مقالات

وضع اللغة في إريتريا ( 1من 2) بقلم / محمد نور احمد

6-Jan-2016

عدوليس ـ ملبورن

مر وضع اللغة في إريتريا بمراحل متعددة وفق متطلبات العمل الإداري للبلاد في مختلف المراحل التي مرت بها منذ ان اصبحت كيانا موحدا بعد الإحتلال الإيطالي في عام 1889م وأطلق عليها إسم إريتريا.كانت البلاد قبل هذا التاريخ مقسمة إلى كيانات قبلية أو إقليمية ، ولكل كيان إقليمي أو قبيلي أسمه الخاص ولغته الخاصة به لإتصال أفراد هذا المكون ببعضهم، ولم تكن هنالك قوانين مكتوبة بل ما كان ينظم حياة السكان العرف والدين والعادات والتقاليد، وكان غالبية السكان يعتنقون الديانتين المسيحية وهي الأقدم ثم

الإسلام، وكلاهما مكتوبتان فالإنجيل بلغة الجئز قبل ترجمته للتجرنية من قبل البعثات التبشيرية التي وصلت للبلاد في القرن التاسع عشر والقرآن باللغة العربية ، اما الأعراف والتقاليد فقد كانت غالبا محفوظة في الذاكرة تتداولها الأجيال بعد الأخرى.الجئزية : هي أول لغة مكتوبة تعبر البحر الأحمر إلى الشاطيء الجنوبي وذلك بعد إنهيار سد مأرب عام 700 قبل الميلاد ، فقد تفرق سكان مملكة سبأ فيما يعرف اليوم باليمن إلى حيث يجدون بيئة مناسبة يزالون فيها مهنة الزراعة التي كانت تقوم عليها حياتهم إعتمادا على المياه التي كانت تنحدر من مرتفعات اليمن وتتجمع في السد . حمل هؤلاء لغتهم المكتوبة وحرفتهم الزراعية وعبروا البحر وكان أول ما أستقروا في منطقة “قوحيتو ” بإقليم أكلي غزاي اليوم، حيث الأراضي الخصبة والأمطار الموسمية الوفيرة ، لكنهم لم يستطيعوا الإستقرار طويلا لأن السكان الأصليين من ( النارا) وهم من الأصول الكوشية كانو يطلقون مواشيهم على تلك المزارع ولم يكن بمقدور اصحابها حمايتها لقلة أعدادهم ، مما دفعهم للسير غربا حتى وصلوا إلى ( ييحا) بإقليم التقراي الإثيوبي اليوم ثم إلى أقسوم حيث وجدوا ضالتهم المنشودة ، فاستقروا ليقيموا دولة المدينة التي تطورت إلى مملكة أقسوم فيما بعد.اللغة الجئزية هي من أصول سامية مثلها مثل اللغة العربية ،وهي التي تفرعت منها التجرنية والتجري والأمهرية.أما اللغة الثانية المكتوبة والتي دخلت إريتريا فقد كانت اللغة العربية الي وصلت إلى إريتريا عن طريق المهاجرين العرب في عهد الخلافة الأموية إذ أتخذت دولة الخلافة الأموية من جزر دهلك مركز تجاريا مزدهرا يربط الشاطئيين الشرقي والغربي للبحر الأحمر ، وعندما أستولى العباسيون على الخلافة هاجموا مركزجزر دهلك واستلوا عليه وهرب العدد الأكبر من سكان الارخبيل إلى ما يعرف اليوم بمصوع.وما زالت شواهد قبور الأمويين موجودة في تلك الجزر وهي تحمل الأسماء وتاريخ الوفاة مكتوبىة بالعربية وبالتقويم الهجري وفي معظمها (300) هجرية وقد نقلت حكومة إسياس افورقي جزء من هذه الشواهد إلى المتحف الوطني في أسمرا.عندما وصل هؤلاء الفارون لميناء مصوع أقاموا فيه مركزا تجاريا أطلق عليه إسم ( باضع) نسبة لتداول البضائع فيه ، ثم توالت الهجرات من الجزيرة العربية لاسيما من اليمن والحجاز وفي هذا الصدد يقول يونتان ميران في كتابة الموسوم ” مواطني البحر الأحمر” ان القرب الجغرافي من مكة للحجاز جعل مصوع على إحتكاك وتلاصق مع العمق العربي الإسلامي والأماكن المقدسة للأمة الإسلامية بعد ظهور الإسلام، ففي القرن السابع الميلادي نزحت بضع قبائل عربية واندمجت مع قبائل البجا الحامية الجذور التي أنتشرت في السهول بين البحر الأحمر والنيل والتي تغطي أيضا مناطق في القطاع الغربي والشمالي من إريتريا.هنالك أيضا هجرة كل من البيوتات الدينية مثل عد شيخ حامد نافعوتاي من سواكن وآل الميرغني من الخرطوم هربا من الثورة المهدية ، وقد لعبوا دورا كبيرا في نشر وتقوية العقيدة الإسلامية ولاسيما في مرتفعات الماريا وقبائل الساحل الشمالي خاصة بين قبائل بيت اسقدي.إذا أضفنا إلى ذلك كله ما يؤرخ للفقيه محمد الذي وصل من الحجازإلى دنكاليا عام 1200م ونشره للعقيدة الإسلامية في كل من دنكاليا وخليج زولا ،ومواصلة أبنية سالم وصالح لرسالته بين قبائل الساهو في أكلي قزاي ، ودور (عد معلم) و(عد درقي) في نشر وتعزيز الإسلام في سمهر مما أدى إلى نشر غير مباشر للغة العربية ، فعلى المسلم ان يلتحق في طفولته وصباه بخلاوي حفظ القرآن ومحو الأمية الابجدية ، لان القرآن كما هومعروف مدون بالعربية وليس مترجما للغات المحلية لذلك لا مفر من تعليم الكتابة والقراءة بالعربية بغض النظر عن فهم المعاني وحفظ ما امكن حفظه من سور القرآن الكريم ليستعين بها في أداء صلواته وكثيرون حفظوا الأجزاء الثلاثين التي يتكون منها القرآن.إذا عدنا إلى باضع ـ المركزالتجاري الذي اقامه الهاربون من جزر دهلك فان لغة حياتهم اليومية سواء في أوساط اسرهم أو في معاملاتهم كانت تتم باللغة العربية ، كما كانت تجارتهم وقوانين أحوالهم الشخصية أيضا باللغة العربية إلى جانب لغة التجري التي نشرها سكان سمهر المحيطين بالمدينة والذين كانوا يقدمون بعض الخدمات للمدينة مثل جلب المياه وحطب الوقود والنظافة وحراسة للمتاجر الخ .ولم تكن لغة التجري مكتوبة ، فقد كتبت لأول مره بالحروف الجئزية في القرن التاسع عشر وقام بذلك أحد القساوسة السويدين الذي وصل إلى مرتفعات المنسع وتعلم لغة التجري وترجم إليها الأنجيل ، وإستطاع أدخال عدد محدود من قبيلة المنسع إلى المذهب البروتستانتي في الديانة المسيحية .نخلص بالقول ان اللغات المكتوبة في إريتريا كانت هي العربية والتقري ثم أضيفت لها التجرنية في مرحلة لاحقه .

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى