مقالات

أي حكومة متطورة وشعب متطور يتحدث عنه عثمان صالح؟ :محمد نور احمد

28-Aug-2008

ecms

في حوار لعثمان صالح رئيس الدبلوماسية الارترية مع صحيفة الرأي العام السودانية في زيارته الأخيرة للخرطوم أجراه معه الصحفي فتح الرحمن شبارقة. تناول الحوار عدة مواضيع منها ماله صلة بالعلاقات الارترية السودانية ومنها ما يتعلق بالدور الارتري في منطقة لقرن الأفريقي ومشكلة ترسيم الحدود بين ارتريا وإثيوبيا ومشكلة اللاجئين الارتريين وموقف الحكومة الارترية من المعارضة الارترية .

بدا جليا من إجابات الوزير التي تخللها التوتر حينا والانبساط حينا آخر وعدم التركيز والتسرع معظم الأحيان . جهل سعادة الوزير بأبسط قواعد الدبلوماسية وبعده عن الذوق السليم عند إجاباته على سؤال الصحفي عن أسباب تحفظ ارتريا على تقسيم السلطة والثروة في السودان بين الإقليم والمركز ، فقد قال الوزير” كان الأسلم أن يتم التقسيم في إطار مؤتمر جامع يشارك فيه كل السودانيين وعلى أساس العدالة . أما تقسيمها بالطريقة التي تمت بها فربما كان سببا في مشاكل محتملة ” . أليس غريبا أن تأتي هذه الآراء من نظام يحتكر فيه المركز ،أو بالأحرى الطقمة الحاكمة ، السلطة والثروة على حد سواء . لو كان سعادة الوزير يؤمن بمثل هذه الأفكار لما حلم بأن يكون حتى موظفا من الدرجة الثالثة في الحكومة التي يتولى الآن منصب وزير الخارجية فيها , لأن أفكاره هذه تتناقض تماما مع الخط السياسي لحكومة أسياس أفورقي الديكتاتورية التي لم تعقد مؤتمر حزبها الأوحد – إن كان ثمة حزب في البلاد – منذ عام 1994م وحتى لم تنفذ قرارا واحدا من مقررات ذلك المؤتمر التي بشرت بعهد ديمقراطي ناهيكم عن أن تؤمن بمؤتمرات وطنية شاملة جامعة ..إلخ لهذا فإن تحفظ حكومة الوزير على طريقة إدارة السلطة والثروة في السودان ينطبق عليه المثل الإرتري القائل بأن الفراشة تغطي الفضاء المحيط بها بجناحيها وهي تطير دون التفكير في ستر عورتها.! ومن البديهي أن فاقد الشيء لا يعطيه . فقد كان قمين بحكومة سعادة الوزير أن تطبق في بلدها ما تنصح به الآخرين . إلاّ أن وقاحة الوزير فاقت صفاقة تحفظ حكومته، خاصة عندما تساءل عن ” الكيفية التي سيدير بها الرئيس عمر البشير هذا العدد الكبير من المستشارين والمساعدين، وعما أبقى للذين لم يوقعوا بعد من سلطة وثروة؟ ” ويحسب له اعترافه بتعاطي حكومته مع الحركات المسلحة في دارفور مبررا ذلك بهدف توحيدهم للوصول إلى سلام مع الحكومة وهو هدف نبيل إن كان مبرأ من أي غرض آخر وهو ما يشك فيه . لكن شجاعة الوزير سرعان ما تخلت عنه عندما أنكر وجود معارضة إرترية علنا وإن أعترف بها ضمنيا دون أن يعي ذلك عند إجابته على سؤال المحاور عما فعلته الحكومة الإرترية بالمقابل بعد طرد الحكومة السودانية للمعارضة الإرترية ، بأن علاقة بلاده الآن منسجمة مع الحكومة السودانية ، وتساءل لماذا لا تطرد هذه المعارضة التي تسبب الإزعاج!! ثم يتساءل ” وهل المعارضة في إرتريا معارضة ؟ أصلا نحن لا نعترف بها ” وفي كلامه هذا تناقض واضح فهو من جهة لا يعترف بها ومن جهة أخرى انسجام العلاقة بين الحكومتين بعد طرد الحكومة السودانية للمعارضة الإرترية ، وهو تأكيد لوجود هذه المعارضة التي حسب قوله ” تسبب الإزعاج ” وطردها كما يستطرد ” خطوة جميلة توثق العلاقات وهذا يساعد على الاستقرار والسلام ” إذًا المعارضة الإرترية موجودة ما دامت تتسبب في الإزعاج وعدم الاستقرار والسلام ، وان تجاهلها لا يعدو أن يكون دفن الرؤوس في الرمال وحسب رأي الصحفي الجريء فان عدم اعتراف الوزير وحكومته لا يلغي إنها موجودة بشكل أو آخر. وعن سبب عدم رغبة اللاجئين الارتريين في العودة الطوعية قال الوزير بنفس الوقاحة ” خليهم ينتظروا هنا إذا عايزين ينتظروا ولو إلي الأبد !!!! ” مما يدل علي تبرؤ حكومة الوزير من مواطنيها وبودي إن يكون القارئ قد استمع الي تعليق الركن الإذاعي للتحالف الديمقراطي حول هذا الموضوع فقد أسهب في التعقيب عليه وكشف موقف نظام اسياس من قضية اللاجئين الارتريين ايا كان موضعهم. وعلي سؤال عن خشية بعض الارتريين من الاعتقال بتهمة الانتماء الي المعارضة فيما لو عادوا الي بلادهم أجاب الوزير بكل تبجح “نحن دولة متطورة وشعب متطور وما عندنا كلام مثل هذا!!” ويبدو إن عثمان صالح في حالة غيبوبة في ذاكرته وهو يجيب علي السؤال لأنه ذكر شيئا مناف تماما للواقع الارتري بشقيه الحكومي والشعبي ، فالشعب الارتري توقفت عملية تطوره منذ الثامن عشر من سبتمبر 2001 سواء علي الصعيد السياسي أو الاقتصادي أو الخدمي – الاجتماعي عندما قام اسياس بانقلابه والقي في السجن مجموعة ال15 وهم أعضاء في المكتب السياسي للحزب الحاكم ومن بينهم وزراء وسفراء ومديرين عامين لمجرد أنهم طالبوا بتنفيذ قرار المجلس الوطني في أغسطس عام 2000 بتخصيص دورة المجلس في ديسمبر من نفس العام للبت في إجراءات تطبيق الدستور المصادق عليه وفي مقدمتها إصدار قانون الأحزاب وقد عينت لجنة برئاسة محمود احمد (شريفو) الوزير السابق للحكومات المحلية ونائب اسياس في نفس الوقت، وهو احد الذين يروحون في سجون اسياس ، بوضع مسودة قانون الأحزاب – وكانت قد أنجزت مهمتها والاستماع الي التقرير المفصل الذي طلبته دورة أغسطس من وزير الدفاع سبحت افريم عن أسباب الحرب الارترية الإثيوبية وجهة اتخاذ القرار وطريقة إدارتها والتفريط في المبادرات الإقليمية والدولية محل النزاع سلميا وعبر مؤسسات التحكيم الدولية – مما رتب خسائر بشرية ومادية أثقلت دون جدوى ودون مبرر ظهر الشعب الارتري وما تلا ذلك الانقلاب من حملة اعتقالات واسعة شملت مواطنين وصحفيين ورجال دين، فضلا عن عدد كبير من كوادر الحزب والدولة وإلغاء الصحافة المستقلة التي انتعشت لفترة وجيزة كانت بداية عصر ذهب مات في مهده وأطبقت حكومة أسياس علي كل نفس يتردد مستنكرا هذه الإجرام ، وأغلقت الجامعة الوحيدة في البلاد وفرضت التعليم باللغات المحلية رغم انف أولياء الأمور الذين يفضلون تعليم أبنائهم في المرحلة الابتدائية باللغتين العربية والتقرينية ، وقد وقع الضرر علي الأطفال المسلمين الذين يفضل أولياء أمورهم العربية علي لغاتهم المحلية ، مما أدي الي هبوط مريع في الإقبال علي التعليم وتحولت البلاد الي سجن كبير، فهل هذه هي الحكومة المتطورة التي يتحدث عنها السيد الوزير؟ حكومة أوقفت تطور الشعب الارتري بجرة قلم ولم تترك لشبابه سوي خيار المخاطرة بمغادرة ارض آبائه هربا من استرقاق الخدمة العسكرية الإلزامية المفتوحة. حكومة علقت دستور فعلقت معه كافة الحقوق والحريات الأساسية التي نصت عليها الإعلانات العالمية لحقوق الإنسان. وعن أي شعب متطور يتحدث السيد الوزير، عن شعب يعاني من الأمية والجهل والمرض والفاقة؟ وهل حكومته التي تعيش عزلة دولية وإقليمية هي التي يصفها بالتطور؟ صحيح إن انفراجة مؤقتة حدثت في العلاقة مع الخرطوم لكننا لا نعتقد إن هذه الانفراجة ستدوم طويلا لن النظام بحكم طبيعته العدوانية لا يهدأ له بال دون ممارسة هويته في التحرش بجيرانه لأنه يستمد قوته من مثل هذه الأفعال، ولصرف أنظار شعبه عن قضاياهم الي الخارج بحجة الدفاع عن السيادة وغيرها من المزاعم. إن إجابات الوزير علي أسئلة الصحفي الجريئة والاستفزازية أحيانا كشفت للقارئ السوداني طبيعة النظام الارتري الذي ضحت من اجله الحكومة السودانية بالمعارضة الارترية، فالأخيرة بغض النظر عن ضعفها أو قوتها فهي مشروع للتحالف الاستراتيجي بين الشعبين السوداني والارتري وذلك بحكم الروابط الثقافية والامتداد الجغرافي الذي حتما سيتم توظيفه اقتصاديا وامنيا بين البلدين عندما تنضج الظروف الملائمة بزوال النظام القابض علي السلطة في ارتريا وهو قطعا سيزول ، فالحكومات زائلة والشعوب باقية الي ما شاء الله.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى