أمال علي :تجربتي الإعلامية هي جزء من تجربة جيل أعلاميي ما بعد التحرير.
16-Nov-2016
عدوليس ـ نقلا عن مجلة السمراء السودانية
الإعلامية آمال علي ، إبنة جارة البحر ومدينة كرن الإريترية، من خلالها تطل (السمراء) علي أحدي حبات العقد الاسمر – إريتريا – التي تطوق جيد بلادنا بمحبة أهلها. فهي من الذين يمكن ان تطلق عليهم “سوداترية”، مثل الكثيرين من الإريتريين الذين إحتضنهم السودان واحتضنوه بذات المحبة. وبجانب كونها إعلامية ومهتمة بقضايا بلادها، هي مثقفة من طراز فريد فتحت لنا من خلالها نوافير الضوء علي بلادها وعلي الادب والفن والمرأة الارترية، والكثير الذي يخفي علي بعض الناس في السودان. وباطلالتها وروحها الباذخة الجمال حاورت الفنان الراحل محمد وردي، والبلابل وعدد من الفنانيين السودانيين في التلفزيون الإريتري الذي كانت آمال علي إحدي ايقوناته التي ينتظرها الجميع ليغسل بها عيونه بعد رهق نضال طويل اثمر اسمرا الجميلة. آمال علي سمراء في ضيافة السمراء، ماذا حكت لنا من لندن حيث تقيم؟حوار: محمد المختار محمد
آمال علي إعلامية إرترية، حاضرة في مشهد بلادها بطرق مختلفة، نود التعرف عليها؟
أهلًا محمد. أشكرك على إهتمامك ودعوتك لي في هذا الحوار، ويسعدني أن أتواصل مع أهلنا في السودان الجار الأقرب إلينا من جهةِ القلب. لا أعرف كيف يمكن أن أُعرِّفَ نفسي. ولكن ببساطة، أنا أنسانة معنيَّة بقضايا الحقوق والحريات بالدرجة الأولى، وبقضايا إرتريا بدرجة خاصة. وأنا ابنة جارة البحر كما يحب بعض الأصدقاء هنا تسميتها. وتحديداً، من مدينة “كرن” في المنخفضات الغربية، التي غادرتُها بعد عاميَّ الأول مع أسرتي – في فترة الكفاح المسلَّح- إلى السودان؛ لسنوات قليلة، ثم دمشق سوريا بلدُ المنشأ، وتكويني الإجتماعي، والأكاديمي. درست الأدب الإنجليزي، وانتقلت بعدها لدراسة الإنتاج الإذاعي والتلفزيوني. عشتُ في دمشق لسنوات طويلة، لتكونَ سوريا وطناً حقيقياً بالنسبة لي، قبل أن أعودَ مجدَّداً إلى إرتريا، إلى إنتمائي وإرتباطي التأريخي والوجداني. عمِلتُ لسنوات طويلة بعد التحرير في التلفزيون الإرتري مُعِدَّةً ومُقدِّمةً للبرامج الإخبارية والثقافية والوثائقية؛ إلى أن غادرتها إلى لندن في 2001م ،حيث أُقيمُ حالياً مع ابنائي وأسرتي وأعمل بشكل مستقل.
رغم إنتمائك إلى مدينة “كرن”، إلا أن لمدينة أسمرا وقع خاص لديك، ما هو سر عشقك لأسمرا؟كرن وأسمرا وقندع، لكل مدينة في إرتريا نكهتها الخاصة وطابعها المكاني والإنساني المتميز. ولكن ربما بحكم السنوات التي قضيتها في اسمرا بحكم عملي وإقامتي جعلتني ارتبطت فيها بعلاقات إنسانية وصداقات وذكريات.. وكذلك بتفاصيلها الشوارع وإيقاع الحياة، الناس بتنوعهم، المقاهي ..عدا أن اسمرا مدينة ساحرة بمقاييس المدن عامة.
يتجاوز التمازج والتداخل الثقافي والاثني بين السودان وإرتيريا الحدود الجغرافية التي تفصل البلدين، اين هذا التداخل والتمازج من آمال علي؟
بالفعل التداخل والتمازج متشعب وقديم بين شعبيّنا في إرتريا والسودان وعموم منطقة الشرق الإفريقي. وهو عامل إثراء ساهم الى حد كبير في خلق علاقات إنسانية تستوعب قيم الآخر وتنوعه الثقافي حتى في التعدد اللغوي والديني. وأنا لست ببعيدة أو غريبة عن هذا التداخل، فارتباطي بالسودان له مداخل عدة بالرغم من زياراتي السريعة والمحدودة له. بدء من الصداقات المتنوعة والعميقة التي ربطتني بعدد كبير من السودانيات والسودانيين، تعرفت من خلالها وعن قرب على إنسان السودان وثقافته، فنّه وموسيقاه التي أحبها جداً وكذلك تأريخه وهمومه وأحلامه. السودان ايضا حاضر دوماً في حياتنا بقوة كوّنه جهة اللجوء الأولي لابناء شعبنا في مراحل كثيرة في الماضي و حتى يومنا هذا، ولي في السودان إمتدادات أسرية عدة.
درست بدمشق في ظل صعود الخطاب القومي العربي، كيف تنظرين إلى سنوات الدراسة بعد كل هذه السنوات؟
نعم، نحن عايشنا ذلك المناخ بخطابه القومي وأيديولوجية البعث السوري المتشددة في تصدرها له بشكل حاد. وللمفارقة، كان لهذا المناخ تأثيراته الإيجابية على الثورة الإرترية وعلينا كارتريين مقيمين في سوريا وطلبة وافدين، فسوريا قدمت دعم كبير ومهم لنا وتبنت الي حد كبير موقفاً إيجابياً من قضايانا حينها تحت هذا الخطاب الذي اعتبر إرتريا دولة عربية -مسلمة- شقيقة .. ولكن ، وعلى مستوى آخر في رأي الشخصي وبحكم معايشتي للمجتمع السوري عن قرب أو بالأصح من واقع كونّي إرترية/سورية أرى كارثية ما يحدث الآن في سوريا، مرجعيتها هو ذلك الخطاب ومضامينه المتشددة والقمعية، وخاصة ضد التيارات الفكرية الاخرى في سوريا حينها وضد التنوع المذهبي والإجتماعي للشعب السوري بمختلف طبقاته. القومية العربية وجبهة الصمود والتصدي شعارات استهلكها البعث السوري على حساب السوريين. وهم الان يدفعون ضريبة باهظة للعبث الأسدي. وعموماً ان سنوات الدراسة هناك كانت ممتعة وخصبة وزاخرة بكمٍّ معرفي مهم، عرفت اناس كثر، أصدقاء من مختلف مكونات المجتمع السوري، شوام وأكراد وعلويين و دروز . فالشعب السوري معطاء وكريم ومرحب بالغريب ، تماماً كطبيعة أرض الشام الخصبة .
وكيف كانت هي أوضاع الطلاب الإرتيريين المبتعثين للدراسة بدمشق وباقي الدول العربية؟
دمشق كانت مدينة متناقضة العطاء بالنسبة للطلبة الوافدين اليها للدراسة. بمعنى أن الطلاب الإرتريين كانوا يجدون فيها المكان الأنسب في ذلك الزمن للدراسة والتمتع بعلاقات وصداقات ليس مع السوريين فقط بل مع طلاب آخريين من دول عربية وافريقية. وكذلك كانت دمشق مزدهرة بفعاليات ثقافية ومهرجانات سينمائية ومسرحية وسياسية. وهي ايضا مدينة ساحرة، وتاريخية وأهلها أهل كرم ومضيافين ولكن وبنفس المستوى كانت الحياة قاسية لأن المنح الدراسية كانت رمزية ولا تغطي إحتياجات الطالب هناك، وكذلك قسوة المناخ الشتوي أصاب الكثيرين بأعراض الغربة والحنين الى دفء بلادنا السمراء. ولكن بالإجمال دمشق ربما كانت الوجهة المحببة لكثير من الإرتريين في ذلك الوقت.
للمرأة الإريترية دور كبير ان تكون إرتريا دولة مستقلة، كيف تقيِّمين عمل النساء أثناء فترة الكفاح المسلح “ما قبل التحرير” لا سيما في الجانب الإعلامي على وجه التحديد؟
بالتأكيد، هناك تأريخ أقرب ما يكون الى القصص الأسطورية بدون مبالغة لدور نساء إرتريا في الثورة الإرترية التي استمرت لثلاثين عام من 1961م-1991م. نساء إرتريا كنّ إيقونات الثورة وتأريخها، وعمودها الفقري. المرأة الإرترية حملت السلاح وحاربت بصلابة من وراء المدفعية الثقيلة وعلى ظهور الدبابات. كانت في عهد الثورة في حالة الشراكة المتكاملة والمتساوية في ممارساتها وتبنيها لقيم النضال من أجل إرتريا مستقلة وحرة. قاتلت نساء إرتريا بشجاعة ونبل حتى الشهادة. كما أنها أيضاً وبنفس المستوى كانت أم ومربية، وزوجة، ورفيقة، وفنانة، وإعلامية،. وكما تعرف أنّ في العمل الثوري يكون الإعلام محوراً أساسيا من محاور وركائز دعم هذا العمل، ومنذ البدء لعب الإعلام وخاصة الإذاعات الإرترية الموجهة وبمشاركة نسائية فعالة دوراً مميزاً في العمل الوطني التعبوي والتوعوي لأجيال من أبناء إرتريا في الداخل وخاصة في المناطق المحررة التي كان يتحرك فيها الثوار في عملياتهم العسكرية وحيث يقيمون. ولا يقل أهمية عن ذلك دورها في الإعلام الفني فكانت المرأة فعالة بشكل كبير في نشر رسالة الثورة عبر الأعمال الفنية الغنائية التي تمجد نضالات شعبنا وبطولات مناضلي إرتريا وشهدائها وتبشر بالحرية والسلام. فكانت أعداد كبيرة من الشابات المناضلات منخرطات في ذلك الوقت في الفرق الفنية والمسرحية ينشدن ويؤدين العروض الحماسية داخل المدن المحررة وفي مناطق اللجوء مثل السودان وحتى في دول أوروبا والغرب للإرتريين المغتربين هناك.
تجربتك في العمل الإعلامي بعد الإستقلال كيف تقيمينها. وما هي أبرز العقبات التي وقفت أمامك وكيف إستطعت تجاوزها؟
دعني أقول لك بصراحة، تجربتي هي جزء من تجربة جيل أعلاميي ما بعد التحرير. وهي تجربة تحمل الكثير ولها مداخل متشعبة والحديث عنها هنا قد يطول. ولكن ربما هنا أختصر بالقول بأنها كانت تجربة متميزة وتأريخية. إعلام ما بعد الإستقلال قدم الكثير وبجودة عالية في تلك المرحلة الى حد كبير، فمع مجموعة كبيرة من الإعلاميين الإرتريين ، بعضهم من جيل المناضلين -المقاتلين- من إعلاميي الثورة، ومنهم مدنيين ممن كان في المهجر وعاد الى الوطن والتحق بالعمل الإعلامي بعد التحرير وأنا منهم ، شاركنا في تأسيس الإعلام الإرتري. بالنسبة لي وعلى المستوى الخاص، ما يميز هذه التجربة هو أنني حظيّت بالعمل في الإعلام وتحديداً التلفزيون الإرتري مع بدء تأسيسه، وللبدايات دوماً مذاق خاص، لها سحر يجعلك تندفع وتتحرك بحماس و فرح كبيرين وانت ترى حلمك أمام عينيك. هكذا كنت وكنا جميعاً حينها، وبالرغم من محدودية المصادر سواء على مستوى المادة الإعلامية أو الأدوات الإ أن الأفكار خصبة ومتجددة وكنا مؤمنين بأهمية دعم مسيرة إرتريا المستقلة نحو المستقبل الذي بدا لنا حينها كشباب واعداً ووطنياً ومنفتحاً على قيم المساواة والمشاركة والديمقراطية. ولكن كما يقال بالإنجليزية : جيدٌ جداً، ليكونَ حقيقي(Too good to be true). ويبدو أن تاريخ طويل من التضحيات والنضالات لم يكن كافياً ليكون صمَام الأمان، لا في العمل الإعلامي ولا في عموم الحياة. باختصار بدأت العقبات تتزاحم من تضييق على الخطاب الإعلامي الى حجر مساحات التعبير وتحويلها الى مساحة و قناة بإيقاع واحد ورسالة موجهة وضيقة الأهداف للحكومة. كانت العقبات أكثر صعوبة حيث كنت أعمل في القسم العربي، أنت تعرف ان إرتريا بلد متعدد القوميات واللغات، واللغة العربية احدى اللغات المعمول بها الى جانب التقرنيية والتقري والعرفية والكوناما في الإعلام حينها، ولكن لم تكن تحظى(كأخواتها من اللغات الأخرى) بدعم وإهتمام متساوي، كما كانت التقرنيية، وهذا الأمرٌ كان محبطاً جداً. ربما آيضاً، من المهم أن أشير الى التضييق المضاعف على الإعلاميات كونٌهن نساء من حيث الفرص في الخوض في مجالات عدة وكذلك في التأهيل وفي التدرج الوظيفي وربما في المرتبات، لا ادري بدقة، وهذا شيء آخر غريب، وهو أن التعامل مع المرتبات كان شبه سري فلا أحد يعرف مستوى الرواتب التي كانت تدفع تحديداً والفروقات وغيرها. ولكن دعني آقول لك شيء مهم، بالرغم من كل ذلك ، أنا فخورة جداً بتلك المرحلة وبعملي مع عدد كبير من الإعلاميين الإرتريين في ذلك الوقت. تعرفت على أشخاص مهمين بتجاربهم الصعبة والتأريخية من المناضلين ومن جيل الشباب الذي لم يعرف غير إرتريا. و وكان الحظ طيباً معي، ووضعني في عالم من الصداقات والعلاقات الإنسانية الأكثر حميمية وود مما عرفتٌ هناك، أفتقدها اليوم كثيراً.
الأدب الإرتيري ظل حبيساً في دائرة ضيقة ولم يجد الإنتشار اللائق إلا على مستوى الشعر محمد مدني ورفاقه، أما الرواية والقصة إلا مؤخراً مع أبو بكر كهال، وحجي جابر، في مجال الرواية، ما هو تعليلك لهذا الأمر؟
هذا صحيح ، قليلٌ ما هو معروف عن الأدب الإرتري، وللدقة الأدب الارتري المكتوب بالعربية. ربما صوت الشاعر الأستاذ محمد محمود الشيخ – محمدمدني هو النموذج الأكثر وصولاً عن الشعر الإرتري والأدب عموماً وخاصة في السودان. ربما لأن الشاعر محمد مدني عاش في السودان وله تداخلاته العميقة مع الوسط الثقافي السوداني. ولكن هناك أصوات شعرية أخرى كانت أقل وصولاً أيام الثورة مثل الشاعر أحمد سعد رحمه الله وهو توفي باكراً في ليبيا والشاعر عبد الرحمن سكاب عليه الرحمة. أما عن الرواية هناك الكاتب والروائي المناضل المعروف محمد سعيد ناود رحمه الله، والقاص إدريس ابعرى لهما أعمال روائية في الأدب الثوري. عموماً، في رأي أن الأدب المكتوب شعراً أو رواية أو قصة وغيره يكون محدوداً في إنتاجيته وإنتشاره في حالة الحرب واللجوء المستمر والمعاناة التي عاشها الشعب الإرتري لهذا نرى ان الأدب الشفهي شعراً ومسرحاً وربماً نُدرجّ الأغاني الثورية الوطنية هنا كانت الأكثر إنتشاراً ومازالت حتى الآن. ولكن اليوم وبحكم الفرص الإمتحان للإرتريين المقيمين في الدول العربية وأوروبا للتواصل والتداخل مع الإوساط الأدبية والثقافية إتاحة الفرصة لعدد من الكتاب الإرتريين للوصول الى القارئ العربي-الأفريقي وحتى الاوروبي، كما ذكرت هناك أبو بكر كهال وروايته تايتنيكات أفريقية التي تمت ترجمتها الى لغات عدة كالإنجليزية والإسبانية وغيرها. وهناك الروائي حجّي جابر الذي حقق شهرة كبيرة للأدب الارتري المقروء بالعربية في روايته سمراويت وغيرها. لدينا في إرتريا ايضا كتابات ومنتوج شعري وقصصي باللغات الإرترية الأخرى مثل التقرنيية والتقري وغيرها ولكنها تفتقر لفرص الترجمة والوصول للقارئ الإرتري والعربي.
عرف عنك إهتمامك الخاص بالأغنية السودانية، شأن إرتيريين كثر، ومع ذلك نجد أن الأغنية الإرتيرية لم تجد حظها من الذيوع إلى الداخل السوداني.. أهو حاجز لغوي أم ماذا؟
يقول الشاعر المتفرد محمود درويش : “في أَعماقي موسيقى خفيّة, أّخشى عليها من العزف المنفرد”، ونحن نعزف على أوتارنا المتقاربة في إيقاعاتها. الإرتريون مرتبطون بالفن السوداني لأن عدد كبير هاجر الى السودان واستقر فيها على مدى أجيال. وهناك موجات اللجوء الكبيرة التي دفعت بأعداد هائلة للإستقرار في السودان لعقود والإندماج في الحياة بكل تفاصيلها والتآثر بها وخاصة بموسيقاها. وهناك أيضاً سودانيون تنقلوا بين إرتريا وإثيوبيا وتزاوجوا مع شعوبهم يطربهم غناؤنا في الهضبة الحبشية ككل وفي السهول الغربية لإرتريا والمجاورة للسودان. أما أنا كما ذكرت لك سابقاً للأصدقاء من السودان والإرتريين الذين عاشوا في السودان دوراً كبيراً في معرفتي وعلاقتي الطربية ومعرفتي بالفن السوداني ومن ثم التبحر فيه، وكذلك اثناء عملي في التلفزيون الإرتري حظيٌت بمحاورة عملاق الأغنية السودانية الفنان محمد وردي، والبلابل، والفنان حسين شندي، واستمعنا الى الراحل أيضاً الفنان خوجلى عثمان في حوار آخر مع زميلتي نعمة دبساي. وفي الجانب الآخر، بالتأكيد تلعب اللغة دوراً في عدم إنتشار الأغاني الإرترية بنفس المستوى في السودان وكذلك الأوضاع في إرتريا وتقلباتها على كل الأصعدة تعيق هذا التواصل بين شعبينا وشعوب المنطقة عموماً.
ما هي أبزر مشكلات المرأة الأرتيرية في المهجر؟ وكيف السبيل إلى تجاوزها؟
المرأة الإرترية في المهجر أكثر حظاً من مثيلاتها في مناطق ومعسكرات اللجوء في إثيوبيا والسودان حيث تقسو الحياة وتضييق بشكل مخيف أحياناً. أما في دول المهجر العربية فهن أكثر حظاً في تأمين مستويات من العيش أفضل ولابنائهم. وفي أوروبا ، أمريكا، استراليا وكندا المرأة الإرترية عموماً هي بخير. ربما هو الإمتنان للفرصة التي تتحصل عليها النساء في تلك الدول والتمتع بالحريات الأساسية والإستقلالية المادية كل ذلك ساهم في أن تكون النساء الإرتريات منتجات وفاعلات على مستويات عدة وعالية إجتماعياً وأكاديمياً. وتظل أبرز المشكلات التي تواجه بعضهن هي حالة الإغتراب لأنهن تركن بعض أفراد أسرهن خلفهن في إرتريا اوالسودان. هناك عامل اللغة أيضاً والإختلاف الثقافي والمجتمعي مما يضعن عوائق كبيرة امام البعض منهن. في رأي يمكن تجاوز ذلك عبر المنظمات الإجتماعية المتعددة في تلك الدول التي تعمل على دعم النساء وتقويتهن وإدماجهن في مجتمعات المهجر وخاصة في الغرب.
كيف تنظرين إلى مستقبل الأجيال القادمة التي ولدت بالمهاجر بأروربا وأستراليا على مجمل الهوية الإرتيرية؟
لست قلقة جداً على الهوية الإرترية من تأثير المهجر. فالأجيال الإرترية في غالبيتها حديثة العهد بالهجرة مقارنة مع شعوب أخرى . نحن هنا ربما نتحدث عن جيلين والثالث مازال في طور التشكل. و أعتقد أن الهوية الإرترية ستكون حاضرة في حيوات هذه الأجيال ولن تتأثر الى حد الإندثار مثلاً، باندماجها في الحياة الغربية. الأسر الإرترية في غالبيتها ما تزال محافظة الى حد كبير على ممارسة حياتها بتفاصيل إرترية في العلاقات الإجتماعية والمناسبات والوجبات اليومية وغير ذلك. هناك أيضاً توجه عام في الغرب نحو الإحتفاء بالثقافات الأصلية للمهاجرين والتشجيع على التماهي معها وهذا ربما يجعل الأمر أسهل مما كان عليه في القرن الماضي حيث كان المهاجر يبحث ويسعى الى الإنصهار التام في ثقافة الآخر والتخلي عن تقافته وهويته الأصلية.
برز مؤخراً خلاف حاد بأريتريا بين أبناء المنخفضات وأبناء المرتفعات.. هل يمكن القول أن الأزمة في إرتيريا أصبحت طائفية/دينية؟ أم ماهي الأسباب التي تقف وراء هذه الخلافات؟
لا أبداً، ليس هناك خلاف حاد على الإطلاق بين أبناء إرتريا على المستوى الطائفي أو الإقليمي . هناك اطروحات في الساحة السياسية الإرترية ، قد تبدو أنها طائفية أو مناطقية. في رأي، ما يحدث هو ارهاصات طبيعية لواقع إرتري مأزوم. أنت تعرف والعالم يتابع الأزمة السياسية التي أنتجتها سياسات الحكومة الإرترية في داخل إرتريا وخارجها. ولا متسع هنا لأن ندخل في تفاصيل الأزمة، ولكن هناك تيارات سياسية معارضة متعددة تبحث عن حلول لهذه الأزمة في ظل واقع الشتات وإختلاف المرجعيات التأريخية سياسية كانت أو إجتماعية. الواقع الإقليمي أيضاً والتدخلات الخارجية تزيد هذه الأزمة. ولذا من الطبيعي ان تتخذ الاطروحات أو كما يفضّل البعض تسميتها بالإجتهادات السياسية أشكال عدة تبدو متناقضة جداً وأحياناً قد تبدو أنها معادية للآخر. أنا شخصياً لا أراها كذلك وأميل الى تغليب كفة الرأي في أننا نستطيع ردم هذه المساحات قبل أن تتحول الى هوة حقيقية من خلال تكاثف ووعي وعمل حقيقي للتيار الوطني في داخل إرتريا وخارجها .انت واحدة من ابناء الثقافة العربية في ارتيريا، كيف تنظرين لحضورهم في المشهد العربي المتشظي، حاضرا ومستقبلاً؟
للأسف ليس هناك حضور يذكر على المشهد العربي، إلا ماندر. وقبل ذلك دعني أقول لك شيئاً، لو نظرت الى الوجود الإرتري في السودان فمنذ أربعينيات القرن الماضي على الأقل وحتى سبعينياته والى اليوم هناك دفق سكاني استوطن السودان في كسلا، القضارف، مدني، والخرطوم وحتى حلفا وغيرها. ومع ذلك و لعقود لم يحقق الإرتريون آي حضور على المشهد الثقافي – الإجتماعي السوداني ! لماذا؟، هناك حالة إنغلاق ورفض للآخر في المجتمعات العربية عامة. هناك هيمنة النخبة الكلاسيكية بقيمها ومفاهيمها الجامدة لحد كبير التي لا تسمح باختراق المشهد وهذا محبط جداً، و لا يحفز الانسان على التفكير في ان يجتهد و يكون له حضور، لذا ترى الجميع عينه على الغرب حيث الفرص أكبر. أما العالم العربي فالأمر شبه مستحيل أو خياليّ. ومع ذلك واقع العولمة والإندماج في ظل الفوضى العالمية أعتقد أنها ستغير المفاهيم والوضع كله. فمثلاً، قبل آيام كنت أتابع على وسائل التواصل عروضاً موسيقية – فنية في القاهرة لفرقة اسمها “سنيت” وهم شبان إرتريون يقدمون الموسيقى الإرترية بطابع حديث يستهوي المصريين تماماً كما الأجانب. أعتقد المستقبل سيكون أفضل على كل حال.