مقالات

إريتريا من الاستعمار إلى الاستبداد: هل من ولادة ثانية؟ (2من 2) بقلم / عبدالقادر محمد علي

19-Jul-2018

عدوليس عن موقع إضاءات

يمكننا القول إن الدمج في مرحلته هذه كان في الآن نفسه هدفًا إثيوبيًا، وخطوة مرفوضة من قطاع عريض من الإريتريين لأنه يتضمن الانضواء تحت نظام الحكم الإمبراطوري الأوتوقراطي الإقطاعي في إثيوبيا، والذي كان من المحال أن يقبل بوجود نظام ديمقراطي برلماني دستوري داخل إريتريا؛ لما سيشكله من نموذج ملهم لبقية القوميات الإثيوبية التي كانت تُحكم بالحديد والنار، في دولة كان يعتبر الدستور فيها هبة من الإمبراطور لشعبه!وهكذا كان فرار الإريتريين من الاستبداد وراء الحركة الاستقلالية قبل القرار الفيدرالي، ووراء ظهورها من جديد مع تنصل النظام الإثيوبي منه.

حرب التحرير: الفرصة الأولى
في سياق عالمي كان يضج بحركات التحرر من دول الاستعمار القديم، متأثرةً بالفكر الاشتراكي عمومًا، ومستفيدةً من ظروف الحرب الباردة بين المعسكرين الغربي والشرقي، ولدت حركة التحرر الإريترية التي انتقلت إلى العمل المسلح في مواجهة الاحتلال الإثيوبي، في مطلع سبتمبر/ أيلول 1961م، واستمرت هذه الملحمة 30 عامًا (1961 -1991). وكانت هذه التجربة نقلة نوعية كبرى في العمل النضالي، وفرصة ثمينة لتكوين المشروع القادر على تحقيق الوحدة الوطنية لأول مرة للإريتريين.
ورغم نجاح تنظيمات الكفاح المسلح في وضع مشروع وطني يتمحور حول الحرية، فإن ذيول صراعات الأربعينيات والانتماءات المحلية سرعان ما ضربت تلك الحركة في عقدها الأول؛ صحيح أنها لم تقتلها لكنها أيضًا لم تقوها، بل زادت عوامل التشرذم التي ذكتها الطموحات الشخصية والانتماءات الفكرية الجديدة، والتي أفرزت عددًا من التنظيمات المتناحرة، كان أكثرها قدرة على البقاء الجبهة الشعبية لتحرير إريتريا (التنظيم الحاكم اليوم)، والذي يعدُّ نتاجًا فكريًا لهوة عدم الثقة التي خلفتها مرحلة تقرير المصير في العلاقات بين مسلمي البلاد ومسيحييها.
إريتريا المستقلة: الفرصة الثانية:
ثم كانت الدولة الإريترية المستقلة في العام 1993م الفرصة الثمينة الثانية لتشكيل هوية وطنية جامعة، لكن وبعكس الحكمة القائلة: «إن عقارب الساعة لا تدور إلى الوراء»؛ فإن عقارب ساعة إريتريا كانت تفعل ذلك! حيث كان سبتمبر/ أيلول 2001 إيذانًا بعودة البلاد 39 عامًا إلى الوراء، إلى عهد الإمبراطور الإثيوبي «هيلاسلاسي».
ورغم اختلاف المظهر بين الإمبراطور المتوج، والرئيس «أسياس أفورقي» غير المتوج، فإن الجوهر واحد، حيث تعيش إريتريا منذ ذلك الحين في ظل أحد أسوأ الأنظمة الدكتاتورية في العالم، فلا برلمان ولا دستور، ولا أحزاب ولا إعلام مستقل ولا نقابات، والبلاد تدار بحكومة «مؤقتة منذ 1991.
ما الذي تبقى إذن؟:
اليوم، وبعد 16 عامًا من استئثار الرئيس «أسياس أفورقي» وأنصاره بالسلطة، وبعد التطورات الإيجابية في العلاقة مع إثيوبيا «آبي أحمد»، ينظر الإريتريون بتفاؤل يمزجه القلق إلى المستقبل في ظل عجز القوى المحلية ورفض القوى الدولية التأثير على مسارات السلطة في البلاد.
فمعسكر المعارضة السياسية تتوزعه مشاريعُ متخالفة، ترسم في المحصلة الأخيرة نجاح النظام في تقسيم الإريتريين وإدخالهم في حالة من التوهان السياسي، من خلال سياسة استبدادية طائفية شوفينية إقصائية تعمل على نهش فكرة التعايش الوطني، فضلًا عن تشكيل هوية وطنية واحدة. فاستمرار النظام في سياسته القمعية هو الخيار المقلق لكنه الأقرب، ومن جهة أخرى فالحرب الأهلية بعد وفاة الرئيس أو انهيار النظام احتمال مقلق آخر تمهد له سياسات التهجير والتلاعب الديمغرافي المتبعة اليوم.
بجانب هذين هناك خيار آخر أكثر معقولية وأقل تكلفة؛ خيار توافق الإريتريين على عقد اجتماعي وسياسي جديد يقوم على فكرة المواطنة بغض النظر عن الأصل أو الدين، وعلى الديمقراطية كآلية لإدارة العملية السياسية في البلاد، ومواجهة النظام المستبد بهذا المشروع، وزيادة وعي الجماهير الإريترية لتتبناه كخيارها المستقبلي الوحيد.. ربما يكون هذا الخيار ولادة صعبة في مجتمع ما تزال النزعات القبلية والإقليمية والدينية قوية فيه، لكنه سيكون على كل حال الولادة الصحية والطبيعية لإريتريا الدولة والمجتمع.
https://www.ida2at.com/eritrea-from-colonialism-to-tyranny/

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى