تقارير

ربع قرن من التصدي لآمال الشعب وطموحاته – الجزء الأول.

19-May-2016

عدوليس ـبالتعاون مع إذاعة المنتدى

في مواصلة لذر الرماد على العيون، ومغالطة الوقائع التأريخية، أعلنت سلطات الهقدف عبارة (ربع قرن من التصدي والتنمية) كشعار للاحتفالات في هذا العام، ولونظرنا لواقع الحال خلال الفترة المذكورة، لوجدنا ان هذه الطغمة تصدت فعلًا لكل بوادر التطور والديمقراطية والسلم الاجتماعي، ولوجدنا ان هذه الفئة الضالة سعت بإجتهاد إلى تنمية افكارها المريضة، وافعالها الإجرامية، وثرواتها المنهوبة والمستقطعة من قوت الجماهير، كما نمَّت ايضًا رصيدها في انتهاك حقوق الإنسان، عليه وبهذا المنظور يصبح الشعار حقيقي لكنه ناقص، فعصبة الهقدف تمارس (التصدي لكل ماهو جميل، وتنمية القبح والإجرام). ولتتبع مسيرة الإنحدار خلال السنوات الماضية، سنقوم اليوم بقراءةٍ لما يعرف بـ(الميثاق الوطني الإرتري)، وهي الوثيقة الأكثر أهمية، التي اُجيزت في المؤتمر الثالث والأخير للجبهة الشعبية لتحرير ارتريا في فبراير من العام 1994. لم تأخذ تلك الوثيقة أهميتها فقط من كونها كانت اول وثيقة صدرت عن اول وآخر مؤتمر للجبهة الحاكمة منذ ربع قرن، ولا تكمن أهميتها في أنّها حملت وعود بمستقبل تسوده الديمقراطية ويعمه العدل والرخاء، بل تستمد الوثيقة (الميثاق الوطني الارتري) أهميتها من محتواها، الذي اشتمل على: مدخل يوضح صيرورة بناء الوطن في ارتريا، ورؤية الجبهة الشعبية لمستقبل

إرتريا، وقسم ثاني يفصّل البرنامج السياسي، وجزء ثالث يحدد المبادئ التنظيمية. هذه المحتويات ستكون موضوع قراءتنا اليوم، وفي الحلقات القادمة، لأنها تتيح وبوضوح إمكانية محاسبة سلطة الفرد، وإدانة معاونيه ممن تخلصوا من هذا الميثاق فقرة تلو أخرى، وجعلوا من كل تلك الادبيات الجيّدة المحتوى محض مادة للإستهلاك الإعلامي تُنشر عند اللزوم.جاء في المدخل التمهيدي، لوثيقة الميثاق: (أنّه لا معنى للاستقلال، إذا لم يسود السلام ويعم العدل والرخاء في ارتريا، واذا لم يتم القضاء على الفقر، واذا لم تصان الحقوق الإنسانية والديمقراطية للفرد والمجتمع، واذا لم تتحقق مشاركة كاملة للشعب في رسم وتحديد مسيرة البلاد، واذا لم تتطور مجمل الحيوات المادية والثقافية والروحية، لا معنى للاستقلال الذي كلفنا كل هذه التضحيات، إن لم نورّث ابناءنا وأجيالنا، بلدًا آمنًا مستقرًا ينأى عن الشقاء والمآسي والحروب، وطنًا يسوده السلام ويعمه النماء، وطنًا يعتزون ويستدفئون به ويتفيئون بظله). من يطلع على هذه الفقرة اليوم، يعتقد انها مأخوذة من خطاب لإحدى الفصائل الإرترية المعارضة، لأنها تضمنت بشكل واسع معظم مطالبات القوى الوطنية المعارضة وتطلعات الجماهير، وهذا اكبر دليل على ان عصبة الهقدف فشلت تمامًا في إنجاز اي فقرة من فقرات ميثاقها، وإنطبقت عليها كل الشروط الكفيلة بأن ينفض الناس من حولها، لأنها بددت أمانة الشهداء، ولم تحافظ على السلام المنشود، ولم تبن إقتصاد متعافي، بل لم تبسط الأمن ولم توطن الإطمئنان. وعلى عكس ذلك، عملت على هدم وتقويض كل إرث مقدّر وكل تاريخ ناصع، وأنجزت أكبر خدعة، وأعظم إنقلاب وافدح نكوص، في تأريخها وتأريخ كل حركات التحرر العالمية. لكن ولأنه (لكل غرس بذرة)، حمل ذات الميثاق في مدخله فقرات مفخخة، مهدت الطريق أمام مجموعة شكّلت لاحقًا عصابة الهقدف، وجعلت لتسلّطها أرضية من التوافق والإتفاق الزائف حول مواصلة مسؤوليات الجيل الذي أنجز الإستقلال، وهو كما أسلفنا كان حشو مدبّر، يرمي إلى أهداف لم تتضح إلّا بعد أن زال تأثير المخدر الكلامي الذي ظلت سلطة الهقدف تبثه، إلى ان إصتدمت المسيرة بصخرة كانت مرئية للبعض من الكوادر والقادة منذ أن كان الجميع في الميدان، ولأن ظرف المواجهات العسكرية مع العدو وقتها كان يجعل صوت البندقية أعلى لم يناصرهم الآخرون، وتكرر المشهد بعد الإستقلال أيضًا، بإفتراض البعض أن المصلحة والغنيمة ستكون أكبر اذا ما وقفوا إلى جانب الطاغية، وكانت النتيجة أنّه تمكن منهم واحدًا تلو الآخر، من اتضحت له الرؤية مبكرًا ومن كان يطمح في مصالح يحققها، ومن كان بين الموقفين يرى أن الترتيب يجعل جلاء الاستعمار قبل ارساء الديمقراطية، لكن الأهم أن رئيس الطغمة أفلح عبر عمل تدريجي وممرحل في افراغ الجبهة من محتواها، والمواثيق من معانيها، بل وافرغ البلاد من مواطنيها أيضًا.بالعودة لما ورد في الميثاق، نقرأ الفقرة التي حكمت بموجبها العصبة، وجعلت من دواعي الشرعية الثورية وإدعاء المسؤولية المجتمعية والوطنية، ذريعة للبقاء في سدة الحكم لعقدين ونصف حتى الآن، حيث مهد لذلك بالسطور التالية: (أن هذا الجيل الذي انجز الإستقلال لا خيار أمامه إلّا أن يتحمل المسؤلية التأريخية الجديدة، ليسلم الأجيال من بعده مجتمعًا عادلًا ووطنًا قوي البيان. وتعتبر المرحلة الانتقالية الراهنة فرصة لا تعوّض ورهان لا بد منه، وما نُقْدِم عليه اليوم من الخطوات، والبدائل التي نختارها عند هذا المفترق الحاسم، ستقرر بلا شك وبكل المقاييس مستقبل ارتريا وشعبها، إنها فرصة لا تتكرر ثانيًا، وإن إقتناءها والتعاطي معها كما ينبغي هي مهمة حاسمة). هذا ما جاء في مدخل الميثاق، ولو أجرينا عليه عملية تفكيك بسيط، للمقارنة مع الأحداث التي سبقته ولازمته واعقبته، نصل الى نتيجة واضحة، فعندما كان واضعي تلك الوثيقة يقدمون الدعوات المغرية، لمن وصفوهم بمنجزي الإستقلال، كانت الحكومة الإرترية المؤقتة قد شرعت فعلًا في برنامجي التسريح والقصقصة أو ما عرف بـ (مطياس ومظلظال) التي قلصت لحد كبير وجود المقاتلين غير الموالين أو الذين يمكن أن يثيروا أزمات في المستقبل، في المؤسسة العسكرية والخدمة المدنية معًا، وكان معظمهم من الأجيال الجديدة وشباب المقاتلين، كما جاء توقيت المؤتمر بعد حركة 20 مايو 93، وبعد إعادة تشكيل الوحدات العسكرية، وبعد أن وضع حزب الشعب القوائم التي ستشارك في المؤتمر والتي خُطط لأن تُرشح لتولي اللجان المركزية والتنفيذية الجديدة، هذا الى جانب تحديد أسماء من سيتم إستيعابهم بشكل صوري، من قادة ومنتسبي التنظيمات الإرترية الأخرى، خصوصًا اُؤلائك الذين وافقوا على الرجوع إلى إرتريا كأفراد، وسعوا، بل تآمروا لحل تنظيماتهم بحجة ضرورة المشاركة في معركة البناء، كأن البناء الوطني لايتم إلّا عبر تنظيم أو جبهة واحدة !.إذن، الشريحة التي قُدمت لها الدعوة لإغتنام الفرصة التاريخية، ومنع الآخرين من تلك المشاركة، كانت محددة ومعروفة منذ البداية، وتم تطعيمها ببعض الوجوه، وفق محاصصة مناطقية مدروسة، بحيث لا تخل بالبناء الجديد للجبهة التي ستحل مكان الجبهة الشعبية القديمة، والقاسم المشترك بين مكوناتها كان التهافت على المغانم، وهذا يشير إلى أن نوايا الإنقلاب والتملص من كل المواثيق كانت مبيتة، أو مغلفة بالخطاب الإيجابي إلى حين توفر الظروف المكملة لعملية الإستحواذ والهيمنة الكاملة. بعد أن أبعد المؤتمرون والمتآمرون، كل من يمكن أن تكون له رؤية تمنع او تعيق المخطط الذي لم يتكشف للجميع حتى وقتها، حيث كان معلومًا سلفًا من سيكون عضوًا في اللجنة المركزية الجديدة، عدا بعض المفاجآت التي فرضتها الأغلبية بشكل عفوي صعّبت مهمة تجاوز بعض الأسماء الكبيرة، وبعد ان تم إجبار البعض بالتصريح الموثق بأن إبتعاده جاء بشكل طوعي، وخيار شخصي، كما حدث في حالة السيد/ رمضان محمد نور، وبعد إن اُبعدت بعض وجوه القيادة التاريخية للجبهة الشعبية من المواقع التنفيذية داخل الجبهة الجديدة، حتى اؤلئك الذين حصلوا على اصوات كثيرة في نفس المؤتمر التآمري، الذي عُقِد فقط ليتمم مخطط تكريس شخصية الزعيم الأوحد والقائد الملهم، خرج إسياس أفورقي رئيس الهقدف، ليعلن لأول مرة عن (حزب سري تقدمي وطليعي، كان يقود الجبهة الشعبية طوال مرحلة الكفاح المسلح، ولأن الحزب السري إستنفذ أسباب وجوده، في المرحلة الجديدة، كان من الضروري والعملي حل الحزب لنفسه)، بهذه العبارات المقتضبة، اعلن الرئيس عن وجود الحزب وعن حله في نفس الوقت. إذن، وبضربة واحدة وقرار فردي مفاجئ، تم التخلص المبكر من أهم مركز القوة داخل الجبهة الشعبية، وأمّن الرئيس نفسه من اي خطر يمكن أن يشكله أعضاء الحزب الثوري، كما حقق تجريد أُولئك ألحزبيين من آليات التكتل وجمع المعلومات و ممارسة الضغوط، عبر تواجدهم في مختلف مفاصل الدولة الوليدة.وكان الحزب السري قد استنفذ اغراضه فعلًا، بعد أن مهد الطريق أمام حكم الفرد، ووضع حوله قيادة طيعة او مكتوفة الأيدي في أفضل الأحوال، لم تكن المؤاشرات تشير إلى إحتمال تمردها على سياسات الجبهة الجديدة، او إعتراضها على قرارات رئيسها الذي وضعته معطيات المرحلة في خانة ( البطل الوطني) دون أن يكون له ذلك الرصيد الخرافي فعلًا. بناءً على كل ما تقدم ذكره، وعلى أساس ما اُقترف خلال السنوات الخمس وعشرون الماضية، أصبحت تفاصيل المؤامرة المتعددة الأوجه والأغراض واضحة بلا أدنى إلتباس، وكانت ممرحلة بحيث تقوم كل مجموعة بتصفية الأخرى، وهي مقتنعة ومتصالحة مع ذاتها، بل تعتقد أنها تعمل لصالح نصرة الجماهير، ويظل هذا الإعتقاد مسيطرًا عليها إلى ان يأتي دورها وتُسحق هي ايضًا بأيادي مؤقتة!. وأهمية ذلك التمرحل في التخلص من الرفاق بايدي الرفاق، تكمن في أنه وعلى اساس هذا الرصيد من التصفيات والتناحر والخداع المتبادل، يصبح إحتمال إلتقاء تلك المجموعات ضئيل جدًا في المستقبل، ويقطع طريق التراجع وتصحيح المواقف، بل يدفع بعض المتورطين لمواصلة السير في مسارات الجريمة مرقمين حيث لا طريق آخر أمامهم، ويتيح للرئيس الإمساك بكل كروت اللعبة في كل المراحل. ثم، إمعانًا في الخداع، وفي دغدغة للمشاعر الوطنية، تواصلت محتويات المدخل لوثيقة (الميثاق الوطني الارتري) لتتحدث عن إن: ( أي تقاعس يعني ان نترك كل تراثنا النضالي، وتضحياتنا وشعبها يتبدد هباء، فالرسالة التي حملناها والطريق الذي إرتضيناه وكابدنا كل المشقات لم يكتمل بعد)، (أمامنا تجارب بلدان افريقية، وبلدان اخرى قامت بثورات ظافرة، وتخلصت من الإستعمار، لكنها بدلت مستعمر قديم بمستعمرين جدد، فانهار إقتصادها وتعرضت شعوبها لمآسي الفقر والفاقة. إنّها بإختصار تجارب خاسرة لا يجب تكرارها. إن تكرار هذه التجارب المحزنه يعني أن يذهب أدراج الريح الثمن الغالي الذي دفعناه وطوابير الشهداء الذين قدمناهم قربانا، والحكم على انفسنا واجيالنا بأن نكون وقودًا لحروب ومآسي من جديد). من يستمع إلى هذا المقطع أو يقرأه، تتقافز الى ذهنه مجموعة من علامات الإستفهام، منها: ماهي الرسالة او الأهداف ؟، قياسًا بأداء الهقدف خلال الربع قرن الماضي ؟ وهل كانت التجربة ناجحة بالكامل وغير محزنة ؟ ألم تتحول موارد ارتريا الطبيعية، وإمكاناتها البشرية إلى وقود للحروب العبثية ؟ اليس من حق المواطن الإرتري أن يوقن ويعتقد، أن عصبة الهقدف تتبنى مشروع تخريبي كبير ؟ بعد كل تلك المقدمة الإنشائية الواعدة، التي تحولت إلى دليل إدانة ضد الهقدف الآن ، يذهب (الميثاق) الذي تخرّطت منه قيادات الصدفة التاريخية، التي انتجتها المرامي والأهداف الخبيثة للرئيس وزمرته، وطيبة وعفوية من كانوا معهم وحولهم في مختلف المراحل التي شهدتها حقبة تنمية الدكتاتورية وسنوات التصدي للحريات، حيث تشير الوثيقة إلى أن : (النيات الطيبة وحدها ليست كافية للانطلاق) و(تتطلب عملية بناء مجتمع عادل ومتقدم برنامجًا سياسيًا واضح المبادئ، قابلًا للتجديد والتعديل، من آن إلى آخر ، وتنظيم سياسي كفؤ يتسع لإشراك وإستيعاب كل الوطنيين الحقيقيين). وفق هذه الخلفية التنظيرية وضّحت الهقدف الغاية من الميثاق الوطني، على انها (إرساء المبادئ السياسية الأساسية، والخطوط العريضة الموجهة لمسيرتنا الوطنية الديمقراطية، والتمهيد لبرنامج عمل سياسي، ومبادئ للعمل التنظيمي الجديد، الذي ستسترشد به الحركة السياسية الديمقراطية الوطنية الواسعة). واكدت الهقدف في اكثر من موقع في مدخل هذه الوثيقة انها اتت خلاصة بحث نقدي فاحص لتجارب أخرى، مقارنة مع واقع مجتمعنا وتجربتنا الخاصة، بغية إرساء أرضية صحيحة لخط سياسي مستقل. إذن، وبهذا الطرح يصبح ما جاء في الميثاق، والذي سنتناوله تفصيلًا في الحلقات القادمة، هو عقد توافقي طرحت فيه الهقدف كل النقاط والمطلوبات التي رأت انها ستكون مقبولة من الجماهير، وحشدتها في هذا الميثاق، ثم تنصلت عنها واحدة بعد أخرى. لكن تلك القيادة البهلوانية وضعت في ذات الميثاق نقطة تجعل كل إلتزامها بالنقاط المذكورة فضفاضًا، بل غير ملزم ولا محدد بسقف زمني يحكم التنفيذ، حيث وضع المخرج في الفقرة الأخيرة التي تقول إن: (الميثاق الوطني ليس وثيقة جامدة ومغلقة) و( لا يجب أن تؤخذ الوثيقة كبرنامج ينفذ في زمن وجيز او بضع سنين، بل سينفّذ من خلال برامج مرحلية وفي خضم عملية طويلة). إذن، اصبح واضحًا الآن، أن مثبطات ونواقض ما جاء في الميثاق، حملها نفس الميثاق في نقاط وفقرات تم بثها او دسها بين المحتوى، بعناية وخبث ودهاء، بحيث تُفشل التنفيذ وتجر المبررات لذلك الإفشال المتعمد.في الحلقة القادمة، سنقوم بإستعراض الرؤية المستقبلية حسب ما اوردته الهقدف في ميثاقها، لكننا نُذكّر الجميع بالمقولة التي تؤكد ان الأفكار تنتقم ممن يخونها، وهذا واقع الحال لدى عصبة الهقدف، فهي تعاني الآن من حالة توهان وإحساس بالعزلة، لذا فهي تحاول ان توهم الجميع بأنها إمتداد لنضالات الإرتريين الوطنيين، وهي تتوهم أن محاولات الإفك الجديد ستجد من يصدقها مرة أخرى.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى