وداعا ” حفيظ ” المحب للحياة !
بقلم جمال همــد
أما كان من حَقِّنا أن نرى ما يراهُ وما لا يراهُ أُولو الأمر فينا؟
أما كان من حَقِّنا أن نقول الكلامَ الذي لا يُقَال
الكلامَ الذي يَنْتَقِي من غُموض الفصول وُضُوحَ النصال
الكلامَ الذي ينتقي من وضوح السيول غُموضَ قُوى الروح فينا؟ ” ــ محمود درويش ــ
ألهنا التراب يوم أمس السبت 6 نوفمبرعلى جزءا عزيزا من تاريخ ثورتنا، وكفاح مناضلينا وعدنا أدراجنا إلى منازلنا ومارسنا حياتنا العادية كأن شيئا لم يكن. كم مرة حاولنا ترتيب الكلام وتنظيم الخطوات ؟ وكم مرة فشلنا في المحاولة رغم وضوح الهدف ؟ وتعددت المحاولات وأعاقتها خلافات الطين وأبتعد ىالعجين.
بالأمس السبت ودعنا فاكهة المجالس وريحانة الأصدقاء .. ودعنا عبد الحفيظ سعد الدين وهو واحد من أشرس مناضلي الثورة الإريترية وجبهة التحرير الإريترية وجهازها الصحي منذ ستينيات القرن الماضي. تقول سيرته الرجل قصير القامة ضئيل الجسم التي لا يمكن الإحاطة بها كاملة : مجتزأ من السيرة النضالية: انه من مواليد مدينة كرن في مطلع أربعينات القرن الماضي .. إلتحق سريعا بالحراك السياسي المناويء لإلحاق الإمبراطور لوطنه إريتريا وإلغاء صيغة الحكم الفيدرالي والذي كان مفروضا بالأصل على الشعب الإريتري في بداية الخمسينات. ثم إلتحق بجبهة التحرير الإريترية 1965م وأصبح من مؤسسي الجهاز الصحي بجيش التحرير الإريتري إلا ان تم تحرير البلاد دون العباد في 24 مايو 1991م. يصعب الإحاطة بتاريخه النضالي وهذا الموجز أعلم أنه مخل، ولان تاريخ الرجل النضالي لا ينفصل عن تاريخ جبهة التحرير الإريترية وجيشها وجهازها الصحي فلا قبل لهذه المساحة به.
ما تيسر من التاريخ المهني: قليل جدا من لا يعرف ” حفيظ ” سعد الدين في أحياء كاملة بمدينة كسلا من الإريترين والسودانين وجلهم تعرف عليه في منتصف الثمانينات في العيادة الشعبية التي أقامها التنظيم الموحد لجبهة التحرير وعٌرفت شعبيا بعيادة المصريين وعيادة عثمان سبي وأرتبط اسم ” حفيظ ” بها لدى السكان من غمار الناس والبسطاء . حينها ضرب الوباء وما سمي بالحميات أنحاء المدينة فكان حفيظ الملجأ … الجميع ينادي “حفيظ ” وهو يجاوب الجميع متحدثا بلغتيه العربية و “التجرايت ” الكرنية ـ نسبة لمدينة كرن والجميع يفهم.!، بل أمتد الأمر لمنزله الصغير بالمربع ( 16) بحي المربعات فكان يتجول ليلا بدراجته المتهالكة في أنحاء أحياء المربعات والشعبية وأبو خمسة وأمتداتها متابعة لمرضاه و “حقن الساعات ” ! دون مقابل دونا عن بقية المشتغلين في هذا المجال، ورفض الرجل بنبل المناضلين ان يأخد مقابل ذلك. وبين عيادة هواشيت” مرورا بالوحدات العسكرية وصولا لعبادة كسلا تمتد حياة كاملة عنوانها حب الحياة والعيش فيها بجدارة وإستحقاق، وصخب دون إفراط، وحبه للحياة ليس في بهارجها وزخارفها.
عبد الحفيظ سعد الدين بالرغم من سنة يناديه الجميع بـ ” حفيظ” وهو يجاوب الجميع ناشرا حبه للدنيا بين مجالسهم.