مقالات

صراع الحضارات الحلقة (3) عمر جابرعمر

26-Mar-2006

عمر جابر

من شروط قيام أية حضارة – كما ذكرنا – وجود مركز موجه ورسالة توحد أصحاب تلك الحضارة ويقبلها الاخرون

الذين تصل اليهم بطريقة أو اخرى. عاصمة دولة الاسلام بدأت فى (المدينة ) ثم انتقلت الى مكة ومع توسع الدولة الاسلامية وأنتهاء مرحلة (الخلفاء الراشدين) أصبحت ( دمشق) عاصمة للدولة الاموية ثم(بغداد ) عاصمة للدولة العباسية وتطورت بعد ذلك لتقوم دولة الخلافة العثمانية فى تركيا حتى نهاية الحرب العالمية الاولى حيث انهارت تلك الدولة بسبب مؤامرات وضربات القوى الاستعمارية الاوربية. وخلال تلك المسيرة الطويلة نشأت دويلات فى المشرق والمغرب لم تخضع لمركز موحد ولكنها لم تتوقف عن التبشير بالرسالة واتخاذ ( الاسلام ) شعارا لها } الدولة الايوبية- المماليك – السلاجقة والفاطميون والمرابطون والاندلسيون …الخ { كانت الحضارة الاسلامية تستند الى الاسلام – الرسالة التى نزلت على محمد (ص) فى الجزيرة العربية وبلسان عربى . لذا نسمع احيانا مصطلح ( الحضارة العربية الاسلامية )تأكيدا لدور المنبع وتأصيلا للرسالة باعتبار أن (القرآن ) هو (عربى ) فى لغته وتعبيره واوصافه ولكنه (عالمى ) – انسانى فى مقصده وتوجهه وشمول رسالته. ولكن الاسلام توسع وانتشر وجمع امما وشعوبا من كل انحاء العالم بحيث أن (العرب ) اليوم لا يشكلون اكثر من %12 من مجمل العدد الكلى للمسلمين. واكبر البلاد الاسلامية اليوم عددا هى اندونيسيا- نيجيريا- باكستان – ايران – بنغلاديش- اثيوبيا. وفى البلدان العربية مصر- السودان – المغرب- الجزائر- الخ… ولكن ألامر الذى لابد من الاشارة اليه هو أن الكم ليس هو الذى يحدد دور ذلك البلد فى المساهمة فى بناء الحضارة الاسلامية – مثلا أن عدد المسلمين فى الصين يفوق عدد المسلمين فى الجزيرة العربية ودول الخليج- ولكن دور البلدان العربية كان وما يزال رائدا وسباقا للاسهام فى بناء الحضارة الاسلامية وما يزيد من دور العرب فى هذا المجال واعتبارها فى خط المواجهة هو وجود ثروة نفطية هائلة فى مناطقهم تطمع فيها الحضارة الغربية وتعمل على الاستيلاء عليها أن لم يكن بالدبلوماسية والترغيب فالقوى هى البديل كما حدث فى العراق. وحتى ( الصين) لا تستغنى عن تلك الثروة فهي تارة تلاعب وتتقرب من اصحاب الثروة وتارة اخرى تساوم مع خصمها (الحضارة الغربية ) الجذ ور : أنتشرت الحضارة الاسلامية وتفوقت على معاصريها وقدمت للانسانية العديد من الابداعات والاكتشافات فى مجالات الطب والفلك والحساب والفلسفة والاجتماع وكان دورها فى الارتقاء بالاداب والفنون غير مسبوق – كذلك امتلكت القوة وتوسعت حتى وصلت الى الصين شرقا واوربا غربا وتجربة الحضارة الاسلامية فى ( الاندلس) جديرة بالتوقف: البلاد كلها كانت مسيحية ولكن بالحكمة والدعوة الهادئة تم اقناع قطاعات واسعة من السكان بالرسالة الجديدة ولكن الاهم كان التطبيق حيث قدمت الحضارة الاسلامية لهؤلاء السكان مفاهيم وقيم جديدة بالاضافة الى المعرفة والعلم. نشر الاسلام روح التسامح بين السكان وغرس بينهم المحبة والتعايش واحترام العقيدة الاخرى – واصبح من المألوف أن يعيش المسيحى جنبا الى جنب مع المسلم واليهودى. وكانت( قرطبة) منارة للعلم تنتشر فيها المكتبات وتضم كتبا فى جميع ميادين المعرفة اكثر عددا مما كان موجودا فى جميع مكتبات اوربا. كما أن نشر المدنية وبناء الحياة المادية (الزراعة – الصناعة – الحرف المتنوعة) جعلت من الاندلس بلادا مزدهرة ومتقدمة على ما جاورها من مناطق اوربا . ويبقى قصر (الحمراء) حتى اليوم شاهدا على تقدم الحضارة الاسلامية فى فن المعمار والفنون بصفة عامة وقدمت الحضارة الاسلامية فوق ذلك اسماء واعلام فى مختلف المجالات ما زال بعضهم مرجعا للباحثين والكتاب والمبدعين فى العصر الحاضر. (ابن سيناء-الكندى- الرازى- الخوارزمى- ابن رشد-ابن خلدون – ابن بطوطة-الفارابى ابن النفيس وغيرهم وغيرهم … أما فى مجال الفقه والاجتهاد فالعلماء كثر فى الحديث واالتفسير والتشريع والافتاء… فوق ذلك كله وقبله فأن الاسلام باعتباره رسالة الى كل البشر فان مبادىء العدالة والمساواة كانت معاشة وتم تتطبيقها خاصة فى بداية الدولة الاسلامية فى المدينة ومكة ثم فى عهود الخلفاء الراشدين والخلفاء المؤمنين بالرسالة شكلا ومضمونا مثل الخليفة (عمر بن عبد العزيز) ولكن قضية اساسية واحدة- بالاضافة الى عوامل اخرى – كانت هى محور الصراع داخل الدولة الاسلامية – تلك هى مسألة السلطة . منذ الفتنة الكبرى فى عهد الخليفة عثمان بن عفان ثم الامام على بن ابى طالب مرورا بصراعات بنىامية وبنىالعباس وحتى نهاية الدولة العثمانية كانت السلطة فى مجملها للاقوى والمنتصر – حتى اصبحت (رجل اوروبا المريض ) وتكالبت عليها القوى الاوربية ليأخذ كل منهم نصيبه و لتكون النتيجة احتلال وتقسيم وتفتت وتشاحن وتناحر داخلى ما زلنا نرى اثاره حتى اليوم . الحاضر : اذا كان (المركز) ضمن شروط وجود حضارة ما فأين هو اليوم (مركز) الحضارة الاسلامية ؟ الرياض ام طهران ام القاهرة ام اسلام اباد ام الخرطوم ام…م؟ ربما يقال ليس بالضرورة – فهناك عدة مراكز للحضارة الغربية : واشنطن – لندن-باريس- برلين- الخ. هذا صحيح ولكن هؤلاء يعترفون لامريكا بالقيادة وان لها فى نهاية الامر الكلمة الاخيرة. وحتى عندما يختلفون على امر ما يتركون لكل خياره ولا يعلنون عليه الحرب ( غزو العراق- التجارب الفرنسية النووية فى المحيط الباسيفيكى- الصراع الفلسطينى الاسرائيلى). شرط أخر لنمو الحضارة هو وجود رسالة. والرسالة موجودة ومعروفة ويتبعها جميع المسلمين، ليس هناك خلاف حول الاصول والثوابت والفرائض , ولكن الخلاف بدأ وبرز حول التفسير والمفهوم لبعض القضايا خاصة قضية السلطة. ثم اضيفت عوامل اخرى لتعطى ذلك الخلاف بعدا خطيرا وحادا , من تلك العوامل الجانب الثقافى والانتماء الاثنى. كل ذلك تفاعل مع وجود معظم الدول الاسلامية تحت الاحتلال حتى نهاية النصف الاول من القرن الماضى ومع وجود قواعد عسكرية اجنبية حتى اليوم فى العديد من تلك الدول الاسلامية فان الاصطفاف والاختلاف بين التيارات الاسلامية اصبح يسير فى اتجاهات متوازية لا تلتقى وان كانت ترمى بعضها البعض باتهامات اقلها الخيانة والعمالة وتصل الى درجة التكفير والخروج على الدين كله . ما هى تلك التيارات ومن هى الدول التى تتصدى للمواجهة مع الغرب ؟؟ الى الحلقة القادمة

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى