على خلفية لقاء البشير بأفورقي : هل يكون القذافي آخر المبادرين لحل أزمة العلاقات السودانية الاريترية
23-May-2005
الصحافه
اعداد : عارف الصاوي ـ اسمهان فاروق – صحيفة الصحافة السودانية
أن يلتقي الرئيس البشير بالرئيس الاريتري اسياسي افورقي في العاصمة الليبية طرابلس حيث جمعتها القمة السداسية حول دارفور التي انهت اعمالها أول من أمس ، فأن ذلك اللقاء الثنائى يعتبر بكل المقاييس نجاحاً يحسب للرئيس الليبي على الأقل لما احدثه من اختراق لجمود العلاقات والقطيعة التي طال امدها بين البلدين الجارين واللذين ربطت بينهما لعقود خلت علاقات متينة عززها دعم السودان لنضالات الشعب الاريتري في كفاحه من اجل التحرر والاستقلال ،
فقد وفر ذلك اللقاء الذي استمر لاكثر من ثلاث ساعات ، ووصفه وزير الخارجية مصطفي عثمان اسماعيل بأنه (مطول وصريح)، وفر فرصة كبيرة للقاء مباشر دون حواجز او وسطاء بين الرئيسين السوداني والاريتري للتداول حول كيفية تطبيع العلاقات بين البلدين وتجاوز مربع العداء والكيد والاتهامات المتبادلة بين الطرفين ووفقا لوزير الخارجية في رد له على سؤال طرحته على (الصحافة) فور عودته من طرابلس عصر اول من امس فإن السودان كان هو الجانب الذي بادر بطرح العقبات التي يري انها تحول دون تحسين العلاقات بين البلدين ، فيما امتنع الجانب الاريتري عن ابداء اية ملاحظات من جانبه حول ما يراه عائقا لعودة العلاقات الى طبيعتها ، وسواء قرأنا هذا الموقف الاريتري على انه تكتيك مبيت لسماع ومناقشة وجهة نظر الجانب السوداني فقط او فسرناه بأن الجانب الاريتري قصد ان يبني موقفه لاحقا بما يتوفر له من اطلاع على رؤية الجانب السوداني لاسباب تدهور العلاقات ومحفزات تطبيعها ، فان المهم في النهاية هو ان اريتريا اكدت استعدادها للتعاون فيما يخص تحسين علاقاتها مع السودان. وقد سبق القذافي في محاولته لاعادة الصفاء بين اريتريا والسودان الرئيس اليمني علي عبد الله صالح الذي كان قد اطلق في ديسمبر من العام الماضي مبادرة من داخل تجمع صنعاء هدفت بشكل اساسي لضم اريتريا الى هذا التجمع الذي يجمع في كنفه الي جانب اليمن كلا من السودان وجيبوتي واثيوبيا الا ان العقبة التي اعترضت سبيل مبادرة صالح وكان عليه تجاوزها اولا هي التردي الواضح في علاقات اريتريا بعضوين من المؤسسين للتجمع هما السودان واثيوبيا ، وعلي الرغم من ان المبادرة اليمنية قد تهيأت لها فرصة مناسبة للنجاح بما مهده لها حدثان مهمان سبقاها هما اعلان الرئيس الاثيوبي قبول قرار لجنة التحكيم الدولية بشأن منطقة بادمي المتنازع عليها بين اثيوبيا وارتريا وتأكيده الاستعداد للانسحاب من المنطقة شريطة ان يتم ذلك بالتفاوض مع الخصم الاريتري ، و الحدث الآخر هو الزيارة التاريخية التي قام بها الرئيس الاريتري الى العاصمة اليمنية صنعاء بوساطة من دولة قطر المحورية في المنطقة والتي جاءت في اعقاب قطيعة ونزاع طويل حول جزيرة حنيش الحدودية بالاضافة الى التفويض الذي منحته اريتريا للرئيس اليمني للمضي قدما في مبادرته ، كل ذلك جعل المفكر والباحث الاستراتيجي المتخصص في شؤون القرن الافريقي بصفة عامة والشأن الاريتري بصفة اخص يقول ان هذه الاحداث المواتية ستدفع باريتريا الى مناقشة ازمتها مع جيرانها ، ولكن على الرغم من كل هذه الاجواء المناسبة الا ان المبادرة اليمنية لازالت تراوح مكانها ولم تسفر عن شئ ملموس حتي اللحظة وان كانت جهود القطرين قد اثمرت في خواتيم العام 1999م عن فتح السفارة السودانية باسمرا في الوقت الذي لم يتجاوز فيه مستوي التمثيل الدبلوماسي بين البلدين درجة القائم بالاعمال مما اعتبر حينها اختراقا مقدراً للازمة بين البلدين . ويري السفير محجوب الباشا الذي كان قد عمل في سفارة السودان باريتريا ويدير العلاقات الثنائية بين البلدين في وزارة الخارجية الان اضافة الى انه اكاديمي باحث في العلاقات الدولية ان طبيعة ملف العلاقات الامنية بين البلدين هو الذي يقف امام تطبيع العلاقات ، فمن جهة تستضيف الحكومة الاريترية المعارضة السودانية داخل اراضيها ، ومن الجهة الاخري تفعل نفس الشئ الحكومة السودانية باستضافتها للمعارضة الاريترية. ونفس هذه الحجة كانت قد ترددت حينما طرحت المبادرات السابقة ففي مارس الماضي طرح مولانا محمد عثمان الميرغني او انه اشار الى مبادرة ينوي طرحها لجهة تطبيع العلاقات بين البلدين ، ومولانا كما هو معروف زعيم المعارضة السودانية المتواجدة في اريتريا . لذلك اكتسبت مبادرته اهمية من نوع خاص ، حيث اعتبرها وزير الخارجية مصطفي اسماعيل (جيدة) ومبدئيا يمكن التداول حولها ، لكن تيارات في جبهة العدالة الارتيرية، الحزب الحاكم ، في اريتريا اعتبرت ان المبادرة ليست لها معني ، فقد قال مصدر مسؤول في الحزب الحاكم الاريتري في تصريح للصحافة ان مشكلة العلاقة مع السودان هي المعارضة فكيف نتوسط لحلها ؟ وتلك هي مشكلة اخري تحتاج الى مبادرة خاصة ، ويري مراقب اريتريا لشأن العلاقات السودانية الاريترية ان مبادرة القذافي والتي تزامنت مع قمة دعا لها لمعالجة ازمة دارفور لدول محورية في الاقليم قصدت ان تخاطب مباشرة عمق التواجد للحركات المسلحة بدارفور الان في اسمرا فهي مركز سياسي واعلامي مهم للحركات واراد القذافي بهذا الاعتبار الا يعزل اريتريا من شأن هي ضالعة فيه بصورة أو بأخرى . وحسب المراقب ان ترتيب العلاقات بين الخرطوم واسمرا من شأنه ان يدفع بإتجاه ترتيب قطيعة دارفور في بعد اقليمي كما يريد القذافي. وبغض النظر عن وجاهة هذه الاعتبارات فإن اسمرا استجابت الي اللقاء كما استجابت الخرطوم. وعلمت «الصحافة» من السيد وزير الخارجية ان اللقاء الذي استضافته خيمة القذافي المشهورة قيل فيه كل شئ ، ومع ان الوزير وصفه ايضا بأنه «مهم» لكنه عاد وقال من السابق لاوانه ان نتحدث عن تطبيع العلاقات بين البلدين ورهن ذلك بما سيحدث من اجراءات تنفيذية في الالتزامات التي قطعت في طرابلس . وافادت مصادر حكومية واسعة الاطلاع «للصحافة» «ان الجانب الاريتري في لقاء القذافي لم يشر الي اى شئ محدد تجاه السودان لكن الجانب السوداني قال كلماته في الآتي كشروط لازمة لتطبيع العلاقات فأولا يري الجانب السوداني ان تكف اريتريا عن تقديم اى شئ يؤدي الى زعزعة واستقرار السودان سواء بدعم الحركات المسلحة المناوئة للحكومة في الخرطوم او اى حشود عسكرية اريترية على الحدود. وفي سؤال توجهت به «الصحافة» لوزير الخارجية عن المقصود بهذه الحجة قال الوزير ان الحكومة تملك نماذج لما عنته في اللقاء مع اسياسي افورقي. وتقريبا هذه هي النقطة الوحيدة التي تراها الحكومة عقبة امام تطبيع العلاقات بين البلدين ، حسب ما ذكر وزير الخارجية «اذا تمت معالجة هذه القضية فإنه لا توجدعقبة امام تطبيع العلاقات». على هذا الصعيد ،استمع الرئيس الاريتري لما قالته الحكومة السودانية ولم يصدر وعودا واضحة او مباشرة في هذا الاتجاه ، لكنه مازال موجودا في طرابلس ويجري مزيدا من المشاورات مع القذافي فيما سيحدث في اتجاه تطبيع العلاقات . والسؤال هنا:ماذا لو استفاد القذافي من مبادرة رئيس التجمع الوطني ووجد منفذا لخروج اسياس من الحرج مع اصدقائه في المعارضة السودانية وتبقي مسألة لها علاقة بالتعامل مع الحركات المسلحة في دارفور. مراقب قريب من اسياس افورقي يصف الرجل بقوله : «انه مبدئي وعنيد وله وفاء مع اصدقائه ، وتسقط اعتبارات استراتيجية كثيرة من حساباته السياسية ، تري كيف يحسبها الآن ؟»