مقالات

صدر حديثاً : كتاب الانعكاسات الحرجة على حرب التحرير الإرترية

12-May-2008

المركز

صدر مؤخراً كتاباً جديداً باللغة الإنجليزية للبروفيسور قايم كبرآب بعنوان Critical reflections on the Eritrean war of independenceوالمؤلف استاد جامعي ومديراً لدراسات اللاجئين فى لندن جامعة ساوث بنك – South Bank University

يتكوّن الكتاب من 450 صفحة، وينقسم الى احدى عشرة فصلاً، إضافة الى فهرس المراجع والملاحق ، تتكامل فيه الفصول فيما بينها لتقول لنا انّ الأزمة الماثلة امامنا اليوم فى ارتريا لم تكن وليدة لحظة، بل لها اسباب وجذور فى المرحلة التى سبقت التحرير وخاصة مرحلة الكفاح المسلح .ويعتبر هذا الكتاب ثمرة مجهودات ما يزيد عن عشرة اعوام من البحث والتدقيق كما جاء فى مقدمته. وما يميّز هذا العمل إنّه صدر من باحث اكاديميّ متخصص فى الشأن الأرترى ، متمرس فى قضايا البحث والتحقيق ، يمتلك الآليات الكافية لقراءة التحولات الإجتماعية والسياسية التى طرأت فى الواقع الأرترى وما صاحبها من إيجابيات وسلبيات خلال العقود التى سبقت الإستقلال .يبدأ المؤلف بهذا التساءل : كيف يمكن لشعب نال استقلاله بعد ان خاض حرب تحررّية شاقة وطويلة، عرفت ثورته كأحدى انجح الثورات التحررية فى التأريخ المعاصر ان ينتهي به الأمر الى الوضع المأساوى الذى نراه اليوم ؟ للإجابة لهذا السؤال يسلك المؤلف طريقا صعبا يبدأ بإستنطاق الواقع الإجتماعى الأرترى من خلال توظيفه مفهوم الرأس المال الإجتماعى < social capital > والمفاهيم المتفرعة منه. بعبارة اخرى أى تغليب المصلحة المشتركة بالتراضى وتضييق هوة الخلاف فيما بينهم بإستخدام مفهوم التحصين الإيجابى .يقول المؤلف إنّّّّّ هذه المفاهيم وجدتها متحققةً فى الواقع الإجتماعى الأرتري . ففى مدينة كرن مثلا التى كبرت فيها و التى يوجد فيها جميع القوميات الأرترية اكثر من أىّ مكان أخر فى المدن الأرترية كان وما زال يسود فيها التسامح والثقة المتبادلة والصدق فى التّعامل بين جميع الأطياف الإجتماعية فبها.وشاهدت ايضا هذا التماسك الإجتماعى وروح التّسامح والتّعايش – بغض النظر عن الإختلافات الدينية، العرقية، المناطقية – فى معساكر اللاجئين فى السودان اثناء عملى كباحث فيها. ومثل هذه المحافظة على النسيج الإجنماعى قلّ ما يوجد فى معساكر اللجوء فى اماكن أخرى فى العالم . وهذا الجانب المضيئ فى الواقع الإجتماعى الأرترى يجب تشجيعه.و فى مقابل ذلك يقول المؤلف وجدت على الأسف عكسه تماما فى الإتّجاهات السياسية التى كانت تنخر فى الشروخ المجتمع وتلعب فى اوتار الخلافات والتباينات بهدف الإستقطاب ولا يهمها ما ستؤل اليه الأمور فى المدى البعيد من جراء تلك العملية .امّا فى الواقع السياسي تناول المؤلف التطورات السياسية بالتفصيل بالنقد والتحليل مركزاً فى مرحلة الكفاح المسلح، والمنعطفات التى أثّرت فيها ،كالإنشقاقات والحروب الأهلية والتصفيات الجسدية، واتهامات الطائفية التى يرمى بها كل طرف للأخر.كما تتبع بذور الدكتاتورية فيها.ويطرح المؤلف جملة من الأسئلة فى غاية الأهمية فى هذا الصدد ثم يحاول الإجابة عليها :يقول هل كانت جبهة التحرير مستوعبة الطائفتين فى ارتريا بشكل عام ؟ هل كانت تتمتع بالمرونة والإنفتاح ؟ هل كانت تتمتع بالشفافية والديمقراطية؟ لماذا لجأت الى القوّة لحسم الخلافات الداخلية ؟ لماذا رفعت شعار الساحة لاتتحمل أكثر من تنظيم واحد؟ لماذا أعلنت الحرب الأهلية ضد المجموعات التى انشقت منها؟هل غيّرت مساراتها فى مؤتمر عواتى والمؤتمرات التى بعده؟وبالمقابل هل كانت انشقاق المجموعات التى كوّنت مؤخراً الجبهة الشعبية مبرراً ؟ ماذا كان يحصل لو قبلت الدعوة التى وجهت لها بعد مؤتمر عواتى ؟ هل كان بإمكان تجنب الحرب الأهلية؟ هل كانت المجموعات التى شكلت الجبهة الشعبية تمثل جميع الأطياف الأرترية ؟ لماذا إختفى اسم – ?-سلف ناطنت- من ادبيات الجبهة الشعبية؟ هل خلقت ارضية للديمقراطية والشفافية التى ادعت بإنعدامها فى جبهة التحرير ؟ اذا كان ذلك لماذا استخدمت العنف بأسوأ صوره لتصفية المعارضة الداخلية ؟لماذا اعتمدت المركزية الحادة التى تنعدم فيها اىّ هامش للمرونة؟بعد تحليل والمناقشة لتلك الأسئلة مستخدماً المقاييس الثلاث التالية : الحقوق الديمقراطية للمقاتلين والمواطنين ، مسألة قبول او التسامح مع التناقضات الداخلية ، مبدا استخدام الوسائل السلمية لحل الخلافات الداخلية . يخلص المؤلف الى نتيجة مفادها انّ الجبهة الشعبيةرغم تمكنت من تأسيس تنظيم قوّى لعب دورا حاسما فى تحقيق الاستقلال لكنها فى نفس الوقت لم تحقق أيّا من تلك القضايا. بل استخدمت وسائل القمع والقسوة فى التعامل مع المخالف ولو فى الأشياء البسيطة، والمركزية الحادة التى لاتقبل المساءلة والمحاسبة ، والغلو فى التوجس من كل شئ ، والوقوف ضد كل دعوة تنادى بالوحدة الوطنية ، هذه هى الأسباب والجذور للدكتاتورية الماثلة امامنا اليوم. أمّا بعد التحرير لقد كان المجتمع الدولى متفائلاً ومتوقعا ان تكون ارتريا مختلفة من دول افريقيا الآخرى، لكونها مرت بمراحل مخاض عصيب من نضالات سياسية وكفاح مسلح. وحتى كثير من الأرتريين الذين كانت لهم بعض التحفظات فى الجبهة الشعبية بما فيهم المؤلف ابان مرحلة الكفاح المسلح كانوا يشاركون هذا التّفاؤل بالحذر ،لكن أنّ هذا التفاؤل لم يكن فى محله يقول المؤلف لأنّ المؤشرات كانت واضحة رغم الشعارات والوعود بتحقيق الديمقراطية والعدالة وسيادة القانون ، اذ انّ هذا كان يتناقض مع التوجهات الفعلية للحكومة التى كانت تستخدم مفهوم الإقصاء التام وإتباع سياسة نفى الآخر. فى الخلاصة أ نّ الكتاب عنوانه يغرى بالقراءة والإهتمام وحين يغوص القارئ في صفحاته يستشعر اهمية خاصة له تدفعه الى التفكير فى اطروحاته الجادة، التى تحاول فك الطلاسم السياسية المشوّهة من الجانب الإجتماعي المضئ وابراز روح التسامح والتعايش فيه ، ورغم بعض النواقص فيه من تعقيد للإسلوب فى الجانب النظرى ونقص المعلومات فى بعض المواضيع المهمة ، الا انه يحاول لتقديم قراءة نقدية للتأريخ الأرترى تختلف منقراءة المدرستين التقليديتين للتأريخ >مدرسة الجبهة والجيهة الشعبية <فهو يحاول قراءتها من فضاء خارج تلك التحيّزات مضيفا االيها الجوانب الا جتماعية المشرقة، وبذلك قد يكون المؤلف اضافه قراءة جديدة للتاريخ الارتري وفتح آفاقاً كثيرة للباحثين والمهتمين فى الشأن الأرترى .إعداد سليمان آدمslmn12@msn.com

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى