مقالات

أسياس أفورقي . . ليس الشرق وحده! : د.محمد محجوب هارون

14-Jun-2006

المركز

الرئيس أساياس أفورقي، و هو في الخرطوم من أهلها، لا يمكن، بأيّ حال أن يكون متصوّرا أنّ زيارته إلى الخرطوم بعد خمسة أعوام من الغياب، هي لبحث قضية شرق السُودان ممّا سيفتح الباب لتطبيع علاقات أسمرا مع الخرطوم، و الخرطوم مع أسمرا، لا غير!

و بغير لغة الدبلوماسيين، المغيّبة لحقائق الأشياء أحيان كثيرة، فالعلاقات بين البلدين حتّى يومنا هذا ليست عسلا على لبن، و ليست، في واقعها الراهن، ذات نكهة خاصّة على نحو ما قاله الأستاذ عبد الله جابر مسؤول ملف السُودان في الحكومة الإريترية و في حزبها الحاكم. علّة العلاقات بين البلدين ليست هي ملف شرق السُودان الذي نتطلّع جميعنا إلى تسويته، نهائيا و إلى الأبد. ذلك غيرُ مُختلف عليه. علّة العلاقات بين أسمرا و الخرطوم أوسع من ملف واحد هو ملف الشرق. فالأصل هو أنّ علاقات السُودان و إريتريا تتجاوز مدى العلاقات الثُنائية إلى علاقات إقليمية مركّبة و متداخلة لا يمكن تفصيلها و تسويتها على قاعدة عامل واحد. و لذلك فأن تُستَل قضية الشرق دون سياق أوسع من الملفّات ليُظنُ من بعد أنّ العلاقات بين البلدين عادت إلى ما كانت عليه في شهر عسلها عند مطالع تسعينيات القرن الماضي، فذلك هو من نوع استخدام حبّة (بانادول) مكان جراحة لا بديل عنها!صحيح أنّ الحاجة في الخرطوم ضاغطة للحصول على تسوية لملف الشرق. و ربّما، بسبب ذلك، يستعجل بعض مسؤولي الملف الخارجي في الخرطوم حثّ أسمرا لتيسير تسوية هذا الملف. و دور أسمرا في تسوية ملف الشرق دورٌ غير منكُور، بل و لاغنى عنه. و لكن لأسمرا كذلك حاجة ضاغطة لتطبيع علاقاتها مع الخرطوم، لحسابات أمنية و سياسية و اقتصادية و استراتيجية أيضا. فسكوت أسمرا على أزمتها في فضائها السياسي الداخلي، و غضّها الطرف عن حالة التذمّر الداخلي المتمدّدة يوما بعد يوم، و خطابها المتحدّي للمجتمع الدولي في قضايا حقوق الإنسان و الحريّات الدينية و الديموقراطية، و اعتصامها، بلهجة حادّة، بنتائج التحكيم على الحدود مع أديس أبابا . . كلّ ذلك لا يُمكن أن تستخدمه أسمرا لنفي حرج وضعها الداخلي. و لذلك فهي ليست في غنى عن بلوغ درجة من الإنفراج عبر التفاهم مع الخرطوم.إنّ تجفيف منابع الأزمة في الشرق من شأنه أن ينعكس إيجابيا على الأوضاع في الداخل الإريتري. ففتح الحدود و تدفّق المنافع على جانبيها هو تنفيس ضروري للاختناقات الإريترية. و لكن التفكير في تسوية هذه حدودها لن يؤمّن التطبيع المطلوب، و لن ينهي دورة القطيعة بين البلدين. و الخرطوم لا ينبغي لها ألا ترى الإنعكاسات السلبية عليها جرّاء استمرار الأزمة السياسية في إريتريا. فمزيد من التأزّم السياسي الداخلي في إريتريا سيزيد من حاجة معارضي أسمرا للجوء إلى السُودان و العمل من داخل السُودان. و من شأن أيّة إجراءات أمنية على الحدود أن يزيد من معاناة مواطني إريتريا في الداخل. أمّا استمرار النزاع الأثيوبي الإريتري فمن شأنه أن يجعل تكييف الموقف السُوداني تجاه أيّ من العاصمتين، أديس أبابا و أسمرا، عملية بالغة العُسر و المشقّة. أكثر من ذلك فإنّ تجدّد حرب الحدود بين أديس أبابا و أسمرا، إن حدث، فسيجعل من السُودان هدفا عسكريا، إلى حدّ ما، و لو من باب كسب موقفه إلى هذا الجانب أو الآخر.و لكلّ ذلك فالخطوة التي تمثّلها زيارة الرئيس أساياس للخرطوم لجهة فتح ملفّات التسوية في إطار إقليمي أوسع هي خطوة مهمّة و جديرة بأن تُقابل بما تستحقه من تفاعل إيجابي. و لكن تبقى المُشكلة في تحديد المُشكلة. لتكن زيارة الرئيس أساياس بداية لتعريف المُشكلة في سياق قرن ـ إفريقي أوسع. و المنطلق في ذلك يتمثّل في أنّ الأزمات الثنائية بين دول المنطقة لا يمكن التعامل معها في إطارها الثُنائي فقط. هناك قواسم مشتركة بين مشكلات دُول الإقليم، و لا بدّ، لذلك، من نظرية مثشتركة للأمن و الاستقرار الإقليمي تعتمد هذا المدخل المتعدّد العوامل المتعدّد الأطراف {Multi-lateral}.أمّا الملفّات المُستعجلة فليس ثمة ناصحا ينصح بتأجيل طرحها و التعامل معها كقضايا ذات أولوية. و لكن يجب أن يتم التعامل معها بهذا الفهم بعد تحديد الإطار الأوسع للتسوية الذي يأخذ في الحساب الأزمات بين الدُول و الأزمات داخل الدُول في الوقت ذاته.دعونا نرى انطلاقة التفاهم بين أسمرا و الخرطوم معتنية بملفّي الشرق و الأزمة الإريترية في الداخل. و أن نراها تضع على جدول أعمالها النزاع الإثيوبي الإريتري. و أن لا يغفل جدول الأعمال عن الوضع في الصومال الذي يتشابك مع ملف ملف العلاقات بين الخرطوم و أديس أبابا و أسمرا، على نحوٍ ما.التحيّة للرئيس أساياس في الخرطوم. و الأمل باقٍ في أن تكون زيارته هذه بداية لتسوية نهائية لحالة عدم الاستقرار السياسي في القرن الإفريقي و بشكل نهائي.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى