طبول الحرب في اسمرا : تحريك لمساعي الحل السلمي ام نوايا فعلية لخوض جولة جديدة من القتال مع اثيوبيا …بقلم : الأستاذ حسن أسد
30-Nov-2005
المركز
يبدو ان تداعيات النزاع الاريتري الاثيوبي وضعت ارادة المجتمع الدولي في مأزق حقيقي، حيث نلاحظ عجز مجلس الأمن الدولي عن تحديد آليات لتنفيذ قرار التحكيم الخاص بترسيم الحدود بين البلدين والذي قضى بتبعية منطقة بادمى المتنازع عليها لاريتريا. لقد مضى على صدور هذا القرار خمس سنوات لم يتمكن خلالها مجلس الأمن من تسوية النزاع الذي تسبب في حرب دامية حصدت ارواح اكثر من 80 الف إنسان وتشريد مئات الآلاف من الجانبين، وتكلف القوات الدولية المرابطة في الحدود بين البلدين مئات الملايين من الدولارات سنويا لحفظ سلام هش ومهدد بالاحتقان والتوتر المتزايد بينهما،
بينما تعاني الشعوب في البلدين كوارث المجاعة والامراض الفتاكة بالاضافة الى شبح الحرب الدائم. فهل يؤدي هذا الموقف الدولي العاجز الى اندلاع حرب أخرى بين اريتريا وإثيوبيا أم هناك إمكانية لتغليب صوت العقل من قبل طرفي النزاع وتجنيب الشعبين الاريتري والاثيوبي ويلات حرب جديدة تعمق الازمة وتخلق مزيدا من التعقيدات امام فرص السلام ليس بين البلدين فحسب بل في منطقة القرن الافريقي المضطربة اصلا باكثر من ازمة في اكثر من بلد من بلدانها ؟؟و لاستقراء افاق الحرب والسلام بين اريتريا واثيوبيا وانعكاساتهما على أمن واستقرار المنطقة لابد لنا ان نستعرض خلفية العلاقات بين النظامين الحاكمين في كل من اسمرا واديس ابابا، في محاولة لاستكشاف جذور الازمة التي أطلت برأسها دون مقدمات وبصورة غير متوقعة اقليميا ودوليا. من المعروف ان الجبهة الشعبية لتحرير اريتريا والجبهة الشعبية لتحرير تجراي ارتبطتا في مرحلة حرب التحرير بعلاقة استراتيجية حظيت برعاية ومباركة قوى دولية كانت قد حددت صورة المتغيرات السياسية المطلوبة في المنطقة (والمقصود هنا اريتريا واثيوبيا)، ووجدت في الخط السياسي المتناغم للحركتين توافقا مع استراتيجيتها في المنطقة. ومثلت تلك العلاقة الاستراتيجية في حينها صفقة بين طرفين متعاضدين لمواجهة خصوم اومنافسين محليين لكل منهما، وبمقتضى تلك الصفقة استدرجت الجبهة الشعبية لتحرير تجراي الى خوض معارك تمكين الجبهة الشعبية الاريترية من احكام قبضتها على الساحة الاريترية باقصاء فصائل جبهة التحرير الاريترية فاصبحت رهينة علاقة محورية مع تيار سياسي احادي النظرة والتوجه. وجاء استلام مقاليد الحكم في كل من اريتريا واثيوبيا بعد سقوط نظام منقستو الدكتاتوري، واريتريا خالية من قوى سياسية اخرى باستثتاء الجبهة الشعبية بينما اسفر الواقع السياسي في اثيوبيا عن تشكيل تحالف تيارات سياسية متعددة مثلت فيها الجبهة الشعبية لتحرير تجراي الفصيل المحوري الاساسي. ولم يتنبأ في بادئ الامر الطرفان الاريتري والاثيوبي وكذلك القوى الدولية التي رعت تحالفهما بامكانية بروز تصادم في الإرادات بين الطرفين فتم ترويج وتسويق تلك العلاقة باعتبارها نموذج لانبثاق عهد جديد من التكامل تحت قيادات تاريخية، الامر الذي قاد الى الاعتقاد بإمكانية اقامة دولة فدرالية تضم اثيوبيا واريتريا وتؤسس لكنفدرالية اوسع في القرن الافريقي. لقد كشف اندلاع الحرب الاريترية الاثيوبية عام 1998م التعارض الكامن بين التوجهات السياسية في اثيوبيا نحو التحول الديمقراطي الذي أسس له تحالف تيارات سياسية متعددة لإدارة دفة الحكم هناك وبين التوجهات السياسية الأخذة في التطور من دكتاتورية الحزب الواحد الى دكتاتورية فردية مطلقة في اريتريا. ليس هذا فحسب بل كشفت تلك الحرب بنتائجها المدمرة في اريتريا ضرورة اجراء اصلاحات سياسية تؤمن المؤسسية في ادارة الحكم وتمهد الطريق لبناء دولة مؤسسات والتحول الديمقراطي في اريتريا، حيث برز من صفوف الجبهة الشعبية تيار اصلاحي قاده نفر من الرموز التاريخية في الجبهة الشعبية الاريترية. وقد وجه رموز هذا التيار انتقادات صريحة وقوية لاداء رئيس النظام الاريتري وانفراده في اتخاذ القرار بعد تعطيل مؤسسات الحزب الحاكم والاستعاضة عنها بدائرة ضيقة من الموالين له. وكشف هذا التيار الأخطاء الاستراتيجية التي ارتكبها الرئيس في الدفع إلى الحرب وإدارتها وتفويت فرص الحل السلمي التي أتاحتها الجهود الدولية والاقليمية ليقبل لاحقا تسوية مهينة تحن وطأة الهزيمة العسكرية التي منيت بها اريتريا من جراء تلك السياسات. وفي ظل العالم انشغال باحداث الحادي عشر من سبتمبر عام 2001م وتداعياتها، انقض اسياس افورقي على رموز التيار الاصلاحي في الحزب الحاكم واودعهم رهن الإعتقال بتهمة الخيانة دون ان يقدموا الى محاكمة حتى الأن.هكذا تكشف لنا مسيرة العلاقة بين الجبهة الشعبية في اريتريا وحلفائها السابقين في اثيوبيا بان هناك تلازم بين السلام والتحول الديمقراطي يقابله تلازم بين التوجهات الدكتاتورية ومهددات الامن والاستقرار في هذه المنطقة.فقد اخطأت الجبهة الشعبية لتحرير تجراي وكذلك شركائها في التحالف الحاكم في رهن علاقة الشعبين الاريتري والاثيوبي بعلاقتهما المحورية مع الجبهة الشعبية الاريترية التي تقلصت بدورها الى ارادة اسياس افورقي، كما اخطأت القوى الدولية التى راهنت على معادلة مختلة في تأمين مصالحها، جاء ثمارها تهديدا لتلك المصالح والاستقرار في المنطقة. وإذا كانت إثيوبيا تجني اليوم ثمار مساهمتها في تمكين القبضة الدكتاتورية في اريتريا ، فان سر مأزق المجتمع الدولي حيال هذا النزاع يكمن ايضا في توهم قوى دولية نافذة بامكانية المزاوجة بين استقرار المنطقة الذي هو ضرورة اساسية لتأمين مصالحها الاستراتيجية، وبين النهج الدكتاتوري لافورقي وتطلعات الأباطرة لديه، فهذه القوى تحاول عبثاً كبح جماح التمرد لديه على ضوابطها الاستراتيجية ، من قبيل الانصياع لضرورة اجراء مساحيق ديمقراطية (وليس تحول ديمقراطي) والكف عن تخريب ما رعته وباركته من علاقات استراتيجية مع الحلفاء الاثيوبيين مع السماح له للعب خارج المساحة المرسومة.وفي خضم هذه التعقيدات الدولية والاقليمية المتداخلة يتم تعويم حل النزاع الاريتري الاثيوبي من قبل مجلس الأمن الدولي. وتبقى كل الاحتمالات مفتوحة اما حربا انتحارية يدفع اليها افورقي للظهور بصورة بطل راح ضحية دفاعه عن السيادة الوطنية او ربما تكون طبول الحرب التي تدق في اسمرا الأن عبارة عن قنابل دخان ينسحب نظام افورقي تحت غطائها الى خندق الحل التفاوضي الذي يحبذه المجتمع الدولي ويتطلع اليه الشعبين الاريتري والاثيوبي حقنا للدماء ورتقا للثقوب التي صنعها النزاع الدموي غير المبرر بعد المتغيرات الجذرية التي حدثت لصالح الشعبين بعد سقوط أخر اباطرة النزعة التوسعية في اثيوبيا منجستو هيلي ماريام.