مقالات

الفنون الاريترية مدخل لمعالجة الخطاب السياسي بقلم/ محمد قناد

5-May-2015

عدوليس ـ ملبورن

هل يمكن أن تكون الفنون الاريترية – مدخلا لتجديد الخطاب السياسي- بتأثيرها المتنامي واتجاهها الصيروري الذي يمضي الي وحدة في نصها إثر تراجيديا الحزن التي تخلق التوازن المفقود اليوم، هذا التوازن الذي تم توريده من ذروة التظاهرة الوطنية التي إنتهت بعمل مشترك بين الستينيات والتسعينيات كحلقة وصل تجمع المشتت تاريخيا ولغويا ودينيا، وهل يمكن لحدث اجتماعياً كالثورة ان يكون بديل للوحدة اللغوية والثقافية والدينية المفقودة كما تنص عليه معايير الدولة القطرية المجلوبة، متجاوزا بذلك عقبات المقاييس التي فرضتها الدولة القومية والتي اعقبت الحروب الاروبية وثبت فشلها بعد ان تم تصديرها لنا عبر المستعمر، متناميا من هذا الحدث الإجتماعي -الثورة- ثقافة وتشكل وجداني اختلط في داخله الدم لتأتي ملاحمه الشعرية تحمل داخلها كل الوطن دون تفريق وتفريط.

فالملاحظ ان الفنون الاريترية عكس التاريخ الاريتري المكتوب تجدها اكثر تناسقا وتناغما مع طبيعتها المكانية وظرفها الوجداني رغم اختلاف التعبير اللساني لذلك تنشط داخلها عملية الابداع والتجديد وحتى لا نفهم الابداع علي شكل خاطئ، سنأخذ هنا النظرية الفلسفية التي تقول -لا يوجد مبدع يصنع نصاً بل النص هو الذي يصنع المبدع- وذلك لان النص اقدم واعمق غورا من اي معالج اخر كسطور التاريخ، والنص حدث وتفاعل قديم وتأتي محاكاته عارية حقيقية طبيعية عاكسة كالمراءة، عكس التاريخ تكتبه زاوية الكاتب الناقصة التي لن تجد فيها الفضاء الذي احدث المنعطف، لكن النص الفني يحمل هذا الفضاء الذي يساعد علي تفهم الحالة السابقة، ويعطي الصورة الشاملة، وكما يقول ارسطو ان الفن يعبر عن الحالة النفسية والباطنية لدا البشر، لذلك نجد المبدع الفنان يحاكي النص في رحلة غوص عميقة تحاكي شعور لا يمكن ترجمته تاريخيا فالعلوم التي من ضمنها التاريخ مهما بلغت لن تستطيع الوصول للكلية التي تصلها الفنون لانها علوم محصورة في الجزئيات ومن ضمنها التاريخ.ويذكر هنا انه كانت شعوب اليونان صاحبة تقليد فريد في هذا الجانب اذ كان مثقفيها وكثير من شعبها يحفظ الملاحم الشعرية التي تحمل داخلها الذات اليونانية، وقد تصل هذه الملاحم الي اكثر من ثلاثين الف بيت شعري، لذلك كانوا اكثر اهتماما بالفنون من التاريخ لان الشعر هو اقرب الفنون للفلسفة وهم شعوب فلسفية، فكتابة التاريخ وعلمه مقيد ولا يوجد فيه حرية الفنون واليونان كانت شعوب تواقه للحرية في تفكيرها ولم يعرفوا اقصاء الاخر معنويا الا بعد توسع دولتهم في عهد الاسكندر الاكبر ومن هنا بدأ تدهورهم وضاعت فنونهم وملاحمهم الكثيرة، لان الشعوب الاخرى دخلت عليهم بثقافتها فقلت الإشعاع الثقافي والفلسفي لدى اليونان وهو ما سمي مؤخرا بحقبة ما بعد ارسطو. والسؤال هنا لماذا الفنون بديلا ومعالجا للخطاب السياسي الاريتري، او لماذا نبتعد عن ثقافة المعالجات الفلسفية الظاهرية لاي فشل سياسي عبر ترصده التاريخي… ؟؟ فالاسباب كثيرة للدفع بهذه الاداءة الي العمل السياسي حتى تعالج التصدعات السياسية وترمم الخطاب المنفصم، فالخطاب السياسي الاريتري منذ قرن او اقل هو في حالة انفصام تام عن البيئة المحتضنة للوجدان الاريتري ، بل مغرد خارج الواقع الحقيقي اذ يتنامى دائما كصدى لاحداث خارجية ويتشكل علي نسق المحيط نتيجة للنفور من الذات الاريترية، الذات الاريترية التي هي سبب قيام الدولة الاريترية كعملية اجتماعية قبل ان تكون سياسية والاجتماع الاريتري ما يربطه هو الوجدان المستشعر او الذي غائب في اللاشعور، فالدولة كما هو معروف تقوم لسببين كالاسرة التي تقوم لذات السببين لذلك كانت الاسرة دولة والدولة اسرة ، وما لن يقبل في الاسرة لا تقبله الدولة والعكس كذلك، فأي خطاب من خارج هذا البيت او الاسرة سيساعد علي تفكيكها والعمل علي استشكالها الدائم، لذلك كانت الفنون هي الشيء الوحيد الجامع للاسرة او الدولة بحكم حملها للنص الاسري وروح الاسلاف داخلها، فكانت حلقة الوصل ولغة الوجدان الصامت المؤسس لاشعوريا للوطنية التي هي حالة انعكاس للنص المفقود داخل الخطاب السياسي.كما ان هنالك سببا اخر يدعونا لهذا المبحث وهو ان الفكر العالمي الذي يذهب الي وحدة وجودية قد حقق طفرات فكرية تعمل علي اعادة التوازن البشري، ومن هذه الطفرات هو اعتبار الفنون مصدر من مصادر المعرفة خاصة عند فلاسفة ما بعد الحداثة (الفلسفة المعاصرة) عكس النظرة السابقة التي كانت تجعل مصادر المعرفة منحصرة حد تقفيل العقول، لذلك حدث افتراق مجتمعي في العالم بين الشعوب المدونة التي تملك شواهد حضارات وتاريخ محسوس والشعوب التي لا تملك من شواهد التاريخ سواء شبر قبر، كما ان العالم اعاد الاعتبار للتاريخ الشفهي كمصدر من مصادر المعرفة وهو ايضاً تقدم مهم خاصة لنا نحن كارترين باعتبار ان اكثر تاريخنا شفهي غير مدون تحمله الملاحم الشعرية، فهنا كان لابد من البحث عن معالجة فكانت الفنون هي الداعم والاسعاف لتحقيق هذا التوازن الفكري المطلوب ومن بعد ذلك تم اكتشاف حقيقة المعرفة التي تكمن داخل الفنون عند الشعوب الجنوبية فكانت هذه النقلة ملهمة لاحساس الفن ليتسق اكثر مع الطبيعة ويعبر بدقة عن الحالة الغير محسوسة مادياً.وهذه النقاط مهمة لنا كاريترين لان تاريخنا المكتوب كثيرا منه او اكثره مكتوب من قبل الغريب او الاخر لذلك نجد سطور وصفحات التاريخ عندنا مشوهة غير معبرة عن حقيقة الوجدان الاريتري بل وتمضي عكس الصيرورة الطبيعية اذ تحاول هذه الكتابات فرض صياغها النصي في ظرف مكاني مختلف وللاسف قد استجابت النخبة الاريترية لهذا الاختراق فاصبحت السياسية الاريترية بعيده ومنفصمة عن واقعها ولا تحمل خطاب جامع، فقط وحدها تراجيديا الحزن والحرب تجمعهم وإن سألنا لماذا الحزن يجمعهم تبدأ عملية النفور مرة اخرى لاستشعارهم ان هذا الخيط سيوصلهم للفكرة الحقيقية التي ينكرونها وهي ان النص الارتري واحد، ما يعني انعزال النخبة عن الطبيعة الاريترية واستجلابها لكل ما يبهرها نتيجة للفراغ الداخلي المحدث إثر الهروب من الذات الاريترية.لذا اعادة كتابة التاريخ الاريتري عبر الفنون خاصة الملاحم الشعرية التي سيعمل علي تغير الخطاب السياسي الاريتري مما يعالج الازمة التي يعاني منها الشعب الاريتري لاكثر من خمسة عقود بل انه سيعمل علي موضعة كل التأويلات والقراءات التاريخية وسيجد السبب الحقيقي لاكبر عمل اجتماعي ارتري مشترك والذي كان الثورة الارترية، فالميدان الارتري استوعب الفنون لكنه رفض ان يستوعب اي شيء اخر لانه كان ميدان مدرك وحدة الفنون فكان واحداً في الحزن والمصير فتم رفض كل شيء لا يمت للوجدان الاريتري من هذا الميدان وكان يتم دائماً دخل هذا الميدان عملية الاكتشاف للذات الاريترية للاسرة الاريترية للنص الاريتري لذا يعمل دائماً دعاة التفرق داخل الخطاب السياسي الاريتري علي اقصاء الميدان الاريتري وحقبته لانه ذروة الانتماء والفعل الوطني والشعور الجمعي.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى