وضع حقوق الانسان في اريتريا. (1)
24-May-2017
عدوليس ـ ملبورن
لاشك في ان الشعب الاريتري حين اعلن ثورته في العام 1961 ضد الاحتلال الاجنبي كان يسعي الى تحرير البلاد من القمع والتبعية والاضطهاد وكان يرمي الى التخلص من كل مظاهر الظلم والاستبداد .وبعد 30 عاما من التضحيات تمكن الشعب الاريتري من احراز استقلاله الوطني،الا ان النظام الذي تولي مقاليد السلطة في البلاد تنكر لأمانة الشهداء فأقام نظاما متخلفا يتبني الظلم والارهاب للمواطنين ،والاغتيال المادي والمعنوي للمناضلين،الامر الذي ادى الى جملة من النتائج والتداعيات السلبية التي تقف وراء كل مظاهر العجز وصور التخلف التي تعاني منه البلاد في كافة المجالات.وباستعراض انتهاكات النظام وجرائمه نجد انه قد كمم الأفواه وغيب الحريات واغلق الصحف وصادر الممتلكات وشرد الاف المواطنين بتهجيرهم من قراهم قسرا الى مناطق اخرى لايعرفونها ولا يالفونها سعيا منه الى خلق مجتمع جديد يرضي طموحه وغروره وينسجم مع احقاده وشروره.وقد احال الوطن الى ساحة للموت والدمار بزج الشباب في اعمال السخرة الشاقة واتون حروب عبثية لا ناقة لهم فيها ولا جمل بحجة الدفاع عن حياض الوطن وسيادته ومكتسباته في حين ان الوطن في ظل هذا النظام يقطع اوصاله وتمتهن كرامته وينثلم شرفه كل يوم ،فأي سيادة واي شرف لوطن يفر منه ابناءه واي عز ومجد وكرامة لبلد يعم الرعب أوساط مواطنيه.!!
هذا ولم يكتف هذا النظام بقمع مواطنينه بل تبنى في علاقاته الخارجية مع دول الجوار اسلوب الاغارة والغزو والعدوان ،كما تبنى سياسة احتضان وتمويل حركات التمرد للدول المجاورة بحيث يزعزع أمنها ويربك استقرارها ليعود بعد ذلك ليمثل دور الوسيط المصلح الساعي للسلام والحادب على الامن في ربوع المنطقة.!وهكذا مع وصول هذا النظام الى سدة الحكم في البلاد وبممارسة استبداده تلاشت الاحلام الكبيرة في بناء وتعمير الوطن الذي يسع جميع ابنائه ويعيش في سلام ووئام مع جيرانه ،وطن قوي ومزدهر من خلال مشاركة المواطن المالك لارادته الممارس لكل حقوقه وحرياته.!!وعلى كل لا نرصد هنا كافة انتهاكات حقوق الانسان الاريتري ولكننا سنستعرض جانبا منها وذلك ليس لندب الحال وانما لكشف جرائمه وتعرية ممارساته القمعية ونسف تناقضاته وتفنيد ادعاءاته بالتنمية والأعمار.ولابد لي ان اذكر ان جرائم الاخفاء القسري والتعذيب والاعتقال وغيرها من الجرائم التي تقترف ووجود الاف المعتقلين في السجون دون محاكمة ليست خطايا نظام بقدر ماهي سياسة حكم واسلوب ادارة مصدرها البناء الفكري لذهنية راس النظام الاجرامية.هذا وان الراصد المتأمل لا يملك وهو يرى هذا الواقع المؤلم والانهيار الشامل الا ان ينعي هذا النظام الذي يستحث الخطى في طريق نهاياته.!!لعل الحديث عن انتهاكات حقوق الانسان يقودنا لاثارة تساؤلات هامة عن ماهية هذه الحقوق ومن المسؤول عن حمايتها؟ وما اذا كانت تسري فعلا على جميع البشر؟سأحاول الاجابة على هذه التساؤلات فيما يلي بشئ من الإيجاز.اولا:مفهوم حقوق الانسان.يقصد بحقوق الانسان الحقوق التي يتمتع بها الانسان لكونه انسانا دونما حاجة الى اسباب اخرى وبهذا المعنى هي حقوق تسري على كل انسان في هذا الكون دونما استثناء وتعد من المعايير الاساسية التي لايمكن ان يستغنوا عنها ويعيشوا من دونها بكرامة كبشر،وهي حقوق ثابتة وغير قابلة للتصرف ومتأصله في كل فرد بصرف النظر عن العنصر والجنس او الدين او العمر او الراي السياسي او اي راي اخر او الاصل او الخلفية الاجتماعية وهي حقوق عالمية ليس من حق احد كائن من كان ان يحرم منها شخصا اخر( 1).هذا وتضمنت العديد من الاتفاقيات الدولية قضية حقوق الانسان ولعل هذه الاتفاقيات تشكل اليوم جزءا هاما من القانون الدولي خاصة وان هذه الحقوق لم تعد شأنا داخليا وانما باتت شأنا عالميا منذ ادراج ميثاق الامم المتحدة لعام 1945 بنودا هامة تتعلق حول اهميتها وحمايتها بفضل التطور الذي شهدته الانسانية بنهاية الحرب العالمية الثانية.اما ابرز اتفاق دولي حقيقي حول هذه الحقوق كان الاعلان العالمي لحقوق لانسان الذي اعتمد بموجب قرار الجمعية العامة للامم بتاريخ العاشر من ديسمبر عام 1948ويذكر ان الامم المتحدة قد تبنت ايضا في عام 1966 ميثاقين دوليين اخرين احدهما يتعلق بحقوق المواطنة والحقوق السياسية والاخر بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية ويطلق عادة على هذه الاعلانات الثلاثة مجتمعة (الشرعية الدولية لحقوق الانسان)،ويضاف اليها عدد من اتفاقيات الامم المتحدة حول مجالات معينة من حقوق الانسان على سبيل المثال اتفاقية حقوق الطفل واتفاقية مناهضة التعذيب وغيرها.الجدير بالذكر انعقد في يونيو من عام 1993 مؤتمر دولي لحقوق الانسان في فيينا جدد فيه المشاركون التزامهم باحترام حقوق الانسان وصيانة كرامته.ثانيا:فيما يتعلق بشأن ضمان هذه الحقوق وحمايتها تختص بها.(أ)الدول:وهي المعنية بالدرجة الاولى بضمانها وحمايتها عبر ثلاث مستويات،فهي ملزمة من جهة بعدم انتهاك حقوق الانسان وعليها حمايتها من جهة اخرى من اي انتهاك اخر من طرف ثالث.واخيرا واجب الدول ان تهيئ الظروف الضرورية والملائمة لممارسة هذه الحقوق اذا لم تكن مواتية بعد.(ب)مجلس حقوق الانسان التابع للامم المتحدة ويختص هذا المجلس بمراجعة ومتابعة اوضاع حقوق الانسان في كل الدول الاعضاء في الامم المتحدة بصورة منتظمة ويمكنه إيفاد خبراء مستقلين الى الدول المعنية.(ج)مجلس الامن حيث يبذل جهودا لحماية حقوق الانسان اثناء الحروب والنزاعات المسلحة كما انه يحارب بقوة تجنيد الاطفال.(د) المحكمة الجنائية الدولية:ان تشكيل هذه المحكمة في عام 1998 شكل خطوة واسعة في حماية حقوق الانسان اذ اصبح لاول مرةوجود لهيئة دولية تضطلع بمهمة متابعة انتهاكات حقوق الانسان وتصدر احكاما بشأنها وولاية هذه المحكمة تشمل النظر في دعاوي وجرائم الابادة الجماعية وجرائم الحرب والجرائم المرتكبة ضد الانسانية.وصحيح ان هذه المحكمة لا تجد دعما من الدول العظمى كالولايات المتحدة والصين وبالتالي لاتزال محدودة الامكانيات والاثر والتاثير ومع ذلك فان انشائها في حد ذاته يعد قفزة نوعية في طريق ارساء العدالة الدولية الفاعلة كما انها باتت تقلق مضاجع الطغاة المجرمين بعد ان وضعت مسالة افلاتهم من العقاب على المدى البعيد امرا موضع شك واستفهام كبير.!