إثيوبيا وتيغراي.. خمسة سيناريوهات محتملة لانهيار الدولة!
“اليكس دي وال”
ترجمة (السوداني): سحر أحمد
يحذر اليكس دي وال الباحث البريطاني في سياسات النخبة الأفريقية والأكاديمي، في ورقة بحثية حديثة من انهيار محتمل للدولة في أثيوبيا،قائلا: “أنه لا يمكن استبعاد انهيار الدولة في إثيوبيا. وأن ذلك قد يكون واحداً من عدة سيناريوهات محتملة. وقد يحدث قريبا”. أزمة دولة: ويرى دي وال أن هناك احتمالا قصير الأمد بحدوث أزمة في الدولة، لا سيما الاضطرابات في العاصمة الوطنية أديس أبابا. وأيضا هناك احتمال طويل المدى يتعلق بما قد يعنيه انهيار الدولة المطول. فالفوضى لها أشكال عديدة. وتناول المدير التنفيذي لمؤسسة السلام العالمي في كلية فليتشر للقانون والدبلوماسية في ورقته تاريخ إثيوبيا وتطور الحكم بها وما صاحبه من ظروف بالإضافة إلى أوجه التشابه مع الدول الأخرى، والخطوط العريضة المحتملة لدولة إثيوبية فاشلة أو هشة على المدى المتوسط أو الطويل. السيناريوهات المحتملة: يرى الباحث البريطاني أن هناك خمسة سيناريوهات متداخلة لهشاشة الدولة أو فشلها أو انهيارها من بينها “تفكيك الدولة، انكماش الدولة، حدوث انقلاب، تقسيم الدولة، اختراق الدولة”. ولطالما اعتبر العديد من المواطنين الإثيوبيين، إلى جانب العلماء وصناع القرار، أن الدولة الإثيوبية دولة استثنائية في إفريقيا، وأن لديها الشرعية والمتانة التي تفتقر إليها دول أخرى في القارة السمراء. ومن بين الحجج المؤيدة لذلك مقاومة الإثيوبيين للغزو الاستعماري الأوروبي ونجاح أباطرتها في وضع حدود دولتهم، واستمرارية بعض مؤسساتها الحاكمة، والصدى الدائم لأسطورة تأسيسها والحقيقة التي لوحظت كثيراً ما يُظهره الإثيوبيون من احترام لسلطة الدولة. ويستدرك الكاتب أنه لا ينبغي أن ينخدع الناس بهذه الفكرة ولكن يجب أن يكونوا حذرين. إلى جانب “التقليد العظيم” للحكام المركزيين البطوليين، هناك أيضا تاريخ مسكوت عنه بما في ذلك ضعف الدولة، وتعدد مراكز القوة المتنافسة، وحلقات الهزيمة والهشاشة وحتى الانهيار. ويشير دي وال إلى مقال نُشر مؤخراً في مجلة “فورين بوليسي”، للكاتب روبرت كابلان، قال فيه أن إثيوبيا “ببساطة أكبر من أن تنهار”. واعتبر الباحث البريطاني في تعليقه على المقال أن هذا هو التاريخ السيئ، الأمل وليس الجدل، معتبرا أنه لاعلاقة له بالسياسة. مشيرا الى أن أثيوبيا قد تكون إمبراطورية ويمكن أن يكون انهيار الإمبراطوريات القائمة على الأرض أمراً مؤلماً للغاية.
تاريخ الإمبراطورية: استعرض الباحث البريطاني تاريخ الدولة الأثيوبية وإرثها الثقافي، معتبرا أنه تم بناء الدولة الإثيوبية الحديثة كإمبراطورية، بإرثها غير المكتمل والذي لا يزال متنازعاً بين الإمبريالية ومكافحة الإمبريالية – الأمر – الذي يكمن في قلب الأزمة اليوم. ويرى دي وال أنه إذا كانت إثيوبيا ستتبع أنماطها التاريخية، فيمكن أن تشهد الدولة انكماشاً – السلطة المباشرة للحاكم مقصورة على ضواحي العاصمة ودائرة انتخابية أساسية. أو يمكن رؤية حالة من التفكك، وهو ما يحدث حاليا. دولة آبي أحمد: يشير الكاتب إلى أن رئيس الوزراء الأثيوبي آبي أحمد يعتبر استثناء بين جميع أسلافه. فهو من الجيل الذي عاش حياته في ظروف سلام داخلي ونمو اقتصادي ثابت. فبالنسبة لهم – في اشارة للأثيوبيين – يعتبر الاستقرار أمرا مفروغا منه. وسواء كانوا يضغطون من أجل الديمقراطية الليبرالية أو تعظيم الدولة، فقد قللوا من تقديرهم لهشاشة الاقتصاد السياسي الوطني والتسوية السياسية. ورث آبي أحمد العديد من الموارد بما في ذلك اقتصاد متنام وسمعة طيبة بين المانحين والمؤسسات المالية الدولية ومستثمري القطاع الخاص، والسلام والتعاون مع جميع دول الجوار باستثناء إريتريا، والمؤسسات الأساسية القوية – الحزب والجيش والخزانة ووزارة الخارجية. كما واجه التحدي المتمثل في إعادة تشكيل التسوية السياسية الوطنية لإثيوبيا لتحقيق الديمقراطية وحقوق الإنسان وسياسات الهوية المدنية. ويشير الكاتب إلى أن آبي أحمد يفتقر إلى المهارات الحسابية وخلق توازن، والاستشارة وفنون الحكم التي كان يمتلكها أسلافه. معتبرا أن تطلعاته تفوق بكثير قدراته، ويبدو أنه غير مستعد لإعادة التوازن في مواجهة الصعاب. في غضون ثلاث سنوات فقط، قام آبي بتفكيك المؤسسات الموجودة بالفعل والتي جعلت إثيوبيا تعمل كدولة. ليس من الواضح ما إذا كان ذلك من خلال تخطيط مسبق أو ما إذا كان القرار أفرزته الظروف في كل حالة – كان من الأسهل إبعاد الصعوبات بدلاً من مواجهتها. إن اتخاذ مسار المقاومة السياسية الأقل في كل مرحلة هو وصفة لعدم بناء الدولة. قام آبي بحل الجبهة الديمقراطية الثورية للشعب الإثيوبي (التي كانت في بعض النواحي أقوى من الإدارة المدنية)، وأعاد تشكيل الجيش بطريقة جعلته غير فعال وقوض وزارة الخارجية مؤخراً، قائلاً إن المغتربين (وحملتهم على وسائل التواصل الاجتماعي) يقومون بعمل أفضل لتمثيل الدولة. قلل آبي من عملية التداول في صنع السياسات. ويقول دي وال أنه على مر التاريخ الإثيوبي، فأن القادة ذوي الكاريزما المشابهة لآبي أحمد حشدوا جيوشاً ضخمة وأحياناً حققوا انتصارات عظيمة، لكن هذا لم يكن كافياً لبناء دولة. النسخة المعاصرة للنظام الإقطاعي الإمبراطوري هي السوق السياسية، حيث يشتري الحاكم ولاءات النخب التابعة عن طريق الدفع النقدي أو الترخيص لاستخراج الموارد أو غيرها من الطرق. مثلما حدث في دول مثل السودان وجنوب السودان وجمهورية الكونغو الديمقراطية. ويمكن أن تتبع إثيوبيا هذا المسار، لتصبح نوعاً مختلفاً من الدولة الإفريقية الهشة – على حد تعبير أحد مستشاري أسياس، “زائير في ثوب آخر”. ويواصل دي وال في انتقاده لآبي أحمد واصفا اياه بالتاجر السياسي، معتبرا أن آبي يمتلك الكثير من غرائز سياسي المعاملات الذي يوقع الصفقات مع العملاء. قبل حرب تيغراي كان يقوم بتسويق الساحة السياسية في إثيوبيا بسرعة. مشيرا إلى أنه في ظل وجود تاجر سياسي حاذق، قد يكون النظام السياسي المسوق قابلاً للتطبيق، وفي الواقع قد يكون شيء ما على هذا المنوال مستقبل البلد. لكن تجربة الدول الأخرى – بحسب دي وال – تشير إلى أن مثل هذا النظام ينبثق عادة عن الفوضى بدلاً من أن يكون وسيلة لتجنبها. وألمح الكاتب إلى أنه من الممكن أن تكون الحرب في تيغراي قد بدأت بأهداف سياسية محدودة. ومع ذلك، أصبحت طبيعة الحرب أكثر خطورة بمجرد دخول جيوش التحالف إلى تيغراي. يبدو أن نيتهم المشتركة كانت سحق تيغراي، وهو تصعيد في أهداف الحرب لا يمكن تخفيفه بسهولة. يمكن للقادة المهرة في فن الحكم إطلاق العنان للعنف – ويمكنهم أيضاً إيقافه. حيث استدعى الكاتب تجربة القائد الأثيوبي منغستو هيلا مريام، معتبرا أن منغستو كان قادراً على الأمر بإنهاء القتل الجماعي، للإرهاب الأحمر عندما حقق هدفه. كان بإمكانه التفاوض مع الجبهة الشعبية لتحرير تيغراي في عام 1989 وتجنب هزيمته التامة. بعد مرور عام، كان خياره التفاوضي الوحيد هو الخروج بكرامة – وهو ما فشل في القيام به. حاليا لا يظهر آبي أحمد أي ميل للتهدئة، ناهيك عن التفاوض، حتى في مواجهة كارثة عسكرية. لقد كان يغذي المشاعر العرقية القومية التي لن يستطيع السيطرة عليها. ماذا يلوح في الأفق؟ يرى دي وال أن المؤسسة السياسية الإثيوبية ستواجه في الأيام المقبلة تحدياً سياسياً وجودياً. في مواجهة هجوم وحصار يهددان بقاء شعب تيغراي، حيث قلبت قوات التيغراي الطاولة عسكريا. فهي لم تهزم قوات الدفاع الوطني الإثيوبية فحسب، بل دمرتها تماماً. إن النية المعلنة لحكومة تيغراي هي إجبار الحكومة الفيدرالية على التفاوض بشأن النقاط السبع التي أعلنت عنها في 4 يوليو. وإذا فشلت الحكومة الفيدرالية في التفاوض بجدية، فقد تستخدم قوات التيغراي الدفاع عن النفس ذريعتها العسكرية لشن تهديد مضاد لأديس أبابا. ما لم يكن هناك حل وسط تفاوضي، فهذه بوادر أزمة للحكومة الفيدرالية. ويشير الكاتب إلى أنه لم يتقبل آبي وأتباعه المتحمسون بعد حقيقة الكارثة العسكرية الأخيرة، ويأملون أن يتمكنوا من تعبئة الرجال والمواد بسرعة أكبر مما تفعل قوات التيغراي. ويقوم آبي بالدعوة إلى تعبئة جماهيرية للميليشيات ويرسل عشرات الآلاف من المجندين إلى الخطوط الأمامية. فقد أعتبر دي وال أن هذا غير مجد. حيث تعمل إريتريا على تعزيز تحالفها العسكري مع منطقة أمهرة. فإذا قامت إريتريا بتسليح قوات الأمهرة الإقليمية على نطاق واسع فإنها ستكون أكثر قوة من الجيش الوطني وتغير أيضاً ميزان القوى في النزاع الحدودي مع السودان. ناقوس الخطر: يشير الكاتب إلى إن حركة الأورومو التي جعلت الجبهة الديمقراطية الثورية للشعب الإثيوبي تجثو على ركبتيها ليست منظمة بشكل كافٍ لتقديم بديل واضح، على الرغم من أنها قد تمتلك حق النقض ضد أي أمر لا يناسبها. كما يواجه آبي مشكلة تتمثل في أن الرسالة الموجهة إلى أمهرة للدفاع عن أراضيهم تدق أجراس الإنذار بين الأورومو وغيرهم ممن لديهم نزاعات إقليمية مع منطقة أمهرة. أيضا هناك تقارير عن وحدات ميليشيا أورومو انشقت عن جيش تحرير أورومو أو تعمل بشكل مستقل. في ذات الوقت، لم يبد رئيس الوزراء أي رغبة في أي مفاوضات. وعليه فإن مسؤولية تجنب الكارثة تقع على عاتق المؤسسة السياسية الإثيوبية على نطاق أوسع وعلى المجتمع الدولي. خاصة وأن الوقت المتاح لمواجهة هذا التحدي قصير للغاية. والأحداث تتكشف بسرعة. ويسلط الكاتب الضوء على عدد من المخاطر المباشرة. إحداها إراقة الدماء والفوضى في أديس أبابا. منبها إلى أن أهالي تيغراي سيكونون معرضين بشدة للعنف الموجه. والثاني هو احتمال تصادم القوميات الإثنية المشحونة للغاية عبر خطوط الصدع في الدولة. والخطر الآخر هو الصراع داخل المؤسسة السياسية حول من يجب أن يحكم وبأي شروط، مع الأخذ في الاعتبار أن من يمكنه الفوز في هذه المنافسة داخل العاصمة ليس بالضرورة الشخص الذي يمكنه التفاوض على الشروط مع التيغرايين وغيرهم. السيناريو الرابع هو التصعيد السريع للصراع مع السودان، مما قد يؤدي إلى دخول فاعلين خارجيين آخرين في صراع إقليمي. أيضا دور إريتريا في جوهره لا يمكن التنبؤ به.