مقالات

عام الرمــــاد الإريتري ..! ! بقلم/ صالح أشواك

17-Nov-2016

عدوليس ـ ملبورن

في نوفمبر الجاري 2016م يكمل تنفيذ المنشور الذي أصدره البنك المركزي الإرتيري عامه الأول حيث قضى القرار بإحتجاز الأموال تحت ذريعة تغيير العملة الوطنية ( النقفة) بعد أن تم طبع نسخة جديدة خلت من أي تعديل ملحوظ وهي من تصميم Afro-American banknote designer و طبعت بواسطة German currency printer Giesecke & Devrientو لعل الأسباب التي تستدعي تغير العملة هي بالضرورة معلومة للإقتصاديين كما ان لها نتائج مرجوة إلا انه في الحالة الإرترية لم يكن الأمر اكثر من استمرار لسطوة الدولة علي كل الحركة الاقتصادية فأن عملية إعادة الطباعة لم تتم لخلق الاستقرار في الأنظمة المصرفية و الذي في الغالب تلجأ إليه الدول في حال حدوث تذبذب فيها، و لكن القرار اللاحق بإحتجاز المبالغ جاء مغايراً لكل المعالجات الاقتصادية فقد فاقم الأمر أكثر مما كان عليه قبل إعادة الطباعة و قرارات الاحتجاز للمبالغ المودعة كما أن من الأسباب الموجبة لتغير العملة و إعادة طباعتها القضاء علي ظاهرة التضخم الاقتصادي و لكن الذي حدث

لم يكن فيه توازن بين التضخم و تسيل النقد علي نحو يلبي حاجيات المواطن و ينعش الحركة التجارية الصناعية والخدمية بل عطل كل الدورة الإقتصادية في البلاد .. بموجب هذه القرار المدروس بعانية فائقة من حيث إختيار التوقيت حتى يفسر الأمر و كأنما هو قطع للطريق أمام الثراء الفاحش الذي أحدثته تجارة البشر و القرار نفسه كان تمهيداً لجملة من القرارات اللاحقة و التي سوف نتعرض لها في متن هذا المقال فأن المبررات التي تم تسويقها من قبل الحكومة تمثلت في محاربة السوق الموازي (السوق الأسود) و القضاء علي التضخم و محاربة الفساد و مع ذلك لم يلاحظ أي تحسن في الأمر خلا ندرة النقد نتيجة إحتجازه في بنوك النظام.
فأنه و بموجب هذا القرار كان لازماً علي المواطنين استبدال ما لديهم من عملات بالنسخة الجديدة منها علي تودع في حساباتهم المصرفية علي أن يكون الاستبدال نقفة جديدة مقابل نقفة من القديمة أي ( 1إلي 1 ) و يتم صرف مبلغ (20.000 عشرون ألف نقفة فقط ) شهرياً من الأموال المودعة لدي فروع المصرف المركزي الوحيد في البلاد و التي تم خفضها لاحقا ألي ( 5000 خمسة آلاف نقفة فقط ) .
و هذا القرار عطل الحياة الاقتصادية نتيجة توقف إصدار أي سندات مالية بنكية كخطابات الضمانات و خطابات الاعتمادات البنكية مما عطل الحركة التجارية فيما يتعلق بالتبادل التجاري و تحمل تبعات هذا القرار الاقتصاد الوطني الذي كان يعاني أصلاً من ضعف و ترهل نتيجة دخول شركات النظام في مزاولة الأنشطة التجارية و التضيق علي القطاع الخاص الذي هو بدوره كان ضعيفاً نتيجة انعكاس الوضع العام عليه و في تقديري فأن المتضرر الوحيد من كل هذا هو المواطن بدرجة كبيرة و ذلك لجملة من النتائج التي رتبتها هذه القرارات حيث توقفت الأنشطة الصناعية و المعامل الإنتاجية نتيجة عدم توفر مدخلات الإنتاج مما أنعكس علي الأسعار التي تحددها الندرة كإستجابة لشرطي العرض و الطلب علاوة علي تبديد فرص العمل لسوق هو في الأصل يعاني من بطالة و انعدام الكوادر الإنتاجية نتيجة عسكرت المجتمع و إدماج الشريحة المنتجة في برامج (السخرة) طويلة الأمد،فأن القرار هدفه الأساس هو سيطرة الدولة علي المال و الإستحواذ علي كل المقدرات المالية للبلاد عبر احتجازها في البنك المركزي و فروعه من المفارقات فأنه في حال أن كان للموطن أي تعاملات تجارية سواء توريدات لمنتجات أو تقديم خدمات أو تأجير عقارات علي أي مؤسسة أجنبية سواء كانت هيئة دبلوماسية أو منظمة إنسانية فأنها يجب أن لا يسدد ما يقابل هذه الخدمات نقداً للمواطن المستفيد بل تودع في حسابه المصرفي.
و من أغرب المفارقات العجيبة فأن إريتريا لم تعلن ميزانيتها للعام 2016م و الصرف علي أنشطة الدولة كان يتم عن طريق أوامر صرف من مكتب الرئيس دون أي مؤشر اقتصادي و دون أن يتم تحديد أولويات في الصرف بمعني أخر أن العام 2016م لم تكن له أي ميزانية و هذا لعمري لم نسمع به في الكون إلا في إريتريا التي تعد حالة استثنائية في العالم و قبل أيام قليل تم الطلب من المحافظات و ما يعرف بالزوبا الرفع بمرئياتهم لإستحقاقات العام 2017م لذا تجد إرتريا غير حاضرة في تحليلات المؤسسات العالمية التي تراقب مستويات النمو الاقتصادي للدول و التي تخضعها للمعايير المعمول بها عالمياً حيث يأخذ عدد السكان بعين الإعتبار و حتى الآن لم تجرى في إرتريا عملية التعداد السكاني علي أهميتها كما أنه لا يوجد مؤشر لمتوسط دخل الفرد الحقيقي و متوسط دخل الفرد المصحح بتعادل القوة الشرائية علاوة علي مؤشرات التنمية البشرية كالصحة و التعليم و التدريب و القدرات الإنتاجية.
القرار الذي أصدره البنك المركزي لم يكن قرارا إقتصادياً بل كانت الغاية منه إصدار قرارات لاحقة تتبع لهذا القرار و ذلك للخروج من دائرة المراقبة و الإدانة التي بدأت تلاحق النظام نتيجة للإبقاء علي المجندين في السلك العسكري أو ما يعرف ( الأقلقلوت) التي تعني خدمة العلم مدد تتجاوز المحددة في القانون و الأعراف إذا إنها بلا أمد انتهاء و لأن المنظمات الإنسانية التابعة للأمم المتحدة إتهمت إرتريا بتشغيلهم دون أجور حيث كان أجر المجند 500 نقفة و في محاولة للإلتفاف علي التحقيقات التي بدأت تجريها هذه المنظمات التي تعنى بحقوق الإنسان في الأمم المتحدة نتيجة لتقارير توضح ذلك فأن النظام قد أعلن إعادة هيكلة الرواتب علي أسس جديدة كموجبات للزيادة و زيادة أجور المجندين إلي مبلغ 1250 نقفة و أعتبار معيار إعادة هيكلة الرواتب علي أساس المؤهل العلمي بصرف النظر عن سنوات الخدمة أو الوظيفة التي يتقلدها الموظف فقد تم إعلان هذه الزيادة في أغسطس 2015 علي أن تكون الزيادة بأثر رجعي حتى شهر يونيو من ذات العام و لكن تم إنفاذ هذه القرار في مطلع أغسطس من هذا العام دون إعتبار لتأريخ صدور القرار بمعني أخر أن الزيادة أحتسبت من تأريخ التنفيذ هنا دعوني أستفيض في شرح الزيادة المقررة و آلية تسليمها للموظف بعد إستيفاء الإستقطاعات سواء كان في القطاع العسكري أو المدني :
1- المجند الذي لا يحمل أي مؤهل و ممن هم دون الراتب في الجيش تقرر رفع رواتبهم إلي 1250 نقفة و جرى أيضاً الإلتفاف علي هذه الزيادة المزعومة بالإستقطاعات التي تتم من الراتب و مقسمة بطريقة غريبة بعض الشيء إذا كان المستفيد متزوج فأن 600 نقفة تسلم للزوجة و إذا لم يكن مؤهلاً يتم ادخار المبلغ له في حسابه المصرفي و بطيعة الحال المتزوجين قلة و أغلب الشباب لم يتزوجوا هذا هو الإستقطاع الأول ، أما الثاني فيتم خصم مبلغ 200 نقفة لبناء المنزل الذي سوف توفره الدولة في الخطط الإسكانية لاحقاً ( بيع سمك في الشط ) !!! و يتبع ذلك خصم مبلغ 150 نقفة مقابل الإعاشة في المعسكر و 50 نقفة مقابل الخدمات التي تقدمها الدولة ليصبح المتبقي فقط 250 نقفة تصرف نقداً للمجند أو المدني الذي لا يحمل مؤهلاً أكاديمياً لمن هم دون الرتب العسكرية التي تبدأ بالمساعد و ترتقي صعوداً لتصل لرتبة وزير الدفاع هذه الفئة تصرف راتبها عن طريق وزارة المالية.
2- حملت المؤهلات العلمية العليا و التي تبدأ من المعاهد العليا التي تمنح الدبلوم للدارس في سنتين فأن أقل راتب لهذه الشريحة هم مبلغ 2500 نقفة علي أن تكون الزيادة عن كل سنة دراسية 500 ريال لما بعد السنتين و البكالوريوس سنواته المقررة 4 سنوات حتى الذين درسوا خمسة سنوات في مجال الهندسة لا تحتسب لهم هذه السنة الإضافية كما هو حال دارسي الطب الذين تمتد سنوات دراستهم في بعض الجامعات إلي ست سنوات هذه الرواتب تطبق فيها كل الاستقطاعات التي ورد ذكرها و الفرق الوحيد أن هذه الفئة تصرف رواتبه من المكتب الخاص ( مكتب الرئيس) أي بمعنى أخر حاملي المؤهلات العلمية يصرفون رواتبهم من مكتب الرئيس.
من الذي تضرر من هذه القرارات :
1- قدامي المحاربين العاملين في القطاع المدني الذين لم تشملهم هذه التعديلات و التي استند فيها علي المؤهلات الجامعية بمعنى أخر ربما تجد راتب مدير دائرة أقل من موظف يعمل تحت إدارته إذا كان الأخير جامعياً.
2- قدامى المحاربين من الضباط و الرتب العسكرية و قادة الجيش الذين تم استدعائهم في نداء الوطن في 1998م و الذين لبوا النداء و تم منحهم الرتب العسكرية و تكليفهم بقيادة التشكيلات العسكرية فأن هؤلاء أيضاً لم تشملهم الزيادة عدا من كان يحمل منهم مؤهلاً جامعياً.
3- الجنود حديثي العهد الذين تم تسريحهم في العام 93-94 و طلب منهم العودة في 1998م فأن رواتبهم التي لم تتجاوز 700 نقفة فأنهم أيضاً من المتضررين من عدم شمولهم بهذه الزيادات .
الإشكالات التي ظهرت جراء هذه القرارات :
1- تزايد حالات الهروب الفردي و الجماعي و بشكل شبه يومي .
2- ظهور مظاهر الإحتجاج العلني في أواسط الوحدات العسكرية .
3- عزوف البعض عن العمل و الجلوس في منزلهم و إحجامهم عن العمل في ظاهرة جديدة على الدولة الإرترية حيث كان الخوف من ردة الفعل الحكومي الباطش هاجس يؤرق الجميع .
4- مطالب جماعية و لوحدات كاملة بالنقل مما يعرف بمناطق ( الدفاع مجازاً ) و يعملون فيها دون تميز إيجابي كونها مناطق شدة إذ لا بدل لها في بند الرواتب مما أظهر بوادر عصيان جماعي.
الأسباب التي جعلت الحكومة الإرترية تتخذ هذه القرارات :
1- لدحض أي إتهام بأن الدولة تستخدم المجندين بالسخرة و أنها تعهدت بزيادة رواتبهم و قد إلتزمت بتعهداتها لذا ليس هناك ما يبرر هذه الاتهامات لأن الفئة التي تم استهدافها بالزيادة هم جنود الخدمة الوطنية.
2- تقليل راتب الخدمة الوطنية بالتحاليل علي هذه الزيادة بالاستقطاعات من 500 نقفة إلي 250 نقفة عملياً و فعلياً.
3- التعرف علي مصادر الاحتجاجات تمهيداً للقضاء علي كل من يرفع صوته برفض السياسات الحكومية و هذه الإحتجاجات يتم رصدها من المكتب الخاص للرئيس.
لذا نجد القلق يسيطر علي الحياة العامة و الحياة الخاصة للمواطنين الذين أفقرتهم هذه الحكومة من ما يمتلكون من مدخرات مالية نتيجة حجزها في البنوك و التلاعب في الإستحواذ علي رواتب الموظفين عبر زيادات وهمية تتبعها استقطاعات تعسفية .

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى