مقالات

مابين التغيير والإصلاح وظل النظام ..

بقلم صالح أشواك

بعض المؤشرات الماثلة في المشهد تدلل على أن منحنيات العمل النضالي في تراجع خطير ومؤثر وتبدد كل الجهد الذي مضى وتعيدنا إلى مرحلة صفرية من حيث العطاء والعمل الذي لا يوازي أهداف ومرامي نضالنا ضد الطغمة المستبدة في اسمرا.
وبعض المعطيات الدولية والإقليمية وتحركات وياني تجراي وفصائل الامهرا والتصريحات الحكومية لأديس ابابا وظهور بعض الفعاليات كبرقيد نحمدو وغيرها ممن سبقها وتصريحات بعض قياداتها الفاعلة بشأن البحر الأحمر تارة وتارة أخرى بشأن دولة الهوية تجراي تقرنيا كل هذا يصب في صالح النظام تحت ذريعة استهداف السيادة الوطنية.
لعل الحرب الأخيرة كانت الأخطر في إفرازاتها السياسية والفكرية حيث ظهر خطاب متراجع و متقهقر لا ينسجم مع التضحيات التي قدمها شعبنا إذ طرح خطاب سياسي يحمل عنوان الإصلاح بمعنى أخر التغيير ينبغي أن يحل محله الإصلاح و لعل الأكثر إرباكاً أن تأتي مثل هذه الاطروحات من بعض الذين كانوا نتاج مدرسة فكرية ترى أن الطريق إلى التغيير لا يتم إلى عبر صراع يؤدي إلى ثورة و تحديث الواقع السياسي بل تذهب مدارسهم الفكرية إلى ابعد من ذلك من خلال التغيير الذي ينبغي أيضاً أن يطال الإنسان و أن يكون له الدور القيادي في التغيير.
مع أن الإصلاح فيه بعض من التغيير ولكن في الحالة الإرترية الأمر مختلف إذ لا يكفي الإصلاح لمعالجة الاختلالات الحاصلة على مستوى الهوية والثقافة الإصلاح السياسي خلافاً للثورة ليس سوى تحسين في النظام السياسي وينحصر في إعادة هيكلة الامتيازات أكثر منه كحل لإشكالات بنيوية أساسية لمعالم الوطن وجوهر العلاقة بين الوطن والمواطن من ناحية وبين مكوناته وتمثلات ثقافاتهم وهوياتهم فيه بل الإصلاح في أفضل حالاته يهدف إلى تغيير القائمين على النظام أكثر من كونه يهدف إلى إصلاح النظام وهذا يتم تارة عن طريق الانقلابات و بطبيعة الحال هو شكل راديكالي غير سلمي للإصلاح أو التغيير الناعم الذي هو بالضرورة تغيير من داخل التنظيم و باتفاق مؤسساته التنظيمية ومراكز القوى فيه بما يضمن إفلاتهم من المساءلة القانونية .
أن ممارسات النظام الإرتري المستبد يمكن تعريفها بأنها جرائم ضد الإنسانية وبالتالي فأن مثل هذه الجرائم لا يصلح معها الإصلاح السياسي بل ثورة شعبية عارمة تميد الأرض تحت قواعد وبنية هذا النظام ليتم التأسيس لوطن واحد موحد وطن ينعم أهله بالحرية والعدالة الاجتماعية وطن تتمثل فيه الهوية الوطنية الجامعة وطن تبنى علاقاته الاقتصادية والسياسية والثقافية بما يتسق مع تأريخه الحافل بالتفاعل مع محيطه الإقليمي فقد كان الساحل الإرتري مركز تفاعل اقتصادي وثقافي واجتماعي مهم مع الجوار العربي.
مفهوم التغيير السياسي يتسم بنوع من الشمولية والاتساع وتشير لفظة التغير السياسي لغة إلى التحول، أو النقل من مكان إلى آخر ومن حالة إلى أخرى ويقصد به أيضا: “مجمل التحولات التي تتعرض لها البني السياسية في مجتمع ما بحيث يعاد توزيع السلطة والنفوذ داخل الدولة كما يقصد به الانتقال من وضع لا ديمقراطي استبدادي إلى وضع ديمقراطي.
ثم تظهر وسط كل هذه التراجعات أطروحات سياسية لا تحمل بناء تنظيمي راسخ بل تتحرك وفق خيارات ذاتية لبعض المجموعات المؤثرة والفاعلة فيها، كل هذه المعطيات الجديدة تؤشر بوضوح على أن بعض الفعاليات السياسية ربما تكون صناعات استخباراتية للنظام إذ تتسم أطروحاتها وتصريحات بعض قياداتها بالتناقض الشديد الذي يجعلك تقف مشدوهاً حيال ما ترى وتسمع والذي يصيبك بالذهول بدرجة أكبر هو حالة الانقسام حوله لتصاب بصدمة وخيبة أمل كبيرة عن ما وصل إليه العقل السياسي الإرتري من مستويات تحليل الوقائع والاحداث لتجد بعضهم في حالة تطابق مع موقف انصار النظام أو تجد بعضهم من فرط حنقه على انصار النظام يدفع بذاته إلى مواقف تضعه في خصومة مع الوطن ثم يتم التسويق للأمر كأنما هذا هو موقف كل من يناهض النظام لينعكس هذا بصورة إيجابية يرفع من رصيد للنظام.
ثم نتابع ولادة كيانات شبابية يوضع بينها وبين التنظيمات السياسة برزخ لتطرح رؤية سياسية لا تختلف بشكل جوهري عن ما تتبناه التنظيمات الجماهيرية الفاعلة فعوضاً عن التفاعل في اوعية هذه التنظيمات و العمل على إصلاحها واستلام الراية نجد الانصراف عنها تحت عناوين شبابية جديدة خطورة هذا الأمر تتمثل في عدم ربط الجيل الحالي والأجيال الصاعدة بنضالات شعبنا التاريخية لينكفئ هذا الجيل والأجيال الصاعدة على ما صنع من تاريخ مبتور وهذا الخطأ في تصوري سيكون ثمنه باهظاً و سيجعل كلفة التغيير عالية من خلال استمرار معاناة الشعب الإرتري ثم أن هذا ربما يذهب بنا إلى ما نخشى وهو القبول بالإصلاح كواحد من المكاسب إذا أن هذا الجيل مرتبط إلى حد بعيد بتجربة التحرير في جولاتها الأخير وبما يتقبل إلى حد ما حالة الواقع الثقافي والسياسي والتغيير الذي حدث على المستوى الديمغرافي وكذلك ربما يستجيب لقراءة التاريخ وفق رؤية وصناعة الجبهة الشعبية كمرحلة ما قبل التحرير وكذلك ما بعد التحرير وهذا هو الخطر الداهم الذي يقلق الحريصين على التغيير بصورة تقتضي على واقع اليوم المختل والذي احدث شرخاً كبيراً بين مكونات الشعب الإرتري.
لعب النظام دوراً كبيراً في هندسة وعي الأجيال الجديدة من أجل تشكيل واقع ثقافي جديد وفرض الهيمنة الثقافية وللسيطرة الذهنية على الشباب اتخذ عدة أساليب وأدوات منها التحكم في التعليم والتلاعب بالمناهج الدراسية لنشر مفاهيم وآراء محددة والعمل على تسييد الثقافة التجرنية كما أنه وظف الإعلام ووسائل الاتصالات لنشر الثقافة الأحادية وتعزيزها وطال العبث الأدب والفنون لتعزيز صورة الثقافة السائدة كونها أعلى وأكثر تقدمًا من الثقافات الفرعية الأخرى عمدت الجبهة الشعبية وسلطتها إلى تزوير رواية التاريخ الارتري والتضليل في الحقائق التاريخية في سبيل تبرير سطوتها وتعزيز سلطتها، إذا عمدت إلى اعتماد المناسبات التأريخية التي تخصها من بعد خروجها من الجبهة كمجموعة صغيرة لها مشروعها السياسي (نحنان علامانا ) ليتم تعزيز النسيان وإهمال الذاكرة الجماعية للشعب الإرتري الذي امتد نضاله منذ مرحلة تقرير المصير وحتى مرحلة الكفاح المسلح و مقاومة الطغيان فأن كل هذه المحاولات العبثية لن تصمد امام الذاكرة الحية التي يتسم بها شعبنا الأبي.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى