صباح الـخير يا أفورقــي :هذه هي خلفية العلاقات السودانية الإرتيرية من ناحية.. وعلاقات أفورقي بالإنقاذ من ناحية أخرى .. سيد أحمد خليفه
15-Jun-2006
الوطن
الوطن السودانية :14/6/2006م
كتب الصحفي الكبير اأستاذ سيد أحمد خليفه في صفحته المقروءة عن زيارة أفورقي للسودان تحت عنوان (واجب الضيافة حتّم أن يكون هــــذا الحديث بعد المغادرة..!هذه هي خلفية العلاقات السودانية الإرتيرية من ناحية.. وعلاقات أفورقي بالإنقاذ من ناحية أخرى) ونعيد نشر المقال تعميماً للفائدة
آثرت متعمداً ألا أكتب عن سيادة الرئيس الإرتيري إسياسي أفورقي والضيف موجود في البلاد، لأن إكرام الضيف واجب، ومن إكرام الضيف ذكر محاسنه، وإن كنت لا أجد للرئيس الإرتيري الذي زار وغادر محاسن تذكر في عدة إمور، منها علاقته بالسودان والسودانيين، وعلاقته بالعرب والمسلمين، وعلاقته في الأول والآخر بالشعب الإرتيري نفسه..؟!ولنبدأ (بالنفس التي هي أولى من الصاحب)، ونعني تحديداً علاقة أفورقي بالسودان منذ أن كان شاباً يانعاً يافعاً دخل البلاد متسللاً مع آخرين في ستينات القرن الماضي، حيث كان في طريقه إلى الصين مروراً بسوريا ليتلقى هناك دورة تدريبية عسكرية رتّبتها جبهة التحرير الإرتيري (الاأم) بدعم من سوريا والسودان ومصر وسائر الدول العربية التي كانت ترى في إرتيريا البُعد العربي والإسلامي، وتناصر القضية الإرتيرية، وتجتهد أن يصل ذلك الدعم لمبتغاه، وهو إستقلال إرتيريا، حتى لا نتخطى هذه النقطة المهمة في تاريخ العلاقات السودانية والعربية والإسلامية بإرتيريا، وبعد أن حددنا من هو الصديق في القضية الإرتيرية علينا أن نحدد للأمانة والتاريخ من هو العدو آنذاك..!لقد كانت الدول الغربية عامة وأمريكا خاصة، وإسرائيل على وجه الخصوص خط الدفاع الأول والأقوى دولياً وإقليمياً عن الإستعمار الأثيوبي لإرتيريا، والذي حاول ـ أي الإستعمار الأثيوبي الإمبراطوري ـ أن يتحول إلى إستعمار إستيطاني مُتّبعاً النهج الإسرائيلي في هذا الصدد..؟!أيضاً وحتى لا نتخطى هذه النقطة المهمة وبعد أن حددنا من هو الصديق التاريخي للشعب الإرتيري قبل الإستقلال، بل من هو الحليف الداعم لقضية إرتيريا وإستقلالها، لابد أن نشير إلى حدثٍ جلل وخطير بادر به (ضيف السودان السابق) أيام الشباب والتدريب والتأهيل والإختفاء من الإستعمار الأثيوبي ومخابراته ونعني تحديداً الرئيس الأثيوبي الحالي، إن ذلك الحدث هو أن إسياسي أفورقي وفور توليه الرئاسة في إرتيريا تصرف على نحو غريب عندما أدار ظهره لحلفائه القدامى في الإقليم والعالم، ويمّم وجهه صوب العاصمة الإسرائيلية (تل أبيب) وعندها ضجت الدنيا ودُهش حتى أصدقاء إسياسي أفورقي، قيل للناس قولاً منصحاً وهو أن الرئيس أفورقي ذهب لإسرائيل العدو القديم للقضية والشعب الإرتيري كي يتعالج من الملاريا، وإن سمعنا عن إسرائيل كل شئ قبيح إلا أننا لم نسمع بأنها تعرف مرضاً اسمه الملاريا..؟!كانت الخطوة الثانية والمدهشة بعد تولي الرئيس الإرتيري أفورقي للسلطة في إرتيريا التي قاتل شعبها نحو أربعة عقود من الزمن هي أن الرجل تنكّر بصورة أدهشت الناس أيضاً للدور السوداني عامة و(الإنقاذي خاصة) والإسلامي على وجه الخصوص عندما إنهار نظام منقستو هيلا مريم، ووافقت الدول الغربية على التغيير في أثيوبيا من الناحيتين الأثيوبية والإرتيرية الأمر الذي شكل تحولاً ضخماً في الرستراتيجية الأمريكية والغربية تجاه أثيوبيا كلها، فلطالما عارض الغرب قيام الدولة الإرتيرية وتجزئة أثيوبيا حيث كان لـ(الضرورة أحكام)، وهذه الأحكام إقتضت قيام دولتين إحداهما أثيوبيا، والثانية إرتيريا، ولكن كان الشرط السري الأهم هو أن تظل الدولتان تحت القبضة الأمريكية والغربية، وأن تضمن إريتريا بنظامها الحالي عدم عروبة البحر الأحمر، ذلك لأن للمرء أن يتصور حكماً وطنياً في إرتيريا صاحبة أطول ساحل على البحر الأحمر الذي تمتد عروبته من جدة في السعودية مروراً ببورتسودان فإرتيريا والصومال وجيبوتي واليمن، إن نظام أفورقي شكل العاذل الأساسي الذي قطع الطريق البحري أمام المد العربي والإسلامي، وجعل لإسرائيل وجوداً بحرياً ممتداً عبر السواحل الإرتيرية..!وهل قلنا إن السودان كان المهد والحضن الذي عاش في كنفه (المقاتل) إسياسي أفورقي عندما كان مقاتلاً، وقبل أن يصبح رئيساً، وهل قلنا إن كل الأحزاب السودانية والقوة النقابية وقفت مع الشعب الإرتيري وثورته، فأوت وعلّمت ودرّست، وعالجت، واحتضنت بأكبر قدر (من الإخوة والأبوة) ملايين الإرتيريين، وهل نضيف لهذا القول الحقيقي أن الحركة الإسلامية السودانية ممثلة في الجبهة الإسلامية القومية كان لها موقفاً مبدئياً مؤيداً للقضية الإرتيرية قبل أن تصل الحركة الإسلامية السودانية هذه للسلطة في يونيو 1989..؟!نعم إن الأمر كذلك، ولايمكن أن يجادل فيه أي إنسان، ويضاف إليه أن حكومة الإنقاذ من العام90 وحتى تدهور العلاقات كانت أكبر داعم، بل ومؤسس للدولة في إرتيريا وأثيوبيا أيضاً، وذلك ليس إنطلاقاً من خلفية العلاقات المذكورة وحسب، ولكن أيضاً لأن للسودان آنذاك مصلحة في ملاحقة الوجود (الجنوبي الإنفصالي) في أثيوبيا وفي إرتيريا التي كانت مرشحة لعلاقات مع جون قرنق بحكم العلاقة الآيديولوجية بين الأطراف الثلاثة وهي ـ أفورقي الماركسي، وملس زنّاوي الحليف الماركسي لأفورقي، وجون قرنق صاحب المنفستو الشيوعي في بداية حركته عام 1983م..!كان موقف الإنقاذ من النظامين الجديدين في أثيوبيا وإرتيريا موقفاً صحيحاً وسليماً وإستراتيجياً، وهو لم يقف عند الدعم المعنوي أو السياسي والإعلامي أو الأمني، بل كان مشاركة فعلية ومادية وبشرية في إرساء قواعد الحكم في أثيوبيا وإرتيريا عندما إنسحب في كل من أثيوبيا وإرتيريا الأداء الإداري لأن الجميع يعلم أن هذا الأداء في الدولة الأثيوبية كان أداء (أمهريين) في الغالب والأمهرة الذين فقدوا السلطة في أثيوبيا وإرتيريا وبما انهم الدولة كما أسلفنا فقد شكل السودان بديلاً متواضعاً وساهم لأشهر وربما لسنوات في ترتيب أوضاع البيتين الجديدين الحكوميين في إرتيريا وأثيوبيا..!وبالمقابل ماذا فعل النظام الإرتيري بقيادة أفورقي في رده على هذا الموقف السوداني النبيل…؟! طبعاً من الممكن أن يسألنا سائل ويقول لنا: ماذا فعلت أثيوبيا في علاقتها مع السودان على سبيل المقارنة؟!.. عندها سنقول للسائل إن أثيوبيا ولحد بعيد ظلت حتى يومنا هذا وفيّة وعاقلة ومتعقلة في علاقتها بالسودان، وإن مرت في سماء البلدين سحابة (حادثة محاولة الإعتداء على الزعيم العربي الكبير الرئيس حسني مبارك) فإن المعالجة التي تمت لإعادة العلاقات السودانية الأثيوبية لطبيعتها اجدت ونفعت، ولم تكن هنالك مشاكل بين الخرطوم وأديس أبابا، بل سلام ولقاءات متكررة من خلال مجموعة صنعاء التي تضم السودان واليمن وجيبوتي، والتي تصور أفورقي (أنها حلف ضده)في النصف الأول من التسعينات، ومن خلال أخطاء نعترف أنها متبادلة، بدأ التحول الدرماتيكي المثير في العلاقات السودانية الإرتيرية، حيث بلغ السوء مداه عندما تخلى إسياسي أفورقي عن كل منطق دبلوماسي ودولي واقتحمت قواته السفارة السودانية بأسمرا بحجة تسليمها للمعارضة السودانية، وتحويل الحدود السودانية الإرتيرية لمساحات من التوتر، والنزاعات، والإشتباكات، والقتال الدامي، حيث كان وما يزال من المدهش أن أفورقي يقول إنه يفعل ما يفعل مع الأحزاب السودانية المعارضة بأسمائها المختلفة، وكتلها المتحالفة بغرض إستعادة الديمقراطية في السودان؟!… إن فاقد الشئ لا يعطيه، وحكم الإنقاذ في السودان وبعد تدرجه الواضح نحو الحريات والديمقراطية وحقوق الإنسان لايشبه النظام الإرتيري في شئ، ففي إرتيريا ليس النظام هو نظام الحزب الواحد، بل نظام الرجل الواحد الذي يدير الحياة هناك، وهو إسياسي أفورقي آخر رموز الدكتاتورية في إفريقيا والعالم الثالث، أما لماذا السكوت عليه من دعاة حقوق الإنسان في إفريقيا والغرب والأمم المتحدة، فذلك أمر يرتبط بالمصالح العليا للدول، فالبديل لأفورقي وفي أي وقت من الأوقات هو الحركة الوطنية الإرتيرية بمختلف أحزابها وتياراتها وقواها التاريخية، وهي ليست قوة عميلة للغرب أو لأمريكا أو إسرائيل بالتحديد..؟!منذ يومين سألني مراسل قناة (الإخبارية)التلفزيونية عن مغزى زيارة أفورقي للسودان وماذا أتوقع لعلاقات البلدين السودان وإرتيريا..؟!ولقد قلت لمراسل القناة: إن مرونة أفورقي في علاقته مع السودان الأن ليست مؤشراً على عقلٍ أو تعقّل أو ردٍ لجميل السودان وشعبه بل هي ـ أي الزيارة ـ إستجابة لإشارة غربية أمريكية طلبت من أفورقي الهدنة مع الخرطوم حتى يكون المردود هو المزيد من التنازلات السودانية في مسألتي دارفور والجنوب، والمزيد من التعاون السوداني الحكومي في المجالات الأمنية عامة ومكافحة الإرهاب خاصة، إيضاً قلت (للإخبارية) إن أفورقي وبزيارته للخرطوم أراد أن يقول لنا ولغيرنا إن وصول حلفاءه السابقون في التجمع بالقيادتين الفاعليتين وهم الميرغني وورثاء جون قرنق يعني أن لأفورقي حلفاء داخل نظام الإنقاذ، أي أنه يتّجه نحو الرضاء على أوضاع السودان الداخلية، وهو لايدري أن التجمع الذي زار الكيان الحكومي الإتحادي والولائي التشريعي والتنفيذي سيلتفت يوماً ويبدي التأييد أو على الأقل القلق على أحوال وحقوق الإنسان الإرتيري تحت حكم إسياسي أفورقي، بل ماذا لوطلب التجمع السوداني العائد، وطلبت الأحزاب السودانية الأخرى من أفورقي أن يخفف من ضغوطه على الشعب الإرتيري، وأن يعمل على تخفيف تدفق النازحين من جبروته ودكتاتوريته صوب الحدود السودانية طلباً للرزق والأمان، حيث تقول الإحصاءات الدولية والإقليمية والسودانية إن عدد النازحين واللاجئين الإرتيريين في السودان تزايد في عهد أفورقي مقارنة بعهدي هيلاسيلاسي ومنقستو هيلا مريم، إن بيت القصيد، وخلاصة الأمر كما قلت لقناة (الإخبارية) وأقوله هنا إن زفورقي زار السودان إستجابة للإشارة والمؤشر الأمريكي والغربي، هذا أولاً. وثانياً: لأن الساحة الإرتيرية في أسمرا بدأت تنضب من المعارضين الأثيوبيين الذين شكلوا أوراق ضغط سابقة بيد أفورقي، وثالثاً: لأن افورقي وبحسه القهري الإستبدادي لاحظ أن ثمة إستجابة واسعة لنداءات ولمتحركات المعارضة الإرتيرية التي تجمّعت في السودان وغيره ضد نظامه، حيث أراد بزيارته هذه وضمن الأسباب المذكورة آنفاً أن يلاحق هذه المعارضة، ويحاول تحجيمها، بل وقد يتطاول أكثر ويطلب تسليمها له، أو على الأقل طردها من السودن..!إن التحسّن في العلاقات مع إرتيريا يكمل قبح النظام، وهو أمر يصب في مصلحة المرحلة والظرف السوداني الحالي، ولكن سيكون خطاً قاتلاً وخاصة إذا ما أقدمت الحكومة السودانية على أي قرار يمس المعارضة الإرتيرية ويحرمها من حق وحقوق التواجد والضيافة في السودان، لأن الحكومة إن فعلت ذلك قد تخاصمت مع المستقبل في إرتيريا، وتكون أيضاً ـ أي الحكومة ـ قد إرتكبت الخطأ الثاني في حياتها عندما إعتقدت يوماً أن أفورقي يصلح أن يكون حليفاً إستراتيجياً بعيد المدى في تحالفه مع نظام الإنقاذ..!