مقالات

إرتريا بين القلق والرجاء .. بقلم: محجوب الباشا

21-Mar-2013

المركز

باستثناء مواقع التواصل الاجتماعي للجاليات الإرترية المنتشرة في أصقاع العالم المختلفة والصحف الاليكترونية المعارضة للحكومة ، فإن مصادر الأخبار المستقلة عن إرتريا شحيحة للغاية. وحتى هذه المواقع تعاني من أجل الحصول على الأخبار عن البلاد بسبب الرقابة اللصيقة التي تمارسها أجهزة الأمن الإرترية. وقد اتضح ذلك بجلاء في يناير الماضي عندما وقعت في أسمرا أحداث لا زال الناس يختلفون حول تصنيفها ؛ هل هي انقلاب فاشل ،

أم تمرد عسكري ، أم مجرد احتجاج قام به بعض أفراد القوات المسلحة ثم تراجعوا عنه. كما لا زالت الروايات تتضارب حول عدد المعتقلين في الأحداث المذكورة وهوياتهم ، وتتحدث بعض التقارير عن أن شخصيات قيادية في الحزب الحاكم من ضمن المعتقلين. وعندما اختفى وزير الإعلام الإرتري في وقت سابق عن الأنظار ظلت وكالات الأنباء تحمل الكثير من الروايات لتفسير اختفاء الوزير المذكور ، إلى أن اتضح في النهاية أن الرجل قد انشق عن النظام الحاكم وقرر اللجوء لإحدى الدول الأجنبية. ولعل السبب الرئيس وراء شح المعلومات عما يجري داخل إرتريا من أحداث هو أن الحكومة الإرترية تحكم قبضتها على مصادر الأخبار والمعلومات المحلية بعد أن قامت في عام 2001 بإغلاق كل الصحف الخاصة ، فضلاً عن أنها لا تشجع وجود الصحفيين الأجانب في البلاد إلا تحت شروط قاسية تحد كثيرا من مقدراتهم في الحصول على المعلومات. ولا يبدو المواطن الإرتري داخل بلاده أقل جهلاً من غيره بحقيقة ما يجري هناك فالحكومة الإرترية تتحكم بصورة شبه تامة في انسياب المعلومات ، وقد ورد في الأخبار مؤخراً انها تقوم بتشويش بعض القنوات الفضائية كقناة الجزيرة القطرية. أكتسبت ارتريا بفضل هذه السياسة سمعة سيئة إذ تعتبر أكثر الدول تضييقاً على حرية الصحافة ، ولعلها الدولة الوحيدة في عالم اليوم المغلقة أمام الاعلام العالمي في وقت أصبحت المعلومة ملكاً مشاعاً للجميع بفضل التطور الكبير في وسائل الاتصال.برز هذا الأسبوع على مواقع الانترنت والصحافة العالمية خبر يقول أن مفوضية حقوق الانسان التابعة للاتحاد الأفريقي اتخذت قراراً بالتحقيق في قضية الصحفي السويدي ذي الأصول الإرترية داويت اسحق والذي يعتقد أنه ظل معتقلاً في سجون النظام الإرتري منذ سبتمبر 2001 ، مما قد يضيف فصلاً جديداً في العلاقات المتوترة بين إرتريا والاتحاد الأفريقي. تم اعتقال السيد داويت في إطار حملة الاعتقالات الواسعة التي طالت العديد من الشخصيات القيادية في الحزب الحاكم نفسه ومن بينهم الرجل الثاني في النظام ، ووزير الخارجية عندئذ ، ووزير الدفاع السابق ولا يعرف حتى الآن مصير هذه المجموعة من كبار السياسيين والتي ظلت رهن الاعتقال دون محاكمة منذ ذلك الوقت. وقد تمت تلك الاعتقالات على خلفية التذمر الذي ساد العديد من الأوساط بشأن كيفية إدارة الجولة الثالثة من الحرب الحدودية مع إثيوبيا ، ومطالبة العديدين بتطبيق الدستور الذي يهدف للاصلاح السياسي في البلاد والذي ظل حبراً على ورق بالرغم من إجازته في استفتاء شعبي في عام 1997.أبرز الخبر مرة أخرى للسطح الأوضاع داخل إرتريا والمآلات التي قد تتجه نحوها في المستقبل ، خاصة وأن الأحداث الأخيرة التي أشرنا لبعضها أعلاه تؤكد أن النظام القائم بدأ يظهر بعض علامات الوهن مع غياب تام لأي آلية واضحة تضمن انتقال السلطة بصورة سلمية وسلسة في حالة غياب الرئيس أسياس أفورقي لأي سبب من الأسباب. يحدد الدستور الإرتري مدة البقاء في منصب رئاسة الجمهورية بعشر سنوات كحد أقصى على مدى فترتين ، ويشير إلى أنه في حالة خلو منصب الرئيس فإن رئيس الجمعية الوطنية يصبح رئيسا بالإنابة لإكمال الفترة المتبقية من حكم الرئيس السابق ، ثم يتم تنتخاب الرئيس الجديد بواسطة الجمعية الوطنية. تجاهل الرئيس أفورقي تماماً ، كما هو واضح ، ما ورد بدستور البلاد عن فترة الحكم وانتقال السلطة لرئيس جديد. عليه فإن الدعوة للعودة إلى العمل بالدستور المعطل ظلت دائما على رأس قائمة مطالب الاصلاحيين من داخل النظام وخارجه.مما لا شك فيه أن الوضع السائد حاليا يثير قلق الشعب الإرتري في المقام الأول ، ولكنه يثير كذلك قلق دول الجوار التي لا بد أنها تتابع بدقة ما يجري في إرتريا وحولها. ليس هناك من شك في أن الرئيس افورقي لعب دوراً محورياً خلال حرب التحرير وتمكنت البلاد من الحصول على استقلالها تحت قيادته مما أكسبه شعبية جارفة وسط أفراد الشعب الإرتري خاصة في السنوات التي أعقبت الاستقلال مباشرة. وقد كانت الشعبية الواسعة للرئيس سبباً في تجاوز تمرد وقع في أوساط المناضلين الإرتريين في ذلك الوقت لا يقل خطورة عن أحداث يناير الماضي. غير أنه ومنذ ذلك الوقت لم تنشأ في البلاد آلية موثوقة لقياس الرأي العام ، ولم تعقد انتخابات حرة مما جعل قياس شعبية الحزب الحاكم والرئيس نفسه مسألة تقديرية يدلي فيها الكل بدلوه. وأصبح بذلك الطريق مفتوحاً للعديد من التكهنات حول مستقبل الحكم في إرتريا خاصة وأن الكثير من المحللين يرون أن قبضة الرئيس أفورقي على مقاليد السلطة آخذة في التراجع يوماً بعد يوم بسبب تقدمه في السن والشائعات العديدة التي تتردد عن حالته الصحية.يصعب طبعاً القطع بما يمكن أن يحدث مستقبلاً في هذه الأوضاع التي تتميز بالكثير من الغموض وعدم الاستقرار ، فهناك عدة احتمالات قد يكون أفضلها هو أن يقرر الرئيس أفورقي من تلقاء نفسه الانفتاح على قوى المجتمع المختلفة وخاصة المعارضة منها في محاولة للخروج من المأزق الذي تعيشه البلاد وذلك عن طريق الدعوة لمصالحة وطنية حقيقية وتنشيط فقرات الدستور المعطل. غير أن المتمعن في مسيرة الرئيس أفورقي السياسية بل وفي تاريخ إرتريا الحديث لا يملك إلا أن يستبعد هذا الاحتمال ، فالرئيس أفورقي لا يبدي اي نوع من الثقة بقوى المعارضة بمختلف فصائلها بل يتعامل معها باعتبارها طابور خامس يعمل على تدمير الدولة الإرترية. ولا ينحصر ذلك بالطبع على الرئيس وحزبه الحاكم فحسب فقد سعت حركات التحرير الإرترية بمختلف توجهاتها لإقصاء الآخر باعتبار أن الساحة الإرترية لا تسمح بوجود أكثر من تنظيم واحد ، وقد انعكس هذا الاعتقاد بصورة واضحة على تصرفات الحركات التي كانت في وقت او آخر هي المسيطرة على ساحة النضال الإرتري. وبالرغم من الجهود الكبيرة التي بذلت في السنوات الأخيرة إلا أن المعارضة الإرترية لا زالت تعاني من التشرذم والخلافات.هناك احتمالان آخران هما أقرب للعلاج بالكي ، أولهما: انقلاب عسكري يطيح بحكومة الرئيس أفورقي ، غير أن هذا الاحتمال يعني أن الانقلاب لا بد أن يأتي من الداخل مما قد يعني استمرار نفس أسلوب الحكم بشخصيات مختلفة. قد يلجأ الانقلابيون في البداية لبعض الخطوات التي تكسبهم شيئاً من الشعبية والشرعية مثل اطلاق سراح المعتقلين ، وفتح باب الحوار مع المعارضة ، والعودة للعمل بدستور 1997. غير أن الاحتمال الأكبر هو أن يسير الانقلابيون في نفس الخط ولو بعد حين ، فالقوات المسلحة الإرترية بتكوينها الحالي وفلسفتها القتالية هي أقرب لفكر الجبهة الشعبية للديمقراطية والعدالة منها للأفكار الليبرالية التي تؤمن بالديمقراطية والتعددية. وثانيهما: انتفاضة شعبية على غرار ما جرى في شمال أفريقيا والشرق الأوسط تقتلع النظام من جذوره ، غير أن التطورات التي وقعت في ليبيا ومصر بعد الاطاحة بالقذافي ومبارك والقبضة الأمنية القوية للنظام الإرتري قد تجعلان هذا الخيار صعب التحقيق في الوقت الحاضر على الأقل.ويبقى في النهاية خيار أخير للخروج من الأزمة وهو التوسط من جانب طرف ثالث بين القوى السياسية المختلفة في المعارضة والحكومة الإرترية في محاولة لتحريك الأمور نحو الوصول لحل يضمن للبلاد وحدتها واستقرارها. وهو أمر تعترضه الكثير من العقبات فالثقة بين الحكومة والمعارضة منعدمة تماماً والمواقف المعلنة للطرفين تجعل أي محاولة في هذا الاتجاه من المستحيلات. كما أنه من الواضح حالياً أن الاتفاق بين فصائل المعارضة المختلفة يتوقف عند محطة واحدة وهي العمل على اسقاط النظام مع الكثير من تباين الآراء حول كيفية حكم البلاد بعد ذلك. أما بالنسبة للحكومة نفسها فقد أثبتت الأحداث منذ عام 2001 انها تعاني من مشاكل عديدة داخل صفوفها ، وإن صدقت الأخبار حول اعتقال بعض الشخصيات القيادية في الحزب الحاكم بعد أحداث يناير الماضي فإن ذلك يشير إلى أنها لا زالت تعاني من هذه المشاكل. وحتى في حالة تجاوز الطرفين لمشاكلهما الداخلية فإن وجود الوسيط المقبول منهما قد يشكل عقبة أخرى ، فدول الجوار إما أنها تعاني من مشاكل مع الحكومة الإرترية ، أو تواجه هي نفسها بمشاكل داخلية تقعد بها عن القيام بمثل هذا الدور. أما المنظمات الاقليمية والدولية فهي مرفوضة تماماً من جانب الحكومة الإرترية التي قامت في وقت من الأوقات بتجميد عضويتها فيها ، كما أن التصريحات التي تنقل أحياناً عن الرئيس الإرتري تؤكد مدى عدم ثقته في هذه المنظمات أو الدور الذي يمكن ان تقوم به. غير أن كل هذه العقبات لا يجب أن تقف في طريق المحاولة ، فإن في استقرار إرتريا استقرار للقرن الأفريقي ومع التطورات الإيجابية التي شهدتها المنطقة مؤخراً في الصومال وغيرها فإن المحاولة تستحق في اعتقادنا ان يبذل من أجلها الجهد بعد التحضير الجيد الذي يضمن تحقيق النتائج المرجوة.Mahjoub Basha [mahjoub.basha@gmail.com]نقلاً عن سودانايل

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى