مقالات

وانتصرت إرادة الانسان السوداني ! بقلم/ حمد كُل- لندن

11-May-2019

عدوليس

عندما تتراكم سنوات التعالي والظلم والكبت والغطرسة والكبرياء المبطن بالفساد وتردي الاوضاع الاقتصادية والسجن وبيوت الاشباح، عند هذا الحد يتشكل الحاجز بين الحاكم والمحكوم. ان التحولات التي يمر بها كل من الجزائر والسودان لم تأتي من فراغ ، لكنها جاءت نتيجة للظلم والمهانة والقهر والانحدار بالبلد من خلال الفساد الذي استشرى في كل مفاصل الدولة ، ادى ذلك الى الفقر والتخلف والعدم وكاد البلد ان يصبح طاردا لابنائه.

حاكم السودان قال في احدى احاديثه ان السودان ليس تونس ولا العراق ولا ليبيا ولا مصر ولا الجزائر، كان يجهل السودانين تماما، اخطأ قراءة ارادة شعبه ، نسى ما جرى لعبود وجعفر النميرى، إرادة الشعوب هى واحدة لا تقهر ، حكم ثلاثون عاما لكنه تعامى عن الحقيقة ان الدهر يومان يوم لك ويوم عليك.
السودان الذي استقل عام 1956م لم ينعم كثيرا بهذا الاستقلال، هذا البلد عانى كثيرا من الانقلابات العسكرية ، انقلاب عام 1958م بقيادة عبود وانقلاب مايو 1969م بقيادة جعفر النميرىوانقلاب يونيو 1989م ، استنزفت موارده واستقراره وفككت وحدته.
يوم 30 يونيو 1989م قطعت الاذاعة برامجها وبدأت موسيقى المارشات العسكرية ثم اذيع البيان رقم واحد لتبدأ معه مآساة السودان.
قادة الانقلاب في البداية حاولوا اخفاء توجههم السياسي ، وبالاتفاق بين الانقلابين العسكريين منهم والسياسين وان يذهب قادة العسكر الى القصر الجمهوري ومنظر الانقلاب ومخططه الدكتور حسن الترابي يذهب الى السجن لزوم التخفي لكن قادة الاحزاب السودانية والذين تم اعتقالهم لم تنطلي عليهم اللعبة الماكرة للاخوان المسلمين، وفي السجن قال محمد ابراهيم نقد زعيم الحزب الشيوعي السوداني للسيد حسن الترابي (كفاك سجنا فقد جاملتنا كثيرا)، كان حسن الترابي يعتقد بعد خروجه من السجن سيكون سيد القصر الجمهوري لكن في فترة السجن استولى العسكر على كل الامور وخرج حسن الترابي من السجن خاوي اليدين .
السيد حسن الترابي ناضل هو وحزبه مع الاحزاب الاخرى في السودان واسقطوا الحكم العسكر بقيادة عبود في اكتوبر 1964م، اسقطوا عبود وهم ينادون بالديمقراطية ، وحتى حين سقط حكم جعفر النميرى لم يكن بعيدا من الذين نادو بالديمقراطية والتحرر من حكم العسكر وان غاصوا قبل هذا لفترة مع نظام النميرى، غريب في فترة لاحقة يتآمر على الديمقراطية والاتيان بالعسكر تحت مسمات ايدلوجية دينية لكن الزمن لم يرحمه، مات مقهورا من العسكر.
كم هي معانات الشعوب التي تقع تحت حكم حكام لايؤمنون بحق الشعوب في الحياة والرغد، السودان أصبح مفككا ، انفصال الجنوب ، الحرب في دارفور ، جنوب كردفان ، النيل الازرق ، شرق السودان المجهول اصلا منذ الاستقلال.
كان البشير جالسا بين صناديق المال عندما سأله ضباطه ما العمل مع هذه الجماهير الهادرة فتحدث عن مقتل ثلث المتظاهرين مستخدما بكل افتراء افتاءا مالكي ومالك بريء منه، وهنا فقد ثقة ضباطه ، ولو وجه هذا السؤال لحاكم إريتريا لقال ابيدوهم كلهم.
الآن انطوت صفحة من عمر السودان وجاء جيل جديد حاملا راية التغيير للحرية والديمقراطية والعدل للإرتقاء بسودان جديد.
نتابع بشغف ما يجري في السودان وتشدنا الاوضاع في الساحات وما يجري بين قوى التغيير والعسكر منتظرين قيام الحكم المدني لهذا السودان الحبيب.
علمنا التاريخ انه في لحظة انتصار الثورة فان عدوها الاول هو انتصارها اذا لم تتعلم كيف تتعامل مع هذا الانتصار مستفيدة من دروس ماضي ثوراتها لأن هذا النصر يفتح شهية المتربصين الذين يسعون للإلتفاف عليها لاستعادة ما خسروه جراء هذه الثورة.
هناك نشاط متزايد لجهات تحرك ماكنة الشائعات في وسائل التواصل الاجتماعي بهدف بث الشكوك وضرب الثورة مستغلة بطء الحوار بين العسكر وقوى الحرية والتغيير ، والبعض يحاول ركوب الثورة وتجييرها لصالحه سعيا وراء للمناصب .
ثورات الربيع العربي في العام 2011م كانت تفتقد لقيادات، لهذا سرقت كل انجازات هذا الشارع. من حسن حظ الثورة السودانية انها تستطيع ان تقرأ وتستفيد من تجارب ثورات الربيع العربي متمسكة بروح السلمية المستمدة من ارث البلد وبقيادة تجمع المهنيين المؤطر في قوى الحرية والتغيير. لهذا تبدو الثورة زاهية فخورة بذاتها تعتصم في الساحات على مرأى ومسمع من العالم وكان دور المرأة فيها رائدا وهتفن الكنداكات بشعار الحرية والديمقراطية والعدالة الاجتماعية.
كانت لفة بارعة من التجمع لأداء صلاة التراويح في ساحة الاعتصام بعد ان وجهة دعوة الى شيوخ ومريدي الطرق الصوفية ورموز الفن والمسرح والرياضة والاعلام والقيادات الاهلية وكل اطياف الشعب السوداني.
الاغاني الثورية امتزجت مع صيحات ( تسقط بس) بحضور مشاهير الغناء ذلك ليسعد الشهداء وتستكين ارواحهم وليصبح الانتصار بلسما للجرحى ولتعلو البسمة وجوه الامهات والاباء والاطفال اليتامى الصغار.
ـــــــــــــــــــ
* حُمد كُل : مناضل ودوبلوماسي إريتري سابق.
09/05/2019

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى