مقالات

السياسة … بين المثقفين والمصفقين !؟عمر جابر عمر

18-Sep-2011

المركز

العلوم عامة ومشتركة في حين أن الثقافة خاصة ومتميزة. الفيزياء والكيمياء والأحياء والفلك والجيولوجيا … الخ كلها مشتركة بين الشعوب رغم أختلا ف اللغات وهى موحدة في أسسها وقواعدها .

أما الثقافة فهي خاصة بكل شعب – ومكوناتها قد تكون مشتركة ( اللغة – الدين – البيئة الخ ) كعوامل لتكوين تلك الثقافة ولكن النتيجة النهائية لتفاعل تلك العوامل تختلف من شعب إلى آخر. الثقافة تأتى من كلمة ( ثقف) – وثقف الشىء تعنى هذبه وشذبه أي جعله أكثر جما لا وفائدة وجاذبية . الثقافة لا تعنى معرفة تراكمية ومخزون معلوماتى … ولكن استخدام تلك المعرفة لتطوير وتحسين أحوال الناس بنشر القيم والمبادىء السامية بحيث يكون المجتمع قادرا على الحصول على حيا ة فضلى . وكلما كان المثقف متفاعلا مع محيطه ومعبرا عن طموحا ته كلما كان أ سمه معروفا ومقدر ا وتأثيره مشهود ا ومكانته فى ذاكرة شعبه باقية وخالدة. وبالمقابل فأن المثقف الذى ينا فق الحاكم الظالم ويتملق السلطان من أجل مال أو سلطة فأن مكانته ترتبط دائما ببقاء ذلك السلطان . لنأخذ موقفين ونموذجين :عندما قال أبو القاسم الشابى قصيدته الشهيرة ( أذا الشعب يوما أراد الحياة … أصبحت بعد أكثر من نصف قرن من وفا ته شعارا ونشيد ا للثورة التونسية التى أطاحت بالدكتاتورية ,) وبالمقابل عندما مدح الشاعر الخليفة العباسى وقال له منافقا ( ما شئت لا ما شاءت الأقدار …فأحكم فأنت الواحد القها ر … فكأنما أنت النبى محمدا …وكأنما أنصارك الأنصار ) !؟ زال ذلك السلطان ومعه شاعره المنافق وسقط من ذاكرة التاريخ .الثقافة أ ذ ن هى : موقف الى جانب الحق والعد ل … أ نتماء الى العام والدائم … تفا عل وفعل من أ جل تغيير الواقع الى أفضل .ليس بالضرورة أ ن يكون المثقف منتميا الى تنظيم أو حزب – منظمات مثل أطبا ء بلا حدود وصحفيون عبر القارا ت ومنظما ت حقوق الأنسان وقوا فل كسر حصا ر غزة وغيرها نماذج لتفا عل المثقفين مع هموم الناس أينما كانوا . بالمقابل الأنظمة الدكتاتورية والعنصرية لها ( مثقفوها ) يبررون لها ويحللون قراراتها ( النازية فى ألما نيا والنظام العنصرى فى جنوب أفريقيا ). حتى النظام الدكتاتورى فى أرتريا عند ه من يبرر له ويفسر خطوا ته ويسوقها ويصفونه بالدكتاتور العادل !؟الفرق هو الأيما ن بالمثل والقيم العليا والدفاع عنها – هناك موروث بشرى وتعاليم دينية تبشر بالمساواة والعدالة والحرية – ذلك جزء من فطرة الأنسان ولكنه بحاجة الى تعلم الوسائل الفعالة التى تساعده على تحقيق تلك القيم والمبادىء ( المعرفة ),النظ يات التى تظل حبيسة المكتبات والمنتديات النخبوية المغلقة لا تقلق الدكتاتور بل أنه يخشى تلك النظريات عندما تجد التفعيل وأدوا ت التعبئة والتنفيذ … أى التنظيم !؟لهذا سمعنا وقرأنا لكتاب من الشعبية ( وأنصارهم ) يشجعون بعض المثقفين على التفرغ للعمل والبحث فى مرا كز دراسا ت وليس فى تنظيما ت تتعامل مع الجماهير !؟ منذ فترة كتب أ حدهم ينصح الشيخ حسن سلما ن رئيس المؤتمر الأسلامى بالتفرغ للبحث والدراسة ! لم يستمع الشيخ الى تلك النصيحة بل واصل نضاله التنظيمى فطاردته الشعبية حتى تم أعتقا له فى السعودية !؟ البعض من هؤلاء ( المثقفين ) يهاجمون النظام وينتقدونه بنفس الدرجة التى ينتقدون بها المعا رضة – أنهم يضعون الدكتاتور ومن يقا تله فى كفة وا حدة – يساون بين الحق والعدل – بيم الضحية والمجرم !؟ يحاولون فتح معارك أنصرافية حتى تنشغل المعارضة بنفسها وتنسى معركتها مع النظا م.هؤلا ء لا يمكن أن نطلق عليهم وصف ( مثقفون ) بل ( مصفقون ) وفى أحسن الأحوال ( محا يدون ) فى أنتظار أن تنجلى المعركة ويقفون الى جا نب المنتصر !؟.وأذا كا ن هذا النهج يهدف الى تعزيز سلطة النظا م والتشكيك فى المعا رضة وقدرتها على التغيير …الا أن مخا طره تتجا وز ذلك لتصيب الثقا فة الوطنية الأرترية كلها بضمور وتمز ق يجعلها مشوهة وغير معبرة عن مكونا ت المجتمع الأ رترى.لنتوقف قليلا عند وا قعنا الثقا فى — هنا ك عدة محا ور تجتمع حولها وبعضها تتقا طع فيها علا قا ت المثقفين الأ رتريين من كا فة القوميا ت والأ د يا ن :1- المحور الأول يتعلق با لبنى العقلية للثقا فة – كيف نبنى الدولة وكيف تكون علا قا ت المجتمع فى دا خل تلك الدولة. .هذا ليس كلا ما نظريا يحلق فى فضا ء بعيد عن الو اقع – كلا … من يتا بع سيمنا ر النخب مؤخرا فى أثيوبيا يجد أن الجدال كا ن حول طبيعة النظا م والبديل والوسا ئل !؟ وفى هذا الأتجا ه فأ ن التقا طع بين الرؤى كا ن يستند الى مكونا ت ثقا فية تفا علت عبر سنوا ت طويلة من التطور المتوازى ما أدى الى فرز ظاهره قومى وطائفى . ذلك مايستدعى مواصلة الحوار مرة وأخرى بين الأرتريين وبمبادرات من منظمات المجتمع المدنى والأحزاب السياسية حتى تكون هنا ك ( لغة ) مشتركة .2- المحور الثانى يتمثل فى الأحتفا ظ يالثقا فا ت المحلية والخا صة بكل قومية. تطوير الثقا فا ت المحلية يعنى الحفا ظ عليها وربطها با لشأ ن العا م فى توجهها لتصبح رافدا من روا فد تكوين الثقا فة الوطنية. وبا لمقا بل فأ ن الأنكفا ء والعزلة وعدم التفا عل مع الآخر لايسا عد على تطوير تلك الثقا فةبل ربما يؤدى الى أنقراض تلك الثقا فا ت المحلية ومن ثم ضعف الثقا فة الوطنية العا مة. كل ذلك يتوقف على تحقيق المشاركة السيا سية والمساواة بين كا فة الفئا ت بغض النظر عن الدين والعرق والتنوع الثقا فى وذلك هو جوهر الصرا ع مع الجبهة الشعبية ونهجها.3- الوسيلة ( الوسا ئل ) للتغيير يحددها الصراع وأطرافه وتصا دم الأرا دات – كل ذلك ينطلق من قراءة موحدة للما ضى وصولا الى رؤية مشتركة للمستقبل. با لرغم من أ همية الأ تفا ق على توصيف النظا م الا أن ذلك لا يجب أن يكون البند الوحيد والد ا ئم للمعا رضة الأ رترية ! لا يجب أ ن نختلف حول حقيقة وجنس الملا ئكة ( أنثى أم ذكر ) أو طبيعة وأ صل الدكتاتور وهل هو ( شيطا ن أم بشر ) !؟ حركة القومية العربية ولأ كثر من نصف قرن أختلفت حول ترتيب شعا رات التغيير الثورى ( وحدة … حرية … أشترا كية ) أم العكس ( حرية … أشتر اكية …وحدة ) ؟لم تجد الشعوب العربية على أر ض الوا قع المعا ش أ ية مفردة من تلك المفردا ت … حتى جا ء ربيع الثورات العربية !؟ وبينما كا نت النخب تنا قش فى سيمنا ر العا صمة الأ ثيوبية ( أديس أ ببا ) التوصيف والوسا ئل صدر بيا ن بأ سم ( جيل الدولة ) — الحركة الأ رترية للديمقرا طية والعد الة — معلنين أنهم ثوار سينا ضلون من أجل تغيير النظا م با لقوة … .هل يعنى ذلك أنهم توصلوا الى أ تفا ق على توصيف النظا م؟محمد بوعزيزى لم يقدم ( درا سة أو بحثأ ) بل قدم ( نموذجا )!؟منذ الأ ستقلال والمعا رضة تنا قش هذه المسأ لة لكنها لم تسقط النظا م ليس لأنها لم تتفق على توصيفه بل لأ نها لم تجد الدعم والوسا ئل المنا سبة لأ سقا طه. ما هو توصيف نظا م القذا فى ؟ عجز المحللون كا فة عن أيجا د توصيف له فى القوا ميس والموسوعا ت السيا سية …حتى القذ ا فى نفسه أنكر أنه رئيس ؟المعا رضة الليبية لم تدخل فى جدا ل عقيم … قا لت أن القذا فى ( طا غية ودكتا تور وقا تل ومغتصب للسلطة ويجب أن ير حل ) وسقط خمسون أ لف شهيد !!أ سيا س أفورقى أغتصب السلطة …سرقها با لقوة جها را نها را وفى سبيل ذلك أعتقل وقتل وشرد رفا قه وكل من عا رضه. صا دف أنه مسيحى من قومية التقرنية !؟ بمعنى آخر أغتصبها ليس لأ نه مسيحى ومن قومية التقرنية بل با لرغم من ذلك ؟ كيف ؟ د ينه يمنعه من الأ غتصا ب والتعد ى على حقوق الآ خرين وقوميته ومستقبلها مرهون بقدرتها على التعا يش مع المكونا ت الأخرى للشعب الأ رترى !؟ لكن فكره الأنعزالى ونهجه الشوفينى وشهوة السلطة الطا غية على تكوينه … كل ذلك قا ده الى ما هو عليه اليوم…. لذا فهو يستخدم كل تلك الأ وراق ( الطا ئفية والقومية ) لدعم سلطته وبسط نفوذه … لكنه بدا ية ونها ية مسكون با لسلطة – يؤمن أنه خلق لها وأنها خلقت له . أنها ( د ينه ) و( قوميته ) و ( وطنه ) !؟ ما ذا حدث فى المنطقة من حولنا ؟ بدأ ا غتصا ب السلطة أولا ثم لعب كل دكتا تور بما وجده فى مجتمعه من تنا قضا ت وتبا ين وأحتلا فا ت ( القذا فى وحسن مبا رك وعلى صالح وزين العا بدين الخ ). لكن مثل ما حدث للعا لم الذى صنع وحشا فى مختبره وفقد السيطرة عليه فأ نه أى أ سيا س خلق ( طبقة ) من المنتفعين يستفيدون من بقا ء النظا م وديمومته وبا لصد فة هم أيضا مسيحيون من قومية التقرنية !؟ ذلك كله أمتدا د لتجربة الجبهة الشعبية منذ ( نحنا ن علا ما نا ) فكرا وجسما وروحا.هؤلاء لا يهمهم بقا ء أسيا س الا بقدر ما يحفظ لهم مصا لحهم وشعورهم بأ نهم ينتمون الى ( السا دة ) فى الدولة الأ رترية ! لما ذا تقا تل بعض كتا ئب القذافى رغم سقوطه و هروبه ؟ لما ذا يؤيد مثقف أ رترى يعيش فى الغرب ويما رس حيا ة ديمقرا طية النظا م الدكتا تورى فى أرتريا ؟ أنه الد فا ع عن الذا ت وأثبا ت الوجود والأ فتخا ر با لأنتما ء الى ( علية القوم ) !؟4- الدكتا تورية لا تريد أى أرترى أن ينخرط فى أى نشا ط سيا سى أو أجتما عى يعمل على تغيير الحا ضر ويسا هم فى رسم ملا مح المستقبل – با لمقا بل الشعب يريد ( قا دة وأئمة ونا شطين ) لديهم وضوح الرؤية والمنا عة ضد أى أخترا ق أو تطويع من الخا رج.5- بسبب ذلك الأ نقطا ع فى الحوار أ صبحنا نوا جه مو ا قفا تشا بكت معها وتد ا خلت فيها مها م وأدوار منظما ت المجتمع المدنى مع التنظيما ت السياسية.ذلك أدى بدوره الى أختلاط دور السياسى مع دور المثقف والعكس !؟ قد يكون السيا سى المثقف نا جحا فى عمله كسيا سى لكن نا درا ما يحا لف التوفيق المثقف الذى يحا ول أحترا ف السيا سة.!الخلا صة : جميل أن ننا قش ونبحث لكن الأ جمل أن نتا بع ونطبق ونقدم القدوة والنموذج العملى.لا بد من حوا رات جا دة وعملية بين شركا ء الوطن – المثقفون من قومية التقرنية تقع عليهم ( مسئولية )مضا عفة ليس لأ ن الوطن يهمهم أكثر من غيرهم ولكن بسبب أخطا ء تتحملها النخب من تلك القومية خلال المر احل التا ريخية السا بقة – ما قا مت به نخبهم من تضليل لموا طنى تلك القومية خلال فترة تقرير المصير والتبشير بأ ن العيش مع أثيوبيا أ فضل من العيش فى كيا ن أرترى مستقل و موحد . ( ما يزا ل بعض المثقفين من قومية التقرنية يعطى الأولوية للعلاقا ت الأ رترية – الأثيوبية وينا قش أمكا نية قيا م كونفدرا لية بينهما ويتجا هل أولوية تحقيق الوحدة الد ا خلية للشعب الأ رترى ) !؟ومرة ثا نية ما قا مت به تلك النخب من تضليل ضد جبهة التحرير وتشويه الثورة الأ رترية بقيا دة حا مد عوا تى والتبشير بتفوق القومية المختا رة وبنا ء دولة الفئة الوا حدة ! على المثقفين من تلك القومية نشر الوعى فى صفوف قوميتهم وتبليغ رسا لة وا ضحة وموجزة تقول لهم : لا وطن بلا شرا كة حقيقية ولا هوية بلا تلا قح وتفا عل الثقا فا ت كلها ولا مستقبل لدولة الفئة الوا حدة.وهنا ك مسئولية مشتركة تقع على كل المثقفين الأ رتريين – ا لحوا ر ثم الحوار ولكن بأ تبا ع أ سس وشروط الحوار الموضوعى والها د ف :1- الخلا ف له أخلا قيا ت – لذا لا بد من أستحضار قيمنا ومثلنا فى التعا مل مع تلك الخلا فا ت.2- الأ تفا ق له أدبيا ت أيضا – لذا لا يجب أن نبرز أنتصا ر طرف على آخر .3-المسئولية لها أولويا ت – أن لا نكون أسرى للما ضى ولا نتوه فى الحا ضر ولا نقفز الى المستقبل دون أ عدا د أو أستعد اد.وأ خيرا فأ ن الوطن للجميع لا يحق لأحد أن يحتكر الحديث بأ سمه أو أن يتخذ قرارا نيا بة عنه أو وهذا هو الأهم عدم الأ ستيلاء على السلطة دون تفويض من الشعب !كا ن الله فى عون الشعب الأ رترى

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى