نيازك في سماواتنا
النيزك الذي لا يشبهه في وفائه أحدٌ
بقلم/ حامد ضرار احمد
ما يميز نيزكنا اليوم وما يجعله استثنائيًا هو فرادته في كل شيء. فهو من ناحية ورغم اقترابه من تخوم العقد التاسع من عمره، فهو ما زال منخرطًا في خدمة شعبه وقضيته لستين عامًا دون توقف كما ولو كان في بداية العشرينات من عمره.
خَبُرَ في ظل الثورة والدولة قارات العالم وتخصص في آسيا وإفريقيا، حيث عمل في عدة دول منها سوريا ومصر والعراق في الشرق الأوسط والسودان والصومال ويوغندا وتنزانيا في إفريقيا في عهد الثورة. والفلبين وسنغافورة وتايلاند واليابان والصين في الشرق الأقصى سفيرًا لإرتريا في زمن الدولة.
على ضوء بطاقة هويته وملفه الشخصي في وزارة الشؤون الخارجية الإرترية:
الاسم: محمد نور أحمد
المهنة: وزارة الشؤون الخارجية الإرترية (دبلوماسي)
مكان وتاريخ الميلاد: أردَّا، باب جنغرين في إقليم عنسبا- إرتريا
المؤهلات الدراسية:
بكالوريوس علوم سياسية جامعة بغداد كلية الإقتصاد
الشهادة الثانوية: القاهرة جمهورية مصر العربية
المرحلة الإعدادية وفصلان من الثانوية: كرن، إرتريا
المرحلة الأولية: علي قدر، إرتريا.
النشاط السياسي والنضالي:
1962 حركة تحرير إرتريا ومن ثم الإلتحاق بجبهة التحرير الإرترية والتي لم تكن حينها قد أكملت عيد ميلادها الثاني بعد؛
1964 كلف للعمل كادرًا متفرغًا في السودان الذي كان الأجواء الديمقراطية تسوده أثر الثورة الشعبية التي حدثت فيه.
1970 تم استدعاؤه إل داخل “الميدان” حيث عيّن، من قبل المجلس الأعلى عضوًا في اللجنة التحضيرية للمؤتمر الوطني الأول للجبهة والذي تم انتخابه فيه عضوًا في اللجنة التنفيذية مسؤولًا عن مكتب الكادر.
بعد خروج الجبهة من الساحة الإرترية عام 1982 نتيجة الحرب مع الجبهة الشعبية وتشرذمها، أصبح عضوًا قياديًا في تنظيم المجلس الثوري مسؤولًا عن مكتب العلاقات الخارجية.
في صيف عام 2002 انشق عن الحكومة الإرترية وترك وظيفته الدبلوماسية سفيرًا لبلاده في الصين والعيش في أستراليا لإعتراضه على تجميد الحكومة للدستور المجاز في عام 1997 وإعتقال المجموعة القيادية التي طالبت بتفعيل ذلك الدستور وإجراء إصلاحات سياسية.
كما يقول العامة عندنا: “إن سمعة الإنسان وصورته الإيجابية تسبقه على الدوام”، انتشر خبر وصول محمد نور أحمد إلى العاصمة أسمرا، ليس على متن طائرة أو حتى سيارة خاصة، كما هو حال الكثيرين، بل حضر مع القادمين العاديين من الشباب والأسر الواصلين من السودان لزيارة إرتريا ابتهاجًا بتحريرها، لم يدرك أو يتبين ولا واحدٌ من الركاب أنَّ مناضلًا بحجم كبير يشاركهم شظى الشمس والرياح والأغبرة التي تلفح الوجوه. كأمر عادي مألوف، فقد شوهد عند نقطة الانطلاق في كسلا وهو ينزل إلى بطن أحدى اللواري المزدحمة المتجهة إلى إرتريا من الخلف وبمعيته “خرطاية” وضع فيها بعضًا من الكتب وأغراض شخصية بسيطة.
لم يتأخر في عودته إلى البلاد التي أفنى من أجلها زهرة شبابه، ينتظر الرجل أي ترتيبات لا من رفيق الكفاح المناضل محمد علي عمرو ولا من ودي فيتوراري ولا حتى المناضل منغستو وغيرهم من أولئك الذين كانوا يسهلون ويرتبون رحلة عودة الراغبين من قيادات الثورة الإرترية للذهاب إلى أسمرا بطريقة مريحة ومناسبة.
لم يتوقف ما سبق الرجل من معلومات عنه،عند ذلك الحد، بل وعلم الجميع في أسمرا، أن فكرة حضوره إلى إرتريا جاءت على خلفية تقديمه الاستقالة من التنظيم الذي كان هو أحد أعضاء قيادته، وذلك لقناعته أنه مع تحرير إرتريا، وهو الهدف الذي ناضل الجميع، جبهة- شعبية، وغيرهما من أجل تحقيقه. بالتالي، تبنى محمد نور أحمد، قرارًا رآه صائبًا وهو ضرورة توجه الجميع لداخل إرتريا للمساهمة في مرحلة البناء، لا يهم سواء كانت عودة فردية أو جماعية، رسمية أو غير ذلك. المهم أن تطأ قدماه أرض بلاد طالما حلم في العيش فيها وهي محررة.
حسب، ما انتشر من أخبار، إن زملاء الرجل العائد للتو (1992) لإرتريا، زملائه في القيادة، لم ترق لهم فكرة تلك العودة، فقاموا بالتوقيع على رسالة خلو طرفه من أي مسؤولية أو إلتزامات مالية أو تنظيمية، وهم جالسون في أماكنهم مكفهري الوجوه ودون أن يلتفتوا إليه وهو يقف أمام كل منهم ممسكٌ بكلتا يديه خطاب الاستقالة من قيادة التنظيم، ذلك الخطاب الذي أراده مبرءًا لذمته.
دون التوقف لمعرفة وجاهة أسباب رفض قرار عودته من عدم وجاهتها من قبل زملائه، إلّا أن تواضع طريقة تلك العودة أكسب النيزك العائد وبحق حب وإحترام كل من عرف قصة نضاله الطويل من أجل بلده ووطنه.
لم يتوقف الانجذاب والإعجاب بقصة محمد نور أحمد ورحلة عودته تلك عند المواطنين العاديين، بل وصلت سمعته الطيبة إلى نظرائه من قدامى المقاتلين من قيادات الجبهة الشعبية ومن الذين كانوا يعرفونه عن كثب مناضلًا وطنيًا لا هم له سوى نصرة مشروع الاستقلال والتحرير. عبر البحث عنه، علم الناس أن الرجل نزل ضيفًا عند أحد أقاربه في أسمرا، وأنه وليعتاش بشرف، كما تعود في حياته السابقة، كان يفكر في أن يفتتح له مشروع بيع كتب، على الأرصفة، معتمدًا على ما جلبه من مكتبته الشخصية من كتب. هذا الخبر أثلج قلوب الجميع، وتهافت كل من كان يعرفه ومن لا يعرفه، عل حدٍ سواء، للوصول إليه دليل محبة وعرفان.