموعة من المتابعين كانوا يناقشون ما قاله الرئيس. قال الأول : أن الرئيس كان يقصد كذا وكذا … ولكن الثانى أعترض وقال كلا ان الرئيس كان يقصد هذا وذاك – أما الثا لث فسأل : نحن لا نفهم حقيقة ما كان يقصده – وهنا تدخل أحد أنصار النظام الذين يعيشون فى غيبوبة سياسية أفقدتهم القدرة على التفكير والأبداع وقال : أنتم أغبياء – الرئيس (موسوعة ) لا يمكن الأحاطة بها – حتى المراكز الأستراتيجية ومراكز الأبحاث فى العالم تأخذ وقتا لفك رموز خطاباته وما يقصده وما ينوى عمله ! وهنا وجد أحد المشككين فى العملية كلها ولكنه لا يجرؤ على التعبير عن رأيه بصراحة الفرصة وقال : ولكن كيف يفهم الوزراء ما يقصده الرئيس – هل يسألون تلك المراكز الأستراتيجية !؟ وبا د ر آخر متعاطف معه وقال :ليس بالضرورة أن يفهم الوزير – ما عليه الا أن يردد ما قاله الرئيس حول وزارته ودورها ويبلغه للموظفين وهؤلاء يبلغونه الى المستويات الأدنى حتى يبلغ الشعب – اى يصل الينا وها نحن نناقشه ونحاول فهمه !؟ وهنا وصل الجميع الى حالة من الأنسداد العقلى – التفت أحدهم فرأى الدرويش فقال له مازحا : ما رأيك ؟ضحك الدرويش عاليا وقال – مفهوم – مفهوم ومضى بعيدا . وفى اليوم التالى وفى حا لات الصفاء والهدوء قرر الدرويش أن يقدم طلبا للأ نضمام الى الحزب الحاكم – ذهب الى مكتب الأمن وأخذ أستمارة العضوية ومعلوم أن هناك مرشدا يملى عليك الأجابات حتى لا تخطىء. ذهب الدرويش الى ركن فى الغرفة وبدأ يكتب – وجاء أخيرا الى سؤال يقول : أذكر خمسة صفات للرئيس تبدأ بحرف الميم ( م ) وكان الدرويش قد حفظها عن ظهر قلب من المرشد وبدأ يكتب : منقذ – مفكر – معلم – ملهم …وفجأة ضاعت الكلمة الخامسة – حاول الدرويش أن يتذكر ولكن بلا فائدة – عصر ذهنه وضرب المنضدة بالقلم ولكن دون جدوى – وهنا بدأ الصراع الذهنى يفعل فعله وعاد ت اليه الحالة وفى لحظة توتر كتب كلمة فى المربع وسلمها لضايط الأمن .قرأ الضابط الأستمارة وهز رأسه وقال : كله تمام – ولكن ما هذه الكلمة التى كتبتها كصفة خامسة للرئيس – وهى ( مفهوم ) ؟ وبدأ الدرويش يشرح وهو فى حالاته القصوى :الناس يقولون أنهم لا يفهمون كلام الرئيس ولكن الخلل هو فى ( موجة ) الأستقبال – أنا مثلا موجة الأستقبال لدى مفتوحة مباشرة على موجة أرسال الرئيس لذلك لا أجد صعوبة فى فهم كلامه ..و ..وواصل الدرويش فى كلام لا أول له ولا آخر وأدرك الضابط الذى أصابه دوار فى الرأس أنه أمام حالة لا يفهمها وخشى من العدوى ولكنه أراد أن يخرج الدرويش من الغرفة بهدوء وقال له : مفهوم – مفهوم !؟أنه نظام طارد لكل معارض – متشكك فى كل محايد ويطلب من أتباعه ومؤيديه الخضوع التام والطاعة الكاملة دون نقاش أو أستفسا ر لأن الرئيس فقط له الحق أن يسأ ل ويجيب !؟آخر فزورة طرحها رئيس النظام وطلب من الشعب حلها هى :الفوضى الخلاقة ! أشارة الى الثورات التى أجتاحت البلاد العربية ؟ كل العالم بارك تلك الثورات وأيدها – الا هو يصفها بأنها فوضى ؟ ثورة تونس أنجزت أنتصارا للمرأة غير مسبوق فى البلاد الديمقراطية.بأشترا ط أن تكون كل قائمة حزبية تتقد م للترشيح نصفها من النساء ! مصر ألغت المحاكم العسكرية وقوائم الترقب فى المطارات وساعدت على تحقيق المصالحة الوطنية للفلسطينيين – أى أستعا دت دورها المفقود ليس عربيا فحسب بل وأفريقيا ( زيارة رئيس الوزراء المصرى للسودان شما له وجنوبه – الوفد الرسمى والشعبى – حوالى خمسين شخصا – الى أثيوبيا من بينهم نجل الزعيم الراحل جمال عبد الناصر لآستعادة العلاقات ) . كل ذلك ورئيس النظام الأرترى يقبع فى ركن بعيد لا صلة له الا بالقبا ئل المتمردة فى جنوب السودان ودارفور وعصابات التهريب من الرشايدة !؟ أنه نظام تقطعت به السبل فقطع علاقاته مع الجميع وفى المقدمة شعبه الذى ينتظر فجرا طال طلوعه . سقوط الفراعنة لن يردعه لأنه لا يعيش على الأرض – قراءة التاريخ لا تقنعه لأنه يكتب تاريخه الخاص به – أصوات الأرامل واليتامى لا تؤثر فيه لأنه لا يسمعها – وجوه المعوقين والجائعين والمعذبين لا يراها لأنه مستغرق فى عبادة الذات والنظر الى المرآة التى لا تعكس الا وجهه ؟ فرعون تونس قال : فهمت – فهمت ولكن كان الوقت متأخرا … فرعون مصر كابر وعاند لكنه أستسلم … فرعون ليبيا لا يفهم ولا يفهمه أحد – أنه نموذج للنظام الفوضوى أو الفوضى المنظمة — وفرعون اليمن يستخدم كل الأوساخ الأجتماعية والقصور الفكرى لدى الأنسان من أجل البقاء ( هذا يسمى أستهبا ل ) – أذا جمعت كل هؤلاء تحصل على لغز أسمه ( أسياس أفورقى ) وهو ما يتطلب حله ! . لقد أصبح النظام هو ( الفزورة ) الكبرى التى يتطلب حلها – أفقيا ورأسيا – وأستخدام كل وسائل وتجا رب حلول الكلمات المتقاطعة فى العالم ! عندما يتم حل تلك الكلمات المتقاطعة سيسجل الشعب الأرترى سبقا عالميا بأبداع وسيلة جديدة تضاف الى تراث الشعوب فى مواجهة التحد يات والظواهر غير الطبيعية فى التاريخ البشرى . المهم أن تبقى عقولنا متقدة ومبدعة وحواسنا ومشاعرنا متيقظة وقبل هذا وذاك أن نثق بأننا نفهم ما يجرى من حولنا وما نريده بديلا واضحا ومفهوما !؟كان الله فى عون الشعب الأرترى

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى