تاريخ الفرقة الفنية لقوات التحرير الشعبية. بقلم/ المناضل الفنان عبدلله عثمان اندول (عطية )
8-Sep-2019
عدوليس ـ ملبورن
بمناسبة عيد الثورة الإريترية يسر عدوليس نشر مقالات توثيقية عن تاريخ الفرقة الفنية لجبهة التحرير الإريترية ـ قوات التحرير الشعبية ـ بتدوين المناضل عبد الله اندول الذي رافق الفرقة من تاريخ تأسيسها فاعلا ومنفعلا ومتفاعلا. وإلقاء الضوء على هذا الجهد الفني النضالي يعني فيما يعني الحديث عن ذاكرة الشعب ووجدانة الجمعي . وقلما يلتفت الساسة الذين يكتبون مذكراتهم أوتاريخ الثورة الإريترية لعدد من الجوانب ومنها الدور الكبير الذي الذي فن الغناء والآداب بشكل عام.
هذه الحلقات نشرت بالأصل في عدد من صفحات الفيسبوك وبعد البحث والتدقيق تاكد لنا إنها بقلم المناضل عبد الله عثمان اندول الذي أشتهر في أواسط الفرقة بـ ( عطية ) وقد تم الإتصال به عن طريقة شقيقه الزميل طاهر المقيم بالولايات المتحدة الامريكية.
الحلقة الأولى
اشك أن التوثيق مسألة هامة جدا لحفظ التاريخ وحفظ أدوار الرجال والنساء اللذين وقفوا وراء تلك الإشراقات التي تخللت مسيرتنا الوطنية ، بشكل عام يمكن القول اننا نعاني جدا من ندرة التوثيق، وهو ما يقف وبشدة وراء عدم قراءة مسيرتنا بشكل نقدي، لتلافي السلبيات التي تصاحب البدايات، الفن في أرتريا يعاني من عدم التوثيق ، رغم الدور الكبير الذي لعبه الفن في تجربتنا الوطنية ، إذ ظل الفن وبخاصة فن الغناء الثوري ملازما للثورة منذ انطلاقتها، عبر عنها ونشر قيمها وانتصاراتها، وكان الأكثر التصاقا بحركة المجتمع ، لذلك رأيت أن اقتحم هذا المجهول اعتمادا على ما وعته الذاكرة ولربما ساقته الخاطرة، كما ارجو ان يكون هذا التوثيق مدخلا لأن يكتب كل من لعب دورا في التوثيق لكل مظاهر حياتنا، وهي دعوة لكل من يملك معلومة أو صور تاريخية لأن يثري هذه المحاولة التي لا ينقصها الإخلاص، فقد ابت نفسي الا ان أوثق لتجربة عشتها شخصيا ، وبناء على مناشدات رفقاء الدرب وزملاء النضال اللذين قدموا ارواحهم وصادق جهدهم ، منهم من سقط شهيدا في ساحات النضال ومنهم من تم تغييبهم في غياهب السجون عوضا عن تكربمهم والاحتفاء بهم ، بعد أن نشروا لسنوات طويلة قيم الجمال والحب والتراث الوطني.
البداية والتأسيس :
بدأت الفكرة فكرة تأسيس فرقة فنية وطنية في عام 1974 في مدينة القضارف وتحديدا في حي ” روينا ” ، كنا حينها ثلاث أصدقاء جمعنا حب الفن وارتباط وثيق بالثورة الارترية وبغعلها المتنامي وتضحيات شعبنا الأبي، الفنان الكبير ادريس محمد على وشخصي عبدالله عثمان اندول الشهير ب ” عطية “، والاخ همد محمد سعيد بهار ، كان وقتها الفنان الكبير ادريس محمد علي مشهورا ويشارك في حفلات فنية في القضارف في مناسبات مختلفة للسودانيين والارتريين ، ويتغنى بالعربية والتقرايت، وكان يجيد العزف على آلة العود ، بمشاركة عازفين سودانيين أكفاء من القضارف وكسلا.
بداية الفنان ادريس محمد علي، فك الله اسره وحفظه ، كانت في اواسط الستينيات في مدينة عطبرة بشمال السودان، حيث عاش فيها لسنوات وعرف منتدياتها وانديتها الفنية والثقافية، وتتلمذ فيها على يد الفنان السوداني الكبير الأستاذ حسن خليفة العطبراوي، وجوّد عزفه على آلة العود، ولا تثريب فقد كان العطبراوي رحمه الله من أمهر الفنانيين عزفا على آلة العود .
تميز الفنان الكبير ادريس محمد علي بصوت متميز وبأداء متفرد وبقدرة متناهية على إعطاء المفردة ابعادا تؤثر في السامع فضلا عن قدرته على التأليف والتلحين والتوزيع الموسيقي السليم، مما جعله وبحق رائدا من رواد الاغنية الوطنية والعاطفية خلال مسيرته الفنية الطويلة التي جسد فيها معاناة شعبنا الثائر وتغنى بانتصاراته ، وظل يحمل رؤية وطنية واضحة تتمحور في نشر قيم النضال ووحدة الشعب ورفض الطائفية والمناطقية والقبلية، وهي قيم ظل متمسكا بها ، فلم ينحرف عن نشر الجمال والتراث والتغني بالثورة وصمود الإنسان الارتري رغم كل المنعطفات التي مرت بها الثورة الارترية خلال مسيرتها الطويلة ، وحقيقة فإن تجربة الفنان ادريس محمد علي ومسيرته تحتاج إلى تخصيص حلقات خاصة لشرح وتوضيح دوره الفعال والوقوف على مفصليته وقيمته .
لفترة من الوقت، كنّا نقيم في حوش واحد ومعنا أفراد أسرنا صغيرهم وكبيرهم ، مما جعلنا نتعرف على بعضنا البعض بصورة لصيقة ، وكانت مدينة القضارف وقتها سندا كبيرا للثورة الارترية وكان انسانها كريما في تقبله لمطالب شعبنا في الحرية والاستقلال وإقامة الكيان الوطني، ففي قضروف أم سعد وُلدت فكرة تأسيس الفرقة الفنية وفيها نشئت ومنها إنطلقت الى فضاءات أوسع.
تداولنا فكرة تشكيل الفرقة الفنية وناقشناها كثيرا إلى ان إستقر رأينا على أهمية وضرورة تأسيس فرقة فنية بأمكانياتنا المتاحة، حيث أننا لم نكن نملك إلا عزيمتنا وإصرارنا كشباب لإنجاز هذا المشروع ، وآلة عود واحدة خاصة كُنتُ قد أشتريتها من الخرطوم وكانت بحوزتي لفترة من الوقت ، ولكن كان ينقصنا المال لتغطية المصروفات اللازمة لتأسيس الفرقة الفنية وتمويل نشاطاتها.
بعد نقاشات عميقة توصلنا الى ضرورة إقامة حفل فني يكون مدخلا لنا لتوفير بعض المال ، ولتعريف الجماهير بالفرقة الوليدة وتم تحديد حي دار السلام في القضارف ليكون بداية انطلاقنا حيث قمنا بطباعة تذاكر الحفل ومهرناها بخاتم تم صنعه من قشور البطاطس الداخلية.
إتسم الحفل بأهمية بالغة كونه يشكل نطقة إنطلاقة أولى للفرقة إضافة إلى كونه أول نشاط فنى يُحسب لقوات التحرير الشعبية في فترة تأريخية حساسة من عمر الثورة وصراعاتها الداخلية.ظهرت الفرقة في ذلك الحفل وفق التكوين التالي : 1 ادريس محمد علي فنان وعازف وملحن ومؤلف 2 عبدالله اندول ” عطية ” عازف وفنان 3 همد محمد سعيد بهار عازف وفنان 4 ادم محمد عمر عازف إيقاع ، إضافة لعازفين سودانيين على رأسهم عازف الاكورديون القدير الفنان محمد مصطفى، بدأ الحفل بشكل جيد وكان الحضور كبيرا وفريدا، وأثناء تقديم الحفل والترحيب بالحضور، حدث مالم يكن في الحسبان حيث تدخلت مجموعة من اعضاء جبهة تحرير أرتريا وقامت بشغب كبير وتخريب متعمد ، بحجة اننا ننتمي لقوات التحرير الشعبية أو الثورة المضادة كما كان يتم توصيف تنظيم قوات التحرير الشعبية وقتها، كان الصراع وقتها بين الجبهة وقوات التحرير حادا، وكان الناس وقتها لا يتقبلون بعضهم البعض فيما لو تباينت قناعاتهم السياسية، وهي مثلبة طبعت الصراع الارتري الداخلي ، ولانزال كمجتمع ندفع ثمنها الباهظ، عموما تم إفشال الحفل الذي كنا نعول عليه كثيرا في توفير بعض المال الذي يعيننا على تأسيس الفرقة الفنية، ولكن ورغم الحدث المؤسف الا اننا لم نستسلم ولم يتسلل اليأس إلى نفوسنا، بل ازددنا إصرارا في المضي قدما في تأسيس الفرقة ، قررنا ارسال وفد للقيادة السياسية في الميدان.
سافر وفد برئاسة الأخ الفنان الكبير ادريس محمد على الى الميدان وقابل القيادة وعرض عليهم الفكرة حيث رحبوا بها وابدوا استعدادهم لدعم الفرقة وتأسيسها وطلبوا من اعضاء الفرقة الالتحاق بالميدان وتأسيس الفرقة في داخل الأراضي الارترية المحررة، وتم دعم الفرقة ببعض المعينات والأدوات الموسيقية، كما طالبوا الفرقة التوجه مباشرة للميدان والالتحاق بمسيرة النضال التي تنتظم الساحة ، التزمنا بقرار القيادة وغادرنا القضارف مباشرة إلى بورتسودان ومنها إلى قرورة الحدودية ومنها إلى معسكر ” بليقات ” مقر قوات التحرير الشعبية الأشهر حينها، قوات التحرير الشعبية كان لها اتباع كثر في بورتسودان وقرورة، لذلك تم استقبال الفرقة الفنية استقبالا جماهيريا حاشدا ، انضم إلينا في بورتسودان الفنانة المناضلة سعدية محمد سعيد والفنان المناضل محمد موسى حسين والمناضل الممثل ادريس قبراي . الفنان الكبير ادريس محمد على كان وقتها عريسا وقد رافقتنا زوجته ام خالد من القضارف وحتى تخوم الميدان لتستقر الى حين في قرورة الحدودية غير بعيد من معسكرنا في بليقات ، كما رافقنا شقيق الفنان الكبير ادريس محمد على الاخ علي محمد علي إلى داخل الميدان ليعود بعدها إلى مقر إقامته في بورتسودان.
…….. يتبع