“الكيرو” .. صناع التغيير في إثيوبيا إلى أين يقودونها؟ 1من 2 بقلم / عبد القادر محمد علي
6-Feb-2020
عدوليس ـ نقلا عن موقع نون بوست
يقال إن الكيرو (Qeerroo) وفقًا للغة الأورمو تعني الشاب الذي كانت وظائفه تتمحور تقليديًا حول الزراعة والاهتمام بالماشية والصيد، إلى أن حمل العام 2014 وما بعده معنى جديدًا للكيرو.. إنهم من غيروا وجه إثيوبيا!الأورمو من الشعوب الكوشية العريقة في منطقة القرن الإفريقي وأكبر القوميات الإثيوبية عددًا، حيث تبلغ نسبتهم 35% من مجموع السكان، يغلب عليهم الإسلام ووصف المستكشف الروسي ألكسندر بلاوتفيتش أراضيهم (أوروميا) بأنها “يتدفق فيها الحليب والعسل” كناية عن غناها، إذ تمثل 51.2% من إنتاج المحاصيل و45.1% من المساحة المزروعة بمحاصيل مؤقتة و44% من إجمالي عدد الماشية في إثيوبيا، كما تزخر بالرواسب المعدنية مثل الذهب والبلاتين والنيكل وخام الحديد ومواد البناء الأخرى غير المعدنية وغيرها، وبفضل مواردها الطبيعية الهائلة والمتنوعة فإن المنطقة لديها فرصة كبيرة
للاستثمار، فهناك أكثر من 761 مشروعًا استثماريًا في المنطقة، برأس مال قدره 3.4 مليار بر.ومن المفارقات أن هذه الميزات كانت من العوامل الأساسية في معاناة الأورومو من أباطرة إثيوبيا التاريخيين من قومية الأمهرة، كتيودروس ويوهانس الرابع ومنيليك الثاني، الذين بنوا إمبراطوريتهم على إضعاف وتفتيت مجتمعات الأورمو، لدرجة أن بعض الباحثين يرون أن تاريخ البلاد يمكن تلخيصه بالصراع بين الأمهرة والأورمو.
كفاح لا ينقطع:
شهدت الخمسينيات من القرن الماضي بداية مرحلة جديدة من كفاح الأورمو القائم على المناداة بالمساواة بين إثنيات إثيوبيا وحماية الهوية القومية من محاولات “أمهرتها” المستمرة، انتهاءً بانعطافة جذرية مع تشكيل جبهة تحرير أورومو (OLF) عام 1974 رافعة لواء حق تقرير المصير وإنشاء دولة أوروميا المستقلة، التي ما زالت تداعب الكثير من القوميين الأورومو حتى اليوم.ورغم مشاركة الجبهة في الحكومة والبرلمان المؤقتين إثر سقوط نظام الدرق في أديس أبابا 1991 فإنها سرعان ما انسحبت منهما، ورأت أن الجبهة الشعبية لتحرير تيغراي (TPLF) تقود البلاد نحو سلطة الحزب الواحد تحت ستار التعددية من خلال ائتلاف الجبهة الثورية الديمقراطية لشعوب إثيوبيا (EPRDF) التي تعتبر الجبهة التيغراوية صاحبة الكلمة العليا فيه.
أدى الصدام المبكر بين الجبهتين إلى حظر (OLF) والتضييق على أنصارها، وفي ظل السياسة القمعية التي انتهجها نظام الرئيس الراحل ملس زيناوي أضاف الأورمويون فصلًا جديدًا إلى مراراتهم من أنظمة الحكم المتعاقبة على أديس أبابا التي عملت على تهميشهم وتقويض أي أساس لنهضة ذاتية لمجتمعاتهم.
وكان العام 2014 محوريًا في هذا السياق، حين أعلنت الحكومة “خطة التنمية الإقليمية المتكاملة لأديس أبابا ومنطقة أوروميا المحيطة” التي كانت ستؤول إلى إخراج الآلاف من مزارعي أورومو من أراضيهم، مما أدى إلى انفجار الاحتجاجات في مدينة أمبو وتطورها لاحقًا بشكل دراماتيكي وظهور الكيرو (Qeerroo).
الكيرو:
كيرو كلمة أورومية تعني الشاب، لكنها اكتسبت بُعدًا مفاهيميًا مختلفًا منذ احتجاجات 2014، حيث أصبحت تدل على شباب وشابات الأورومو المناهضين لجبهة تحرير تيغراي المهيمنة على مقاليد السلطة في البلاد.
هذا الحراك الثوري الذي ضم في صفوفه الطلاب باختلاف مراحل دراستهم والمزارعين والموظفين والعاطلين عن العمل، استطاع أن يشكل حالة سياسية شعبية عفوية احتضنها الأورومو ووجدوا فيها منقذًا لهم من التهميش التاريخي، ومدافِعًا عن أرض أوروميا.. الأرض التي هي مركز الصراع الرئيسي في التاريخ الإثيوبي.
ولا ريب أن “الجدا” كان مؤثرًا في صياغة وجدان الكيرو، وهو نمط من الديمقراطية التقليدية الإفريقية، تنظم الشؤون السياسية والاجتماعية والاقتصادية والدينية لمجتمعات الأورومو، وشكلت نوعًا من الأيدلوجية السياسية المضادة للحكم السلطوي الذي لطالما عانته إثيوبيا على يد أباطرتها ثم رؤسائها.
مع تصاعد قوة الكيرو وحضورها في المشهد السياسي الذي دفعت ضريبته بآلاف القتلى والمعتقلين، استلهمتها مجموعات شبابية من إثنيات إثيوبية مختلفة كفانو في إقليم الأمهرة وبربريتا في الإقليم الصومالي وغوليدم في إقليم غامبيلا.
الكيرو ووسائل التواصل الاجتماعي :
صارعت الكيرو لأربع سنوات معتمدة على السرية في عملها وحشد الشباب في المظاهرات السلمية والإضرابات، وأدركت مبكرًا أهمية وسائل التواصل الاجتماعي في التنظيم وتبادل المعلومات والحفاظ على سرية تحركاتها ومباغتة السلطة بخطوات غير متوقعة، ممّا اضطر الأخيرة إلى إلغاء مشروع تطوير العاصمة عام 2016، لكن سقف المطالب كان قد تجاوز ذلك إلى المناداة بالتغيير السياسي في البلاد.