المناضلة الشهيدة سابا قدي !! بقلم / عبد الفتاح ود الخليفة
8-Mar-2019
عدوليس ـ ملبورن
دائما عندما أقلب على أوراقي القديمة والمبعثرة هنا وهناك أجد ما يستوقفني ويجبرني على تسجيل الملاحظات وأنا اليوم كذالك ، فقراطيسى القديمة هي ذاكرتي أحميها من تقلبات الطقس وتحميني بدورها | من النسيان وتبلد الذاكرة . حيث وخذ اليوم ذاكرتي كتيب صغير . كنت قد إقتنيته في أحدى مهرجانات ( جبهة تحرير إرتريا ) في مدينة ( كاسل في ألمانيا يحمل بين دفتيه ( قصة شهيدة ) إختفى خبر إستشهادها عن
رفاقها وأهلها وذويها الفترة جاوزت العشرة سنين ، إسمها ( سابا قدي ) وتحدّثت إلى الكتابة طويلا حول ضرورة الكتابة عن شهداءنا وعن قصص وملاحم معركة التحرير بكل تفاصيلها . الكاتبة إسمها ( طقى منقشا ) وعنوان الكتاب بالتقرنية ( مسكر ) وتعني ( شهادة ) بالعربية.
وعلى غلاف الكتاب صورة للشهيدة ( سابا قدي ) ( طقى منقشا ) كانت مناضلة في الجبهة الشعبية ثم سكنت ألمانيا . . ( سابا قدي ) هي رفيقة الكاتبة النضال ومعلمتها في ثانوية الملك في العاصمة ( أسمرا ).
حكت ( طقى ) في الكتاب عن منطقة ميلاد المعلمة المناضلة ( سابا قدي ) في ضواحي ( سقنيتي ) في مديرية ( أكلى قوززاي ) في العام 1951 ثم دراستها الثانوية في أسمرا ثم ( جامعة أديس أببا ) وتخصصها في اللغة الفرنسية لتكون معلمة للكاتبة ( طقي منقشا ) في الثانوية المذكورة آنفا.
وفي إحدى أيام عام 1975 تركت المعلمة الطبشور والكتب وتركت حيها ( كداني مهرت ) لتلتحق بالمقاتلين في الضواحي وفي إحدى قرى ( كارنشم ) القريبة.
الكاتبة ( طقى منقشا ) يبدوا أنها تأثرت كثيرا بمعلمتها ( سابا قدي ) وكانت معجبة بنجاحها وصغر سنها ووطنيتها فتركت هي أيضا الفصول لتنتقل إلى الحقول ولتحمل السلاح في ( قوات التحرير الشعبية ) | حينها ، ويبدوا من سطور الكتاب أن العلاقة بين المعلمة والطالبة قويت في الميدان أكثر مما كانت في أسمرا . . قرأت الكتيب عندما إقتنيته في مدينة ( كاسل ) الألمانية وطرحته جانبا للبحث عن غيره وقبل عدّة أسابيع أعدت قراءته عندما لمحته عيناي فجأة للمرة الثانية فتولد عندي إعجاب جديد بالفكرة فكرة الكتابة عن الشهداء والبدأ بمن نعرفهم فأحسنت ( طقى منقشا ) وأبدعت حين صورت لنا رحلة البحث المضنية عن معلمتها ( سابا قدي ) التي فقدت لأكثر من عشرة أعوام فبدأت هي في البحث عنها وأولا بالبحث عن رفقاءها الذين خرجوا معها من ( أسمرا ) وكان أحدهم ( أحفروم ) ولوجود ( طقى منقشا ) خارج إرتريا قام بباقي المهمة أختى المناضلة المفقودة ( سابا قدي ) الصغيرتين ( روتا ) و ( حرقو ) وعندما وجد ( أحفروم ) وكان حينها مسؤول في مكتب الشعبية ) في كسلا ومنها نقل ( مديرا ) إلى مدينة ( تسني ) وبعد التحرير نقل منها إلى ( عدّى قيح ) ومن ثم إلى ( مصوع ) ولكنه لم يكن ( أحفروم ) الأصلي والمطلوب الذي خرج من ( أسمرا ) مع الشهيدة . . . فتعثر البحث ولكنه دل الأسرة ورفيقتها ( طقى منقشا ) على من يعرفونها وجاء الخبر اليقين من الرفاق بأن الشهيدة كانت في الدفاعات الأمامية في حي ( الختمية ) في معركة تحرير ( مصوع ) الأولى عام 1977 فقاومت وصمدت وتحدّت القصف والحر والجوع لعام كامل مع بقية المقاتلين الأشاوس لتستشهد في يوم 13 يوليو 1978 . بعيدا عن التأويلات السياسية ، معركة مصوع الأولى ( سالينا ) 1977 – 1978 ومعركة مصوع الثانية ( فنقل ) عام 1990 هن من ملاحم التحرير وبلا أدنى شك كل معاركنا من أجل التحرير ملاحم وكل شهدائنا فيها قامات . بل حتى هؤلاء الذين سقطوا ضحايا قصف جائر أو قضوا في محرقة أو مجزرة في مسجد أو دير أو باحة قرية مسالمة تنتظر الفرج من رب العالمين تسجد وتركع شكرا وحمدا لله خالق السبب والمسبب كل هؤلاء شهداء . مكانهم القلوب والأفئدة ولدوام ذكراهم في ذاكرة الوطن كان الواجب أن نسمي المدن والشوارع والأزقة والمدارس والمنشئات بأسماءهم ويكون الوطن صورة ونسخة منهم ، وأن يتبوأوا أولى الصفحات في كتاب شهداء إرتريا وليكون لأبناءهم نصيب من التكريم ومن ثنايا قصص هؤلاء تخرج إلينا قصص الضحايا ضحايا الثورة نفسها لأنها تغذت على رفات أبناءها من حمل السلاح ومن لم يحمل . . وتلك إحدى تراجيديا الإستشهاد من أجل رفعة وطن . . كتب المقدمة للكتاب المناضل الجبهجي والشاعر المعروف ( نقوسي منسعاي ) وأشاد بالمبادرة قائلا : إرتريا قد إبتلعت الكثيرين من أبناءها وبناتها في مسيرة التحرير منهم من نال تعليما عاليا ومنهم الفلاح الذي لم يطرق أبواب المدارس ، ولكنهم كلهم مضوا وذهبوا فداءا للوطن . . والباقي هو نحن ماذا يجب أن نفعل فوفاءا لدورهم يجب أن يذكرهم الوطن ويسجل بأحرف من نور دورهم ونضالهم وهذا لا يتأتى إلا عندما يسجل كل منا ما يعرفه عن هؤلاء الصناديد.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
* مقال إستعادي للكاتب عبدالفتاح ود الخليفة وقد نشر في أكثر من موقع.