مقالات

تراجيديا … يسمونها تجارة البشر : حمد كل *

17-Mar-2013

المركز

تجارة البشر هي كتجارة الرقيق او العبيد لكنها اخذت اسما عصريا فسموها تجارة البشر. الشعوب هي كالارض اذا لم تجد مظلة ممثلة في دولة تحميها تتعرى كما تتعرض الارض الى الجدب والجفاف والتصحر حين تغادرها السحب الممطرة.

ان المهانة التي لحقت بالشعب الارتري في زمان حكم (اسياس افورقي) لم يشهد مثيلا لها في زمن استعمار الطليان، الانجليز او الاثيوبين. اصبح الانسان الارتري رخيصا مهانا ، اصبح سلعة في يد السماسرة وعصابات الاتجار بالبشر ثم تدحرج به الامر فاصبح يذبح كالشاة لتباع اجزاء من جسمه ، ومخابرات اسياس وعسكره شريك في هذه الجريمة النكراء !.ما يثير استغرابنا تلك التصريحات والمقالات التي تتحدث وتتهم الرشايدة وبعض من الاجهزة الأمنية السودانية في كسلا وسماسرة اخرين منهم ارترين دون ان تتناول هذه التصريحات والمقالات من المتسبب الاصلي في هذه الجريمة ؟.ان تناول هذه الجريمة من جذورها والمتسبب فيها هو الذي يوصلنا للحقيقة، والسؤال من المتسبب في الاصل في هذه الماساة؟من اين جاءت هذه المشكلة بالدرجة الاولي:-1 ليست هناك دولة بالشكل المتعارف عليه دوليا في ارتريا، ليس هناك دستور، ليس هناك ديمقراطية، ليس هناك مؤسسات دولة، ليس هناك قانونا يحمي الانسان الارتري ويحفظ حقوقه، ليس هناك عدل ولا مساواة، هناك عصابة تتحكم في رقاب الناس .2 هناك نظام دكتاتوري قمعي كمم افواه الناس، والتهمت السجون كل من يشك في امره دون محاكمات منذ بدأ الاستقلال.3 حاكم ارتريا اطلق العنان لاجهزة المخابرات والأمن لتحصي انفاس الناس.4 ازمة اقتصادية طاحنة تجتاح البلاد واقفلت ابواب الارزاق أمام الانسان الارتري.5 خدمة وطنية إجبارية بلا زمن محدد ، يخدم فيها الشباب في المشاريع الوهمية للنظام دون أجر معلوم ، يضيع شبابه هدرا، وهي نوع من السخرة، وهي ايضا نوع مستتر بالشعارات لتجارة البشر.كل هذه الاسباب وغيرها جعلت من ارتريا بلدا طاردا ، وكان الهروب الجماعي ! .تجارة البشر او تجارة الرقيق قديمة كقدم تاريخها واحداثها. يحكي لنا الاجداد والاباء ان (الرشايدة) كانوا يختطفون الاطفال ويبعونهم في الدول العربية المجاورة، والأمهات قديما كن يحذرن اطفالهن من الرشايدة ، شهدت مدينة (اغردات) في نهايات الاربعينات وبداية الخمسينات عدد من الرجال جاؤا من تلك البلاد العربية يبحثون عن اصولهم وذويهم وربما حدث ذلك في مدن ارترية اخرى.في نهايات الاربعينات والخمسينات ايضا كان الرشايدة ينهبون الابل والابقار في منطقة بركة والقاش ويدخلون بها الي السودان ويتجهون بها عن طريق (درب الاربعين) لتباع في مصر، وكان الرشايدة يأتون وهم مسلحين، واثناء عملية النهب والسلب إما ان يقتلوا الرعاة الارتريين او يصيبونهم اصابات بالغة.مع اندلاع الثورة بقيادة جبهة التحرير الارترية خفت عملية النهب ، لكنهم وعلى غفلة بين فترات متباعدة كان يتم السلب والنهب الى ان جاء لا ادري ان كان ذلك في عام 1973 او 1974 حيث قام شباب من منطقة القاش وبركا واستولوا على ما يقدر باربعين ناقة من الرشايدة وتوغلوا بها داخل الاراضي الارترية الى منطقة ( شندشنا)، هذه العملية اصابة الرشايدة بنوع من الهلع وتجمع وجهائهم من اماكن متفرغة والتقوا بقيادة جبهة التحرير الارترية ، قيادة جبهة التحرير الارترية شرحت لهم تاريخ ابنائهم المخزي وطلبت منهم تعهدا بعدم الاعتداء ويقاف عمليات السلب والنهب، وبالفعل تعهدوا بذلك وعادت لهم جميع نياقهم.في فترات لاحقة وكلما سنحة لهم فرصة يعتدون على مستودعات اسلحة الثورة، كان ذلك يحدث بين فترة واخري.الرشايدة الذين عاشوا في ارتريا وخاصة في الشمال والشمال الشرقي من ارتريا لم يمارسوا أي عمل وطني يذكر ولم يلتحقوا بالثورة بل كانوا يطلقون عليها ( حكومة العجمان بيننا وبينهم الظلام)، انهم يعيشون في ارتريا كالغرباء، لكن الجبهة الشعبية لشئ لا نعرفه منحتهم القومية التاسعة وطبعت صورهم في العملة التي يسمونها (نقفة) .الرشايدة قبائل لا وطن لهم ، هم بدو رحل ينتقلون على رأس الحدود بين ارتريا والسودان ، هم مجتمع انعزالي لا يختلطون مع الشعوب التي يعيشون معها ، لكنهم في الفترات الاخيرة اصبحوا يتاجرون بالنوق مع دول الخليج ويشارك ابناءهم في سباقات الهجن بتلك الدول ، وبدأ وضعهم الاقتصادي يتحسن ، وبدا البعض منهم يستقر في المنطقة الجنوبية لمدينة كسلا واقاموا قريتين سموها ( مستورة) و ( منصورة).مع مجئ الاستقلال ارتبطوا بالجبهة الشعبية واصبحوا أداة من أدوات مخابراتها، مع احتضان حكومة الشعبية للمعارضة السودانية أسس الرشايدة تنظيما سموه بـ ( الأسود الحرة)، وسلحتهم حكومة الشعبية ولأنهم في الاصل من محترفي عمليات التهريب فقد استفادوا كثيرا ماديا ولان حكومة الشعبية مستفيدة من خدماتهم فقد سمحت لهم بتوريد البضائع من (دبى) عبر ميناء مصوع، وتخزين تلك البضائع في الحدود لتهرب الى داخل السودان، ومن السودان كانوا يهربون كل انواع المحروقات وغيرها في سوق اقاموه داخل مدينة تسنى.في فترة القتال مع اثيوبيا كلفوا بعدة مهام سرية وقتالية لدعم حكومة الشعبية، ومن اشهر العمليات التي قام بها تنظيم (الاسود الحرة) تفجير أنبوب البترول عدة مرات المتجه الى بورتسودان ،وأنجزوا مهمات سرية عديدة داخل الاراضي والمدن السودانية والتي من شأنها خدمة مخططات مخابرات الشعبية.مع اقامة منطقة العمليات العسكرية الحدودية التى كان يقودها العميد (تخلى منجوس) ارتبط به مهامهم وازدادت عمليات التهريب من وإلى السودان وذلك لتغطية نفقات عسكر منطقة العمليات العسكرية الحدودية وأجهزة المخابرات والأمن في المنطقة ، بالإضافة الى انهم بالتنسيق مع المخابرات الارترية كانوا يختطفون كل من كان مطلوبا وهاربا من داخل الاراضي السودانية.كيف بدأت تجارة البشر ؟بداية يمكن القول ان تستخدم بشرا لسنين طويلة تحت بند الخدمة الوطنية دون أجر يعتبر نوعا من انواع السخرة ، ويندرج في بند تجارة البشر ،اى شاب ارتري هرب من الخدمة الوطنية كانت حكومة الشعبية تلزم اسرته بدفع خمسين الف نقفة .قبل الحرب مع اثيوبيا وبعدها اشتدت محاصرة الشباب ومنعهم من السفر بل وصل الامر ان اى طفل تجاوز عمره خمس سنوات كان يمنع من السفر مع ذويه ، وهنا ظهر شئ كان في البدء سريا ، فكل من يحاول ان يهرب ابنه ، اخاه ، شقيقته او قريبه كان يدفع لبعض الضباط مبلغ 4 الف دولار امريكي تسلم نقدا ويتم تسفيره ويصل سالما الى ( كسلا)ومع حالة العزلة الدولية والأزمات الاقتصادية التي يعاني منها النظام الارتري ، وعجزه من ايقاف عمليات الهروب التي تتم بشكل كبير ، وحاجت لتغطية نفقات جيشه ومخابراته وأمنه اكتشف النظام ان عملية ابتزاز الهارب او اللاجئ في السودان تدر مبالغ طائلة ، فتم ايعاز المخابرات والأمن وعلى رأسهم منطقة العمليات العسكرية الحدودية بقيادة العميد تخلى منجوس وبالتنسيق مع الرشايدة ممارسة هذا الابتزاز ، لكننا يمكن القول قبل هذا القرار ومنذ تعيين العميد تخلى منجوس قائدا لتلك القوات يقال ان هذا الرجل جنى مبالغ طائلة بصورة شخصية بالمناصفة مع الرشايدة.في مرحلة لاحقة وجدنا ان الارتري او الارترية الذين وصلوا سالمين الى معسكرات اللاجئين يتم اختطافهم بواسطة اجهزة الأمن الارترية بارشاد من الرشايدة وبالتالي تحولت قريتي ( مستورة) و (منصورة) وكرا لسجن اللاجئ ولن يخرج منها ألا اذا دفعت اسرته في داخل ارتريا او من الخارج فدية تقدر ب 10 الف دولار وإلا يتم اعادته الى ارتريا ليواجه قدره.وجاءت اغراءات اخرى حيث يطلب من اللاجئ مبلغا لإيصاله الى (سيناء) ومنها للدخول الى (اسرائيل) ويسلم هذا اللاجئ لعصابات اخرى في سيناء لتطلب منه ايضا مبالغ اخرى لإدخاله الى اسرائيل واذا لم يدفع فان الموت مصيره.ولان هذه العمليات توسعت وأصبحت تدر مبالغ ضخمة ، ولان ايضا المخابرات الارترية حتى لا تظهر بصماتها بصورة مكشوفة ويكون ضدها مستمسك شكلت عصابات منظمة وسماسرة بكسلا وفي الخرطوم في حي الجريف والسويد وسيناء بالتنسيق مع الرشايدة ، ثم تطور الامر الى شئ اخطر حيث بدأت التجارة بأجزاء من البشر شارك في هذه الجريمة المنظمة بعض من الاطباء ، ليذبح اللاجئ وتباع اجزاءه البشرية .ان معانات اللاجئ الارتري لا تستطيع هذه المقالة ان تسردها بشكل تفصيلي ولا تحصر اللجؤ في السودان فقط لكننا يمكن ان نتناول جزء من معانات اللاجئ وهو هارب بالقوارب في عرض البحر الاحمر . كم هم الذين انقلبت بهم القوارب المشحون بالبشر اكثر من طاقتها فإلتهمتهم الاسماك ، كم لاجئ مات في الصحراء وهو متجه إلى ليبيا ، كم لاجئ مات في عرض البحر الابيض المتوسط وهو يبحر من ليبيا الى سواحل ايطاليا ، كم لاجئ مات وهو مكدس في ( الكونتينرات) وهو متجه الى بعض البلدان الاوربية من فرنسا ؟.يبدو ان عام 2013 بدأ يصحو فيه ضمير العالم وان جاء متأخرا تجاه مأسات الانسان الارتري او اللاجئ الارتري ، ولان عملية اختطاف الانسان الارتري تجاوزتها العصابات فبدأت تختطف حتى من ابناء السودان.ففي السودان هناك اعترافات قضائية لأحد متهمي الاتجار بالبشر وتورط افراد من القوات النظامية السودانية ، وبدأ السودان يتجه لاستخدام نيابة متخصصة لجرائم الاتجار بالبشر كما عقدت بمدينة كسلا يوم 10 مارس 2013 ورشة عمل للمطالبة بتامين معسكرات اللاجئين صاحب ذلك احتجاج وجهاء القبائل بنفس المدينة ، وكشف البرلمان السوداني عن اتجاه لإيداع مشروع قانون لمكافحة الاتجار بالبشر بمبادرة من جهاز شئون المقتربين للحد من ظاهرة تفشى الاتجار بالبشر ، والسفارة الامريكية بالخرطوم تستفسر البرلمان السوداني حول الاتجار بالبشر ، والسفير البريطاني بالخرطوم يزور معسكر (الشجراب) *.كما لاحظنا تفاعل المجتمع الدولي وجمعيات حقوق الانسان الارترية بهذا الموضوع كما ان قناة الحوار خصصت حلقتين لهذا الغرض.والسؤال هنا من هو المتسبب الاول في هذه المأساة الانسانية ؟ان الدول المجاورة قد تعتقل عصابات الاتجار بالبشر وتحاكمهم لكن المجتمع الدولي مطالب بمحاكمة رأس النظام الارتري في محكمة دولية لأنه المتسبب الاول والأساسي لهذه الجرائم التي وقعت على الانسان الارتري.ان التبرير الذي قدمه حاكم ارتريا تجاه مسألة تجارة البشر لا تبرأه ولا تعفيه من الجريمة هو وأجهزة مخابراته ومعهم ذاك المجرم القاتل العميد تخلي منجوس.ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ*راجع موقع عدوليس على الرابط :http://adoulis.com/details.php?rsnType=1&id=3510http://adoulis.com/details.php?rsnType=1&id=350717 مارس 2013م

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى