مقالات

القرن الافريقى : الى اين ؟؟ ..الحلقة الأخيرة : عمر جابر عمر

12-Jun-2006

المركز

ملبورن .. استراليا
المنطقة مقبلة على متغيرات كبيرة وهامة الحسابات تم وضعها والادوات تم تحديدها والخارطة السياسية تم رسمها.والبداية من الصومال بسبب الوضع الطارىء والتطورات التى فاجأت الجميع.

1/ الصومال – ليس بسبب ثروات نفطية او كنوز تحت الارض – ولكن بسبب ان الصومال هو بحكم موقعه الجغرافى (بوابة) تفتح على المحيط الهندى والخليج العربى وما يستتبع ذلك من جذب للقوى الاصولية الاسلامية.وربما ان القلق لا ينبع من حرص على الصومال كبلد وشعب فالصومال فى نهاية الامر بلد اسلامى فى مجمله , ولكن الخوف هو ان يكون قاعدة انطلاق نحو دول الجوار وهى- تلك الدول- تحمل بذور الصحوة والاستعداد للتمرد خاصة الاورومو فى اثيوبيا.المخطط هو دعم الحكومة الصومالية المؤقتة فى (بيدوا) وفرض الامن والاستقرار من خلال قوة خارجية اقليمية ودولية.اما اتحاد المحاكم الشرعية فيمكن استيعابه فى عملية التشكيل ومنحه هامشا فى المساهمة فى ادارة الشئون الدينية وهو ما يقع تحت مصطلح الاصلاح الادارى ومحاربة الفساد – وذلك كله يتعارض مع المخطط الغربى.ثم ان التركيبة الاجتماعية لاتحاد المحاكم الشرعية تضمن مشاركة قوى اجتماعية اضافية لها وزنها وهذا هو الاساس فى المعادلة الصومالية.2/ اثيوبيا – هى حليف امريكا والغرب – ويقلقه كثيرا بروز وتوسع التيار الاسلامى – لذا فهى تؤيد الحكومة المؤقتة وستكون عنصرا فاعلا فى تنفيذ ذلك المخطط .والغرب حريص على استمرار النظام الاثيوبى الحالى.3/ السودان – الغرب لا يريد السودان بلدا مستقرا يتمتع بحكم مركزى قوى خاصة بعد اكتشاف الثروة النفطية الهائلة ووجود مصادر اخرى (زراعة- معادن الخ … ) لذا فهو يحاول ان يكون شريكا فى حل المشاكل الداخلية الجنوب والغرب ولكن من خلال استخدام (حصان طراودة) يضمن وجودا دائما (القوات الدولية) الى حين انتهاء فترة السنوات الست الانتقالية لاتفاقية الجنوب وخلال تلك الفترة يتم اعداد قوى جديدة تتولى الحكم تضمن للغرب الولاء والتبعية.وربما من هذا الفهم بادرت الحكومة السودانية الى اعطاء ملف الشرق لارتريا وهى تعرف ماهو ومن هو النظام الارترى – ولكن الهدف هو ابعاد امريكا عن ذلك الملف ومواجته فى الجبهات الاخرى.4/ ارتريا – تبقى ارتريا – البلد المنغلق على نفسه والمغلق على اى تفاعل او تعامل مع ما يخطط للمنطقة.الغرب يعتبر النظام الارترى نظاما (مارقا ) يعرقل حساباته ويتسبب فى خلق توتر فى المنطقة لا يريده الغرب.كمية السهام ونوعيتها التى ستوجه الى النظام الارترى تتوقف على مدى تجاوبه مع حسابات الغرب ومدى تفاهمه مع اثيوبيا والاهم من ذلك كله قدرته على تغير نهجه وحل مشاكله مع المعارضة الارترية.تلك هى حسابات الغرب – خاصة امريكا – ولكن ما هى ارادة شعوب المنطقة – وما هى خياراتها وكيف تضع اولوياتها وترسم سياستها التى تحفظ مصالحها واستقلاليتها واستقراراها؟؟ المتفائلون كثيرون – دافعهم الى ذلك الموارد البشرية والثروات الهائلة للمنطقة.المتشائمون كذلك كثيرون واسبابهم فى ذلك التجارب المريرة فى الماضى والواقع الاكثر مرارة فى الحاضر.ومهما كانت مساحة تلك المشاعر وعمقها فهى تعكس احساسا بان احلام شعوب المنطقة واقعية ويمكن تحقيقها ولكن العقبة هم الابناء الضالون الذين احترفوا اضاعة الفرص وهدر الطاقات فيما لا يعود بالنفع على بلدانهم.الاحلام والمبادىء التى تقود حركة شعوب المنطقة هى : 1/ تحقيق العدالة والمساواة – بين قوميات وثقافات كل مجموعة فى كل بلد.مساواة الجميع فى المواطنة حقا وواجبا والمشاركة فى السلطة والثروة.2/ الحرية – حرية الرأى والتعبير وحق تكوين الاحزاب وتداول السلطة بالاسلوب الديموقراطى.3/ دولة سيادة القانون – حماية واحترام الحقوق الاساسية للانسان – حرية الحركة والعمل – حريته فى الدفاع عن نفسه ومنع التعذيب الجسدى والنفسى للمعتقليين.ذلك يستدعى وجود قضاء مستقل ومنظمات المجتمع المدنى التى تحمى تلك الحقوق.4/ المحاسبة والرقابة لاجهزة الدولة – والشفافية فى اداء تلك المؤسسات.ذلك يتطلب وجود هيئة تشريعية منتخبة (برلمان ).5/ لا بد من بناء مؤسسات للدولة تضمن استقرار واستمرار العلاقة بين المواطن والحكومة بحيث لا تصبح البلاد عرضة لمتغيرات مفاجئة تاتى اما عن طريق انقلابات عسكرية او نتيجة لطموحات فردية تدفع بعض القادة الى تعديل الدستور او تعطيل قوانين تسمح لهم الاستمرار فى الحكم.اذا راجعنا سيرة ومسيرة تلك الرموز التى ابتلى بها القرن الافريقى نجد ان القاسم المشترك الذى يجمع بينها هو حب السلطة والاحتفاظ بها بأى ثمن.1/ لم يصل اى منهم الى السلطة عن طريق الانتخابات 2/ عمل كل منهم على اقصاء وتصفية خصومه اما سجنا او قتلا.3/ تقلب المواقف وتغييرها وفق الضرورة – وتبديل التحالف بما يحفظ لهم كرسى السلطة.4/ الايمان المطلق بالقوة وسيلة لتحقيق اهدافهم ورفض الحوار والاقتناع بعدم جدواه طالما كان الواحد منهم فى موقع القوة.5/ كل منهم حاول القيام بدور اكبر مما هو مؤهل له او قادر عليه وبما لا يتناسب وحاجات ومصالح البلاد التى يمثلها. القرن الافريقى مؤهل ان يلعب دورا قياديا فى افريقيا وان يقدم نموذجا للتعايش بين شعوبه.المنطقة مليئة بالثروات والموارد الطبيعية ما يجعلها تحقق الاكتفاء الذاتى فى العديد من الحاجات الاساسية.وفوق ذلك كله فهى كتلة بشرية (اكثر من مائة وثلاثين مليونا ) لها تجاربها واراداتها وطموحاتها اللامحدودة.صحيح انها الان تمر بمرحلة انتقال ولتحقيق تلك الطموحات لابد من نهضة شاملة ( تنمية – تعليم – صحة – بنية تحتية – تاهيل وتدريب اليد العاملة – مشاريع انمائية – اصلاح ادارى وسياسى ولكن لابد لتلك النهضة من ان تبدأ فى اطار قطرى (فى كل دولة ) ومن ثم تصل الى مرحلة التكامل والتنسيق.صحيح ان تلك النهضة لن تكون متوازية ولا متساوية ولكنها يجب ان تبدأ وخلال المسيرة على هؤلاء الذين قطعوا الف ميل مد يد العون والمساعدة لمن هم فى المائة ميل الاولى.ثم ان المجتمع الدولى عليه مسؤلية توفير المناخ الملائم والدعم الضرورى لانجاح تلك النهضة.عجبت لامر المنظمة الدولية (الامم المتحدة ) والتى تلح وتضغط لارسال قوات دولية الى (دارفور ) وتتجاهل الصومال البلد الذى يحترق ليس بفعل ابنائه فحسب بل بسبب التدخل الخارجى وتدفق السلاح من عدة اطراف الى الفصائل الصومالية.عجبت لامر (الاتحاد الافريقى ) الذى يتولى مهمة حفظ السلام والامن فى القارة الافريقية ولا يذكر الصومال الاببيانات مقتضبة وكأن ما يجرى هناك موجود فى امريكا اللاتينية.ان عدم تحقيق التطور فى بلدان القرن الافريقى من خلال النهضة الشاملة سيترك جزءا من تلك البلدان متخلفة الامر الذى يدفعها الى ان تكون عبئا اقتصاديا وبؤرة للتوتر قد تعيق ما تم انجازه فى البلدان الاخرى.القرن الافريقى بحاجة الى اكتشاف ذاته وقدراته وتحديد مصادر قوته.القرن الافريقى ليس بحاجة الى قادة (عمالقة ) فى بنيتهم واقزام فى قدراتهم العقلية. المنطقة بحاجة الى قادة يمتلكون نظرة واسعة وشاملة وعقول تتسع لاستيعاب المستجدات وتشخيص التحديات – وامتلاك الارادة لمواجهتها.وعندما يكون الامر بيد الشعوب لاختيار قياداتها فان تلك المواصفات ستكون الحد الادنى الذى يجعله الناخب معيارا ومقياسا لاختيار من يقوده.علاقات الجوار بين دول القرن الافريقى تتسم بعدم الثبات والانتقال من حالة العداء الكامل بل والحرب وقفل الحدود الى التحالف التكتيكى بين هذا النظام او ذاك ضد نظام اخر.لتكن العلاقات طبيعية بين دول المنطقة ولتكن العلاقات الدبلوماسية قائمة ولتبقى الحدود مفتوحة – وبعد ذلك وقبله فلكل دولة سياستها ومصالحها.ليكن الحوار وسيلة لحل الخلافات وليكن احترام كل دولة لموقف ورأى الدولة الاخرى سلوكا يوميا لقادة تلك الدول .ولكن كل ذلك يكون من بعد ان تعمل كل دولة على حل مشاكلها الداخلية وتطبيق الديموقراطية واشاعة الحرية والعدالة بين ابناء الوطن الواحد.لا يعقل مثلا ان تقوم ارتريا بتبنى مطالب ابناء شرق السودان وتطالب الحكومة السودانية بالجلوس مع المعارضة فى شرق السودان.فى الوقت الذى ترفض فيه – اى الحكومة الارترية – الاعتراف بوجود معارضة ارترية ! العا لم كله يعرف ان حكومة ارتريا هى حكومة الحزب الواحد ولا توجد ديموقراطية ولا حقوق انسان ولا اعتراف بالشراكة فى السلطة والثروة.هل يريد النظام الارترى ان يغطى على كل ذلك بتقديم خدماته للحكومة السودانية فى حل مشاكلها ؟ يخطىء كثيرا النظام الارترى اذا صدق نفسه بأن تلك اللعبة يمكن ان تنجح ويخطىء النظام السودانى اكثر اذا حاول التنكر لحقوق الشعب الارترى وعدم الاستماع الى صوت المعارضة الارترية , النظام الارترى الذى يحاول ان يلعب لعبة ( شيلنى اشيلك ) مع النظام السودانى يهاجم نظام الانقاذ فى نفس الاسبوع الذى زار فيه نائب الرئيس السودانى ارتريا- ولكن عن طريق السفير الارترى فى واشنطن والذى اتهم الحكومة السودانية بتدريب حركة الجهاد الاسلامى الارتريه واتهم الجميع بالارتباط بتنظيم القاعدة !! ان النظام الارترى يحاول استجداء عطف وتأييد الولايات المتحدة والغرب عموما ولكنه يعلم انه خسر معركته بسبب تفوق النظام الاثيوبى عليه فى كسب تاييد هؤلاء الحلفاء.الدرس الذى يجب على الجميع تعلمه هو عدم جعل قضايا الشعوب وحقوقها مادة للمساومة وموضوعا للبيع والشراء من اجل الاحتفاظ بكراسى الحكم .ان انتشار منظمات الحقوق المدنية ومنابر الراى الحر وامتلاك شعوب المنطقة لرؤية موحدة لمستقبلها وتمسكها بقيم الحرية والعدالة والمساواة كل ذلك يبشر بان المستقبل واعد وان والمنطقة مقبلة على متغيرات اساسية.قد يستغرق ذلك وقتا وقد يتطلب تضحيات ولكن فى نهاية الامر لا يصح الا الصحيح .الشعوب قد تتعثر فى خطاها وقد تتعرج مسيرتها ولكنها لن تتوقف تماما واحلامها وطموحاتها تظل دائما فى ذاكرتها. دولة الظلم ساعة ودولة الحق الى قيام الساعة

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى