24-May-2017
عدوليس ـ ملبورن
من حقنا ان نحتفل ونفتخر بالتضحيات العظيمة التى بذلها شعبنا رخيصة لاسترداد حقوقه المشروعة فى الحرية والكرامة مهما كانت خيبة املنا، ومرارة واقعنا البائس‘ بفعل سياسات الطغمة الحاكمة فى اسمرا التى اهدرت احلامنا وتطلعاتنا المشروعة فى وطن امن ومستقر. صحيح ان بؤس الواقع‘ وقسوة المعاناة‘ يضفى قتامة لايمكن انكارها على المشهد السياسى الارترى فى ضفتى الحكم والمعارضة ونحن نحتفل باعياد التحرير والاستقلال باضاءة الشمعة السادسة والعشرون لهذا
الحدث الذى نفخر به كغيرنا من شعوب الارض‘ بل نزعم –وبحق- ان مغزاه عندنا اكثر جلالا‘ ووقارا‘ مما عند غيرنا‘ بسبب الثمن الباهظ المدفوع من اجله‘ وعظيم التحديات الماثلة والمتربصة لاهداره‘ وقتل الفرحة به.
ولكن الصحيح ايضا ان الحرية فى حد ذاتها تستحق التضحية والعطاء الغير محدود فى سبيل تحقيقها‘ والحفاظ عليها‘ وهذا هو المعنى الذى يجعل الاحتفاء بها ذات دلالة ومعنى فى حياتنا نحن الارترين رغم قساوة الواقع, واحلامنا المجهضة.
امتطى النظام جواد احلامنا‘ وهستيريا الفرحة التى غمرتنا يوم رقصنا بكل مشاعرنا واجسادنا – التى انهكها الزمن- ليعفى نفسه او ليدارى مشروعه ونزواته للاستيلاء على مقدرات وطن‘ واحلام شعب دفع ثمنا باهظا من خيرة بناته وابناءه ليستعيد كرامته وحريته‘ وسيادته على ارضه وبحره. الا ان مايدعو للحزن والاسى هو لم يعد ذلك البحر الذى كنا نحسبه مصدر امننا الغذائى‘ ومفخرة وجودنا فى قلب العالم وشراينه النابضة تواصلا وتبادلا للمنافع‘ لم يعد طوع ارادتنا‘ ورمزا لسيادتنا‘ بل اصبح كغيره‘ مصدرا لتعاستنا‘ واستباحة دمنا‘ ليس فقط ممن دأبو على استعراض عضلاتهم وجبروت اساطيلهم فقط‘ بل اصبحت اجساد اطفالنا‘ وقوارب صيدنا‘ ساحة تدريب للمغامرين الجدد الذين يبحوث عن مجد وعظمة فشلو على تحقيقها فى معركتهم الرئيسية كما زعموا.
صدقنا حكامنا الذين وعدونا ان مدننا ستضاهى مدنهم بل سستتجاوز ما ظلوا يتفاخرون به على غيرهم -وهذا من حقهم طبعا- وعندما فشلو فى الوفاء بوعودهم التى لم تكن اكثر من خديعة لسرقة احلامنا، وقوت اطفالنا، استأجروا لهم ارضنا وبحرنا، واجساد شعبنا، لتكون لهم ساحة تدريب ومغامرة.
ثمة قضية سجلت فيها الحكومة -عبر عمرها الذى امتد لعقدين ونصف- (انجازا) ! معتبرا وملموسا على ارض الواقع، لا نستطيع تجاهله، او التغاضى عنه، يتعلق بتوظيف سلطتها لتعميق مشاعر الانكفاء والعزل لاضعاف ديناميكيات التفاعل الايجابى بين مكونات المجتمع الارترى الذى عرف عنه تطوير تقاليد واعراف اجتماعية تستوعب هذا التنوع، وتضخ فى مفاصله قيم التسامح والتواصل الذى تزدان به حياته امنا واستقرارا. وقد ساهمت فى ذلك سياسة الاقصاء والتهميش فى كافة مستويات الحياة العامة مقرونة بالقهروالبطش الذى يمثل نمطا سياسيا، ونهجا اداريا، يتم ممارسته برعاية كاملة من السلطة وادواتها. هذه التجربة البائسة لم تنتج الا واقعا سياسيا مشوها، لايبرز من مؤسسات الدولة الا ادواتها القمعية التى ما حققت للدولة سيادة، ولا للشعب حرية ولا كرامة، ليتم اختزال وظيفتها فى الدفاع عن الكبرياء المزعوم للقائد “الملهم” الذى لم تعد له معجزة غير التوارى عن الانظار، والامعان فى ممارسة التخفى لاضفاء هالة من قداسة الاختفاء على طريقة رجال الدين المنقطعين للعبادة فى الاديرة. ذلك ان زمن المعجزات انتهى وولى بختم الرسالات السماوية وما فعله الانسان بعد ذلك كان فعل ارادة الشعوب فى لحظة تاريخية تكتشف الشعوب فيها قدرها ومسؤلياتها، وقوة ارادتها وتضحياتها التى يتحدد بها موقعها فى المسرح الاقليمى والدولى.
