مقالات

القرن الافريقى : الى اين ؟؟ إرتريا ..الحلقه ( 5 ) :.. عمرجابر عمر ..ملبورن .. استراليا

5-Jun-2006

المركز

هذه بلاد وضعتها الاقدار فى مواجهة تحديات بدت فى مراحل مختلفة اكبر من قدراتها ومواردها وطاقاتها. اصبحت ساحة لتصادم وصراع ارادات اقليمية ودولية ولكن العامل الحاسم كان دائما ارادة اصحاب الارض.كان موقع ارتريا الجغرافى ( على البحر الاحمر ) هو محور صراع القوى الخارجية .

وكانت البلاد عبارة عن امارات صغيرة وضعيفة يغلب عليها طابع الاحتراب فيما بينها حينا ومع العدو الخارجى فى اكثر الاوقات.بدءا بالبطالسة وانتهاءا بالرومان كانت الغزوات تأتى من وراء البحر.جاء البرتغاليون والاتراك والمصريون – ومن الغرب عبر اليابسة دولة الفونج السودانية ثم جيوش المهدية. وخلال تلك الفترات كانت (اثيوبيا ) تقفز مرة تلوا الاخرى وتحاول ان تجد لها موطىء قدم او معبرا عبر البحر.ورغم ذلك كله لم يستطع اى غزو اجنبى ان يغير من الواقع الاجتماعى والثقافى ذلك لانه – الغزو- كان اولا فوقيا, وثانيا كان مؤقتا وعابرا وثالثا وهذا هو الاهم – كان يواجه مقاومة مستمرة تجعل استقراره صعبا واستمراره مستحيلا.حتى جاء الاحتلال الايطالى وظهرت مستعمرة ارتريا عام 1890 بحدودها الجغرافية الحالية.ومرة اخرى شاءت الاقدار ان تجعل من ارتريا ساحة للمواجهة والصراع بين ارادات الدول الغربية- انهزمت ايطاليا فى الحرب العالمية الثانية وبرزت امريكا كقائدة لدول الغرب الاستعمارية وساعدت حليفتها اثيوبيا على ضم ارتريا اليها رغم قرارات الامم المتحدة وضد ارادات ورغبات ابناء البلاد.ودخلت البلاد فى حرب مريرة وطويلة ضد الاحتلال الاثيوبى حتى حقق الشعب الارترى استقلاله واعلن دولته عام 1993 .انبهر العالم وصفق لهذا الشعب قليل العدد ومحدود الامكانيات والذى استطاع ان يهزم اكبر امبراطورية افريقية معاصرة .وهنا ايضا حددت الاقدار دورا لهذه الدولة الوليدة- فهى اولا تتوسط دولتين جارتين كبيرتين (اثيوبيا والسودان) كان بينهما عبر التاريخ ما كان من تنافس وصراع وشكوك حول النوايا.وهى ثانيا بحكم صغر حجمها وقلة سكانها لا يمكن ان تكون طرفا فى اى صراع ينشأ فى المنطقة ومصالحها تفرض عليها سلوك طريق يحفظ لها امنها واستقرارها .وهى ثالثا وبحكم الارتباط والعلائق الاجتماعية والثقافية مع كل من اثيوبيا والسودان تستطيع ان تكون جسرا للتواصل وان تصبح (واحة) لشعوب المنطقة خاصة اذا اتبعت نهجا ديموقراطيا وقدمت نموذجا للتعايش والتعاون بين شعوب المنطقة .ذلك ما حددت الاقدار للدولة الوليدة – ولكن ذلك يتطلب ارادة محلية تواجه ذلك التحدى وحكمة تستوعب متطلبات المواجهة وعقلا مفتوحا يتعامل مع المستجدات بافق واسع ونظرة ثاقبة تتجه الى المستقبل ولا تتجمد عند موروثات تخطتها الاحداث.لو عدنا قليلا الى الوراء لبحث ما ترسب فى الذاكرة الجمعية لابناء المرتفعات الارترية من المسيحيين لوجدنا ما يلى : 1/ مسالة الاستعلاء – كانت بمضامينها الاجتماعة والثقافية تمارس ضد ابناء (تقراى ) والحال ان المجموعتين تنتميان الى دين واحد وتتحدثان لغة واحدة (تقرنية ) وتجمع بينهما صلات التزاوج والترابط الاجتماعى – خاصة بين اقليمى (سراى ) و(اكلى قزاى ) من جهة واقليم تقراى من جهة ثانية , ثم فى مرحلة الثورة جمع بينهم الهم المشترك وهو الخلاص من الهيمنة الاثيوبية واستعلاء قومية (الامهرا ) بمعنى آخر فان ذلك الاستعلاء لا اساس موضوعى له ولا يستند الى فوارق اثنية اودينية او ثقافية.كلما فى الامر ان الذاكرة الجمعية لابناء المرتفعات الارترية احتفظت بتلك الرواسب التى حجبتها الاحداث اللاحقة.2/ خلال مرحلة الثورة – كان التعامل اليومى مع اجهزة الامن والادارات السودانية يثير مشاعر فى نفوس المناضلين الارتريين تتراوح بين الاستياء والغضب ولا تخلو من ( حقد ) ترسب فى الذاكرة الخلفية .وبالرغم من ان تلك المشاعر كانت عامة لدى المناضلين الارتريين الا انها اخذت لدى الجانب المسيحى منحى آخر تمثل فى انتظار يوم قريب للانتقام ! ذلك هو الفارق الثقافى والاجتماعى بين رد الفعل لدى الجانب الاسلامى والاخر لدى الجانب المسيحى. وما زاد الامر سوءا هو ان الجبهة الشعبية انطلاقا من تلك الخلفية وبحكم تكوينها السياسى ومحاولة الظهور على المسرح بحجم لا يتناسب وقدراتها جعلت من ذلك الموروث عنصرا ثابتا فى سياستها الخارجية تجاه السودان .لذا لم يكن غريبا ما حدث بعد استقلال ارتريا – حين بدأت وفود المعارضة السودانية تهرب من الخرطوم الى (اسمرة ) والتقت بمسئول ارترى كبير قال لهم : ستقيمون فى معسكر مثل (ودشريفى ) فى شرق السودان !! ذلك الموقف وتلك المشاعر تنسحب على اليمن ايضا .ماذا حدث بعد الاستقلال ؟ كانت الاقدار قد حددت دورا ومكانة للدولة الجديدة ولكن ارادة الحكام الجدد بدلت تلك الاهداف ووضعت امامها اهدافا مختلفة بعضها ترجمة لما اختزنته ذاكرتها والبعض الاخر ما خيل لها بانه دور تستطيع القيام به فى منطقة لها حسابات معقدة وعلاقات متداخلة وتتطلب قدرات وموارد لا تتوفر لجميع اللاعبين.تلك هى بالتحديد مأساة بطل رواية (دون كيشوت ) كان شجاعا ويريد مواجهة التحدى – ولكنه ادار ظهره للواقع واختلق خصما وهميا افترض بان مهمته هى القضاء عليه (طواحين الهواء) ! وعندما تصل المأساة الى مستوى الدولة ويصبح كل جهدها ووقتها مكرس لمعارك انصرافية وتسير خطواتها فى دائرة حلزونية لا نهاية لها – عندئذ فان تطبيق معايير ومواصفات الدول على تلك الدولة يكون خارج المنطق ولا يقبله عقل سوى.اصبحت ارتريا دولة لها عضويتها فى الامم المتحدة والاتحاد الافريقى , ولكن معايير الدولة ومواصافاتها تلاشت او كادت فى الداخل. · دولة بلا دستور (حتى لو كان سيئا ) · دولة تمارس الاقصاء والتهميش ضد فئة (فئات) من شعبها.· دولة تمارس الاعتقال والاغتيال والتعذيب ضد كل من يعارضها · دولة الحزب الواحد – لا حريات وتحتل الموقع الاخير فى قائمة الدول الاكثر فقرا والاكثر انتهاكا لحقوق الانسان.· لا وجود لقضاء مستقل ولا برلمان منتخب ورئيس الدولة لم يتم انتخابه منذ اعلان استقلال البلاد وما زال على راس السلطة ! كيف ؟لماذا؟ وما هى الدكتاتورية اذا لم تكن تلك هى الدكتاتورية.الحزب الحاكم فشل فى بناء دولة وبدلا عن ذلك قام بانشاء شركة استثمارية كل مفاصل التنظيم وقواه وموارده مسخره وموجهة فى هذا المجال : 1/ تقسيم وبيع الاراضى 2/ بناء وبيع العقارات 3/ تخزين وتهريب البضائع عبر الحدود وجباية الضرائب وفرض الرسوم .ولكن ولان العمل التجارى لا حدود له – نرى قادة النظام يمارسون تجارة اخرى – تجارة السلاح – سواء كان الى دارفور او الصومال حتى لو كان لجهات لا تتفق معهم فى رؤيتها واهدافها (اتحاد المحاكم الشرعية فى الصومال )! كل الضغوط التى تمارس على السودان فى الحدود الشرقية والمطالبة بضرورة وجود ارتريا كوسيط بين الحكومة السودانية ومنظمات المعارضة فى شرق السودان تهدف الى فتح الحدود وتطبيع العلاقة ليس لمصلحة الشعب الارترى الذى تضرر كثيرا من ذلك الاجراء (قفل الحدود) ولكن لاستئناف سير قوافل التهريب واتاحة الفرصة للشركة الاستثمارية لمضاعفة ارباحها.بعض قادة افريقيا يعتقدون ان لهم رسالة خارج حدودهم ويتجاهلون رسالتهم الاساسية داخل بلادهم.(اسياس افورقى ) هو احد هؤلاء – وبعد التحرير حاول استثمار ذلك الانجاز والمناخ الاقليمى والعالمى الذى كان ينظر الى ارتريا باعجاب وتقدير ليقدم نفسه كقائد افريقى لا ينافس.نظر الى القادة من حوله كاشخاص بمعزل عن من يمثلون – وقال فى نفسه : من هؤلاء الاقزام ؟ تجاهل حجم ودور وقدرات الدول المجاورة (اثيوبيا والسودان ) بل ان بعض مريديه والمعجبين قاموا بترشيحه لجائزة عالمية كمنافس للزعيم الافريقى ( نيلسون مانديلا) ! تلك الظاهرة شاهدناها بعد رحيل الزعيم جمال عبد الناصر حيث تقدم العقيد (معمر القذافى) الصفوف واعلن بانه وريث عبد الناصر وسيكون امين القومية العربية الجديد ! ما جهله القذافى هو ان مكانة عبد الناصر كانت من مكانة مصر – حضارة وتاريخا – وجغرافيا – سكانا وتحديات اقليمة ودولية. اذا استطاع القائد ان يرتفع الى مستوى ما تمثله بلاده وتحرك فى دائرة تحفظ له ولبلاده مكانة طبيعية – فذلك هو التوجه الصحيح والمعادلة المطلوبة.واذا حاول القائد ان يلعب دورا اكبر مما هو ممكن ومتاح بحكم قدرات ومصالح البلاد سيصبح مثل لاعب السيرك قد يبهر المشاهدين لساعات ثم ينتهى دوره بانتهاء العرض.وبالمقابل اذا عجز القائد عن الارتفاع الى مستوى ومكانة بلاده ودورها اصبح قزما لا يستحق الاستمرار فى موقعه.ارتريا بلد غنى برجاله ونسائه وتجربته – ولكن قيادته ضلت الطريق وغيرت الاهداف وخلطت الاوراق والنتيجة هى ما نرى – تبنى مظالم ومطالب الاخرين خارج الحدود وتهميش واقصاء الشركاء والمواطنيين بصفة عامة فى الداخل.ومن هنا فان اصلاح الاعوجاج واعادة السفينة الى اتجاهها الصحيح ومجراها الطبيعى لا يمثل مسالة مستحيلة خاصة وان الانحراف تم على يد قلة معزولة عن محيطها الخارجى ومرفوضة من القاعدة الشعبية فى الداخل والخارج.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى