إريتريا وإثيوبيا.. نذر حرب جديدة أم تهرب من استحقاقات داخلية؟ بقلم/ عبدالقادر محمد علي ــ أسطنبول
30-Jun-2016
عدوليس ـ نقلا عن الخليج أون لاين
استيقظ العالم صبيحة الأحد (12/6/2016) على وقع اشتباكات عنيفة على الحدود الإثيوبية الإريترية، التي تعد بؤرة قابلة للاشتعال دوماً؛ نتيجة عدم تطبيق قرارات التحكيم الدولي الخاصة بترسيم الحدود بين الجارين العدوين.وقد شهدت المنطقة مناوشات متفرقة طيلة السنوات الماضية، كان أعنفها المعارك الأخيرة في منطقة ظورونا التي أسفرت عن سقوط المئات بين قتيل وجريح من الطرفين، ونزوح آلاف من المناطق الحدودية، والتي كان السبب المباشر لاندلاعها مطاردة حرس الحدود الإريتري
لجنود هاربين تسللوا إلى إثيوبيا، وهو ما أدى إلى اشتباك مع معارضين إريتريين مسلحين على الحدود الإثيوبية ثم مع الجيش الإثيوبي.- ما وراء الستاريرى كثير من المراقبين أن النظام الإريتري عمد إلى رفع سقف التوتر لخلط الأوراق في المنطقة، بعد صدور تقرير أممي يدينه في 2016/6/8 بارتكاب “جرائم ضد الإنسانية”، ويوصي بتحويل الملف إلى محكمة العدل الدولية لدراسته.وبينما كان مجلس الأمن يناقش التقرير، اندلعت تلك الاشتباكات، ليؤكد النظام الإريتري من خلالها قدرته على تهديد الاستقرار في الإقليم، ولتذكير الجميع بالكوارث المحتملة حال غيابه عن الساحة، مع وجود معارضة ضعيفة غير قادرة على تكوين بديل حقيقي عنه، وعدم وجود آليات قادرة على تنظيم تداول السلطة حال سقوطه؛ وهو ما قد يهدد بانهيار الدولة وتحولها إلى صومال أو سوريا جديدة، والمساومة على كل هذا في ملف حقوق الإنسان في إريتريا وتداعياته المحتملة على النظام في البلاد.ويرى آخرون أن ذلك الاشتباك يحرج المعارضة الإريترية المتحالفة مع إثيوبيا، ويشق القاعدة الشعبية بالتساؤل عن الطرف الذي يجب الوقوف إلى صفه.وعلى الجانب الآخر، يمر النظام الإثيوبي بمرحلة حرجة نتيجة الاضطرابات التي يشهدها إقليم أوروميا، منذ نوفمبر/تشرين الثاني الماضي، والتي أدت إلى مقتل 400 شخص على الأقل، على خلفية مشروع لتوسيع العاصمة أديس أبابا على حساب أراضي الأورومو الذين رأوا في ذلك استيلاء على أراضيهم دون تعويض مناسب، فكان الاشتباك الأخير محاولة للفت الأنظار عن هذا الملف، وتوجيه رسالة تهديد “عنيفة اللهجة” للنظام الإريتري الذي يحتضن المعارضة الأورومية.وفي دولة متعددة الأعراق كأثيوبيا تعد الأورومو كبرى قوميات البلاد، ووفقاً لتعداد 2007 فقد بلغ حجمها 34.49% من مجموع السكان يدين أكثرهم بالإسلام.- جذور الصراعوجذور هذه الاشتباكات تعود إلى الحرب الحدودية التي خاضها البلدان بين 1998 و2000 وأدت إلى سقوط 70-100 ألف قتيل من الطرفين ونزوح الآلاف على جانبي الحدود وتكاليف مادية باهظة، وانتهت باتفاقية الجزائر 2000، كما أقر التحكيم الدولي في أبريل/نيسان 2003 بتبعية بعض الأراضي المتنازع عليها لإثيوبيا، وبعودة مثلث بادمي سبب الحرب إلى التبعية الإريترية.وبعد رفضها أولاً قبلت إثيوبيا نتيجة التحكيم مرغمة، فيما شبهه ملس زيناوي، رئيس وزراء إثيوبيا حينها “بتجرع السم”، لكنها أعلنت في الوقت نفسه ضرورة عقد مفاوضات للتفاهم على تنفيذ القرار وتطبيع العلاقات والقضاء على جميع عناصر الصراع، في حين ترى إريتريا أن على إثيوبيا تنفيذ القرار بإخلاء بادمي دون تفاوض، وأن على المجتمع الدولي إرغامها على ذلك.ولم يدخل الطرفان أي مفاوضات للتطبيع أو لتنفيذ قرار التحكيم، بل استمرا في حالة اللاسلم واللاحرب، وتبادل الاتهامات بدعم كل طرف للمعارضة المسلحة للطرف الآخر.وفي إطار الصراع المصري الإثيوبي حول مياه النيل وسد النهضة، يرى مراقبون أن أفضل حلفاء مصر في هذه المعركة هو إريتريا، وأنها بالإضافة إلى المعارضة الإثيوبية آخر ما بقي من أوراق في يد القاهرة.وقد اتهمت الخارجية الإثيوبية مصر بأنها تساند أسمرة في الاشتباك الأخير بينهما، كما اتهمت الطرفين بأنهما وراء الاضطرابات الأخيرة في إثيوبيا.وكان عبد الفتاح السيسي استقبل وزير الخارجية الإريتري، عثمان صالح، في 15/2/2016، بعد 4 أيام من فشل اجتماعات مصر والسودان وإثيوبيا بشأن سد النهضة في الخرطوم، ووصف السيسي حينها علاقة البلدين بـ”اﻷخوية والمميزة”.وفي سياق الضغط على إثيوبيا باستخدام مشاكلها الداخلية احتضنت القاهرة زعيمة جبهة “تحرير الأورومو” المعارضة، أومجيتا شارو، كما أشارت مصادر إعلامية إلى عقد مؤتمر حاشد لأبناء الأورومو في القاهرة، في مارس/آذار الماضي، لدراسة خططهم المستقبلية، بعد الاتفاق مع الجانب المصري على تأمين إقامة دائمة لهم في البلاد.وبينما يرى مراقبون أن اندلاع الصراع من جديد يصب في المصلحة المصرية، تقف دول الخليج على الطرف الآخر من المعادلة، إذ ترى أن أي اهتزاز في الوضع الإقليمي الآن ليس من مصلحتها، ولا سيما أن الحرب على الحوثيين في اليمن لم تضع أوزارها بعد.ونتيجة موقع إريتريا وشرق إفريقيا الجيوستراتيجي الحساس بالنسبة إلى أمنها القومي فقد عملت دول الخليج على نسج شبكة من العلاقات الاقتصادية والسياسية والأمنية مع الطرفين الإثيوبي والإريتري، وقد تدخلت سابقاً لمنع تجدد الحرب بينهما، وكان لقطر دور مؤثر في الملفات الإريترية المتشابكة مع جيرانها حيث نشرت مئات من جنودها على الحدود الإريترية الجيبوتية، بعد خلافات حدودية بينهما، انتهت باتفاق وُقّع في الدوحة عام 2010.كما تلقى وزير الخارجية القطري رسالة من نظيره الإريتري، بعد أيام من اندلاع الاشتباكات، وقد غرد الوزير القطري في اليوم نفسه على حسابه في تويتر، داعياً “البلدين إلى إنهاء الخلافات بينهما وتسوية الأزمة سلمياً”، في حين توقع مراقبون أن تلك إشارة البدء بجهود دبلوماسية قطرية لنزع فتيل الأزمة بين الطرفين.- هل من حرب في الأفق؟رغم عنف الاشتباكات التي خلفت توتراً عالياً على الحدود، وتأكيد الخارجية الإريترية إعداد إثيوبيا للحرب، إلا أن احتمالات اندلاع حرب شاملة- كما يرى محللون- تبقى غير مرجحة؛ فالجولة القادمة محللون لن تحسم إلا بقضاء أحد الطرفين على الآخر.وفي ظل موازين القوى الموجودة فالجانب الإريتري يدرك أنه الطرف الأضعف في هذه المعادلة، وأن التدخل الدولي الذي أوقف التوغل الإثيوبي في البلاد سنة 2000، قد لا يكون متاحاً دوماً، ولا سيما بعد اتهامه بدعم حركة الشباب الصومالية، والعقوبات الدولية التي فرضت عليه، بالإضافة إلى تردي حال البلاد اقتصادياً بشكل كبير، والضعف الذي أصاب الجيش نتيجة التسرب وسياسة التجنيد المتبعة، بجانب الاحتقان السياسي الشديد في البلاد، بما يضعف من جبهة النظام الداخلية.الجيشين-الإرتيري-والإثيوبيفي حين أن أثيوبيا أيضاً ليس من مصلحتها الدخول في حرب جديدة، ستؤثر كلفها الباهظة على الاقتصاد الإثيوبي الذي بدأ بالانتعاش في السنوات الأخيرة، كما أنها ترى أن أي معركة جانبية ستعيق إكمال بناء سد النهضة ذي الأولوية، والذي سيؤدي إلى نقلة نوعية في اقتصاد البلاد، وفي وزنها وتأثيرها الدولي.كل تلك العوامل، بالإضافة إلى التخوف الإقليمي والدولي، من أي زلازل سياسية جديدة في منطقة تشتعل بالأزمات يرجح بقاء الوضع على حاله حتى الجولة القادمة.