مثــال نـادر: بقلم الشيخ محمد جمعه
18-May-2005
محمد جمعه
كم هو مثير وجميل أن تعيش مع انسان مميّز عن غيره وما أحلي الميزات الحسنة إن كانت في خلق رفيع يناطح الجبال ، فقد تسمع عن سيرة رجال قد إصطفاهم الله مثل الأنبياء رضوان الله عليهم وتولي حفظهم ورعايتهم فتقول هولاء من صنع الله جل وعلا ( واصطنعتك لنفسي) (ولتصنع علي عيني) وقد تطالع سيرة الحواريّين وأتباع الرسل فتقول هؤلاء تربو علي أيديالمرسلين ، فتعطي نفسك حجة لعدم النهوض في أعقابهم والسير علي ركابهم والاقتباس من هديهم ، لكن قد نقطع علي أنفسنا قيود التراخي إن كان النموذج والمثال قريبا معاصرا ،
إنه رجل قليل الطعام متواضع الثياب طويل القامة بشوش الوجه ورع زاهد إمتلئت جوانحه حياءاوإيهابه علما قليل الكلام شديد الاءنصات تحدثه فيستمع إليك باءهتمام شديد وكأنه تلميذ طيّع بين يدي معلّمه بينما هو يعلم ماتحدثه فيه ربما قبل أن تولد ، عشت في حياتي مع كثير من الناس الفضلاء ، علماء ومربين ومفكرين وفلاسفة وصحفيين وسياسيين وتتلمذت عليهم ونهلت منهم ، ولكني لم أستفد منهم عمليا كما استفدت من هذا الرجل المثال النادر ، كان يسكن في بيت قديم جدا في أحد الأحياء القديمة عندما قدمت ضيفا عليهم ، ولم يكن في تلك اللحظة موجودا في البيت ، وقد إستقبلني اصدقاءه خير إستقبال ، وعنما جاء في الليل يبدو أنه تفقد الحضور فرآني اغطّ في نوم عميق من تعب السفر ،وقد أحس أني ملتو ربما من إحساسي بالبرد فما كان منه إلاّ أن غطاني بغطائه الوحيد ، وعندما قمنا في الصباح من أجل التحيةعليه وجدناه في السرير من غير غطاء ، وكان الجوّ باردا جدا، فكان هذا الدّرس من أول يوم حتي قبل أن نتكلم ، وقد عشت معه بعد ذالك أحلي أيام العمر وقد رأيت منه مالم أره عند أحد من المعاصرين ، بل لقد رأيت منه سلوكا وأخلاقا لم أقرء عنها إلا في صفحات الكتب في أيام سلفنا الصالح ، فاءنّه بقية تلك النّماذج العجيبة والأمثلة النادرة ،هذا الرجل النّادر كان لايبيت في جيبه شيئ تجده اذاخرج ومعه شيئ من المال فاءنّه لايعود به أيدا وكلّ من يعرفه يعرف كيف أنّ حذائه الممزّق كان ينتقل به من دار الي دار حيث لايملك تذكرة المواصلاة العامّة ، عرضت عليه المناصب في كلّ مكان وطلبت منه الهجرة الي المنافي او العمل في بلاد الخليج .ولكنّه رفض وقرر العودة الي بلاده التي ظلّ يحلم بها والتي كرّس حياته من أجلها ،وعندما وصل الي البلاد أرسل إلينا الرسائل قائلا ( ارجعوا إليها فالأرض ظمئ لدفقة حب لصدق المشاعر لاءعمال العقل ورصّ السواعد ) ولكنّهم لم يمهلوه طويلا فما هو الآّ أسبوع واحد وغيّبوه عن الوجود ، أعتقد جازما أنّه كان يعلم أنّ البلاد مقبله علي فترة صعبة وحرجة لايليق بأبنائها الهروب وكان يعلم أنّ السجون قد ضمّت من قبله أفضل وأنقي وأطهر أبناء الوطن الجريح ولكن رفض أن يكون أنانيا وآثر مشاركتهم المحنة ، يا له من رجل لم أري مثله في الرجال ، أين خبّئوك؟ أين غيّبوك؟ هل قتلوك؟ أم شنقوك؟ إن قيّدوا يدك أوجلدو ظهرك فقد جلد وقيد الأخيار قبلك وان قتلوك فقد أحيوك إلا أنّ محبيك مازالت حناجرهم تلهج لك بالدعاء أن يخلصك الله واخوانك المساجين من أصحاب الرأي والفكر والعلماء والدعاة والمناضليين والمجاهدين أن يخلّصكم من قبضة الظلمه، فلابدّ لليل ان ينجلي ولابدّ للقيد أن ينكسر معلمي ومعلم الأجال أنت حبيب تربّع في الفؤاد واعتلي قلعة الوجدان ذالم الرجل ال1ي لو حدّثتكم عنصفاته لما كفاني سفر من الأسفار انّه من العلماء الربّانيين القلائل في بلدنا( نحسبه كذلك والله حسيبه )ذالك الشيخ الوقور عالم اللغة وبحر الحكمة شديد العاطفة أب الجميع وأخ الجميع وصديق الجميع لم اري علما من العلماء مثل تواضعه وأدبه ، كنت ألحّ عليه كثيرا حتي يحصل علي درجة الدكتوراة فكان يقول وهو يتبسّم حتي يقال الدكتور /محمد عمر نعم أنت دكتور وأعلي رتبة ويكفيك فخرا الأجيال التي ربيتها وعلمتها ، وأرجو أن لا أكون قد أجّجت مشاعر اخواني الأحباب الذين تتلمذو علي يديه، اللهمّ فرّج عنه وعلي اخوانه .ابدا مانسيناكم فقد رسخت في القلب منكم مودة كما رسخت في الراحتين الأصابع _________