اللاجئون بالسودان…الأيتام على موائد اللئام !!إبراهيم عبد الله محمد *
24-Oct-2009
المركز
فى منتصف القرن الماضى عندما أجازت الجمعية العامة للأمم المتحده ميثاق جنيف للاجئين لعام 1951م كان الهدف الأساسى هو حماية اللاجئين ومعالجة الوضع المأساوى الذى نتج عن الحرب العالمية الثانية ، المساعدات المادية التى تقدم الآن للاجئين أتت فى سياق التطور الذى نتج عن تطبيق هذا الميثاق لعدة عقود ولكن يظل جوهر قضية اللاجئين هو الحماية القانونية لأشخاص وجدوا أنفسهم خارج أوطانهم لظروف خارجه عن إرادتهم كالحروب وخلافه.
إلتزام الدول بحماية اللاجئين يختلف من دولة إلى أخرى وإذا أخذنا مثالاً من الواقع اليوم نجد أن نفس المجموعات التى يتم الترحيب بها على حدود السودان الشرقية يتم ترحيلها بالطائرات قسرا إلى أسمرا من بعض دول شمال أفريقيا وبعض الدول الأوربية التى تقع شمال البحر الأبيض المتوسط ، وذات المجموعات التى تعطى الأمان فى السودان يتم ضربها بالرصاص على الحدود فى بعض دول الجوار .قد نتفهم سلوك بعض الدول تجاه اللاجئين فهواجس الأمن تنتاب الكثيرين فى عالم اليوم وقد نجد لهذا السلوك مبرراً من الميثاق نفسه والذى ينص صراحة على أن التوقيع على هذا الميثاق لايمنع الدول الموقعة عليه من إتخاذ ما تراه مناسبا لحماية أمنها القومى وقد نتفهم أيضا كثيراً من الخروقات التى تحصل عندنا فى السودان نتيجة لجهل بعض الجهات وبعض الأفراد بمدلولات الميثاق ولكن يحق للسودان أن يفخر بأنه كدولة لم ينتهك فى يوم من الأيام حقوق اللاجئين وأى عاقل يستطيع التمييز بين العمل المنهجى المدروس وبين السلوك الفردى المعزول .ولكن العسير على الفهم هو أن يتم إنتهاك حقوق اللاجئين من جهات معنية أصلا برعايتهم وخلال السنوات القليلة الماضية ومن خلال سير برنامج اللاجئين بالسودان تم رصد كثير من حالات الإنتهاك من الاطراف المعنية اصلا بحماية ورعاية اللاجئين .أولا حقوق أى شخص تبنى على وضعه القانونى هل هو مواطن ؟مهاجر إقتصادى ؟لاجئ ؟ أم ( بدون ) ؟وقبل تحديد وضع الشخص القانونى لا يجوز الحديث عن اى حقوق أخرى سواء كانت حقوق مادية أو معنوية ، فى عام 2000 م قامت المفوضية السامية لشئون اللاجئين بإعلان تطبيق بند الإنقطاع على اللاجئين الإثيوبيين بالسودان وفى عام 2002 م قامت بذات الإجراء تجاه اللاجئين الاريتريين بالسودان ومع أن الدولة تحفظت فى وقتها على هذا الأمر ولكنها سايرت المفوضية السامية لشئون اللاجئين وتم تطبيق بند الإنقطاع بموجب موجهات المفوضية السامية لشئون اللاجئين والنتيجة الآن لدينا ألوف من الأثيوبيين بولاية القضارف وألوف الأريتريين بالمعسكرات لا يجزم أحد بالهوية التى يحملونها !! هل هم لاجئون أم أجانب بالسودان ؟وقبل تحديد الهوية لايجوز الحديث عن أى حقوق أخرى حاضرة أو مؤجلة ومن سخرية القدر تجد اليوم بولاية القضارف أثيوبى يحمل فى جيبه الأيمن بطاقة أجانب من إدارة الجوازات والهجرة والجنسية ويحمل فى جيبه الأيسر خطاباً من معتمدية اللاجئين يفيد بأن المذكور لاجئ بالسودان ويستغرب المرء لماذا يتم تجاهل هذا الوضع المعيب لعدة سنوات ولماذا تسمح السلطات بوضع كهذا على أراضيها وأى حديث عن حقوق اللاجئين قبل حسم موضوع الهوية هو حديث للإستهلاك لاغير.ثانيا أكثر عباره تتردد فى أدبيات المفوضية السامية لشئون اللاجئين هى (سلامة وكرامة اللاجئ ) ولكن السياسة الراهنة المنتهجة ناحية اللاجئين جعلت سلامة وكرامة اللاجئ ضربا من ضروب الخيال ، تقلص دعم المجتمع الدولى للاجئين حتى أصبح نصيب الفرد اللاجئ بالسودان لايتعدى سبعة دولارات فى السنة وسياسة الإعتماد على الذات التى تم تبنيها خلال السنوات الماضية لم تصاحبها مقومات تنموية وقادت لأوضاع مزرية جدا بالمعسكرات لايستطيع احد إنكارها وقد حطت هذه الاوضاع كثيرا من كرامة اللاجئين وإنسانيتهم وأصبحوا كالأيتام على موائد اللئام وبالمقابل قادت لتحديات أخرى فكثير من أبناء اللاجئين وفى سبيل البحث عن حياة أفضل وقعوا ضحايا لمافيا تهريب البشر التى تعدهم وتمنيهم بالفردوس المفقود عبر المتوسط وحوادث الموت غرقا بالبحار أو عطشا بالصحراء تروى كل يوم إضافة إلى أن هذا الوضع له تداعيات أخرى ظهرت على المستوى الإقليمى للسودان ولايستبعد ظهورها على المستوى الدولى فى القريب العاجل فقضية الهجرة غير الشرعية والإتجار بالبشر صارت اليوم من القضايا الملحه جدا وصارت تأخذ حيزا كبيرا من النقاش فى المؤتمرات الدولية .ثالثا فى إطار تطبيق بند الإنقطاع على اللاجئين الاريتريين بالسودان دفعت الجهات التى ترعى هذا البرنامج اللاجئين دفعا للعوده الطوعية فى وقت تتحدث فيه كثير من منظمات الأمم المتحده عن إنتهاك حقوق الإنسان فى إريتريا والنتيجه رجوع أعداد كبيره منهم للسودان فى إطار العوده العكسية هذه المره والخلاصة التى خرجنا بها من هذا الموضوع أن المفوضية السامية لشئون اللاجئين ورغم الشعار الإنسانى المرفوع كثيرا ما تجد نفسها أسيرة لأجندة المانحين وهذه الأسر يجعلها تغض الطرف عن الحقائق على أرض الواقع .رابعا عدة منظمات وطنية تعمل فى إطار هذا البرنامج بموجب إتفاقية ثلاثية طرفيها الأساسيين هما المفوضية السامية لشئون اللاجئين ومعتمدية اللاجئين ، هذه المنظمات تستخدم المئات من أبناء اللاجئين فى إطار الإتفاق الثلاثى المبرم ولسنين طويلة دون أن تقوم بالتأمين عليهم كما ينص قانون الضمان الإجتماعى على ذلك وكما تنص المواثيق الدولية وإتفاقيات منظمة العمل الدولية ، فى أحد المرات وفى إجتماع رسمى صرح أحد مندوبى هذه المنظمات قائلا بأننا نقوم بالتأمين على السودانيين العاملين معنا فقط !! وأقول كلمة للتأريخ لم يستفز هذا التصريح أيا من الجهات المعنية بحماية اللاجئين والتى كانت حاضرة تسمع وترى ولذا يصبح عسيرا على الفهم ان تنتهك حقوق اللاجئين من قبل ذوى القربى لهم . ختام القول هو أن الدولة هى المعنية بحماية اللاجئين لأنها صاحبة الأرض والسيادة ،الدولة معنية بحماية اللاجئين من أى إنتهاك يتعرضون له حتى إذا كان هذا الإنتهاك من قبل المنظمات الدولية نفسها وحفاظا على سجل السودان الطويل فى موضوع حماية وإيواء اللاجئين نأمل أن تقوم الدولة بمراجعة أوضاع اللاجئين الراهنة وهو أمر أصبح أكثر إلحاحا فى ظل الحكم الفدرالى والذى أعطى الولايات صلاحيات كبيره جعلها تتعامل مباشرة مع المنظمات الدولية مما اضعف كثيرا من دور معتمدية اللاجئين الرقابى فى هذا المجال . * معتمدية اللاجئينالمصدر : صحف سودانية