الصومال وأهمية نجـاح اتفاقيـة المصالحـة والســـلام «1» : محمد عثمان علي خير
6-Jun-2006
المركز
صحيفة السوداني :6/6/2006م
لا شك أن نجاح مؤتمر السلام للمصالحة الوطنية في نيروبي في أكتوبر عام 2004م، والذي أعدت له المنظمات الدولية والإقليمية لمدة ثلاثة أعوام لوضع حد لمأساة الصومال، بعد أن فشل أكثر من 12 مؤتمر مصالحة عقد في جيبوتي – أديس أبابا – صنعاء – القاهرة ويعتبر هذا المؤتمر الأخير في نيروبي أكبر حشد شاركت فيه قطاعات واسعة من الشعب الصومالي بكل فئاتهم القبلية وفصائلهم ومنظماتهم المختلفة،
وأن هذا المؤتمر قد حقق نجاحاً كبيراً في وضع الأسس والقواعد الصحيحة لإعادة الدولة الصومالية لممارسة دورها الطبيعي، وإعادة الأمن والنظام في الصومال، وقد تم اختيار البرلمان الصومالي، وتم انتخاب العقيد (عبدالله يوسف) رئيساً للدولة الصومالية، واعترفت به معظم الدول والمؤسسات الدولية، وهو يحظى بدعم الدول الإقليمية، خاصة إثيوبيا – اليمن وبمباركة أمريكية – بريطانية – أوروبية تم اختيار هذه الشخصية، وهو من القادة الصوماليين الذين تصدوا لنظام (سياد بري) منذ وقت مبكر عام 1984م والذي مارس القتل والاضطهاد ومصادرة الحقوق الطبيعية للشعب الصومالي، وأسس أول تنظيم سياسي باسم الجبهة الوطنية عام 1984م وأزال الحاجز النفسي بين الشعبين الإثيوبي والصومالي عندما اتخذ إثيوبيا مقراً لمعارضة نظام (سياد بري) وهو ينتمي إلى القبائل الكبيرة في الصومال إلى الداروت وإلى أكبر إقليم في شرق الصومال، كما أنه تم اختيار رئيس البرلمان الصومالي (شريف حسين) وهو يتمتع بمواصفات تجعله في موقف قوي للمساهمة الكبرى في إعادة الأمن والاستقرار في الصومال، وقد تفاعل الشعب الصومالي مع قرارات مؤتمر المصالحة في نيروبي ودعمها بشكل قوي، خاصة وأن الشعب الصومالي قد انتزع المبادرة من المليشيات المسلحة منذ عام 1997م وساهم بشكل كبير في إعادة الأمن والاستقرار إلى معظم الأقاليم الصومالية، من خلال تلاحمه وتفاعله مع المحاكم الإسلامية، وحال دون تزويد هذه الفصائل بأبنائهم، ورفضوا التعاطف والتعامل معهم، لأنهم أدركوا بأن مأساة الصومال برمتها تكمن في هذه العصابات المسلحة، التي كانت السبب الرئيسي في إعاقة الشعب الصومالي إلى ممارسة حقه الطبيعي ضمن استعادة الدولة مشروعيتها الداخلية، عبر المؤسسات التي تقوم لخدمة ورعاية مصالح الشعب الصومالي، كما تم تشكيل الحكومة برئاسة رئيس الوزراء الصومالي السيد (محمد علي غيدي) والذي عاش في إثيوبيا أكثر من عشرين عاماً، وهذه من ضمن المخاوف من طرف رئيس البرلمان (شريف حسين) الذي يتهم هذا الرجل بموالاته لمخططات وسياسات الحكومة الإثيوبية، التي تتحمل القسط الكبير في إدارة الأزمة الصومالية بطريقة مدمرة، وغير متوافقة مع تطلعات الشعب الصومالي لاتفاقية السلام، والتي يتهمها طرف (الشريف) أي إثيوبيا بأنها كانت وراء فشل كل مؤتمرات المصالحة الوطنية التي عقدت لصالح الصومال خاصة عام 1996م، التي تمت بمبادرة مصرية وبإشراف الرئيس المصري (حسني مبارك) مباشرةً، وشاركت فيها جميع الفصائل والقبائل، إلا أن النظام الإثيوبي قد حال دون نجاح هذه الاتفاقية، وعقد مؤتمر آخر للمصالحة في أديس أبابا عام 1997م وكان هذا المؤتمر لصالح المليشيات المسلحة وبالتالي رفض الشعب الصومالي مؤتمر أديس أبابا وحالوا دون تمكين المليشيات من ممارسة أي دور سياسي داخل الصومال، سوى تخندقهم في مواقع عسكرية محددة في مقديشو، إن نجاح مؤتمر نيروبي وبقيادة (عبدالله يوسف) ورئيس البرلمان (شريف حسين) ورئيس الوزراء (محمد علي غيدي) يعتبر آخر محطة لإعادة الدولة الصومالية إلى ممارسة دورها والعودة إلى موقعها الطبيعي في القرن الإفريقي، لأن هذه الحكومة تحظى بدعم واعتراف دولي في الوقت الحاضر، وهذا ما لم تحظى فيه حكومة السيد (عبدالقاسم صلاد حسن) رئيس الدولة والذي انتخب من مؤتمر عرته عام 2000م والذي كان ناجحاً لولا المخططات الإثيوبية، لإفشال هذه الحكومة واتهامها بالأصولية الإسلامية وتحريض أمريكا والغرب عليها، وبالرغم من اعتراف العالم بحكومة (صلاد) إلا أنه لم يتم تفعيل هذا الاعتراف، ولم تحظى تلك الحكومة بالدعم والمساعدات، بل وعجزت على السيطرة في مطار مقديشو وقد ظهرت مساوئها وتلاعبها بالمساعدات المادية القليلة التي وصلتها لصالح بناء مؤسسات للدولة، مثل إعادة بناء الشرطة وأجهزة الأمن، والمؤسسات التعليمية، لكن حكومة العقيد (عبدالله يوسف) تحظى باعتراف دولي جاد وفعال هذه المرة، وهو كان على صلة بالحكومات الغربية منذ كان مقيماً في بريطانيا لأكثر من عشر سنوات، لذلك فإن الشعب الصومالي وكافة القوى السياسية والاجتماعية، يجب ألا تضيع فرصة نجاح اتفاقية نيروبي للسلام، وأن تستقبل الجوانب الايجابية وتضيق على الخلافات الثانوية، وأن لا تقع في خطأ تاريخي سيكون ثمنه فادحاً هذه المرة، ولن يعود الصومال إلى وضعه الطبيعي وأعني بهذا الخطأ التاريخي محاولة تصعيد الخلاف بين الرئيس الصومالي ورئيس البرلمان، يجب أن يكون الحكم في الخلاف بينهما حسب الدستور واللوائح المعتمدة من المؤتمر، وحسب الاختصاصات في هذا المجال، ويجب أن يدرك رئيس البرلمان (شريف حسن) وهو رجل وطني وغيور على الصومال بأنه المسئول الأول في إنجاح اتفاقية السلام بحكم رئاسته للبرلمان، وعلاقاته المباشرة بكافة الفصائل والقبائل، وعليه أن يساهم في خلق أجواء أكثر إيجابية وأن لا يستجيب للخلافات غير الأساسية، مثل تمسكه بالعاصمة مقديشو مخالفاً لوجهة نظر الرئيس باختياره مدينة جوهر عاصمة مؤقتة للصومال، وأن يتفق مع رأي الرئيس الصومالي بأن مقديشو لا تصلح في الوقت الحاضر أن تكون عاصمة لمشروع السلام الجديد، لأنها مليئة بحقول من ألغام المليشيات والعصابات، والاحتقان في المدينة متصاعد دوماً وهي شهدت معارك وحروب مدمرة، وغير مؤهلة مقديشو أن تحتضن المصالحة الوطنية، وأن تمسك رئيس البرلمان كان خاطئاً، حينما جعل من هذه المسألة مصدراً للخلاف، وتعطيل الخطوات العملية لتنفيذ البرامج التي وجدت الدعم من الأوروبيين والدول العربية، بل وأخطر من ذلك أن رئيس البرلمان يحاول أن يوظف الصراع الإريتري – الإثيوبي في الأزمة الداخلية، ويتلقى الدعم من حكومة (أفورقي) ويطالب بوجود قوات إريترية ويرفض قوات إثيوبية، كان عليه أن يعتمد العقل والحكمة كاتب وصحفي إريتري