تقارير

باب المندب.. بوابة جهنم الجديدة. كتب: :سحر رمضان وإسلام فرج

22-Jul-2017

نقلا عن الوفد المصرية

صراع محموم بين القوى الكبرى والإقليمية للتحكم في البحر الأحمر.إستراتيجية طريق الحرير تدفع الصين إلى السعى للسيطرة على المضيق.إيران تستخدم الحوثيين في الصراع.. والسعودية ترد بقاعدة في جيبوتي. هل تدرك مصر حجم الصراع العسكري الذي يدور الآن، للسيطرة علي مضيق باب المندب، الذي يعد المدخل الجنوبي للبحر الأحمر، ومن ثم إلي قناة السويس؟وهل تدرك مصر، أن هناك أكثر من 20 دولة، أقامت لها قواعد عسكرية في دولة جيبوتي العربية، المطلة علي المضيق، وان الصراع في اليمن له أبعاد استراتيجية أخري تتعلق بالنفوذ العسكري للسيطرة علي المضيق الأهم في العالم، والذي يربط حركة التجارة العالمية من الشرق الي الغرب عبر قناة السويس.إن ما يحدث في باب المندب، يمثل خطرا جسيما ومباشرا علي مصر، ويستدعي أن نفتح الملف وأن نلتفت الي هذه القضية الخطيرة.

قبل عام 1869 لم يكن لمضيق باب المندب جنوب البحر الأحمر، أي أهمية استراتيجية، ولكن منذ ذلك العام، وبعد افتتاح قناة السويس التي غيرت مسار حركة التجارة العالمية من الشرق إلي الغرب عبر القناة.. أصبح لباب المندب والبحر الأحمر وقناة السويس، أهمية استيراتيجية، ولكن منذ ذلك العام، وبعد افتتاح قناة السويس التي غيرت مسار حركة التجارة العالمية من الشرق الي الغرب عبر القناة.. أصبح لباب المندب والبحر الأحمر وقناة السويس، أهمية استيراتيجية عالمية كبري اضافة الي أهميتها الاقتصادية لمصر، حيث تدر عليها ما يزيد علي 5 مليارات دولار سنوياً.
يحتل المضيق المرتبة الثالثة عالميا من حيث الأهمية الإستراتيجية بعد مضيق هرمز جنوب الخليج العربي ومضيق ملاقا بجنوب شرق آسيا كما يعتبر ممرا مائيا استراتيجيا يصل البحر الأحمر بخليج عدن وبحر العرب، ويبلغ عرضه نحو 30 كيلومترا بدءا من رأس منهالي في اليمن وصولا إلى رأس سيان في جيبوتي، ويشترك في حدوده البحرية مع اليمن كل من اريتريا وجيبوتي.وترجع أهمية مضيق باب المندب إلي ازدياد تجارة النفط من الخليج العربي إلي أوروبا وأمريكا، حيث تمر منه كل عام 25 ألف سفينة 57) سفينة يوميا (تمثل % 13 من إنتاج النفط العالمي، وتزيد أهمية المضيق بسبب ارتباطه بقناة السويس.
كما يشكل المضيق على الصعيد الإقليمي شريانا حيويا للتجارة في الدول المطلة على البحر الأحمر بدءا باليمن وانتهاء بمصر مرورا بجيبوتي وارتيريا والسودان والسعودية وإسرائيل والأردن.
وتتنافس القوى والامبراطوريات في كل وقت على السيطرة عليه عبر احتلال الدول المطلة عليه كما حدث خلال الاحتلال الإنجليزي والفرنسي لليمن وجيبوتي لفترات طويلة، علاوة علي الاحتلال البريطاني لمصر ولقناة السويس.
ولما انتهت الحقبة الاستعمارية، كان للدول الكبرى خططها لضمان استمرار سيطرتها على باب المندب.
فمثلا لم ترغب فرنسا التي سيطرت على جيبوتي عام 1850، في التفريط في مزايا استعمارها لهذا البلد المطل على مضيق باب المندب بعد استقلاله، لذا توصلت فرنسا إلى اتفاقية عسكرية لضمان تواجد عسكري فرنسي هناك عبر قاعدة فورس فرانسيس جيبوتي بحجة حماية هذا البلد الصغير من أي اعتداء خارجي.
كما سعت القوى الكبرى لضمان السيطرة على المضيق عبر الأمم المتحدة في عام 1982 لتنظيم موضوع الممرات المائية الدولية ودخلت اتفاقيتها المعروفة بـ«اتفاقية جامايكا» حيز التنفيذ في شهر نوفمبر عام 1994، الأمر الذي أدى إلى فقدان اليمن بعض نفوذه على جزيرة الريم المهمة للغاية في السيطرة على مضيق باب المندب، بل حتى إسرائيل صنعت لنفسها نفوذا ببطء عليه بالتنسيق مع كل من جيبوتي وإثيوبيا.
وعمدت الدول الكبرى إلى إقامة قواعد عسكرية على جانبي المضيق تضمن لها التحكم في مسار الملاحة خلاله. ولما كانت أغلب الدول على جانبي المضيق تعاني عدم الاستقرار، فلم تجد تلك الدول بدا من إقامة قواعدها العسكرية في جيبوتي، البلد الإفريقي المستقر مقارنة بدول المضيق الأخرى مثل اليمن وجنوب السودان والصومال.
وحاولت تلك الدول تبرير إقامة هذه القواعد بذريعة أن إقامة تلك القواعد يمكنها من ملاحقة الإرهابيين ومراقبة بؤر التوتر في إفريقيا والشرق الأوسط، فضلا عن حماية التجارة الدولية التي تمر بالمضيق الذي تعبر منه حوالي 12مليون حاوية سنويا.
الولايات المتحدة الأمريكية كان لها أطماع هي الأخري للسيطرة علي مضيق باب المندب ومن ثم حركة الملاحة في البحر الأحمر تحت زعم محاربة الجماعات المتطرفة، ففي عام 2001 أقامت أمريكا قاعدة عسكرية في جيبوتي المواجهة لمضيق باب المندب حتي صارت هذه القاعدة العسكرية الأمريكية هي المصدر الأساسي للدخل القومي لدولة جيبوتي التي تحصل مقابل ذلك على قرابة 250 مليون دولار وهو ما يمثل ثلث موازنة البلاد مقابل تأجير أراض لهذه القواعد، بحسب مركز مقديشو للبحوث والدراسات.
ويتواجد في القاعدة العسكرية الأمريكية 4 آلاف فرد، وتقع جنوبي مطار «أمبولي» الدولي بالعاصمة جيبوتي.
ومن هذه القاعدة، تنطلق عمليات مكافحة الإرهاب التي ينفذها الجيش الأمريكي في الصومال، حيث توجد حركة «شباب المجاهدين» المسلحة، وفي اليمن، حيث يوجد تنظيم القاعدة في شبه الجزيرة العربية.
وعادة ما تُستخدم القاعدة الأمريكية في عمليات التدريب العسكري لقوات الدول الإفريقية، وقد مددت واشنطن عقد إيجارها في 2014، لمدة عشر سنوات إضافية مقابل 63 مليون دولار سنويا بدلا من 30 مليون دولار.
ومن ضمن مهام جنود القاعدة الأمريكية مراقبة المجال الجوي والبحري والبري للسودان وإريتريا والصومال وجيبوتي وكينيا، واليمن، وتمويل وتدريب جنود جيبوتي.وتتمركز في جيبوتي أيضا قوة المهام المشتركة، التي شكلها الاتحاد الأوروبي، والمعروفة بالعملية الأوروبية لمكافحة القرصنة» أتلانتا«، بمشاركة ثماني دول هي: ألمانيا، بلجيكا، إسبانيا، فرنسا، اليونان، هولندا، بريطانيا والسويد.
ولا توجد قواعد عسكرية ثابتة للإسبان والألمان، لكن لديهما عدة مئات من الجنود والضباط يديرون سفنا حربية عدة في مضيق باب المندب والبحر الأحمر، وعندما تكون لديهم حاجة للمساعدة على الأرض، فإنهم يطلبون العون من القاعدة الامريكية أو الفرنسية…وكانت ألمانيا وجيبوتي قد وقعتا مطلع عام 2002م اتفاقاً تاريخياً غير مسبوق سمح للقوات العسكرية الألمانية باتخاذ ميناء جيبوتي قاعدة مركزية لنشاطاتها، بالإضافة الى القوات الإسبانية والإيطالية في مراقبة السواحل الصومالية وتعزيز الوجود العسكري الغربي في منطقة القرن الإفريقي.أيضاً أقامت اليابان قاعدة عسكرية لها في جيبوتي في 2009، وهو أول وجود عسكري لليابان خارج أراضيها منذ الحرب العالمية الثانية.. بل ان ايران هي الأخري سعت حثيثا لإقامة قاعدة عسكرية لها في هذا البلد الإفريقي، لكن حكومة جيبوتي رفضت طلبها أكثر من مرة خوفاً من غضب واشنطن التي تتمتع بأكبر قاعدة عسكرية لديها، وهو ما دفع طهران إلى دعم المتمردين الحوثيين للسيطرة من خلالهم على اليمن، الدولة المطلة على مضيق باب المندب، حتى تضمن موطئ قدم لها في التحكم في هذا المضيق الحيوي.
وهو ما انتبهت إليه دول التحالف العربي في اليمن، خاصة الإمارات والسعودية، فأخذت هي الأخرى تبحث لها عن أماكن ارتكاز للسيطرة على المضيق.
لكن الإمارات سعت إلى تطويق المضيق وإحكام السيطرة عليه عبر أكثر من طريقة.فقد كشف موقع جاينز البريطاني المتخصص في الشئون العسكرية، أن الإمارات قطعت شوطا كبيرا في بناء قاعدة عسكرية لها في جزيرة «ميون» اليمنية القريبة من مضيق باب المندب، بعد استعادة السيطرة عليها من ميليشيا الحوثي في أكتوبر 2015.
وأكد الموقع في تقرير له أن صور الأقمار الصناعية تشير إلى أن الإمارات تنشئ مدرجا كبيرا على الجزيرة الواقعة بين اليمن وجيبوتي.
وأشار موقع «جاينز» إلى أن أبوظبي تبنت قاعدة لدعم عملياتها العسكرية في جنوب اليمن ولتعزيز سيطرتها على مضيق باب المندب ذي الأهمية الإستراتيجية.
اللافت في الأمر أن حكومة أبوظبي فعلت ذلك دون علم الحكومة الشرعية التي يقودها الرئيس عبدربه منصور هادي.
وأوضح مصدر يمني مسئول أن الأطماع الإماراتية لم تتوقف عند جزيرة ميون، بل تشمل عددا من المواقع الاستراتيجية في الساحل اليمني، ولعل أبرزها تحركاتها في جزيرة سقطرى، وموانئ عدن «جنوبا» والمكلا «شرقا» وفي المخا على البحر الأحمر.
وأصبحت التحركات الإماراتية في الجزر والسواحل اليمنية، محل جدل واسع، وسط ارتفاع التحذيرات من أن تستغل مشاركتها ضمن التحالف العربي، الذي تقوده السعودية ضد ميليشيا الحوثيين وقوات صالح، للسيطرة عليها.
وقالت ستراتفور، وهي شركة استخبارات خاصة مقرها الولايات المتحدة، إن الإمارات تقوم ببناء وجود عسكري في إريتريا وتظهر صور الأقمار الصناعية بناء جديدا في مطار مهجور بأريتريا، فضلا عن التنمية في الميناء ونشر الدبابات والطائرات، بما في ذلك الطائرات المقاتلة والمروحيات والطائرات بدون طيار.
واكدت ستراتفور في ديسمبر الماضي ان حجم التعهد يشير الى ان الجيش الاماراتي الموجود في اريتريا اكثر من مجرد مهمة لوجستية قصيرة المدى تدعم العمليات عبر البحر الاحمر.ووافقت السلطات في جنوب إريتريا، في الأراضي الصومالية الانفصالية، في فبراير على السماح لدولة الإمارات بفتح قاعدة بحرية في مدينة بربرة الساحلية.
كما تجري الإمارات توسعا عسكريا في الصومال، حيث وافق ترامب مؤخرا على توسع الجيش في الصومال، لمكافحة حركة الشباب الصومالية المسلحة.
وبموجب كل ذلك، تحقق الإمارات لنفسها أكثر من مركز على مضيق باب المندب وحركة الملاحة فيه.أيضا اتجهت السعودية إلى الدخول في مفاوضات مع حكومة جيبوتي لإنشاء قاعدة عسكرية هناك، وهو الأمر الذي أسفر عن اتفاق تعاون أمني وعسكري وإستراتيجي بين البلدين العربيين يسمح بأن تقيم الرياض قاعدة عسكرية على أراضي جيبوتي.
ولن يقتصر التعاون بين البلدين على هذه القاعدة العسكرية فحسب، إذ أعلن سفير جيبوتي في الرياض، ضيا الدين بامخرمة 8 مارس الماضي، أن اتفاق القاعدة العسكرية سيشمل التعاون في كل الجوانب العسكرية بريا وبحريا وجويا، مشددا على أن المياه الإقليمية لبلاده آمنة وتحت السيطرة من محاولات إيران مد الحوثيين في اليمن بالسلاح.
الغريب، أن الصين دخلت ولأول مرة في صراع الجيوش علي باب المندب جنوب البحر الأحمر إذ هي المرة الأولي التي تقيم فيها الصين قاعدة عسكرية لها خارج أراضيها، فقد اتفقت مؤخراً بكين مع جيبوتي علي اقامة قاعدة عسكرية صينية لتطل علي مضيق باب المندب، ودخلت القاعدة العسكرية الصينية المقامة على مساحة 90 دونما الخدمة قبل أيام بموجب عقد إيجار لمدة 10 سنوات مقابل 20 مليون دولار سنويا، وينتشر بها 10 آلاف عسكري.
ويأتي إنشاء هذه القاعدة الصينية تزامنا مع اندفاع بكين نحو تعزيز مكانتها كقوة عالمية، وذلك بعد تحقيقها نمواً اقتصادياً متسارعاً خلال العقود الثلاثة الماضية، مكنها أخيراً من احتلال المركز الثاني على مستوى العالم من حيث حجم الاقتصاد، بعد الولايات المتحدة الأمريكية، إضافة الي حماية مصالحها التجارية في أفريقيا والسفن العابرة للبحر الأحمر وقناة السويس.
وتعددت دوافع بكين لإنشاء قاعدة عسكرية لها في جيبوتي، وكان من بينها أن مضيق باب المندب يشكل ممراً لـ %20 من حجم التجارة العالمية، وللصين النصيب الأكبر منها، كما تعد الصين الآن أكبر مستثمر أجنبي في إفريقيا وتتجاوز في ذلك الولايات المتحدة.
لكن أهم الاسباب التي دفعت الصين لهذا القرار هو إعلانها في 2013 عن إستراتيجيتين جديدتين للتجارة الخارجية، الأولى حزام طريق الحرير الاقتصادي، وأعلن عنها في سبتمبر 2013، والثانية إستراتيجية طريق الحرير البحري، التي أعلن عنها في أكتوبر من العام نفسه.وإلي جانب الأسباب الأخرى لاختيار الصين لدولة جيبوتي لإقامة قاعدة عسكرية هي أن موقعها على خريطة الموانئ التي قامت الصين بالاستثمار فيها يبدو مركزياً إلى حد كبير، حيث تمتد سلسلة من الموانئ في كل من تركيا شمالاً مروراً باليونان وإسرائيل ومصر وإرتيريا، وصولاً إلى كينيا وتنزانيا وموزمبيق في جنوب القارة الأفريقية، إضافة إلى موانئ أخرى في كل من باكستان وسريلانكا وبنجلاديش وميانمار.
كل هذا الاهتمام من قبل القوى الكبرى والإقليمية للسيطرة على مضيق باب المندب يجعله مرشح ابقوة لأن يتحول الفترة المقبلة لساحة لتصفية الحسابات بين الدول خاصة في ظل التقاطعات والتجاذبات بين الولايات المتحدة وايران وتركيا ضمن خطط تقسيم المقسم «سايكس بيكو» الجديدة لإعادة رسم خريطة المنطقة، وهي صراعات ستكون في حدتها وسخونتها بالدرجة التي تجعل من المضيق بوابة جهنم جديدة.
لكن الأهم أن هذه الصراعات قد تسفر عن سيطرة دول معادية لمصر على المضيق بشكل يضرب اقتصادها وامنها القومي في مقتل، خاصة أن القاهرة لم تجد بديلا عن غلقه في حرب عام 1973 بمعاونة دول عربية عند خوض حرب أكتوبر ضد الكيان الإسرائيلي.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى