المحاولة الثالثة للهروب .. ذكريات كتبها المناضل الكبيرعبدالله حسن الحلقة ( 5)
26-Mar-2016
عدوليس ـ ملبورن
عندما انتهت عملية التحقيقات اتجه تفكيرنا بالكامل نحو البحث عن فرص أخرى الخروج من السجن ، بعد فشل المحاولة الثانية تم نقلنا إلي الغرفة الكبيرة المتواجدة في الإتجاه الجنوبي الغربي من مبني كنيسة السجن التي تم تحويلها لحوالي سبعة زنزانات . هذه الغرفة لها باب حديدي واحد متجه الي الشرق . والزنزانات تصطف يمينا ويسار في الممر الذي تتوسطه الغرفة . وفي الوسط وفي من الاتجاه الأيمن توجد غرفة حمام صغير. والزنزانتين المتواجدتين في الركن الخارجي يمين ويسار الباب لها فتحة صغيرة تتجه الي الخارج وهي علي شكل
حلزوني يضيق في الدخل وينفتح نحو الخارج . أبواب الزنزانات لها أيضا فتحات صغيرة. والحمام أي المرحاض له نافذة في الأعلى في الاتجاه الشمالي وهو عبارة عن فتحة مبنية خصيصا لإدخال الضوء او الهواء مساحتها حوالي ( 40 في 15) سنتمتر وفي وسطها حديد مغروس من الأعلى إلي الأسفل . في البداية تم توزيع كل شخصين في زنزانة واحدة ،وبعدها عندما اخذوا الشاب القادم من عدردي وكداني مع المساجين في اتجاه آخر بينما تم الإبقاء على الاخرين. وأتذكر يوم ان احضر فيه رجال الأمن احد أبناء سبر من منطقة ( دبر سالا ) يدعي محمد ادم وادخلوه معنا في تلك الزنزانات ،. وكانت تفتح لنا أبواب الزنزانات منذ الصباح وحتي غروب الشمس ونكون طلقين نتحرك في الممر كما نشاء وكان لنا فرص اللقاء وعليه التقينا معه بسرعه ولقيناه في حيرة وإحساس طاغي بالوحدة ، تحدثنا معه ورحبنا به بلغة التجري وعندها فرح فرحا شديدا لأنه وجد أخوانه كما ردد . واعتقد قبل ان يأتي الينا كما اخبرنا كان احتجزوه في سجن (موسوليني ) مع الصعاليك واللصوص، مما أشعره بالإستياء ، وهذا الشاب هو حفيد الشهيد الوالد الشيخ محمد نور من لجان الجبهة المشهورين في سبر. والشهيد العم محمد نور مشهور في تلك النواحي كواحد من الذين يستضيفون المناضلين ، ولا يترك ضيوفه من المناضلين يذهبون منه دون أن يذبح لهم من مواشيه . حفيده هذا تم القبض عليه عندما دخل المدينة في تلك الضواحي بتهمة انه مقاتل في الجبهة . وهو لم يلتحق بالجبهة اصلا . وكان يعبر عن فرحه ويقول طالما لقيتكم فلا يهم ان أسجن سنوات، وكان يستيقظ كل صباح وبصوت عالي يقول بلغة التجرايت 🙁 جلا جلالو ربي انت لإي تبلا إيت قبيء ) والمعنى بالعربية (جل جلالك يا ربي ، لاتكون إلا ما تريد ). وبعد فترة قصيرة تم الإفراج عنه .وأتذكر في احد الأيام قالوا هذا من الجبهة واحضروا شخص يدعى “اريفايني تخلي” وهو من سكان “دقي أيطعس” إقليم ( سراي ) وقالوا ” ادخلوه مع إخوانه الشفتا ” . وعندما سألناه عن أحواله قال لنا انه كان في الجبهة وبإستدراجه في الكلام تيقنا لم يكن عضوا في جبهة التحرير . وحكى لنا قصته الطريفة وقال 🙁 دخلت بلدة عرزا وكنت تحت تأثير الكحول ، وقلت لبعض الأشخاص: انتم لم تفارقوا عرزا أو مدينة مندفرة ! انا ذهبت الي تسني حتي وصلت كسلا ” السودانية ولهذا قبضوا عليه واتهموني بعضوية جبهة التحرير، مع نفي المتكرر ، ولكن اخيرا وعدوني بان يتم إلحاقي بقوات الكوماندو ” قوات خاصة كل أفرادها من الإريترين م أبناء المرتفعات الإريترية ” اذا اعترفت بأنني كنت في الجبهة ).وسألنا ان كانوا صادقين في ذلك ، بل واقنعوه لإن يقول دخلت مدينة كسلا ورجعت الي الميدان حاملا السلاح! .اردنا ان ننقذ هذا الاريتري البسيط من التضليل الخداع، وأوضحنا له بأن من كان مع الجبهة لا تقدم له أي مكافأة بل العكس يقيدونه كما ترى وينتظر الإعدام ، هم يخدعونك لكي يقولوا لمرؤوسيهم قبضنا على مناضل من الجبهة ويمنحون الأنواط والحوافز المالية والترقيات ، وسوف لن يلحقوك بقوات في الكوماندو بتاتا ، هم الآن سوف يعذبونك قليلا وعليك ان ثبت على الإنكار بصمود ، وسوف يطلق سراحك بعد حين. وأبدى تجاوبا وإقتناعا بكلامنا . في اليوم الثاني وصل الي السجن اخيه الاكبر وهو جندي في قوات كوماندو. وعند اللقاء به : كيف تفعل مثل هذا الفعل السيء والمشين ؟؟ كيف تنضم لهؤلاء !؟ . و في اليوم الثاني قلنا له ان اخيك بريء و لم يكن يوما عضوا بالجبهة ، وقد أجبروه ليقول ذالك وعليه يجب ان تنقذه . واعتقد انه قد وجدت المعلومات الحقيقية لإعتقال أخيه وإلتفت الينا وخرج صامة ولم يرد. وفي أوقات لاحقة عندما كان يأتي لزيارة اخيه يلتفت الينا وكنا نشاهد في وجهه ملامح الشفقة نحونا. الغرفة التي كنا فيها شيد حول مدخلها جدار سميك ، يُقال هذا الجدار شيده البرجيدر جنرال ( العميد) تدلا عقبيت عندما اعتقل زملائه من ضباط الشرطة الذين اختلفوا معه ن وذلك للكي يكونوا بعيدا عن أعين بقية من بالسجن عندما يخرجو للتشمس صباحا ن فقد كنا في أثناء ساعات الخروج للتمشمس لا يرانا احد من هم بالسجن. . والحراس كانوا يقفون في مدخل الجدار المتجه الي الكنيسة ، و بدلا من الجلوس كنا نتحرك ، ونطلق النكات ونقول وصفا لحركتنا كشكل من أشكال الترويح البدائي : ( الآن وصلنا عدي نفاس أو عدي تكليزان) .في يوم من الايام قال احد الحراس من وهو ينظر الينا بصوت عالي ونحن أسمع أحاديث هؤلاء أحس بالدماء تملا عيني !! . وصدفة ان هذا الحارس اصيب بمرض في عينية ورأيناه بعد عدة أيام محمر العينين وقد غطى رأسه ، وتهكمت عليه مع رفيقي الكابلي بالقول الرجل فعلا أصبناه في عينيه وضحكنا .في ماركاتو جرى تغيير كبير في نوع الوجبات اليومية ، (كسرة لا طعم لها وشيرو مصنوع من حبوب سبري شبه خالية من الزيت ) عكس وجبات سجن فورتو( القلعة ) فقد كنا نأكل من ذات الوجبات التي كانت تُعد للحراس وهم كما ذكرت في حلقات سابقة من الجيش الإثيوبي ، بجانب التمتع بكاس من الشاي ، فقط هنا في سجن ماركاتو توقفت التحقيقات والتعذيب. الحمام لا وجود له في المكانين ولكن هنا شعرت بالراحة وأنعكس ذلك في بشرتي وهذا ما دفع ( شامبل بلو ) للتهكم علي بالقول أراك بصحة جيدة وقد تفتح لون بشرتك وأصبحت تشبه البرتقال ! ).المساجين داخل السجن كانوا يقدموا لنا احسن المأكولات التي تأتيهم من اهالهم ولولا الاهتمام والرعاية التي لقيناها من قبلهم لما وجدنا القوة التي ساعدتنا في عمليات الحفر. هذه الرعاية والإهتمام من السجناء العاديين وفرت لنا الدعم المعنوي وعامل من عوامل الصمود بالنسبة لنا وأذكر هنا الشاب عبده سعيد الذي أصبحت حلقة وصل بينا وبين رفاقنا في الخارج ، كما كان يمدنا بالمعلومات التي تتوفر لدية بإستمرار. التفكير في الخروج من هذا الجحيم لم يفارق مخيلة ثلاثتنا شخصيؤوالكابلي وتسفاي ففي اوقات التشميس ونحن خارج الزنزانه كان تبحث بشكل محموم عن المعينات ( مسمار .. سلك .. أي شيء صغير وحاد ) وكل ما تقع عليه أيدينا مهما قل شانه كنا ندخله معنا الزنزانة عسى ان يفيد عندما لقينا مسمارين أشاركنا تسفاي في الرأي لمحاولة الاستمرار في الحفر وقد أبدى استعداده بحماس . الزنزانة التي كنا فيها لا توجد فيها نقاط ضعف واضحة يمكن ان تشجعنا ثم لم تتوفر لدينا معدات الحفر المناسبة وعملية الحفر لم تكن سهلة امامنا ، وكان هذا ايضا واضحا لتسفاي ولهذا فكر الاستفادة من هذا الظرف واراد ان يتركنا دون ان نكشفه. وبينما نحن في تبادل الحديث كالعادة وكان الحديث يدور بينه وبين كابلي حول عادات البني عامر فجأة عرض تسفاي الموضوع الذي كانوا يتناولونه ووصل الامر الي حد الردود بحدة وغضب . بينه وبين الكابلي رحمه الله ،وهنا تدخلت وقلت الموضوع لا يجب ان يصل الي هذه الدرجة. ولكن تسفاي تمسك برأيه وقال بل الأمر شيء يغضب . و تحول الأمر بيننا لقطيعة، وفي صباح اليوم الثاني عندما وصل الحرس ليفتحوا لنا باب الزنزانة قال للحرس اريد اللقاء بكم واخذوه ولم يعد الينا . وكما اتضح لنا لاحقا اعتقد قال لهم انا لا اريد ان اكون معهم ابعدوني عنهم وابلغهم بتفكيرنا في الهروب . وبعد ساعات قليلة أتى الينا “عبليلوم ” و “اياسو” وأمرونا ان نرفع افرشتنا ونخرج من الزنزانة ثم دخلوا فيها وبعد تفتيش بسيط اخرجوا المسمارين التي وضعناه في فتحة صغيرة في الحائط، وكان تسفاي يعرف مكانه ، وسألونا : من اين أحضرتم هذا ؟. “ومن احضره لكم ؟. فقلت لهم اذا انتم في حوجة لمسامير ممكن اخرج لكم عشرة مسمار من هذه الزنزانات . وبعد فترة صمت قال لنا اياسو ” الرجاء يجب ان نفترق بسلام ، لقد اقتربنا ! وذهبوا . والقصد من هذا الكلام هو ان محاكمتكم قد أقتربت ولا داعي للشوشرة وبعدها سوف تذهبون الي سجن “سمبل” أو إي مكان آخر. أخرين …لم نلتقي مع تسفاي بعد ذلك ابدا . وهكذا المحاولة الثالثة للهروبوقد فشلت وهي في بدايتها.بعدها تم فصلنا كل في زنزانة ، كما تم إبعاد زميلنا فسهاي .هناك سؤال يجب ان يثور سؤال كيف يمكن الحصول على أدوات حادة تساعد في الحفر والظروف الملائمة التي ذكرت في سجن يوصف بإنه رهيب ؟ الجواب بكل بساطة ان بناء سجن سمبل ورحيل المحكومين ورجال الحراسه المدربين جيدا والذين تراكمة لديهم الخبرات افقد هذه المعتقلات التي كنا نحتجز فيها الكثير من الخبرات التي لا تتوافر مع هؤلاء الحراس الجدد الذين لم يتم تدريبهم لمثل هذه المهام فقد تم تدريبهم للقتال فقط وليس للحراسة هذا بجانب ان السجون كانت مهجورة ولم تتم صيانها بشكل دوري .ونواصل …