مقالات

عن الحراك الشبابي .. أحكي : ماليليا بخيت

4-Sep-2012

hglv;.

لم يعد سراً أن شبكة الأنترنيت عموماً و مواقع التواصل الإجتماعي أضحت تشكل في عالمنا المعاصر ثورة حقيقية، بعد أن ظللنا نردد مع نهايات القرن الماضي عبارة ” ثورة المعلومات” دون أن نصل للخيط الرقيق الذي يجسد ذلك الإفتراض على أرض الواقع، لتأتي التطورات اللاحقة في هذه الألفية الجديدة وتؤكد صحة تلك العبارة، وذلك من خلال جملة من التحولات التي شهدها العالم نتيجة تطور وسائط التواصل الحديثة، سيما بعد انتشار ما اضحى يعرف بالمواقع الأجتماعية، كالـ فيس بوك، وتويتر، وغيرها من العناوين، التي ساهمت بشكل كبير في الحراك السياسي على امتداد العالم .

فقد لعبت هذه المواقع دوراً رئيسياً في الانتخابات الرئاسية الأمريكية عام 2008 عندما اعتمدت حملة المرشح باراك أوباما بشكل كبير على حشد التأييد والتواصل مع جماهير الناخبين عبر الـ فيس بوك، وهي ذات الطريقة التي اعتمد عليها المرشح الرئاسي مير حسين موسوي في الانتخابات الإيرانية عام 2009، وكذلك في الإعتراض على نتائجها المزيفة، من خلال ما عرف بـ “الثورة الخضراء” التي قام بها انصاره على “الثورة الإسلامية” من خلال موقع “تويتر” الذي ضمن لهم إمكانية التواصل خارج اسوار المراقبة الأمنية التي تفرضها سلطات طهران .ليأتي “الربيع العربي” وتعصف رياحه على عدة أنظمة بالمنطقة، معتمدة على ذات الوسيلة التي لم تعد حكراً على منطقة بعينها او ثقافة محددة، بقدر ما اضحت مكسباً انسانيا ساهم بشكل واضح في خلق بدائل مناسبة للإلتفاف على الرقابات البوليسية والرسمية.. ولتجاوز ما يمكن تسميته بـ “القوى السياسية التقليدية” التي فشلت في تبني مطالب الناس او إبتكار وسائل حديثة للمواجهة وظلت تدور في ذات الفلك التقليدي من انتاجات القرون الماضية .الأمر الذي يقودنا للحديث عن الحراك الشبابي الارتري الذي تشكل بعد ثورات الربيع العربي مستلهماً التجربة، ومستفيداً من الحالة الوجدانية التي تشكلت عن إمكانية سقوط أعتى الأنظمة البوليسية في المنطقة العربية، عبر وسائل ناعمة وحديثة، أجاد الجيل الجديد من الشباب العربي التعاطي بها، كـ حالتي تونس- ومصر .وهو حراك بدا نوعياً على مستوى امتداداته الجغرافية، وتشكيلاته المتعددة، سيما وأنه بدأ وعيناه شاخصتين على التجارب العربية المحيطة التي حتماً انها مثلت املاً جديداً لجيل الشباب الارتري، بعد سئم من معادلات ضعف القوى بين النظام والمعارضة التقليدية، التي لا تختلف عن المعارضات التقليدية العربية، التي اثبتت فشلها، ومواكبتها لوسائط العصر، مما أدى الى غيابها شبه التام عن ساحة المعادلة الحديثة عندما قامت الثورات دون دور مركزي لتلك القوى في قطرها الرئيسي.لذلك شهدنا عدة حركات مطلبية ارترية أعلنت في المهاجر الأوربية والعربية، وربما هذه الأخيرة كانت سباقة في الحراك نتيجة لعملية التاثر بالواقع الجديد الذي بدا يشتكل في مصر مثلاً بعد ثورة الخامس والعشرين من يناير، وما أفرزته من مساحات الحرية والحركة .إلا أن الحراك الارتري وبعد اكثر من عام من العمل على مساحات الانترنيت وتواجد محدود على مستوى المظاهرات امام سفارات النظام الجاثم على صدور شعبنا، فقد بدا واضحاً أن هناك ثمة خلل تعاني منه هذه الأجساد المشكلة للحراك، على المستويين النظري والفعلي .ففي الوقت الذي أمتلك فيه هذا الحراك منذ بداياته مواقفا مستقلة عن “القوى السياسية التقليدية” وأنتمى لروح عصره فكرة ً وآلية، و مثل عند تشكله حراكاً مطلبياً خالصاً بعيداً عن الإرتباطات الأيدولوجية، فإن المستجدات الأخيرة التي اكتنفت مسيرته قد بينت أنه في طريقه للتطويع سواء من قبل “القوى التقليدية” أو من خلال تطلع بعض قيادات الحراك نفسه للعب ادوار ضمن اللعبة التقليدية القائمة بين المعارضة (التحالف) والنظام، وليس أدل على ذلك من الملتقى الذي عقد مؤخراً في دبرزيت الأثيوبية (وما تعنيه هذه الدولة في اللعبة) وخرج الملتقون في نهاية المطاف بقرار تشكيل هيكل سياسي جديد قد ينضم قريباً الى التحالف المعارض، لتنتهي بذلك فكرة الإستقلالية ومعها مسيرة “الحراك المطلبي” المتعافي ! بذات “الهيكلة التنظيمية وبذات الحلفاء” التي تعتمد عليه المعارضة بكل اطيافها السياسية والتنظيمية .وحتى إذا سلمنا أن هناك حركات امتنعت عن المشاركة في ملتقى “دبرزيت” فإنها لم تطور موقفها بشكل نوعي يوحي بتناقضها مع الحركات التي تحولت الى جسد سياسي جديد، كما أنها لم تخرج من بوتقة الحراك الافتراضي نحو عوالم الواقع، فضلاً عن انها لا تزال تحاصر نفسها ضمن أسوار “الطاعة” للقوى التقليدية، وتنتمي لذات الفكرة القديمة التي ترى في “النقد” آلية تدمير، وليس وسيلة تشخيص موضوعي للحالة، في ارتهان للإدراك النمطي، تجاوزته حتى القوى التقليدية ممثلة في “قوى المعارضة” الارترية التي اضحت اكثر انفتاحا على الإختلاف والنقد فيما بينها دون ان ترى في ذلك نقيصة منها ومن تجربتها ( مثال ذلك ما حدث خلال انعقاد مؤتمر الحوار الوطني الارتري الذي تخلفت منه بعض التنظيمات معتبرة إياه بانه ايذاناً لإعلان السيطرة الأثيوبية على التحالف، بينما رأت فيه القوى الأخرى مخرجا مناسبا للمعضلة الارترية على عمومها، ولم يؤدي ذلك لا الى تفكك التحالف ولا الى تجميد عضوية من تخلف ! ) .وعلى النقيض، وهنا المفارقة ترى أحدى الحركات المطلبية، أنها تتخذ موقفا مبدئيا يقضي، بـ “عدم انتقاد سلوك المعارضة الارترية”، وأنها تتفرغ لنقد النظام فحسب !! معتبرة أن النقد من شأنه ان يضعف المعارضة ويصرف الأنظار عن مواجهة النظام، وهذا ما اعنية بـ الإدراك النمطي، او القصور في الإدراك، لحركة اعتقدنا حتى وقت قريب أنها تنتمي لعصر جديد، وتستلهم تجارب من حولها من الدول والحركات السياسية المتعافية تماماً من مخلفات الحرب الباردة وتداعياتها على المستوى الداخلي .كما أن ذات الإدراك الذي قاد الى التحصن خلف تلك المواقف، قد أدى بالنتيجة الى الشعور بالزهو والإعتداد عند التعاطي مع الرأي الأخر من جهة، والى أعتبار “الحراك” في حد ذاته “فعل ثورة ناجزة”، خلافاً للواقع الذي نعيشه، حيث بقى النضال داخل هذه الحركة لا يبارح العالم الافتراضي، (مساحة الفيس بوك ..) ومشاركات محدودة لا تتجاوز وقفتين او ثلاث امام السفارة الارترية، وهذا الفعل على اهميته ومركزيته فإنه لا يقود حتماً الى تغيير الواقع السياسي بالبلاد، سيما إذا ما اعتقدت قيادات هذه الحركات أن “النضال الإفتراضي ” على شاشات النت والفضائيات، يغني عن النضال الفعلي، حيث أن تجربة الشعوب التي نستلهم منها العبر ونتاثر بها، في حد ذاتها دليلاً على قصور هذه الرؤية، حيث لم يكن “الفيس بوك” سوى وسيلة حشد ودعوة للتظاهر داخل بلدانها، وليس بديلاً موضوعيا عنه .وهنا الحديث قد يقودنا الى المحددات الموضوعية والذاتية لقيام ثورة على الأرض الارترية، وصعوبة هذا الأمر الى غيرها من التبريرات التي قد تأخذ صفة موضوعية، إلا ان ذلك لا ينبغي ان يجعلنا نعتقد أننا قد انجزنا ثورة في العالم الإفتراضي وكفي .. ذلك لصعوبة قيام ثورة على الأرض !! لأن مثل هذا الإدراك المزيف سيقودنا حتماً في مرحلة لاحقة الى البقاء في مواقعنا الإفتراضية لا نحرك ساكناً بل نزهو ونعتد بـ “ثورة افتراضية”!والواقع يقول “أن الأرض يملكها من يقف عليها بقوة وثبات وليس من يكتفى بمشاهدتها على شاشة الكمبيوتر”، هذا ما أكدته “ثورات الربيع العربي” وكذلك تجارب الشعوب على امتداد العالم، وليس آخرها تجربة التشيلي، التي تقودها المتظاهرة اليسارية “كاميلا فاييخو”، رئيسة اتحاد الطلاب الجامعيين هناك، والتى مازالت تقود المظاهرات المطالبة بمجانية التعليم والدفاع عن هوية بلادها أمام هيمنة الرأسمالية العالمية، وقد استطاعت أن تغير الواقع، لأنها عرفت، ربما بسبب دراستها للجغرافيا، تلك الحقيقة التي تتجاوز الإفتراض و تتجذر على الأرض .

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى