إضاءة للمشهد الأدبي الارتري (دراسة نقدية ) .. جمال همد
7-Apr-2005
جمال همد
الكاتب الإرتري مستهلك من قبل السياسي واليومي ما يمكن أن نقوله حول المشهد الثقافي لإرتريا بعد التحرير ، انه صدرت صحيفة إرتريا الحديثة وهي تتبع للنظام ، لكنها لم تكن الثقافة من ضمن أولويتها ، إلا أن هذا لم يمنع بعض من الصحف الحرة من بدعم من منظمات وقد صدرت هذه الصحف لمدة سنة واحدة وكان ذلك في عام 1999-2000م ، وقد تزامن صدورها مع انشقاق الحزب الحاكم وقد وجت هذه الصحف مادة دسمة من ورطة
الحكومة الإرترية ، وأخذت تقدم النقد اللاذع للنظام ، مما دفعه إلى إغلاقها وتشريد صحفيها واعتقالهم مثل الصحفي الكبير يوسف محمد على ، والذي لا يزال معتقلاً حتى اللحظة ، وقد أنتدب النظام متخصصاً في الأمن كوزير للأعلام وهو ( نايزقي كفلو ) والذي برع تماماً في تكميم أفواه الصحفيين وتكسير أقلامهم وتجفيف منابرهم ، المهم أن هذه الصحف نفسها لم يكن من أولويتها إبراز الأدب والفنون ، وإنما اتجهت إلى كشف الفساد وإبراز أصوات المهمشين . كانت هنالك محاولة ثرة لإبراز الحياة الأدبية في إرتريا أعوام 1993الى 1996م من خلال ملف الآداب والفنون في صحيفة إرتريا الحديثة وكان يشرف عليها الراحل الشاعر محمد عثمان كجراي وقد تمكن الملحق من استقطاب عدد من الكتاب والأصوات الجديدة في الشعر والقصة القصيرة والنقد الأدبي منهم عبدا لقادر حكيم وخالد محمد طه وعبد الرحيم شنقب وآخرون كما برز في الشعر عبد الجليل عبي واحمد عمر شيخ وعبد الحكيم محمود الشيخ وفي النقد صالح إدريس سعد الشهير بجزائري والمعتقل الآن ، إلا أن التجربة لم تستمر طويلا واستعيد عنها الآن بصفحة غير منتظمة تتحدث عن موضوعات تحدث عنها الأدب العربي في الخمسينيات من القرن الماضي مثل رومانسيات خليل جبران والتيارات الأدبية وشرح أبي العلاء المعري وغير ذلك لكل ذلك هربت حركة الأدب الحديث عن المنابر أما بالاعتقال أو الهجرة إلى خارج اريتريا . ووسط كل ذلك يبرز سؤال هام وهو لماذا لم يبرز الأدب الاريتري خلال فترة الكفاح المسلح ؟ ولماذا لم تنعكس ملحمة الثلاثة عقود في الأدب الاريتري؟ لقد عمل الإثيوبيين منذ احتلالهم في نهاية الخمسينات على محو اللغتين العربية والتجرينية وهما حاملات الثقافة والآداب ، كما إن فترة الكفاح المسلح رفع فيها شعار كل شيء من أجل المعركة ، ويجب تكريس كل الجهود والطاقات من أجل خدمة القضية إذا العمل السياسي يليه العسكري اخذ كل الأولوية وساد النشيد والأغنية المقاتلة والهتاف وكرس الأدباء قدراتهم من اجل ذلك أو فقل قمعوها لصالح السياسي فيهم فمثلا نجد عمر عليم تحول من شاعر إلى سياسي ومحمد سعيد ناود من روائي إلى سياسي وإعلامي وقد صدرت للرجل أول رواية إرترية في سبعينات القرن الماضي وهي بعنوان قصة صالح ( رحلة الشتاء ) وكانت سيرة ذاتية للهم السياسي الإرتري في الأربعينات . كما صدر احمد سعد ديوانه الأول والأخير في نفس تلك الفترة وقد رحل الشاعر في ريعان شبابه . على مستوى الكتابة المسرحية فقد كتب احمد سعد عدد من المسرحيات وحاول آخرون ذلك لكن في إطار ما يخدم الغاية اليومية والتعبئة السياسة وكسر فواصل الأناشيد في الحفلات ، وقد حاول بعض المسرحيين السودانيين تقديم العون في ذلك وذلك بإقامة الورش واستقطاب الموهوبين وكانت تجربة ناجحة وقد اشترك فيها عد د من الأستاذة نذكر منهم السر السيد ولسان الدين الخطيب المسجون حاليا في سجون النظام الإرتري وكان من المفترض أن يزدهر المسرح الإرتري إلا أن سياسة السيطرة علية وتوجيهه منع هذه الازدهار . أعود إلى انفلات المثقف عن عباءة السياسي أو اليومي وأشير إلى عبد الرحمن سكاب الذي كتب الشعر العمودي بلغة رصينة قوية ويعتبر الجوهري لإرتريا ، أيضا افلت محمد محمود الشيخ بسبب روحه المتمرد وعد التزام بالأطر الايولوجية بل واستطاع أن يجر السياسي نفسه إلى شعره . بالنسبة للفن التشكيلي كانت هنالك بصمات للفن السوداني على بداية التشكل الأول لهذه المدرسة من خلال وجود يحي الطاهر وحسان على احمد وابوشريعة إلا إن تدني مستوى الوعي والأكاديمي وما تريده الحكومة من أن الفن يجب أن يخدم التوجه السياسي ساهم كثيرا في غياب فن تشكيلي حقيقي واستثني الفنان مكائيل ادوناي الذي يحاول إن يطور أدواته ويقدم الجديد .