مقالات

من أجل عمل سياسي ناضج ومستقبل أفضل للأجيال الإريترية القادمة. بقلم / محمد علي صالح هنتولاي

5-Apr-2017

عدوليس ـ ملبورن

هناك بعض المفاهيم والتوصيفات منتشرة بكثرة في خطاب المعارضة الإرترية .. وفي قناعتي الشخصية .. هذه المفاهيم تحتاج إلى وقفات مهمة للتدقيق والتمحيص والمراجعة قبل أن نطلقها .. فالخطاب تطلقه نخب تتمتع بشعبية وقبول في أوساط الإرتريين المقهورين الذين عانوا الأمرين من ويلات النظام بكل خلفياته وأفعاله وواقعه الماثل .. وجل هؤلاء المتابعين والمتلقين لهذا الخطاب من الشباب وأغلبهم ، إن لم يكونوا كلهم حديثي عهد بالسياسة وتعقيداتها وحبائلها المتشابكة .. فضلا عن عدم إلمامهم بالكثير من الحقائق الهامة عن إرتريا في تركيبتها السكانية والثقافية وامتداداتها الجغرافية.. إما لأنهم ولدوا خارجها ولم تتيسر لهم سبل العودة إليها لعراقيل وضعها النظام في البداية ثم الأحوال

المعيشية والأمنية التي أصبحت طاردة.. أو بسبب الخطاب غير المنضبط والعاطفي الذي يبثه الكثيرين عبر الفضاءات الافتراضية التي يتلقى منها هؤلاء جل معارفهم عن إرتريا.
التوصيف يطلقه فلان أو علان .. القيادي المعروف .. ويتلقفه هؤلاء .. ومعهم بعض الهواة مرتادي هذا الفضاء الافتراضي الذي أصبح منبراً للتعبير .. ومنصات للخطابة .. ومحافل ومنتديات سياسية وثقافية مختلفة المشارب والمآرب .. يرتادون هذا الفضاء إما لغايات ومقاصد إيجابية تتمثل في التعلم والتعرف على ما لدى الآخرين من معارف وثقافات وتجارب وممارسات .. وللإسهام في دولاب الثقافة وساقيتها التي لا تتوقف ليل نهار.. وبينهم من يتسكع في هذا الفضاء الافتراضي للتسلية والترويح عن النفس وقتل الوقت .. لا يهتم كثيراً بما يقرأ .. كما لا يهتم كثيراً بما يكتب .. لأنه لا هدف بعينه يدفعه إلى المشاركة .. ولا رادع يحول بينه وبين ما يريد قوله .. ومن هؤلاء نسبة كبيرة جداً ممن درجوا على إشعال الحرائق هنا وهناك .. إما قصداً ومع سبق الإصرار والترصد .. أو عفواً .. من خلال تعليقات (طق الحنك) التي لا تتقيد غالباً بالكثير من الضوابط التي يهتم بها الجادون في تناول الكثير من القضايا الحساسة .. يشعلون الحرائق هنا وهناك حتى دون أن يتخذوا الاحتياطات المعتادة التي يتبعها كل من أراد أن يوقد ناراً .. للحرب كانت أو للتدفئة .. ولذلك جزء كبير من ألسنة النيران تلتهم هؤلاء أنفسهم وتلتهم معهم المجتمع الإرتري بأسره .. ومن هنا وجب التنبيه.
هناك حقائق هامة يجب أن نتنبه لها ونضعها نصب أعيننا عندما نأتي للحديث عن أي شأن عام يخص إرتريا والإرتريين… ومنها:
أولاً: كل الإرتريين .. جميعاً دون استثناء .. مسلمين أو مسيحيين .. من المنخفضات أو المرتفعات .. وعلى اختلاف جماعاتهم الإثنية .. وخلفياتهم الثقافية .. كلهم إرتريون .. ولا أحد يمكنه المزايدة على الآخرين بأحقية الانتماء.
ثانياً: كل من يملك شبراً على أرض إرتريا يحق له كما يحق لبقية شركائه في الوطن .. أن يضع تصوره للكيفية التي يريدها للوطن .. وأن يعبر عن حقه في المواطنة من الزاوية التي يرى منها هذا الوطن.. لأن الجميع يمارس حقه المشروع .. (والحشاش يملا شبكته) فلا غرابة في أن تسمع عمن يريد الوطن ناطقاً بالتجرينية فقط (وهو المبدأ الذي تأسست عليه الجبهة الشعبية وأقامت الدولة الإرترية بعد التحرير بناء عليه).. وقد تجد من يريده ناطقاً بالعربية .. كما قد تجد من يريده دولة مسيحية مرجعيتها الكنيسة .. وتجد أيضاً من يريدها دولة خلافة تحكم بالشريعة .. وبين أولئك وهؤلاء من يعتقدون بأن الحل في علمانية الدولة .. حتى تتمكن الأخيرة من احتضان كل هذه الفسيفساء .. كل هذا الخطاب موجود .. وسبب وجوده هو التنوع الذي تزخر به إرتريا.. غير أن الذي يمكن أن يحقق انتصاراً آمناً ومستداماً بين كل هذه المكونات والآراء .. هو المكون الذي يكون متماسكاً في ذاته .. يعرف ماذا يريد .. ويقدم رؤيته التي تنبع من طبيعته هو .. دون أن يبخس حق شركائه الآخرين .. أو ينكر عليهم رؤيتهم للوطن أو يسفِّه أحلامهم .. وصاحب هذه الرؤية هو الوحيد الذي يمكنه أن يكون عنصراً إيجابيا ونافعاً في بناء مستقبل آمن ومزدهر للأجيال الإرترية القادمة.
ثالثاً: إرتريا بشكلها الحالي .. سواء كانت صنيعة القوى الاستعمارية .. أو وجدت هكذا منذ أن انشق الأخدود الإفريقي العظيم .. (مش حتفرق كتير) .. هي بشكلها الحالي قدر الإرتريين جميعاً .. وبعد أن خرجت القوى الاستعمارية وظهرت الدولة القومية في حيز الوجود .. رُفعت الأقلام وجفت الصحف .. وعلى الإرتريين جميعاً تقع مسؤولية التكيف والتعايش مع الحقائق على الارض حتى يعيشوا هم وأجيالهم في سلام .. ويتفرغوا للتعليم والبناء .. بدلاً من النضال والمعارضة التي لا أجد في الأفق القريب ما يشير إلى أنها قد تحقق مقاصدها المشروعة في القريب العاجل .. أو قد تصل إلى نهاية آمنة .. وقد يكون للعوامل الذاتية القدح المعلى في ذلك.
رابعاً: من أراد إرتريا للتجرينية وحدهم دون غيرهم .. فقد حاول .. غير أنه لم يفلح .. وبالمقابل من يريد أن يعيد الكرّة .. ويقلب الوجه الآخر من العملة .. ويريدها لمكون آخر كبديل يطرح برنامجه تحت أي مسمى كان .. وبنفس الصيغة المشهورة لقانون نيوتن .. معاكس في الاتجاه للمجموعة التي فشلت .. ومساوٍ لأفعالها في المقدار .. فسيصل هو الآخر إلى نفس المحصلة .. وهي في الحالتين دولة فاشلة .. صفر كبير في كافة الأصعدة.. وستدخل الأرض في دوامة لا تنتهي من التناوب الفاشل .. تنتهي جولة الإقصائيين بعد أن تتآكل دولتهم .. ثم يأتي دور الذين تم إقصاؤهم .. فيقيمون دولتهم الانتقامية على أنقاض دولة الإقصائيين الأوائل ثم يتحولون هم أنفسهم إلى إقصائيون جدد .. ومن الطبيعي أن تكون الدولة التالية أيضاً فاشلة طالما أنها سارت على نفس المنوال .. (طبعاً هذا على افتراض أن الذين يتعرضون للإقصاء اليوم يمكنهم تجميع قواهم وتشكيل مكون يمكنه أن يكون بديلا لمن يقصونهم الآن).
وعلى هذا المنوال ستظل مسيرة المجتمع عبارة عن حلقة مفرغة .. وطاحونة من حجر الرحى .. تطحن آمال أجيال بأكملها من الإرتريين في الأمن والاستقرار والتعايش بسلام .. يدور بدولابها بغل أعمش أو جمل معصوب العينين.
وهكذا حتى تصبح هذه الأرض المثخنة بكل هذه الجراح لقمة سائغة لأي قوة اقليمية أو دولية .. تأتي بدافع إنقاذ الأبرياء العزل (الصومال مش بعيد).. لتستغل الكثير من الموارد التي أودعها الله تبارك وتعالى في هذه الأرض .. ابتداءً بألف كيلو متر على البحر الأحمر وفي أشد الأماكن حساسية وأهمية من الناحية الاقتصادية والاستراتيجية على المستويين الإقليمي والدولي.. وليس انتهاءً بكل الخيرات الطبيعية التي يمكن أن تجود بها بلد بكر مثل إرتريا .. حكومتها مشغولة بالتنكيل بشعبها .. لم تزرع .. ولم تدر آلة الانتاج فيها حتى الآن..
خامساً: الانشغال كثيراً بأن فلان المسؤول أو حتى رئيس النظام القائم شخصياً .. هو من التجراي .. ليست في اعتقادي من الحجج القوية في مرافعات الحقوق الضائعة .. لأن المشكلة ليست في كونه لديه علاقات أو جذور كاملة أو جزئية مع التجراي.. فالانتماء إلى التجراي بالنسبة لإخواننا في المرتفعات في اعتقادي ليس مشكلة في حد ذاته .. لأن مثل هذه الازدواجيات سببها الامتدادات الجغرافية .. وهي ليست مستغربة .. وحدود إرتريا ليست مع إثوبيا وحدها أو مع التقراي على وجه التحديد.. بل هناك مجموعات أخرى سكانية لديها تداخلاتها عبر امتداد جغرافي آخر مع السودان .. ومن هنا يمكن أن يأتي دور الآخرين في يوم من الأيام ليقولوا أن من يحكمنا هو (إسلاماي من السودان) .. تماماً كما يقول البعض منا اليوم .. غير أن الدافع الأساسي لإطلاق مثل هذا التوصيف في اعتقادي ليس لأن هذه هي الجريمة الكبرى التي يجب الوقوف عندها .. بل هناك الكثير من الجرائم والموبقات أشد وأنكي من كونه يتمتع بجذور في التجراي.. لكن الأمر في حقيقته لا يعدو أن يكون مجرد حالة للتعبير عن العجز وقلة الحيلة .. فعندما تفشل في مقاومة من يقصيك عن وطنك وتعجز عن مواجهته لأسباب جلها ذاتية تتمثل في تفرقك وتشرذمك.. ستبحث عن حجج تقنع بها نفسك طالما أن الفعل الحقيقي لتغيير الواقع القائم بات في نظرك من رابع المستحيلات..
أخيراً: المعالجة الموضوعية للوضع القائم في إرتريا منذ ربع قرن على الأقل وحتى يومنا هذا .. تكمن في قناعتي الشخصية.. في إيجاد عقد اجتماعي يستصحب في مضامينه وسياقاته جميع النقاط أعلاه .. ويضمن لجميع الإرتريين وطناً آمناً يسعهم جميعاً يتداولون فيه السلطة ويتقاسمون ما تيسر من الثروة وفق عملية ديمقراطية يشارك فيها الجميع .. هذا التوصيف في غاية السهولة من الناحية النظرية .. لكن المحك والتحدي الحقيقي يكمن في إخراج صيغة مقبولة للجميع وقابلة للحياة من مثل هذه المقاربات النظرية .. وهذه في اعتقادي مسؤولية تاريخية تقع على عاتق النخب الفاعلة من المثقفين من جميع مكونات الشعب الإرتري دون استثناء.
ودمتم سالمين
محمد علي صالح هنتولاي
hintolai@gmail.com

* من المحرر : نعيد نشر مقال الأستاذ هنتولاي مع تقديم إعتذارنا له.. وقد شابت المقال الأول الكثير من الأخطاء المطبعية التي لا تفوت على فطنة القاريء.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى