مقالات

فهمي للمشكلة والحل في ارتريا :صلاح أبوراي

30-Apr-2009

المركز

( 1 )
قال تعالى: ما أصابك من حسنة فمن الله وما أصابك من سيئة فمن نفسك.هذا المقال وما يليه من مقالات هو محاولة لمناقشة أزمتنا الارترية. بواعثها وآفاق حلها ضمن المعطيات الحالية في ارتريا. الظلم الاجتماعي هو اسوأ حالة يعيشها أي مجتمع ، مظلوم يعني تعرض الى تحديات لم يستطع التغلب عليها لاسباب موضوعية محكمة احاول مجادلتها في هذا المقال.

مجتمع مظلوم يعني مجتمع مترهل ، واهن القوة ، قليل المعرفة ، فقير البنية الاقصادية غير متماسك مركزه الراشد (القيادة) غير موجود أو مستكينة. مجتمع بهذه المواصفات يغري للهيمنة والسيطرة عليه وله قابلية الاستعمار بتعبير مالك بن نبي. الظلم الاجتماعي هو أنيميا. في ارتريا الانيميا التي اصابتنا هي نتيجة العطاء الجزل للثورة والتي كانت نتيجتها تدمير البنية التحتية الضعيفة اصلاً ، وعدم الاستقرار واللجوء وخيضت معارك التحرير في ساحات ارضه .. مما ادى الى توقف نموه الاجتماعي والاقتصادي والتعليمي وتفككت روابطه الوشائجية وصلاته الثقافية وانقسم حول مصالحه واهدافه حتى بلغ الحال بأن تستخدم فئة ضد الآخرى، كتلة مقدرة منه في المعارضة ومثيلة لها في الحكومة .. مكونات المجتمع كثيراً ما تختلف وتتباين عندما تكون آمنة ومستقرة ، تعبر عن اطروحاتها السياسية والحزبية واختلافاتها ، لكنها سرعان ما تتحد وتتماسك عندما تتعرض للعدوان والمظالم بل وتضاعف من تماسكها وتحفز من طاقاتها وتلتف حول قيادة مركزية راشدة كشرط اساسي وحيد من اجل تسخير طاقاتها وامكاناتها في اتجاه واحد ضمن رؤية مركزية واحدة. حتى الدول المتقدمة ليست استثناءاً ، فعندما تطلق طلقة واحدة في اتجاه العدو أو مجابهة العدوان والأزمات تجد المعارضة تتراجع عن معارضتها للحكومة وتقف في صف القيادة وهو ليس شرط اخلاقي بل ضرورة من ضرورات المعركة – بان تخاض من قبل قيادة واحدة وواحدة فقط. عندما يتعرض المجتمع الى عدوان أو مظالم أو أزمات فإن موقف القيادة ( المركز الراشد) التي تمارس السلطة على المجتمع ويبادلها المجتمع بالولاء ، سواء كانت هذه السلطة تنظيم سياسي كجبهة التحرير الأرترية سابقاً أم سلطة فرد أم حكومة ، هو الموقف الذي يحدد مصير ذلك المجتمع من وجوده أو فنائه ويتحدد بموقفين : 1- تقوم القيادة الحكيمة الراشدة في الهروب الى الوراء – الى الداخل – فتحدد مكامن ضعفها واسباب هوانها ومراجعة خططها ووسائلها وسد الثغرات وشحذ همة المجتمع من اجل بذل المزيد ومضاعفة الجهود فيخرج المجتمع من خلال هذه القيادة الراشدة وهو اكثر قوة وعافية ومثل هذه الازمات تسمى ازمات ايجابية (وعسى ان تكرهوا شيئاً وهو خير لكم) نتيجة توفيرها مناخ ووسط احدث تحوّلاً في المجتمع ويسمي المفكر الانجليزي توينبي هذه المناخ بالوسط الذهبي حيث احدث نشوءاً وارتقاءاً في المجتمع حسب تعبيره. 2- حالة تحاول فيها القيادة صد العدوان ومجابهة الأزمة والتصدي للمظالم فإن نجحت في ذلك فهي تتبع النموذج الأول (1) وان فشلت في صد العدوان وعجزت عن دحره فإن طاقاتها وغضبها وحنقها يتحول الى داخلها فتحدث توترات واهتزازات في جسمها وتضطرب وتتخلخل كتلتها مما تتسبب في نشوء حالة جلد الذات (وهي حالة طبيعية في سياق العجز عن صد العدوان) وذلك بالقاء اللوم على مركزها (قيادتها) وعلى فعالياتها وتضع هذه الحالة القيادة في مفترق طرق الأول صعب والثاني خطير :- أ– فإما ان تمتص القيادة الراشدة غضبة المجتمع وتتنحى (لقيادة طواريء) وتستقيل وتتنازل أو يتم اقالتها، وهذا دأب كل دول العالم وقت الهزائم والازمات والمظالم حيث تستقيل القيادة او تقال. ب- إما يقوم مركز القيادة بالقاء اللوم على بعضه البعض وتحميل مسؤولية الأزمة لبعض عناصره دون الإقرار بالمسؤولية الجماعية تارة أو تحميل المسؤولية (للآخر) دون ان ينبس ببنت شفة لتقصيره وللعدو الذي يقبع ويسكن داخله!! .. ومظالمه مسؤول عنها دائماً الآخر.. ويعدد مساويء المعتدي ..كم كان الظالم قاسياً، متوحشاً، سيئاً لا يرحم ..الخ. وتقوم القيادة بالتبريرات غير المقنعة فيستجيب المجتمع المتوتر للأزمة فيرفع ولائه عن قيادته ومركزه فيفقد المجتمع بوصلته وينفرط عقده وتتذرر جزيئاته (مكوناته) ويدخل مرحلة جديدة مختلفة تماماً وصعبة المعالجة، وهي مرحلة التوهان وفقدان الوجهة الواحدة والوعي الجماعي نتيجة فقدان المركز الواحد. الفقرة (ب) هي الفقرة التي ابني عليها مقاربتي لأصل المشكلة والحل. المجتمع المتذرر الفاقد للمركز الاجتماعي هو مجتمع أفقي جهوده وطاقاته لا تصب في مصب واحد نتيجة جلد الذات التي مارسها وافضت الى اسقاط الثقة عن قيادته والتمرد عليها والتفرق من حولها، وبالرغم من اهمية الالتفاف حول القيادة في زمن الازمات ومجاهدة النفس الا ان القسط الكبير من المسؤولية تذهب الى القيادة لعنادها بعدم الاقدام بامتصاص غضبة المجتمع والتنازل والتنحي وابقاء المجتمع موحداً. هذا المجتمع الأفقي بدلاً من أن يعبر عن أسباب ازمته ومظالمه وكيفية معالجتها، يهرب الى الأمام ويحرق المراحل ويطرح شعارات واطروحات حزبية لا تمت الى أزمته بصلة: (علماني، اسلامي، قومي، قبلي، اقليمي ، تقسيمي، اتحادي …الخ). هل كانت أصل المشكلة “العلمانية” وحلها “اسلامي” وعليه اقتضت الطرح الاسلامي؟ أم الازمة جذورها وطنية واقتضت الحل القومي؟ أم ، أم ..الخ.؟ الذي وقع عليه الظلم هو المجتمع بأسره ، اذاً الكل مظلوم والكل معني بالازمة وحلها. تغييب أو اقصاء اي فئة من المعركة هو اضعاف المعركة واستجابة لنوايا المعتدي الهادفة الى بعثرة وتفريق المجتمع. في هذا ا لسياق من يطرح الإسلامية اقصى وغيب عن معركته أخوه المظلوم العلماني وساهم بشكل أو آخر في تعميق الأزمة ومن يطرح القومية غيب واقصى اخوه الوطني المظلوم من المعركة والتقى مع الظالم اوتوماتيكياً في البعثرة. المجتمع المظلوم – بغالبيته العظمى – والذي لا يتبع اي تيار سياسي ووقعت عليه المظالم أين موقعه ؟ من يعبر عن مظالمه ومن يحمل تطلعاته الجماعية ؟؟. إذن الاطروحات السياسية فضلاً عن انها لا تجيب عن اسباب الأزمة الحقيقية التي اصابت المجتمع فهي تعمق المشاكل وتجعل خيار العمل الجماعي أكثر صعوبة. وفي جانب آخر، إذ كانت المرحلة الحالية هي الأكثر الحاحاً وإلزاماً لاي تنظيم أو تيار سياسي للوحدة والعمل المشترك نتيجة بلوغ الأزمة أقصى حدودها وفيها نغيّب ونقصي بعضنا البعض فما بالنا اذا دخلت هذه الفصائل مسلحة الى اسمرة ؟ هل من عاقل لا يتوجس من انها سوف لن تصبح مقدمات لنزاعات داخلية؟ ومن سيكون ضحايا النزاعات الداخلية في غياب مركز المجتمع؟.المجتمع الأفقي مجتمع مهدور يخدم أقرب مركز راشد يليه سواء التجرنية في داخل أو المركز في السودان أو اثيوبيا وللأسف بلا مقابل لأن المقابل يساوم حوله المركز وبفقدان المركز يصبح العمل مجاناً أو لا يتجاوز جيوب محدودة. (2)… في الحلقة السابقة رأينا كيف ان فقدان مركز راشد (قيادة) للمجتمع نتيجة التوترات والاضطرابات وجلد الذات التي ادت الى رفع الثقة عن المركز ادت الى التوهان والتذرر. كما رأينا ان الاطروحات السياسية المختلفة هي شواهد وتجليات الأزمة.هذه التيارات السياسية المختلفة وخطاباتها المتنوعة في التعبير عن أزمة واحدة، دلائل قطعية بأن غالبيتها لا تعبر عن مطالب المظلومين وهي ليست في مسار حل الأزمة (حيث لا يمكننا ان نحمل اكثر من عشرة أجوبة مختلفة لسؤال “أزمة” واحد). كما يمكن الجزم بأن العلاقة بين هذه الاطروحات والمناهج السياسية وبين جذور الازمة علاقة معدومة ، وإذا قاربنا هذه الجزئية يمكن للغالبية المظلومة من المجتمع التي لا تتبع اي من تلك المدارس والاطروحات السياسية – يمكنها القول – بأن تلك التيارات (التنظيمات) لا تمثلها ولا تحمل همومها!! كذلك إذا ما زعم احدأ من رموز تلك التيارات بأنه يمثل المجتمع المظلوم فإن كلامه لن يكون دقيقاً. نخلص بأن الفجوة والهوة الحاصلة بين المجتمع المظلوم وبين تلك التنظيمات هوة شاسعة تحتاج الى ردم وتجسير.عليه فإن المعالجة تهدف الى استعادة المركز الراشد في المقام الأول قبل ان يضطلع الى رفع المظالم التي وقعت على المجتمع، وهذه المعالجة تنظر بالضرورة على تركيب المفكوك وتجميع – المكونات- المنقسمة والقراءة في المسار النقيض لما آلت اليه وهي تمر بثلاث خطوات اساسية : أولاً: الخطاب عنصر فاعل متغلغل في جسم هذه الكتلة ويديم باستمرار توتراتها واضطراباتها ولا يساعد في خلق حالة من السكون والهدوء والرشد.هذا العنصر هو الخطاب الانفعالي في تصوير المشلكة والأزمة وحذف المظالم باكملها في الآخر. نعم الصدمة قوية والمظالم واقعة اسّها الاساسي داخلي وآخر خارجي يتمثل في إستغلال الحالة من اجل الهيمنة وإلالتفاف على مبادئ وثوابت هذا المجتمع ليضاعف من تحدياته ومظالمه، هذه الحالة الموصوفة والمعلومة هي في نهاية الأمر معطيات وشواهد وليست وعياً أو ابداعاً يتم اجتراره في كل خطاب أو مقال.الادمان في الكتابة عن تفاصيل المظالم حتى بلغ الحال بأن تنقل وتخبر مظالم المجتمع لمن جاء لتوه من ارتريا!هذه ليست نقل معلومة او التزويد بالمعطيات من اجل المعالجة لكنها فانتازيا أدمن عليها البعض للتنفيس والترويح. هذه الحالة قطعاً تشحن بعض الافراد والمجموعات فيستجيبون لها وويستنتجون ان الموجود لا يفي ولا يكفي بالمهمة وان فعل شيء ما ” تأسيس تنظيم” اصبح أمراً ملحاً، ومع تكرار الخطاب تتكرر “تلك الأشياء” الناتجة عن ردود الفعل وهي تزيد من تناسل للتشرذمات والانقسامات والتذرر في المجتمع وقد تسهم في دثوره نهائياً.ثانيا: ردم الهوة تحديد العوامل التي ادى غيابها الى ايجاد فراغات رخوة في كتلة المجتمع “الإستقرار والتنمية” وافضى بدوره الى وقوع المظالم وكذلك حصر العوامل التي ببقائها يبقى المجتمع محصنناً من اي مظالم مستقبلية هي عوامل مشتركة من شأنها ردم الهوة وتحصين المجتمع من المظالم: – العدالة والديمقراطية – عودة اللاجئين- التنمية – اللغة العربية خلط حزمة الاهداف هذه باهداف سياسية اخرى سواء اهداف شيوعية أم قومية أم اسلامية أم ليبرالية …الخ. هي محاصرة هذه الثوابت وتهميشها. ان النضال من اجل تحقيق هذه الحزمة من شأنه ان يوحد المجتمع ، يوحد التنظيمات، يخصي التفريخ السياسي ، يردم الهوة بين تطلعات المجتمع والعملية السياسية ويركز مجهودات المجتمع ونضالاته في اهداف عليا مشتركة.علينا ان ندرك جيداً ان الكثير منا لهم ميولهم السياسية وتياراتهم الفكرية ومدارسهم المنهجية كما علينا الادراك ان مرارة الواقع وصعوبة احتماله وتحديه هو المسبب للهروب إما الى الماضي السالف والعيش في مناحيه وإما الهروب الى المستقبل وطرح واطروحات سياسية وايدلوجية تخدم المعارك الانتخابية والصراعات الحزبية ولا تمت بصلة الى الواقع وازمتنا. لكن عند الازمات والمظالم على كل تلك الاطروحات السياسية ان تتراجع وتتقدم فقط وفقط الاولويات المعالجة للازمة. تلك الحزمة من الاهداف هي مطالب المجتمع والنضال من اجل تحقيقها يحتاج الى عامل أساسي آخر هو القيادة واستعادة المركز. ثالثا: القيادةليس من السهولة ولاء وكسب ثقة المجتمع بمجرد الزعم بأنك تمثل همومه أو تحدد مطالبه، إن حزمة الاهدف تصبح مجرد شعارات جوفاء ما لم تعبر عنها قيادة تتمتع بثقة عالية عبر إبرام شراكة عضوية بينها والمجتمع. دفق دماء جديدة مسؤولة واعية، ملتزمة ، متفانية ، شفافة لا تغلب منهجها ومصالحها الخاصة على مصالح واهداف مجتمعها ، قيادة تدرك مآلات قراراتها وتدرس جيداً خطواتها ومواقفها، هذه القيادة هي الصفوة المبدعة والمركز الراشد، التي نتطلع الالتفاف حولها والترويج لها والثناء عليها، قيادة تنهض بثقل هذا المجتمع. ( 3 )مواطنون من اجل الحقوق الديمقراطية في ارتريا” سدر/سدريCitizens for Democratic Right in Eritrea” CDRiE” في البدء أود الاشارة الى ان موضوع المنظمة لا يتناسب مع عنوان المقال حيث لا اود التلميح بأن المنظمة هي حل للمشكلة الارترية لكنها قد تكون احد روافد الحل. كذلك اود ان اؤكد بأنني لست الناطق الرسمي للمنظمة ولكن كمؤسس ومشارك في صياغة اطروحاتها فإنني امتلك قراءة لا تتعارض كثيراً مع مؤسسيها على الأقل… سوف اعود الى مفهوم أزمة الهوية التي اشرت اليها في المقال الأول الفقرة (ب)، حيث ان قومية التجرنية هي الاخرى تعرضت لنفس الأزمة. فالاجتياح الاثيوبي الاخير 1999م وعجز الحكومة الارترية عن صده ومرارة الهزيمة ورفض اسياس أفورقي المساءلة والتقييم ادى الى جلد الذات وتبادل اتهام القيادة بعضها، وكان مخرجات الأزمة: إعتقال قيادات تاريخية وكوادر اساسية، فرفع المجتمع التجرنياوي ثقته عن قيادته ومركزه الراشد المعبر عن مصالحه الجماعية وتفرق من حوله وتفكك المركز الى اقاليم بحيث اصبح من السهولة بمكان التعرف الى اي تنظيم ينتمي احدهم بمجرد معرفتك اقليمه. ” قل لي اقليمك اقل لك تنظيمك”. ومع فقدان المركز الذي كان يحتوي انقساماتهم الاقليمية واختلافاتهم المذهبية بدأت رحلة التوهان والتذرر والمعاناة اسوة بما حدث في مجتمعنا- غير التجرنياوي- ، فلا مركز راشد ولا قيادة جامعة سواء في المنخفضات أو المرتفعات (كلنا في الهوى سواء). الأن بعد فقد المركز ثقة المجتمع وتفككه الى اقاليم وابتداء رحلات الموت لعدد كبير من الشباب : الموت عند الحدود الارترية ، الموت في الصحاري وقصفهم بالطائرات ، الموت في عمق البحار، والمهجر والمصير المجهول. هذا النزيف الوطني وهذا التفكك الاقليمي والتباين الديني بينهم والمستوى المعيشي الملامس للمجاعة ، والخدمة المدنية والعسكرية المفتوحة المدة ..الخ. كل هذه المعاناة اضافت ورفدت المشهد الارتري بمعطيات جديدة وهامة.الذين كانوا بالأمس يرفلون في نعيم السلطة وينسون بأن لهم شركاء يعانون الفقر والمرض والجهل في الملاجيء اليوم جاء دورهم ودارت عليهم الدائرة ،هذه الازمة وضعت الكثير من نخبهم السياسية والثقافية في موضع الوقفة مع الذات ومساءلة السياسات التي انتجت النتيجة المخزية وهذا الواقع المزري. تلك هي منتوج سياسات الديكتاتورية والاقصاء والهيمنة والاستحواذ وهي من أوجد اليوم وعياً وادراكاً “لبعض نخبة التجرنية” بأن تلك السياسات هي التي شكلت جذور الازمة والمأزق الوطني الذي نعيشه اليوم!!. هذه المعطيات وهذا الادراك وهذا الواقع الجديد في هذه اللحظة الفارقة تحتاج منا الى فهمها وقراءتها وحسن توظيفها، (وإن شئت) حسن استغلالها من أجل معالجة جذرية لقضايانا وثوابتنا الوطنية، ولبناء الثقة بين ابناء الشعب الواحد وتشكيل البلد من جديد على أسس وقواعد صلبة. إن الاستعداد لاحتواء كافة الخلافات الثقافية من أجل خلق مناخ للعدل والديمقراطية وسيادة القانون وتكافؤ الفرصة بين أبناء الوطن الواحد دون التمييز الثقافي والديني والعرقي، ومن اجل احتواء ومحاصرة هذا الجرف الوطني المتمثل في نظام ديكتاتوري بوليسي تصفوي، تنظيمات إقليمية، تنظيمات قومية- تقر بحق تقرير المصير حتى الانفصال- تنظيمات اسلامية، تنظيمات علمانية- تنظيمات ذات ولاءات خارجية، فقدان مركز راشد جامع ، نزيف دائم في المنخفضات، رعاف مزمن في المرتفعات ، مطامع إقليمية في تشكيل البلد وفق أجندتها، استقطابات سياسية بموجبها تتشكل أحلاف خارج التحالف وترفض بعضها البعض… الخ. أجل، من اجل محاصرة هذه الجرف الوطني أتت مبادرة سدر/سدري الذي أسس مقال الأخ الأستاذ/ عبدالرحمن السيد – أبو هاشم- “المنهج الآمن لتغيير النظام في ارتريا” أساسا نظرياً وقرأ المشهد وكافة الخيارات وأهليتها في التغيير السياسي في ارتريا. ومن خلال ردود الفعل الايجابية على المقال (استفسار،نقد،توضيح ..الخ) تأسس حوار واتسعت دائرته لتشمل منتديات وحلقات كانت موجودة وضمت إليها شخصيات منها المستقلة ومنها الملتزمة ونخب سياسية واختصاصيون وأكاديميون وباحثون وقضاة وقانونيون دوليون ومثقفون ونشطاء سياسيون وحقوقيون من كافة النسيج الوطني الارتري ومن جميع القارات، ويعتبر هذا الانجاز من الرهانات القليلة المتبقية من أجل تحقيق العدالة الديمقراطية وإعادة الثقة بين أبناء الشعب الواحد في مقابل قصور وتراجع الكثير من المشروعات الجماعية. ومع استمرارية الحوار وجديته وعمقه رأت المجموعة بعد عام ونصف عدم خذلان الحقيقة وخدمة قناعتها وذلك بتأسيس منظمة مجتمع مدني من أجل العدالة والديمقراطية وحقوق الإنسان في ارتريا ، من أجل جمع وتوحيد الصوت الارتري المعبر ذو التأثير القوي في الفراغ الحالي أو المستقبلي.علينا أن نعي جيداً إن التاريخ لا يقف عند اسياس أفورقي، فأسياس زائل سواء بانقلاب من داخل نظامه أو بوفاته، ويجهل من يعتقد بأن البديل القادم سوف يرفع سماعة الهاتف لتسليم السلطة لمن في بريطانيا أو أمريكا أو أديس اببا،عليه، النظرة الجزئية هي اجترار لمآسينا، علينا أن نجتهد أين يجب أن نقف وكيف ينبغي أن نصيغ خطابنا، وحجم التأثير الذي تحدثه منظمتك والحيز الموضوعي الذي تشغله أطروحاتك لدى كل الأطراف هو من أسباب نجاح العمل. إلى هذا الحد اكتفي بتقديم اللحظة التي أوجدت سدر، منطلقاتها،هواجسها وأهدافها. وسوف أوضح فيما يلي النقاط التي اعتبرت مثيرة في رسالتنا:أ- إن سدري لا تعادي الحكومة بقدر ما تعمل من أجل تحقيق الحقوق الديمقراطية. 1- المعاناة بشكل عمودي تقع على كافة أبناء الشعب الارتري بما فيها غالبية كوادر النظام وأعضاء الحكومة.2- سدر تدرك بأن النظام بعناصره وكوادره وموالييه يمثل أكبر تجمع سياسي في ارتريا، وقد قامت من داخله عدة محاولات لتغيير النظام وآخرها مجموعة (15) الذين يمثلون القيادة المغيبة للإصلاحيين. وعليه إن الإصلاحيين في داخل النظام سيلعبون دوراً مهماً في التغيير وكذلك في مستقبل البلاد إذا ما أحسنا مخاطبتهم وإقناعهم بأطروحاتنا.3- نفهم بأن التغيير لا يأتي الا من داخل النظام نفسه ونراهن على صلابة موقفنا الوطني ومقدرتنا في الإسهام مع الآخرين بأن تنحى القيادة الجديدة بعيداً عن المنهج السابق وتتبنى اطروحاتنا أو رؤيتنا أو تتوافق معنا على الأقل. 4- لا نعادي لمجرد المعاداة وننظر الى الحكومة بكلتا العينين: عين ترى إقامة السدود والكباري والطرق وتشييد المدارس والمستشفيات وعين آخرى ترى الظلم والإنتهاك الصارخ لحقوق الإنسان والسجن والتصفية وغياب العدالة والديمقراطية وغياب سيادة القانون.5- أوضحنا بجلاء قاطع عن عزمنا بأن نجعل النظام في موضع يطلب فيه التفاوض واشرنا بوضوح كذلك بإننا نحمل رأي مشترك وتعهد ملتزم من أجل التغيير نحو العدالة الديمقراطية في بلادنا. ب- خائفون من لجوء بعض الارتريون الى وسائل العنف المسلح من أجل التغيير ايماناً منا بانه يريق الدماء بين ابناء الوطن الواحد ويؤسس لحرب آهلية طويلة الأمد.1- نعتقد بأن ارضية التغيير ناضجة يسردها الواقع وتكشفها المعطيات، وحل كافة القضايا ليس بالامر المستعصي الذي يتطلب العنف.2- كما نعتقد بأن الجندي الأرتري يحمل السلاح إما مغرماً مجبراً ولذلك يهرب عند اقترابه من أي حدود معرضاً بذلك نفسه للهلاك وبهذا المعنى فإن هذا الجندي يحمل البغض والكراهية للنظام أي انه معارض إذا ما تم تنظيم مشاعره، وهو يتطلع اليوم الذي تأتي فيه المعارضة لتخليصه من هذا النظام ، فكيف بالأمر اذا ما قتلته المعارضة بدعوى إضعاف النظام ؟. وجندي آخر يحمل السلاح ايماناً منه بانه يدافع عن وطنه وترابه من الاجتياح الاثيوبي ولا ننسى بان الذين ماتوا في الحرب الحدودية مع اثيوبيا تعلق صورهم في منازلهم وكقلائد في صدور ذويهم واصدقائهم وينظرون اليهم بشموخ فماذا تقول لهؤلاء “مئات الآلاف” إذا ما قدمت مجموعة من العمق الاثيوبي وقتلت ابنهم ؟ أتقول لهم ما قاله معاوية عندما قيل له: أولم تعلم يا معاوية إن رسول الله (ص) قال : إن عمار بن ياسر تقتله الفئة الباغية؟ فقال معاوية نعم : قتله الذي اتى به الينا متهماً الإمام علي. لا لن نقول ما قال معاوية ولكننا نقول إن المقتول سواء جندي من المعارضة أو الحكومة هو جرح في جسم الوطن ويحمل مخاوف حرب داخلية. ج- إذا اراد النظام تغيير سياساته والواقع المر فنحن نعرض مساعدتنا ولا نعتبره عدونا وسوف نتعامل معه كشريك ولن نتردد وإذا تطلب الامر اعادة تشكيله سوف نفعل. دعني أوضح هذه النقطة بالسؤالين التاليين: أ?- ماهي البدعة التي ابتدعتها سدر، الم تقل قيادات المعارضة مراراً وتكراراً بانها تقبل الحوار مع النظام ويتقدمون علينا بكثير عندما يضيفون بانهم يقبلون الحوار بدون شروط ؟.ثم ب?- ما هو المعيار الذي بموجبه تم قبول عناصر وكوادر أساسية جاءت من النظام ودخلت في التحالف. الم يكن المعيار هو قبول هؤلاء بالتغيير الديمقراطي في ارتريا، بل وتم مع بعضهم تحالفات ثلاثية (1+2) وتحالف جماعي ورُفع اجتماع تحالف بأكمله في الخرطوم لأكثر من اسبوع في انتظار عودته الميمونة عندما تركهم وذهب “لتجديد جواز سفره” ؟ فإذا قبلت الحكومة بالتغييرالديمقراطي فهل يتغيّر المعيار؟.سدر مكملة لأي تنظيم وطني وليست خصماً من أحد وليست تنظيماً سياسياً، نعلم جيداً حجم المأزق والتحديات والإمكانات. ونفخر بالإمكانات التي تزخر بها سدر والدور الذي تتطلع القيام به وهو ما يبرر الحملة الشعواء التي قامت بها الحكومة ضدنا وقيام بعض عناصرها الذين حاولوا المستحيل لإعاقة عقد مؤتمرنا الدولي في لندن. ورغم العواء في خواء سوف نناضل من أجل أن تصبح ارتريا لجميع أبنائها. في الختام ، من أراد إبداء الرأي حول سدر أو دعمها أو الانضمام إليها برجاء الكتابة إلى العنوان البريدي cdrie@cdrie.com ، كذلك تود سدر تنظيم ندوة في غرفة مغلقة “بالتوك” بتاريخ 15-05-2009م الساعة الثامنة مساءاً بتوقيت غرينتش للتفاكر والاستماع إلى الآراء المختلفة والنقد والتوجيه والاستفسار، ومن يرغب المشاركة برجاء الكتابة إلى نفس العنوان. وبالله التوفيق ،،، صلاح أبوراي

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى