مقالات

ليلة المأساة التي خُطف فيها المهندس جمال ووالده الشيخ. بقلم/عبد الحميد سعيد علي نور

6-Apr-2016

عدوليس ـ بالتعاون مع تنسيقية يوم المعتقل الإريتري

ربما تُشابه حالة العروس (حواء إبراهيم) حالات أخرى كثيرة في إريتريا، حيث يُعتقل العريس دون أي تهمة ثم لا يُعرف مكانه لسنوات طويلة، والأدهى والأمر أن العروس تنتظر المدة المتطاولة على أمل أن تتنازل طوعا عن اللقب، بأن تصبح أماً تنبي أسرة الحاضر ومنزل المستقبل، ولكن ما لا تتشابه فيه حالة (حواء) بمثيلاتها هو خطف والد عريسها معه في ليلة واحدة، لتظلم الدنيا أمامها أكثر من حلكة ظلام تلك الليلة التي لا تنساها أبدا.

فلم يكن يخطر ببال العروس أن يغيب عنها عريسها (جمال) ليلة واحدة، حيث بالكاد أتموا شهرهم الثالث من العرس، ولم يكن العريس قد استأنف نشاطه في أعمال الكهرباء بالكم والكيف الذي كان معتادا عليه قبل العرس، كما لم يكن يدور في خلد أم العريس التي فرحت أيما فرح بزواجه، أن يخطف منها ابنها وزوجها في ليلة واحدة، لم تسمح لها الصدمة أن تتمالك أعصابها لتهدأ من روع العروسة ولا أن تحدث نفسها .. يا إلهي .. ما هذه القسوة التي يعاملنا بها هؤلاء الجنود ونحن عُزل .. أبرياء ؟ ما هذه الوحشية التي تهدم عش الزوجية الآمن في ظلام الليل ؟ ولا تفرق بين الشباب والكهول في التعنيف والتوقيف .. فالعم آدم علي نور سفاف: كان في نهايات عقده السابع لحظة اعتقاله، كان مشرفا على مستودع المواد أثناء بناء مشروع معهد عنسبا الإسلامي، وكان نشطا متفانيا في عمله حيث كانت تعتمد عليه الإدارة في هذا اﻷمر، كان محبا للخير زاهدا عن الدنيا وحطامها، ينفق على الفقراء والمساكين واصلا للرحم بارا بالجيران واﻷقارب واﻷباعد. إنه من مواليد قرية “وازنتت” عام 1927 حيث نشأ وترعرع، إلتحق بالشرطة فترة الانتداب البريطاني ﻹريتريا وظل بها تم إحالته للتقاعد نهاية عهد الفدرالية، وأثناء قيام الثورة اﻹرترية أصبح عضوا في الخلايا السرية التابعة لجبهة التحرير اﻹرترية، لكنه أصبح ضمن قائمة المطلوبين لدى اﻷمن اﻷثيوبي فاضطر إلى التخفي وترك منزله بحي “قزا باندا” الذي صادرته سلطات اﻹحتلال، وكان قد سبق ذلك مصادرة جميع مواشي الأسرة بعد إلتحاق شقيقه (العم إبراهيم) بالثورة – طالبا ثوريا ثم قائدا عسكريا فمسؤولا سياسيا- وبعد إنقلاب نظام الدرق منتصف السبعينيات تحسنت اﻷحوال قليلا وخرج العم آدم من مخبئه ومارس حياته بشكل طبيعي رغم المراقبة اﻷمنية من قبل الأمن اﻷثيوبي، كان يهوى مهنة الزراعة البستانية ولذا أقام مشروعا في منطقة قلجم أسفل حقات لكن مشروعه لم ير النور بسبب الحرب عام 1988، وبعد التحرير بدأ بالفعل في تنفيذ مشروعه لكن اختطفته أيدي الغدر وهو في قمة عطائه رغم تقدم السن به، وهنا احتفظ لنفسي بباقي سيرة عمي فرج الله كربه كما حكاها لي والدي (الشيخ سعيد) رحمه الله- فقد غادر دنيانا قبل شهور وهو ينمي نفسه بنظرة على (العم آدم) المختطف منذ 14/12/1994 مع إبنه (جمال). أما المعتقل جمال آدم علي نور: فقد ولد بكرن عام 1968 ونشأ ودرس بها عدة سنوات في معهد عنسبا الإسلامي ثم هاجر إلى السودان حيث التحق بإحدى المدارس الفنية ودرس بها الهندسة الكهربائية، ثم عام إلى كرن في العام 1988 ليعمل فنيا في توصيلات الخطوط الكهربائية، عرف بصدق الحديث واﻷمانة وتميز بحسن اﻷخلاق وطيب المعشر ورجاحة العقل لم يصاحب إلا اﻷخيار، فالمهندس جمال شاب خلوق كثير الحياء قليل الكلام يعمل في صمت، كان مهموما بأمر المجتمع وعلى استعداد دائم لتصليح الأعطال الكهربائية في البيوت والمساجد والمدارس. فاﻵثار التي ترتبت على اعتقال عمي (آدم علي نور) و قدوتي (المهندس جمال) كانت جسيمة على الجميع ولكنها كانت أعظم وأفظع على الوالدة والعروس، إضافة إلى العامل المادي وظروف المعيشة القاسية التي مرت بهما ولازالت فإن الضرر المعنوي كان أعظم، فقد كان من آثار الضغوط النفسية أن أصيبت زوجة عمي بمرض ضغط الدم والمعدة لسنوات دون راعي، كما أن أحد الجنود أو زوار الليل كان قد ضربها في عينها يوم تم اختطاف زوجها وابنها، ولا زالت تعاني من آثار تلك الضربة من يد باطشة بالضعفاء والنساء، نسأل الله أن يأخذ حقها وحق جميع المظلومين بقدرته وجبروته سبحانه. وبالنسبة للزوجة الوفية التي تركها المهندس جمال عروسا ليلة 14/12/1994. فما زلنا نناديها بالعروس صغارا وكبارا لأنها في الحقيقة ليست غير ذلك، وهي لا زالت صابرة محتسبة تنتظر زوجها ولم تجزع أبدا من قدر الله، نسال الله أن يعوضها على صبرها وجميع اﻷمهات والزوجات الصابرات، اللائي يضربن المثُل العليا في الوفاء والتمسك بالأمل، ويلُذن بالدعاء ثم الدعاء حتى يقضي الله أمرا كان مفعولا.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى